5 آلان شيرر في الخامسة والعشرين من عمره أو 6 من رونالدو ابن التسعة عشر عامًا؛ هذا ماكانت الـ90 مليون يورو لتجلبه لك منذ عشرين عامًا عندما انتقل الثنائي لنيوكاسل وبرشلونة بعد كسر الرقم القياسي العالمي مرتين في صيف 96، وغالبًا لن تحتاج لقياس معدلات التضخم أو فرق قيمة العملة أو حتى مقارنة منطقية مع هيجوايين ذي الـ28 ربيعًا لتدرك أن كرة القدم الحديثة تلقت ضربة قاصمة جديدة تعيش من خلالها النوستالجيا حالة قياسية من النشوة.

ماذا بعد؟ جيرو للإنتر بـ70 مليون؟ باكا بـ100؟ هل انتصر الماضي أخيرًا وتحولت كرة القدم لمجموعة من أنصاف المواهب في سوق يقوده معاتيه التجار؟

90 مليون ستثير الكثير من الغبار والكثير من الأساطير أيضًا، خاصة النوع المفضل للجميع عن كرة القدم التي لم تعد كما كانت وأصابها الجنون؛ نظرية قد تبدو منطقية لأبناء الجيل الذي شهد العصر الذهبي للثنائيات الهجومية من منتصف التسعينات لمنتصف العقد الأول من الألفية حينما كان يعرف كبار أوروبا بالاسم أعلى الرقم 9، لذا يبدو لهم العصر الحالي سخيفًا ومملًا لدرجة لا تصدق في ظل التدهور الملحوظ في هذا المركز، وبالطبع لم يساعد انتقال البيبيتا في تراجع تلك النظرة إن لم يكن قد أقنع الجميع بها، رغم أنها أقرب إلى عادة بشرية منها إلى نظرية منطقية فلم يوجد جيل واحد على هذه الأرض لم يؤمن أن عصره كان الأفضل بطريقة ما، ولا شيء يرضي غرورنا أكثر من الاعتقاد الزائف بأن العالم دار حولنا وبدأ وانتهى معنا ولم يترك شيئًا للآخرين؛ الكرة كانت في أوجها عندما تعلقنا بها ولم تصبح مملة إلا عندما مللناها.


نتكلم كفنيين

فقر مواهب؟ ربما .. ولكن عن أي مواهب نتحدث بالضبط؟

الإجابة تكمن في التطور الكبير الذي شهدته اللعبة عبر عقدين من الزمن هي كل ما يفصل بين رونالدو وهيجوايين؛ تحديدًا موسم 2004-2005 عندما بدأ الهمسات تتعالى عن الاختراع التكتيكي الجديد؛ 4-3-3؛ مورينيو في تشيلسي ورايكارد في برشلونة بإيحاء من كرويف وضعا خط دفاع رباعي تقليدي يتقدمه ما عرف لاحقًا بالــ Mid-Trio؛ ليبرو وسط وثنائي من صناع اللعب المتأخرين لتعويض صانع اللعب الـ10 الكلاسيكي بخصائصه المعتادة من ضعف البنية واللياقة والعجز عن المساندة الدفاعية وقت اللزوم، الــ Mid-Trio وُضعت من أجل معالجة كل ذلك، لكن النصيب الأكبر في التغيير كان من نصيب الخط الأمامي الذي تحول من ثنائي هجومي – كول/يورك كمثال – إلى مهاجم واحد وأجنحة عكسية Insiders؛ الابتكار الذي سيصبح السمة الأبرز في عصر كان فريقه الذهبي – ميلان – يسود أوروبا طولًا وعرضًا بلا أجنحة تقريبًا، وربما كان تفوقه هو ما أوحى لخصومه التكتيكيين وعلى رأسهم الأسبان باللجوء لعكس أقدام الأطراف التي تغيرت مهمتها للاختراق قطريًا جهة المرمى اعتمادًا على صعود ظهراء الطرف.

قبل هذا الزمن لم تكن لفظة جناح لتعني إلا العرضيات؛ إيطاليا ظلت على موقفها ولم تعترف بالمركز أو فعلت على استحياء دون كثير من الاحترام، شمالًا كنت لتجد بيكام وجيجز في مانشستر، بيريز وليونبيرج في أرسنال وجنوبًا فيثنتي يقود فالنسيا للمجد، أما مهاجم الظل أو الجناح العكسي كما تعرفه الآن لم يكن يعني إلا شيئًا واحدًا: أليكس ديل بييرو وأليكس فقط، ربما اقترب هنري أو باجيو أو حتى فيجو من الدائرة ولكنهم لم يكونوا بفطرية الثعلب رقم 10 في هذا المركز تحديدًا.

الأجنحة الجديدة الجائعة صارت تقاسم الـ9 التقليدي نصيبه المعتاد من الهجمات والأهداف، خاصة في ظل اضطرار الأخير للهبوط خارج المنطقة لملء فراغ صانع اللعب التقليدي؛ الطليان جعلوا الأمور أكثر صعوبة على الجميع عبر العقد الأول – 1995/2005 – عبر ثلاثيات العمق الشهيرة التي قادها صانع لعب 10 كلاسيكي ومهاجمين اثنين؛ كتوتي – باتيستوتا – مونتيلا في روما أو روي كوشتا – تشيفتشينكو – إنزاجي في ميلان وريكوبا – مارتينز – فييري في إنتر، أتت الـ4-3-3 الجديدة لتمنح قيادة العربة – بالتضاد – لليبرو الوسط ومساعديه ليمتصوا عمق الطليان القوي ثم يطلقون لجام الأطراف هجومًا على أضعف نقاطهم، ولعل أبرز مثال في هذا الصدد كان ثلاثية البلوز ماكيليلي – إيسيان – لامبارد.


بوكيمون الـ 9

على عكس المعتقد الشائع لم يكن التسجيل بتلك الصعوبة في هذه الفترة، بل الأرجح أن اللعبة تزداد تعقيدًا مع الزمن لا العكس وهذا ما جعل الهدف يتطلب خططًا أعقد تعتمد على خطوات أكثر في مرحلة ما قبل الهدف عبر نقل المواجهة المباشرة بين الـ9 التقليدي ورقيبه إلى أخرى غير مباشرة بين جناح مراوغ وظهير طرف لم ولن يكون بنفس الصلابة الدفاعية .. كل هذا جميل ورائع ومنطقي ولكنه لا يجيب عن السؤال الأهم؛ أين ذهب المهاجمون الأفذاذ؟ نحن نتحدث عن زمن اجتمع فيه كول، راؤول، كريسبو، فييري، إنزاجي، شيرر، تريزيجيه، باتيستوتا، موريانتس، بيرهوف وأضيف لهم لاحقًا هنري ورونالدو ونيستلروي، بينما أي محاولة لإحصاء المثل في الوقت الحالي لن تخرج بأكثر من خمسة أسماء.

لماذا لا نسأل نفس السؤال بطريقة أخرى؛ أين كان لاعبو الوسط والأجنحة الأفذاذ قبل 2005؟ أي محاولة للإحصاء لن تخرج بخمسة أسماء كذلك.

الأمر ببساطة أن مهام الـ9 التقليدي تغيرت وأصبحت صناعة اللعب وفرص التسجيل جزء أصيل من دور المهاجم الوحيد في الخطط الحالية، ولم يعد المثال الأفضل للـ9 الفذ هو ذلك الــ Poacher العبقري البطيء بخيل الجهد الذي يقبع داخل المنطقة في انتظار عرضيات الأطراف وبينيات العمق في عجز شبه تام عن صناعة فرصة حقيقية لنفسه ناهيك عن صناعتها لغيره، هذا بالطبع إذا تجاهلنا الاستثنائيين منهم كهنري ورونالدو، وليس أدل على ذلك سوى مقارنة سريعة بين هؤلاء الذين قضوا أغلب مسيرتهم قبل طفرة 2005 ونظرائهم مما بعدها في تلك النقطة بالأخص.

معدلات تهديف وصناعة الأهداف للمهاجمين الذين قضوا أغلب مسيرتهم قبل 2005.
معدلات تهديف وصناعة الأهداف للمهاجمين الذين قضوا أغلب مسيرتهم قبل 2005.

بنسبة بلغت 70% تقريبًا، غلب على مهاجمي العقد قبل الماضي نمط واحد متكرر؛ الـ9 الجشع الذي تنتهى عنده الهجمة باللمسة الأخيرة ولا تتجاوز نسبة صناعته للأهداف 10% من حصيلته الإجمالية، الـ30% الباقية مثّلها رونالدو؛ المهاجم الأفضل عبر تاريخ اللعبة والذي لا يبدو إخضاعه لأي نظرية معقولًا مهما بلغت منطقيتها، والثاني هو راؤول الذي أجبره تسوق بيريث المجنون على الانتقال للوسط والجناح في أوج تألقه، بالإضافة لهنري، تشيفتشينكو ونيستلروي؛ الثلاثي الذي لم يبدأ مسيرته كمهاجم من الأصل ولعل هذا ما منحهم المرونة التكتيكية اللازمة للاستمرار في عالم 4-3-3 الجديد لفترة أطول من أقرانهم لتستطيل مسيرتهم لما بعد 2010؛ الأمر الذي لم يحققه أي من أعضاء القائمة رغم تقارب الأعمار.

معدلات تهديف وصناعة الأهداف للمهاجمين الذين قضوا أغلب مسيرتهم بعد 2005.
معدلات تهديف وصناعة الأهداف للمهاجمين الذين قضوا أغلب مسيرتهم بعد 2005.

الأمر بات واضحًا إذن؛ باستثناءات لا تُذكر نحن نتحدث عن عصر تراوحت فيه النسبة بين 2% و20% وآخر ارتفعت فيه لما بين الـ30% والـ61% .. أين ذهب الفارق؟ لقائمة طويلة من لاعبي الوسط والأجنحة الهدافة لم تتوافر في العقد السابق، لذا يمكنك أن تفهم لماذا كان تأقلم كريسبو مع البلوز مستحيلًا، ولماذا تألق أوباميانج وكوشتا وجرييزمان في الـ9 رغم بداياتهم على الجناح؛ لأن منطقة الجزاء لم تعد مقصورة على أحد والمهاجم الــ Target المعتاد تحول لمصدر إلهاء كذلك موفرًا الفرصة لزملائه للتسجيل، كل هذه الخدع هدفها تعقيد العملية الدفاعية وزيادة خطواتها وكلما زادت الخطوات زادت نسبة الخطأ بطبيعة الحال وهو المطلوب إثباته.


قط وفأر

هل يعني ما سبق أن الطريقة الحالية هي الأفضل؟ لا أعتقد، بل يبدو الأمر أشبه بمطاردة لا تنتهي بين القديم والجديد بأوجه مختلفة؛ دورة متكررة يتفاعل فيها الموجود مع الوافد كالكيمياء ليكونا منتجًا جديدًا كل مرة، ما إن تتعقد اللعبة حتى يدرك البعض أن الحلول قد تكون أبسط مما نتخيل، ليأتي آخر ويعيدها لصعوبتها مرة أخرى وهكذا، وكما قاد ريكارد ومورينيو ثورة تكتيكية منذ عشرة أعوام أتى الآن كونتي وألليجري بأخرى تحاول تفادي نقاط الضعف التي استغلتها الأجنحة كثيرًا بالعودة لـ3-5-2 ومشتقاتها؛ خط الدفاع الثلاثي يتكامل مع ارتكاز الوسط ليكون خط دفاع رباعي لحظة فقد الكرة، ولكن هذه المرة بأربعة من قلوب الدفاع الملتزمين، تلك الخطة لا تسمح بوجود أجنحة عكسية أو Insiders بالمعنى المعروف حاليًا بل ظهيري جنب يأتي عبرهم أغلب عمل الأطراف، وصناع لعب متأخرين كبوجبا وبيانيتش يتقدمهم ثنائي هجومي، وكأنها عودة للقديم أو مزج بينه وبين الجديد عبر ثلاثي الوسط أو الـ Mid-Trio.

البحث عن باتيستوتا

3
لماذا هيجوايين إذن؟

في قائمة ما بعد 2005 لا يبدو البيبيتا بهذا الإبهار أو التفرد الذي قد يبرر إنفاق 90 مليون لجلبه لتورينو، بل ربما يكون نصف هذا المبلغ أقرب إلى الواقع، ولعلك لن تعتبر صفقة هيجوايين بهذا الجنون إن علمت أن إيطاليا تخصصت في هذا النوع من الصفقات فيما مضى؛ إنفاق لاتسيو 55 مليون يورو للتعاقد مع كريسبو سنة 2000 أو جلب فييري للمياتزا مقابل 49 أخرى قبلها بعام واحد قد يجعل الاعتراض على الـ90 الآن صعبًا بعض الشيء.

الواقع أن هيجوايين وبعد مسيرة قاربت على 10 سنوات منذ موسم 2006/2007 تحول لمهاجم آخر في الموسم الماضي، جونزالو الذي عاش ظلاً لرونالدو في البيرنابيو ثم لم يلفت الكثير من الأنظار في نابولي أدرك في موسمه الأخير أن الأنانية هي الحل؛ التحليل التالي يظهر كيف سبح البيبيتا عكس التيار الموسم الماضي أثناء كسر الرقم القياسي التاريخي للسيري إيه متحولًا لمهاجم كلاسيكي من عصر مضى وكأن الأرجنتيني أصبح آندي كول أو شيرر آخر، وهو بالضبط ما يحتاجه ألليجري المُجدد في رحلة إعادة إحياء تكتيكات الطليان القديمة بوجه جديد بعد عدة محاولات فاشلة لمحاكاة الـ4-3-3 وتنويعاتها.

4

في مواسمه العشرة كان الأخير لهيجوايين هو الأعلى تسجيلًا بفارق 9 أهداف عن الأقرب، لكن في نفس الوقت انخفضت النسبة بين تمريراته الحاسمة وحصيلته التهديفية لـ8% مقابل الـ50% الأكثر تكرارًا في مسيرته، لذا وقع جونزالو ثانيًا بعد سواريز في سباق الحذاء الذهبي رغم أنه الأقل صناعة للأهداف بين العشرة المرشحين، وسواء أعجبك هذا أم لا فإن هناك اسمين فقط في القائمة جاءا قبل ميسي ورونالدو وجونزالو واحد منهم، لذا مهما سُودت الصفحات عن الحمقى الذين دفعوا 90 مليون يورو من أجل مهاجم سيصل لعامه التاسع والعشرين في ديسمبر المُقبل، لا يمكنك أن تنكر أن هيجوايين هو القطعة المفقودة من بازل ألليجري واليوفي والتي حاول عبر موسمين إقحام ماندجوكيتش وموراتا في مكانها دون جدوى، وربما يكون هو المسافة المتبقية بين سيدة تورينو ولقبها الأوروبي الأول في العشرين عامًا الأخيرة.

قد يكون هذا صحيحًا وقد لا يكون؛ الكثيرون قد لا يضعوا البيبيتا من ضمن أفضل 5 في مركزه حاليًا ناهيك عن تحوله للأغلى في التاريخ، البعض الآخر لا يرى فيه إلا فرص الأرجنتين الضائعة، رغم كل ذلك يبدو أن ألليجري يرى فيه آخر باتيستوتا في اللعبة.