خلال العقد الماضي، شهدت التحويلات المالية المرسلة من وإلى الدول العربية زيادة كبيرة، اكتسبت أهمية اقتصادية تزامنًا مع زيادة إجمالي عدد المهاجرين إلى 24 مليون ووصول تحويلاتهم إلى نحو 48.8 مليار دولار، بحسب تقديرات لعام 2015

ومن بين 16 دولة عربية تتلقى تحويلات من الخارج، تتربع مصر على رأسهم، إذ شهدت نموًا سريعًا للتحويلات المالية بلغت نسبتها 17% تلتها المغرب ثم لبنان ثم الأردن، وفقًا لموجز البنك الدولي للهجرة والتنمية (رقم 31)، الصادر في 8 أبريل/نيسان2019.

مصر

تحويلات العاملين بالخارج تمثل مصدرًا ثابتًا نسبيًا للعملة الأجنبية في الحساب الجاري. ففي حالة بلد مثل مصر، فإن أوضاعها في الحساب الجاري لولا وجود تدفقات التحويلات لكانت أضعف بكثير مما هي عليه.
جيمس ماكورماك العامل في مؤسسة فيتش للتصنيف الائتماني.

يقوم الاقتصاد المصري بشكل رئيسي على تحويلات العاملين في الخارج، إذ تعد تلك التحويلات ثاني أهم مصادر النقد الأجنبي، بفارق بسيط بعد إجمالي الصادرات النفطية وغير النفطية.

الحصيلة السنوية التي تقدمها تحويلات المغتربين إلى مصر، تفوق بأضعاف مضاعفة قطاعات شديدة الأهمية كالسياحة والاستثمارات الأجنبية وقناة السويس.

فبينما بلغت إيرادات مصر من السياحة خلال الفترة من يوليو/تموز 2017 إلى مارس/آذار 2018 حوالي 7.25 مليار دولار، وسجلت عائدات قناة السويس بنهاية العام المالي 2017/2018 إجمالي إيرادات وصلت إلى 5.6 مليار دولار، بلغت تحويلات المصريين العاملين بالخارج، خلال ذات السنة المالية، نحو 26.392 مليار دولار، وفق تقرير البنك الدولي لعام 2018.

وعلى الرغم من التراجع الطفيف الذي شهدته هذه التحويلات في العام المالي 2018/2019 بقيمة بلغت 1.2مليار دولار، فإن تحويلات المصريين العاملين بالخارج، لا تزال تمثل نحو ضعف إيرادات مصر من السياحة وعائدات قناة السويس مجتمعين.

ويكمن جزء كبير من أهمية تلك التحويلات في أنها تتم في الأغلب بالدولار الأمريكي، الأمر الذي يؤدي إلى استقرار أسعار الصرف في السوق المصري عبر زيادة المعروض من الدولار.

وبالنظر إلى حال ميزان المدفوعات المصري، نجد أنه شهد تحسنًا ملحوظًا في عام 2018 مما ساهم في تراجع العجز في الحساب الجاري بشكل واضح من 6% من الناتج الإجمالي في عام 2016 إلى 2.4% في عام 2018، الأمر الذي أرجعه البنك الدولي بالأساس إلى النمو الذي شهدته مصر في تحويلات العاملين بالخارج في العام ذاته.[1]

المغرب

يعتمد الاقتصاد المغربي على تحويلات المهاجرين والاستثمارات الأجنبية والسياحة كمصادر رئيسية للعملة الصعبة، بالرغم من الطفرة التي حققتها في مجال تطوير صناعة السيارات.

فهي ثاني أكبر مستلم للتحويلات من الخارج من بين 16 دولة عربية، وقد مثلت فرنسا المصدر الأول لتلك التحويلات في عام 2017 بمبلغ وصل إلى 2.3مليار دولار، تلتها إسبانيا بنحو 1.8 مليار دولار ثم إيطاليا بمقدار مليار دولار.

ووفقًا لتقرير البنك الدولي الصادر في أبريل/نيسان 2019، فإن المغرب قد تلقت في عام 2018 نحو 7.4 مليار دولار من تحويلات العاملين بالخارج.

تلك التحويلات مثلت نحو 6.2% من الناتج المحلي الإجمالي، الذي يقدر بـ 117.9 مليار دولار في عام 2018، أي أكثر من ضعف قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، التي شكلت 2.5% من إجمالي الناتج المحلي، وأكثر من مجموع قيمة الصادرات السلعية والخدمات، التي مثلت نحو 4.9% من الناتج المحلي.

وبينما ارتفع العجز التجاري خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2019 بنحو 4.3% إلى 12.69 مليار دولار وفقًا لتقرير مكتب الصرف المغربي في سبتمبر/أيلول 2019، أي حوالي 10.8% من الناتج المحلي الإجمالي، كان بإمكان التحويلات من الخارج تغطية أكثر من نصف ذلك العجز.

الأمر الذي يشير إلى أهمية تحويلات المغاربة بالخارج، بوصفها المصدر الأهم للنقد الأجنبي، وما تمثله من قدرة على تعويض العجز في الميزان التجاري.

لبنان

نراقب لبنان عن كثب لأن التحويلات المالية إليها قد انخفضت فعليًا خلال العقد الماضي بنسبة تقارب الـ12% من إجمالي الناتج المحلي. وبما أن تلك التحويلات مصدر رئيسي لتمويل القطاع العام، فإن ذلك الانخفاض يمثل مصدر قلق كبير بالنسبة لوكالات التصنيف الائتماني.
فرانك جيل من شركة «S&P Global» للتصنيف الائتماني.

يعاني الاقتصاد اللبناني من هشاشة مالية كلية، ووضع مثقل بالديون وحالات عجز مالية وعجر مستمر في الحساب الجاري يجعلها عرضة لمخاطر تمويل كبيرة.

وهو ما دفع إلى تخفيض التصنيف الائتماني للبنان، في ظل تراجع تدفقات العاملين بالخارج، ما مثل تهديدًا للاستقرار المالي للبلاد.

فالاقتصاد اللبناني على امتداد عامي 2017 و2018، قد واجه تخبطات عديدة. فقد ظل النمو السنوي عند حدود 1 إلى 1.5%، الأمر الذي لم يمكن لبنان من تسديد ديونها من خلال الاعتماد على النمو الاقتصادي وحده.

وهو ما جعل معدل الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي في لبنان يتجاوز 150% بقيمة بلغت 81.5مليار دولار في 2018.

كما تراجعت تدفقات رأس المال الأجنبي بنحو 2.3 مليار دولار إلى 39.7 مليار دولار، نظرًا لتأثر قطاع السياحة الذي يمثل مصدرًا هامًا للنقد الأجنبي متأثرًا بالأحداث في سوريا والخلافات السياسية بين لبنان والسعودية.

في المقابل، تمثل لبنان ثالث أكبر مستقبل للتحويلات المالية من بين الدول العربية، إذ قدر البنك الدولي تدفقات المغتربين إلى لبنان في عام 2018 بنحو 7.2مليار دولار. يأتي أغلب هذه التحويلات من دول الخليج وبالأخص السعودية وبريطانيا، ذلك الرقم مثل نحو 12.7% من الناتج المحلي الإجمالي للبنان في عام 2018.

الأردن

الاقتصاد الأردني بطبيعة الحال اقتصاد خدمي بالمقام الأول، الأمر الذي يتسبب في عجز الدولة في أحيان كثيرة على استدامة طفرات النمو.

وتعد التحويلات الآتية من المغتربين، والمستقر أغلبهم في منطقة الخليج، مصدرًا هامًا للنقد الأجنبي، وتعويض العجز الكبير في الميزان التجاري [2].

بلغت تلك التحويلات منذ مطلع القرن الجاري نحو 16% من إجمالي الناتج المحلي الأردني، يأتي نحو 70% من التحويلات الأجنبية من دول مجلس التعاون الخليجي بينما يأتي بقيتها من الولايات المتحدة وأوروبا.

ووفق تقديرات البنك الدولي، فإن التدفقات الرسمية لتحويلات العاملين بالخارج إلى الأردن قد زادت من 1.9 مليار دولار في عام 1970 إلى أكثر من 597 مليار دولار في عام 2017، غير أن التحويلات في عام 2018 انخفضت بنسبة 1.4% وفق التقرير الأخير للبنك الدولي.[3]

ذلك الانخفاض جاء تأثرًا بالأزمة الخليجية التي تسببت في عودة الكثير من الأردنيين خلال العام الماضي إلى وطنهم، فضلاً عن تخفيض بعض دول الخليج وبالأخص السعودية للأجور مما أثر على الأوضاع المالية للمغتربين عامة. إضافة إلى ذلك، فقد انخفضت تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى النصف، الأمر الذي أثر على الاقتصاد الأردني كله.

إجمالاً، لتحويلات العاملين بالخارج أثر كبير في اقتصادات الدول العربية، نظرًا لكونها مصدرًا هامًا للنقد الأجنبي، والذي بزيادته يتحسن العجز في الميزان التجاري وتستقر أسعار الصرف، بينما يؤدي تراجعها إلى اهتزاز اقتصادات هذه الدول، ما يستدعي منها مضاعفة الاستثمار في رأس مالها البشري، الذي يعوض ضعف الإنتاجية والاستثمار الرأسمالي.

المراجع
  1. منى عصام& ياسمين عمرو، دور القطاع المصرفي في دعم تحويلات المصريين العاملين بالخارج، البنك المركزي المصري، 2015، ص17،
  2. الاقتصاد الأردني في أرقام2013-2017، البنك المركزي الأردني، دائرة الأبحاث، آيار2018،
  3. The economics of Jordanian remittances, Jordan strategy forum, March 2018,