محتوى مترجم
المصدر
Russia Beyond
التاريخ
2020/2/28
الكاتب
GEORGY MANAEV

قليلون هم من يجرؤون على انتقاد تولستوي أو دوستويفسكي أو تشيخوف اليوم، فهم أصحاب الكلاسيكيات الأدبية العالمية.. لكن خلال حياتهم كان الوضع مختلفًا!

ليو تولستوي

الأديب الروسي ليو تولستوي

كان أشد نقاد تولستوي ضباطًا شاركوا في حرب 1812 الموصوفة في «الحرب والسلام». كتب أفرام نوروف، الكاتب والمسؤول الحكومي الذي حارب أيضًا جيش نابليون عام 1812: «يٌدهش قارئ الجزء الأول من الرواية بالانطباع الكئيب الذي تصنعه أعلى الدوائر الاجتماعية في العاصمة – دائرة معروضة في صورة عابثة وغير أخلاقية تقريبًا […] ثم إذا به يفاجأ بالافتقار إلى الحس العالي في العمليات العسكرية والغياب شبه الكامل للبسالة القتالية، رغم كون الأخيرة على الدوام محل فخر جيشنا […] لا يمكنني قراءة هذه الرواية، التاريخية كما يزعمون، دون الشعور بأن حسي الوطني قد تعرض للإهانة». في مقال طويل نُشر عام 1868، قدم نوروف تحليلًا دقيقًا لما اعتبرها أخطاء وقائعية متعددة اقترفها تولستوي عند وصفه غزو نابليون لروسيا.

كذلك الكونت بيتر فيازمسكي، المشارك في الحرب، والنموذج الملهم لبيير بيزوخوف (إحدى شخصيات «الحرب والسلام» الرئيسية)، كان من المطالبين بالدقة التاريخية. يقول فيازمسكي «في الكتاب المذكور، يصعب معرفة أو حتى تخمين الحد الذي ينتهي عنده التاريخ وتبدأ الرواية، والعكس بالعكس».

مثل نوروف، اتهم فيازمسكي تولستوي قبل كل شيء بـ«الحط من» أحداث الماضي. «يجب معاملة التاريخ بأمانة واحترام وحب. أليس من التجديف، ومن المخالف لجميع معايير اللياقة والذوق الأدبي، اختزال الصورة التاريخية في محض كاريكاتير وابتذال؟ لم هذا الازدراء للقراء، كما لو كانوا غير أهل لتصور وتقدير صور أكثر سموًا وامتلاءً بالكرامة الأخلاقية؟»

فيودور دوستويفسكي

كان أحد أول منتقدي دوستويفسكي هو معاصره نيكولاي ميخائيلوفسكي، وإن كان لم يجرؤ على انتقاده إلا بعد عام من وفاته، وذلك في مقال «موهبة قاسية» عام 1882.

الأديب الروسي فيودور دوستويفسكي
Constantin Shapiro / Wikimedia Commons / Public Domain

«هراء»، قالها ميخائيلوفسكي في إشارة إلى ترقب الناس أي فرصة لوصف دوستويفسكي بـ«الـشخصية المركزية» و«النبي». في رأيه، كان دوستويفسكي «ببساطة، كاتبًا مهمًا يستحق الدراسة الدقيقة». احتدم ميخائيلوفسكي ضد دوستويفسكي، زاعمًا أن «القسوة والمعاناة كانتا دومًا شغله الشاغل، مقتصرًا على عنصر الجذب فيها، وعلى شهوة مبتذلة مستقاة من المعاناة».

خلص ميخائيلوفسكي من تحليله لأعمال دوستويفسكي بتفصيل هائل إلى أن «ضعف الحس الفني بالتناسب الذي كان بإمكانه السيطرة على تمظهر موهبته القاسية، إلى جانب غياب المثل الاجتماعية القادرة على تنظيمها، كانت هي الظروف التي أسهمت في تدهور دوستويفسكي السريع من البساطة إلى التظاهر، من الإنسانية إلى المعاناة غير المبررة ولا الغائية».

لكن أشد منتقدي دوستويفسكي كان كاتبًا عظيمًا آخر، هو فلاديمير نابوكوف! يقول نابوكوف: «ليس دوستويفسكي كاتبًا رائعًا، بل بالأحرى كاتبًا متوسطًا – مع ومضات من الفكاهة الممتازة، ولكن، يا حسرتاه، تتخللها مستنقعات من الأدب المبتذل». «إني لأجد صعوبة في حمل نفسي على الإعجاب بافتقاره إلى الذائقة، وتعاملاته الرتيبة مع الأشخاص الذين يعانون من مركبات ما قبل فرويدية، وطريقة تخبطه في المغامرات المأساوية الفاشلة للكرامة الإنسانية».

الأديب الروسي فلاديمير نابوكوف
Walter Mori (Mondadori Publishers) / Wikimedia Commons / Public Domain

كانت «الجريمة والعقاب» -وفقا لنابوكوف- رواية «ممطوطة، عاطفية بدرجة رهيبة، ومكتوبة بطريقة سيئة». أما «الأبله»، فعلق عليها نابوكوف قائلًا: «كل هذا الخليط المخبول يتخلله حوارات تهدف إلى تصوير وجهات نظر كل من دوائر المجتمع المختلفة حول أسئلة مثل عقوبة الإعدام أو المهمة العظيمة للأمة الروسية. لا تقول الشخصيات شيئًا مطلقًا دون شحوب أو اهتياج أو ترنح». هكذا غدا دوستويفسكي، الذي أعجب به نابوكوف في شبابه، هدفًا مفضلًا للنقد.

أنطون تشيخوف

من المفارقات أن أشد منتقدي تشيخوف كان تشيخوف نفسه، خاصة في رسائله إلى الأقارب. «أكملت مسرحية «النورس». لا أعتقد أنها ستضيف الكثير. بشكل عام، لست بكاتب مسرحي ذي شأن»، وقال عن قصته «الأضواء» إنها «مملة جدًا»، و«مليئة بادعاء الفلسفة إلى درجة مثيرة مقززة […] أنا أقرأ ما كتبته، وهو مثير للغثيان بدرجة ما، إنها -ببساطة- كتابة منفرة!».

الأديب الروسي أنطون تشيخوف

كان من المعروف عجز تشيخوف عن احتمال المديح والإشادة، لكنه وبلا شك كان يؤمن بأن له بعض الأعمال الجيدة، على الرغم من أنها لم تكن ذائعة الصيت. «لست سعيدًا بنجاحي […] إنه لأمر سيئ أن يكتب كماً كبيراً من القمامة بينما كثير من العمل الجيد مهمل كما لو كان محض نفاية أدبية».

لكن بعض معاصري تشيخوف انتقدوه دون أي سخرية. إذ كتب إينوكنتي أننسكي، الشاعر الرمزي الرائد: «ليس ثمة روح […] إنها روح فارغة، فقيرة، بل هو أقحوان ملتف لا روح […] أشعر أني لن أقرأ تشيخوف مرة أخرى. إنه ذهن صدئ». لكنه كان مدركًا بأن تشيخوف «برهن على قوة لغتنا المنطوقة كقوة أدبية صافية ودقيقة. إنها ميزة عظيمة».

كما أن هناك آخر، شاعراً أكثر عظمة، هو أوسيب ماندلستام، الذي لم تأخذه بتشيخوف أدنى رحمة. إذ كتب ماندلستام عن «العم فانيا» يقول: «يا لها من أحجية غامضة وباهتة […] شخصياً، أقضي وقتًا أسهل في فهم المخطط الحلزوني لكوميديا دانتي، بدوائرها ومساراتها وفلكها الكروي، مقارنة بمكتب تعداد السكان الحقير هذا، ذلك الهراء البشع […] باستخدام شبكة صيد العينات الخاصة به، جمع تشيخوف عينة من «طين المستنقعات» البشرية، عينة لم يسبق مشاهدة مثلها قط. إنهم، ببساطة، أناس يعيشون معًا ولا يمكنهم التفرق كل في طريقه الخاص. هذا كل ما في الأمر. ما عليك سوى منحهم بعض تذاكر القطار – إلى «الأخوات الثلاث» على سبيل المثال – وستنتهي المسرحية».