جاءت الثورة السورية عام 2011 لتفرض معها أوضاعًا جديدة على الاقتصاد السوري، وتُغير من طبيعة العلاقات السورية الإيرانية. فبالرغم من الأهمية الجيوستراتيجية التي تمتعت بها سوريا بالنسبة لإيران قبل الثورة فإن علاقاتهما على المستوى الاقتصادي لم تكن بنفس القوة التي كانت عليها على المستوى السياسي والعسكري والأمني.

ومع بروز سياقات جديدة صاحبت الثورة السورية، تموضعت إيران اقتصاديًا في سوريا حتى صارت سوقًا تصريفياً للمنتجات الإيرانية، وأصبحت إيران الشريك التجاري الأول لسوريا.فتحسن الميزان التجاري من 361 مليون دولار في عام 2011 إلى 869 مليون دولار في عام 2014 بفضل السياسات الإيرانية الاقتصادية الجديدة.

وبالرغم مما تركته العقوبات الاقتصادية، التي فرضتها عدد من الدول على النظام السوري، من أثر سلبي كبير على معاملات النظام السوري النقدية والتجارية مع الدول الأخرى، مما تسبب في تراجع معدل صادراته الخارجية بحلول عام 2015 إلى حوالي 1.42 مليار دولار. فإن إيران لعبت الدور الأكبر في «ديمومة الدورة الاقتصادية» لمناطق سيطرة النظام السوري، من خلال توسيع مجال أنشطتها الاقتصادية وتبادلها التجاري معها. حتى أصبحت وبحق جديرة بأن يمنحها النظام السوري الأولوية في إعادة الإعمار كمكافأة لها على تفانيها في دعمه خلال سنوات الحرب.


تصاعد الدعم الإيراني للنظام السوري

كان الدعم الاقتصادي الإيراني لسوريا – في الوقت الذي فرضت فيه المعارضة السورية سيطرتها على أجزاء من الدولة- بمثابة طوق النجاه للنظام السوري، كي يمنحه الحد الأدني من البقاء على أصوله كدولة. وقد شمل ذلك الدعم مجالات عدة، منها:

1. المجال التجاري

في البداية، تمكنت إيران من ترسيخ وجودها في سوريا لوجستياً بتدشينها طريق طهران – دمشق، وتأمينها خطاً برياً يمر بوسط وشمال العراق وحتى دمشق وسواحل المتوسط في اللاذقية ولبنان. مثّل ذلك الطريق نقطة التحول لإيران في المنطقة، إذ سنح لها بزيادة صادراتها من السلع غير النفطية في كل من: العراق وسوريا ولبنان والأردن والمنطقة العربية عامًة.

ذلك الطريق قدم لمنتجاتها ميزة تنافسية عن غيرها من المنتجات نظرًا لتكلفة النقل المنخفضة وسهولة الطريق. علاوة على ذلك، تم تفعيل منطقة التجارة الحرة السورية الإيرانية في 21 مارس/آذار 2012، والتي بموجبها تم تخفيض نسبة الرسوم الجمركية البينية للسلع المتبادلة بينهما بنسبة 96%.

2. مجال الطاقة

سعت إيران إلى تعزيز إمدادات الغاز للدول المحيطة بها كالعراق وسوريا، لذا استمرت فيما بدأت به من مفاوضات أولية حول مشروع «الأنبوب الإسلامي» في يوليو/تموز 2010، حتى عقدت الاتفاقية في يوليو/تموز 2011، لكن الاتفاق في صورته النهائية بين الدول الثلاث (العراق وسوريا وإيران) قد خرج إلى النور في مارس/آذار 2013.

وفيه تحددت التكلفة بحوالي 10 مليارات دولار، ومن المفترض أن يضخ الأنبوب نحو 110 ملايين متر مكعب من الغاز يوميًا؛ تحصل سوريا والعراق منه على احتياجاتهما البالغة نحو 30.25 مليون متر مكعب يوميًا، بينما تحصل لبنان على احتياجاتها من الغاز والبالغة بقيمة تقدر بنحو 7.5 مليون متر مكعب يوميًا. وكان من المخطط أن يتم تزويد الأردن بالغاز الإيراني عبر خط الغاز العربي،لكن الحرب في سوريا قد أعاقت تنفيذ ذلك المشروع الحيوي للمصالح الإيرانية.

3. في المجال الصناعي

فازت إيران باستثمارات استراتيجية في مناجم الفوسفات بقرية «خنيفيس» في ريف حمص بموجب مذكرات تفاهم وقعتها مع وفد الحكومة السورية الذي زار طهران في مطلع عام 2017. شمل ذلك العقد التنقيب عن الفوسفات واستخراجه واستثماره لمدة 50 عامًا، ومن منطلق هذا حصلت إيران على احتياطي مهم بسوريا. إذ وفقًا لأرقام الشركة العامة السورية للفوسفات والمناجم، فإن مناجم الفوسفات بسوريا تعد من أكبر حقول الفوسفات في العالم . ففي عام 2009، بلغ احتياطي سوريا من هذا العنصر نحو 1.8 مليار طن خام، كما بلغت أرباح الشركة خلال عام 2008 حوالي مليارين ومليوني ليرة سورية.

4. على الصعيد المالي

منحت إيران المؤسسات السورية المال اللازم في سبيل سد العجز الحاصل لتجنب توقفها عن العمل. كما دعمت إيران العجز المالي الذي عانت منه الحكومة السورية بعد هبوط إيراداتها إلى النصف مقارنة بما كانت عليه عام 2010، نظرًا للعقوبات التي فُرضت عليها من قبل دول أوروبية والولايات المتحدة ودول عربية.

وفي هذا الإطار، اتجهت إلى فتح خط ائتماني لدمشق منحتها بموجبه العديد من القروض المالية، كان قرضها الأول بمقدار مليار دولار في يناير/كانون الثاني 2013، ثم تم تفعيل القرض الثاني للحكومة السورية في أغسطس/آب 2013 الذي بلغ نحو 3.6 مليار دولار بشرط إنفاقه بشكل أساسي على استيراد المشتقات النفطية من إيران حصرًا.

ومع تراجع الإيرادات العامة في سوريا بنحو 63% ما بين عام 2011 و2018، وانخفاض العوائد النفطية بنسبة وصلت إلى 93% بين عام 2010 –2016. صدّق الرئيس السوري بشار الأسد، في يوليو/تموز 2017، على القرض الثالث المقدم من إيران بغرض تمويل الصادرات، والذي قُدر بحوالي مليار دولار .

5. في مجال الاتصالات

نجحت إيران في أن تحصل على أهم الاستثمارات القومية في سوريا والتي تدر عليها أموالاً طائلة وبطريقة سهلة. ففي مطلع عام 2017، منحت الحكومة السورية لإيران رخصة تشغيل للشبكة الثالثة للهواتف المحمولة في سوريا، علماً بأن عائدات مثل هذه الشركات في سوريا تُقدر سنويًا بحوالي 12 مليار ليرة سورية. وتم الاتفاق على أن يبلغ حجم الاستثمار في المشغل الجديد نحو 300 مليون دولار، تكون بموجبه حصة الجانب السوري 20%، في مقابل 80% للشركة الإيرانية.


موقع إيران من «إعادة إعمار سوريا»

الشركات الإيرانية مستعدة للتعاون اقتصاديًا مع سوريا خلال مرحلة إعادة الإعمار.

في بيان لوزير الخارجية الإيراني «محمد جواد ظريف» في 5 فبراير/شباط2019

ظل النظام الإيراني مرارًا وتكرارًا يترجم مساعيه في إطار إعادة إعمار سوريا إلى صورٍ عديدة، كمشاركة الشركات الإيرانية في المعارض التي عُقدت في دمشق؛ فخلال معرض «إعادة الإعمار» في دمشق في سبتمبر/أيلول2017 والذي شاركت فيه حوالي40 شركة في مجالات عدة؛ شملت الإنشاء ومواد البناء وقطاع النفط والطاقة الكهربائية والنقل وغيرها، احتل الجناح الإيراني المساحة الأكبر منه . كما كان للشركات الإيرانية الحظ الأوفر للمشاركة في أول معرض تجاري أقامته سوريا في أغسطس/آب 2017، إذ شاركت فيه أكثر من 30 شركة إيرانية في مختلف التخصصات.

إلى جانب ذلك، أبرم الطرفين مجموعة من العقود في قطاعات عدة في إطار إعادة الإعمار. ففي مطلع عام 2017 تم الاتفاق على إنشاء محطات توليد كهرباء ومجموعات غازية على الساحل السوري، وإعادة تأهيل محطات الكهرباء في دمشق وحلب وحمص ودير الزور وبانياس. وقد قدمت سوريا لإيران وعدًا بأنها ستمنح الأولوية في عقود الإعمار للشركات إيرانية من أجل إعادة بناء محطات وشبكات الكهرباء في كل أنحاء الدولة.

وقد كشف «أمير أميني»، مساعد وزیر الطرق وإعمار المدن لشؤون التخطیط وإدارة المصادر الإیراني، في أغسطس/آب 2018، عن المجالات التي ستساهم فيها الشركات الإيرانية بإعادة إعمار سوريا، مشيرًا إلى اتفاقية بمقتضاها ستقوم الشركات الإیرانیة بإعادة إعمار ما لا یقل عن 30 ألف وحدة سكنیة، وإعادة إنشاء البنية التحتية كالنقل وخطوط نقل المياه والكهرباء، علاوة على إعادة بناء الأماكن التاريخية.

وفي أواخر يناير/كانون الثاني الماضي 2019، وقع الجانبان 11 اتفاقًا ومذكرة تفاهم أثناء زيارة «إسحاق جهانغيري»، نائب الرئيس الإيراني،إلى دمشق.من بينها اتفاق تعاون اقتصادي بعيد المدى يتضمن العديد من القطاعات من ضمنها القطاع المصرفي، لتشمل تعاونًا بين البنكين المركزيين في كلتا الدولتين بغرض استقرار القطاع المصرفي في سوريا والمساهمة في تطويره وتسهيل التبادل التجاري وتشجيع الاستثمار فيها. إذ أعلن رئيس البنك المركزي الإيراني «عبد الناصر همتي» عن إقامة علاقات الوساطة المصرفية بين إيران وسوريا وأنه بصدد «إصدار رخصة لإنشاء بنك مشترك بين إيران وسوريا، وسيكون مقره في دمشق».


إجمالاً، بالرغم من تشابك المصالح السياسية بين سوريا وإيران، فإن ما يحرك إيران فعليًا بكل أنشطتها الاقتصادية في سوريا، هو مصالحها الاقتصادية بالمقام الأول. فإيران تراهن على عملية إعادة الإعمار في سوريا، لما ستجنيه من مكاسب طائلة، لكونها أكبر منتج للأسمنت والحديد في منطقة الشرق الأوسط. لذا تقاوم إيران أي تسوية شاملة يمكن من خلالها أن يحدث تقاسم فعلي وحقيقي للسلطة في سوريا كحل سياسي خوفًا من أن تخسر مصالحها السياسية والأمنية التقليدية والمصالح الاقتصادية الجديدة علاوة على أي مصالح محتملة في المستقبل.