تحتل تجارة الحشيش المرتبة الثالثة في العالم بعد السلاح والدواء، وتتفوق كذلك على تجارة النفط. وبحسب التقرير السنوي الصادر عن الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات التابعة للأمم المتحدة عام 2016، حافظ المغرب على المرتبة الأولى كأول منتج للحشيش في العالم، متبوعًا بأفغانستان ولبنان والهند وباكستان. ووفقًا للتقرير، تمثل أوروبا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط الأسواق الرئيسية للقنب الذي يتم إنتاج معظمه في المغرب وأفغانستان.

ووفق تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية، يبلغ حجم إنتاج القنب في المغرب حوالي 700,000 طن في عام 2013، بينما بلغت المساحة المزروعة 47,196 هكتار في عام 2014، ويتم احتجاز 19000 شخص في قضايا تتعلق بالمخدرات، وهو ما يمثل 25% من عدد المعتقلين في المغرب، بينما يواجه أكثر من 30 ألف مزارع مذكرات توقيف واعتقال بسبب هذه الزراعة.

هناك أيضًا 800 ألف شاب مغربي مدمنٍ للمخدرات وفق إحصائيات المرصد الوطني للمخدرات والإدمان. وتُظهِر الأرقام أن 75% من الشباب يتعاطون الحشيش، بينما يتعاطى الباقون أنواعًا أخرى كالكوكايين والهيروين وغيرهما من أنوع المخدرات المختلفة. تمثل فئة المراهقين بين السادسة عشر والثامنة عشر الشريحة العمرية الأكثر تعاطيًا. وقد قُدّرت قيمة المخدرات التي تُباع على الصعيد المحلي في المغرب بنحو 150 مليون دولار سنويًا.

وبالرغم من كون هذه الأرقام تظل تقريبية ونسبية، إلا أنها تبقى مقلقة. فالمغرب مقارنةً بجيرانه، يسجل أعلى معدل إدمانٍ في صفوف مواطنيه، ذلك أن عدد المدمنين في الجزائر يصل إلى 300 ألف مواطن تقريبًا، وهو نفس الرقم المسجل في تونس.

المغرب ليس ضحيةً فقط لهذه الآفة، بل مُنتجًا لها، فهو يُنتِج تقريبًا أكثر من 40% من كمية الحشيش المنتجة في العالم، وجرى اعتباره مصدرًا للحشيش من طرف 17 دولة، ويعتبر المغرب المورد الأساسي لأوروبا، وخصوصًا إيطاليا وإسبانيا التي غزتهم أطنان الحشيش المغربية خلال السنوات الماضية. يصدّر المغرب سنويًا ما نسبته 80% من إنتاجها الكلي، بينما تروج 20% من الكمية المنتجة في السوق الداخلية.

تُدر تجارة الحشيش للمغرب تقريبًا أكثر من 23 مليار دولار سنويًا، وهو للمفارقة، ما يعادل مرتين مداخيلها من السياحة!


الفلاحون في كولومبيا المغرب

على ارتفاع يتجاوز ـ1200 متر، وبين قمم الجبال وطرقها المتعرجة، تنتصب أراضٍ لا تعرف فلاحة غير القنب الهندي. «كتامة» هي منطقة قروية تقع شمال المغرب، تكاد حقول الحشيش فيها تحجب الرؤية عن البيوت. أكثر من تسعين ألف عائلة هناك تستمد قوتها اليومي من زراعة الكيف طبقًا لإحصائيات عام 2014؛ زراعة هي المصدر الأساسي لعيشهم رغم أنها قد لا تعود عليهم بالكثير، فالدخل السنوي للفرد في أفضل الحالات يتعدى 40 ألف درهم، فيما تجارة القنب تعود بثروات طائلة على أباطرة المخدرات بملايين الدولارات، بينما يتوارى المزارعون خلف الجبال خوفًا من الملاحقات الأمنية.

الطبيعة الجغرافية للمنطقة الجبلية ومناخها الجاف والبارد طيلة السنة، قد يفرض عليهم زراعة هذا النوع بالأخص من النباتات خلافًا لغيره، فزراعة القنب الهندي تتطلب جوًا باردًا وجافًا.

بعيدًا عن الطبقة السياسية وقبة البرلمان، ينقسم المزارعون بين مؤيد ومعارض لتقنين زراعة القنب؛ مؤيد يرى أن التقنين سيرفع قبضة الدولة الأمنية عن ثلثي سكان الريف، ولن يتم ملاحقتهم بسبب زراعة الكيف التي يلجأ إليها غالب الفلاحين لجني قوت يومهم لطبيعة التربة أو الأرض التي لا تسمح بزراعة شيء آخر غيرها، ومعارض لأن التقنين سيقلل من المساحات المتاحة لهم زراعتها، وسيضع حدًا لها بتدخل الدولة.


100 عام على تقنين «الذهب الأخضر»

بحلول العام الجاري 2019، تحل ذكرى 100 عام على إصدار «ظهير 1919» [أمر ملكي]، وهو قانون أصدره المحتل الفرنسي خلال حقبة الاستعمار، أو كما تُعرف بالحماية الفرنسية على المغرب، ونصّ على إمكانية زراعة القنب الهندي بشرط إخبار وإعلام السلطات بذلك، فأعطى رخصة بزراعة الحشيش خصوصًا لسكان منطقة الريف (شمال المغرب). لكن بعد الاستقلال صدرت قوانين أخرى تجرّم وتمنع زراعته مرة أخرى، وهي التي ما زالت سارية حتى وقتنا هذا.

بين فينة وأخرى، يعود جدل التقنين ليطفو على الساحة المغربية من جديد. ففي عام 2007 كانت أول مبادرة من أجل وضع قانون ينظم زراعة الكيف في المغرب، إلا أنه لم يتم التعامل مع الدعوة حينها بجدية. وفي أواخر عام 2013 وما تلاها، بدا وكأن الدعوة بدأت تجد صداها أخيرًا لدى الطبقة السياسية، فطالب عدد من الأحزاب السياسية في طليعتها حزب «الأصالة والمعاصرة»، وهو أحد أكبر أحزاب المعارضة في المغرب، وحزب «الاستقلال»، بسن قانون يسمح بتقنين زراعة القنب الهندي، والاستفادة منه في المجال الطبي والصناعي بشكل يساعد في تطوير الاقتصاد المغربي، وإخراج هذه الزراعة من قائمة الممنوعات.

تعزو الأحزاب دعواتها إلى أن النهج الأمني لم يأتِ أكله ولم يؤدِّ سوى إلى تقليصٍ ضئيل للمساحات المزروعة، لكن التقنين سيساعد على تدخل الدولة والتحكم في المساحات المزروعة والمواد المنتجة وتوجيهها للاستعمال في نواحٍ مشروعة، وانتشال المزارعين من شبح الخوف الدائم من الاعتقال الذي يعاني منه أكثر من 50 ألف مزارع وفق جمعيات حقوقية.

بعد أن كان الحديث عن الأمر من التابوهات وضمن دائرة المحرمات، صار لأول مرة في الدول العربية يتم مناقشته تحت قبة البرلمان. لكن الدعوة لم تراوح مكانها بسبب المعارضة التي لاقتها من بعض الأحزاب السياسية على قبول تطبيقها، على رأسها أحزاب التحالف الحكومي متمثلة في «العدالة والتنمية» و«الحركة الشعبية» و«التقدم والاشتراكية» التي أوضحت في بيان لها أنه «لا يمكن تسويغ تجارة المخدرات تحت أي مبرر، ولا استغلال ضعف التكافؤ في التنمية الذي تعاني منه المناطق القروية وعلى رأسها مناطق الريف وجباله في الشمال لتغذية الشعور السلبي بالتهميش، وأن التطبيع مع تجارة المخدرات سيكون له أثر وخيم على مستقبل البلاد». كما وجهت تلك الأحزاب أصابع الاتهام للأحزاب التي تقف وراء تلك الدعوات بأنها تستغل قضية تخص الطبقة الفقيرة في المجتمع المغربي لأغراض انتخابية.

في 2015، وخلال جلسة برلمانية، رفض عبد الإله بن كيران، رئيس حكومة المغرب السابق، دعوات ومقترحات المعارضة بشأن التقنين، وقال: إن دعوات التقنين شرعنةٌ للمخدرات ودمار مبيّت للأمة بأكملها، مستشهدًا بقول الله تعالى: «يسألونك عن الخمر والميسر، قل فيهما إثمٌ كبير ومنافع للناس، وإثمهما أكبر من نفعهما»، مستكملًا حديثه بأن تقنين هذه الزراعة ليس سياسة للدولة، ولن يحل مشاكل الفلاحين، ولا يتوافق كذلك مع التزامات المغرب الدولية بخصوص مكافحة زراعة المخدرات، وأن فقط 2% من زراعتها هو ما يستعمل لأغراض طبية وصناعية.


في أوروبا والدول المتقدمة!

في أكتوبر/تشرين الأول من العام المنصرم 2018، توجهت أنظار العالم نحو كندا، التي انضمت رسميًا إلى قائمة الدول التي قننت استعمال القنب لأغراض ترفيهية، بعدما قننت استعماله لأغراض طبية منذ 2001؛ وبذلك أصبحت كندا بجانب أوروجواي، دولة تقنن حيازة القنب واستخدامه لأغراض ترفيهية، بجانب عدد من الولايات الأمريكية. وهو نفس ما تدعو إليه أو تناقش تنفيذه عدة دول خلال الفترة الحالية كالبرازيل والمكسيك والبرتغال.

دعوات جعلت الأمم المتحدة تحذر على لسان رئيس هيئة مراقبة المخدرات التابعة لها، المحاولات الرامية في بعض الدول لتقنين القنب الهندي قانونيًا، وتوجهت الأمم المتحدة بتحذيرها بالتحديد نحو المغرب الذي عادت دعوات التقنين له من جديد هذه الأيام. لم يكن هذا هو التحذير الأول الموجّه للمغرب في نفس الشأن، فقد سبقه كذلك تحذير من الاتحاد الأوروبي الذي يربطه عدة اتفاقات مع المغرب يتلقى المغرب بموجبها دعمًا لمحاربة القنب الهندي.