محتوى مترجم
المصدر
The conversation
التاريخ
2018/07/04
الكاتب
محمد جرمة

في عصر العولمة، هناك أحداث قليلة هي التي تنجح في استقطاب الاهتمام أكثر من الأحداث الرياضية، وهو ما برهن عليه كأس العالم الأخير في روسيا، والذي تابعه مليارات الناس في جميع أنحاء العالم من أمام شاشاتهم. ولا شك أن سكان القارة الأفريقية – المجنونة بكرة القدم – كانوا ضمن أولئك الذين راقبوا وشجعوا وحللوا أحداث هذه البطولة الكبرى.

لكن تأتي الإثارة والنشوة مع تحدٍ فريد لأديان القارة، حيث تظل أفريقيا متدينة بقوة عبر الأديان المختلفة.

يعتقد مركز بيو للأبحاث أن مستقبل المسيحية يكمن في أفريقيا. فبحلول عام 2060، سيلجأ أكثر من 4 من كل 10 مسيحيين إلى بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى؛ أي بنسبة 40%، مرتفعةً عما كانت عليه عام 2015 (نسبة 26%)، وذلك وفقًا لتحليل جديد للبيانات الديموغرافية. ويوضح المركز أيضًا أن أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ستكون موطنًا لحصة متزايدة من مسلمي العالم؛ في الفترة بين عامي 2015 و2060، ومن المتوقع أن تزيد نسبة جميع المسلمين الذين يعيشون في المنطقة من 16% إلى 27%.

كنتيجة لذلك، يُلوّن الدين الطريقة التي يرى بها الأفارقة العالم. عامةً، لا يستمعون إلى السياسيين؛ لأن السياسيين معزولون وبعيدون، لكنهم يستمعون إلى الزعماء الدينيين والتقليديين لأن الأفارقة يؤمنون بأنهم تمثيل إنساني للأفق الإلهي «عالم الحقيقة».

لكن تتحدى كرة القدم ذلك وتشكل معضلة دينية في أفريقيا. استنادًا إلى قدرتها على توحيد الناس من جميع الخلفيات حول قضية مشتركة، وُصِفت كرة القدم بـ «ديانة أفريقية». تتطلب الرياضة الاهتمام والتفاني، وتوفر نشوة، ما يجعل الزعماء الدينيين عصبيين.

يخدم الدين والرياضة أغراضًا مختلفة، حيث يهدف الدين إلى تزويد الناس بالرفاهية الروحية، بينما تقدم الرياضة الاحتياجات الجمالية والترفيهية. ومع ذلك، يتشاركان جمهورًا وقيمًا ثقافية مشتركة، مثل قيمة الإنصاف والانضباط والالتزام، والتي يمكن استخدامها لمواجهة التحديات الأفريقية.


معضلة دينية

إحدى القضايا المثيرة للقلق أن كرة القدم الأفريقية لديها عادة اجتذاب السحر. غالبًا ما يشترك اللاعبون الفرديون بالإضافة إلى الفرق الوطنية في تقنية دينية تعرف باسم «التعويذة»، لإشباع اللاعبين بالقوة الروحية قبل المباريات، وحمايتهم من الروح المنافسة لخصومهم، والأهم من ذلك، للتأثير على النتيجة.

ليس من المفاجئ أن يكون للقادة الدينيين مشكلة في ذلك، حيث يرون أن اللاعبين يعتمدون على خارق الطبيعة كاختصار، بدلًا من الاجتهاد والانضباط كما هو مذكور في كتبهم المقدسة. ثانيًا، يرى بعض المؤمنين أن كرة القدم تهدد بأن تصبح دينًا بحد ذاتها. ووفقًا لهم، تتطلب كرة القدم الولاء والإخلاص العاطفي المفرط.

يضيف استخدام وسائل الإعلام «للصور ذات السمت الديني» لتصوير النجوم الرياضية إلى هذا التصور السلبي للرياضة. ويشمل هذا استدعاء ليونيل ميسي لـ «المسيح» وتسمية كريستيانو رونالدو بـ «الإله».

هذه المشاعر لا أساس لها من الصحة عندما ينظر المرء إلى الخلفية العامة لاختراع الرياضة. على سبيل المثال، بدأت الألعاب الأولمبية في معبد أوليمبيا. في هذه المناسبة، قدّم الإغريق القدماء التضحيات وأخذوا القسم مع زيوس –الإله اليوناني العظيم. بالنظر إلى هذا، إلى جانب التعلق الشغوف بالنجوم الحديثة، ليس من المفاجئ معارضة القادة الدينيين لتأثير اللعبة.


مساحة سياسية

يرى ملايين من الناس أن الرياضة تعد بُعدًا مهمًا في حياتهم، أبعد من تسليتهم، فهي تمنحهم هوية وشعورًا بالانتماء. وتقدم لهم السعادة وإحساسًا نادرًا بالنشوة (اعتمادًا على النتيجة بالطبع). وهي أيضًا مصدر للتنفيس في أفريقيا، وتخلق مصدرًا مهمًا للإلهاء عن المشاكل التي يشعر بها الناس العاديون بأنهم لا يستطيعون التغيير.

كرة القدم واحدة من المجالات النادرة التي يمكن لطفل أفريقي أن يجد فيها أبطالاً أفريقيين ذوي مكانة دولية. صامويل إيتو من الكاميرون، وديدييه دروجبا من ساحل العاج، ونوانكو كانو من نيجيريا -على سبيل المثال لا الحصر- فهم أفراد أعطوا الشباب الأفريقي سببًا للتطلع.

أخيرًا، في العديد من الدول، تعد كرة القدم هي المجال الوحيد الذي يمارس فيه الأفارقة حرية التعبير دون خوف من العقاب. حيث يمكنهم انتقاد أرسين فينجر، ومعاقبة جوزيه مورينيو، ويدققون فحص بيب جوارديولا، ويمكنهم الذهاب للنوم دون قلق بشأن مداهمة قوات الأمن منازلهم في منتصف الليل جراء انتقاداتهم لمديري كرة القدم هؤلاء.


منطقة مشتركة

كثيرون في المجتمع الديني ينظرون إلى كرة القدم باحتقار وازدراء.

أفريقيا قارة منقسمة بشدة على أسس أيديولوجية وعرقية وإقليمية. يمكن أن ينتج الدين وكرة القدم إجماعًا ونزاعًا حسب طريقة تطبيقها.

لديهم أيضا قدرة فريدة على عبور الحدود والاندماج مع أناس من مختلف الالتزامات الثقافية والسياسية والأيديولوجية، في حين أن كرة القدم يمكن أن تجمع الشعوب من مجموعات دينية مختلفة، يمكن للدين أن يجمعهم من خلفيات سياسية وثقافية مختلفة.

هناك طرق أخرى تمكنهما أن يُكمل كل منهما الآخر. في الثقافة الأفريقية لا يكاد يُعترف بالفرد والفردية. فحتى يُعترف بالأفراد ويجدون مكانتهم في المجتمع، عليهم أن يجدوا هويتهم الأسرية أو العرقية. من جانبها، تدور كرة القدم حول التوازن بين العمل الجماعي والإبداع الفردي، في حين يتعلق الدين بخدمة الآخرين من البشر بالإحساس بالمساءلة الفردية تجاه إلههم.

لذا، يمكن لكلتا الطريقتين مساعدة الشعب في القارة على خلق مساحة للأفراد لاكتشاف مواهبهم. كما يمكن للدين أن يساعد كرة القدم وغيرها من المجالات الاجتماعية على تجاوز الإحساس اللحظي وترجمة النجاح المادي إلى شيء يوفر حالة من الرضا المستدام.

يشير كل هذا إلى أن القادة الدينيين والمؤمنين العاديين لا يحتاجون إلى الشعور بالتهديد من اللعبة الجميلة. بدلًا من العزلة وانتقاد الرياضة من بعيد، فهم بحاجة إلى إيجاد مساحة يمكنهم فيها الجمع بين قيم متداخلة لخدمة المجتمع. يحتاج الأفارقة لإعادة تصور النجاح ليس من منظور «التعويذة»، الذي يعزز الاختصار والخداع، لكن مع قيم الانضباط والعمل الجاد والتحمل الذي تقدمه الرياضة.