أظهرت دراسة صادرة هذا العام عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية صورة سيئة لجودة قطاع التعليم في دول عربية عدة، شملت الدراسة تقييمًا لأوضاع التعليم في 76 دولة عبر العالم، من بينها 9 دول عربية، وذلك استنادًا إلى النتائج المحرزة في الرياضيات والعلوم.

وأرجعت الدراسة السبب في ذلك إلى الميزانيات المحدودة التي تخصصها الحكومات لقطاع التعليم، وغياب الإستراتيجية التعليمية الواضحة، وضعف الهيكل التنظيمي والبنى التحتية والتجهيزات المدرسية [1].


ثلاثون عامًا خلت في تكنولوجيا التعليم!

لقد كان استشعار أكبر اتحادات المعلمين في الولايات المتحدة في بداية التسعينيات من القرن الماضي على أن الحاجة لمشاركة المعلم في التكنولوجيا صارت ملحّة وأساسية في العملية التربوية، لذا أوصت تلك الرابطة جميع موظفي التعليم أن تتوافر لهم الفرصة لاستكشاف الإمكانات الكامنة في التكنولوجيا.

والحق أن وزير التربية الأمريكية قبل ذلك، في الفترة ما بين 1981 – 1985م، وهو تيري بيل قد قدّم في كتابه كيف نُشكّل مدارس أمتنا؟ التماسًا عاجلا لإدخال التكنولوجيا في المدارس [2].

ذاك؛ كان تصور الأمريكان حول أهمية التكنولوجيا وارتباطها الأمثل بالعملية التعليمية والتربوية منذ ثلاثين عامًا خلت، والتي بلا شك كان لها أكبر الأثر في تطور المنظومة التعليمية الأمريكية حتى صارت في أوائل القائمة من حيث جودة التعليم اليوم.

لقد كان انتباه الأمريكان لأهمية التكنولوجيا والتقنيات الحديثة في تطوير التعليم، يشبه إلى حد كبير تقرير أمة في خطر! الذي ظهر في أوائل الستينيات من القرن الماضي حينما شاهد الأمريكان صعود السوفييت إلى الفضاء.

فعكف علماؤهم على إخراج هذا التقرير الذي اهتم هو الآخر بضرورة إصلاح عملية التربية والتعليم، ولم تكن إلا سنوات قلائل إلا والأمريكان في مقدمة دول العالم في برامج الفضاء!

إن المنهج الدراسي يتكون غالبًا من مجموعة عناصر منها الأهداف والمحتوى، وطبقا للدراسة السابقة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فالمناهج الدراسية المقررة في الوقت الحالي لا تتماشى مع مستوى التطور البنيوي والهيكلي لتقنيات المعلومات.

لذا يتوقع بعض الباحثين أن يتم الاستغناء عن الكتاب المدرسي بتصميمه الحالي في المستقبل، وأن يُستبدل بوسيلة أخرى أكثر تفاعلًا مع حواس المتعلم، وقد شرعت بعض الدول في تطبيق ذلك، وأصبح التعلم يتم عن طريق هذه التكنولوجيا بحيث يستخدمها المتعلم في المدرسة والمنزل وفى أي مكان، وبدون شك أنها ستسهم فى إثراء بيئة التعلم [3].

فتكنولوجيا المعلومات تُسهم في إكساب المعلم المعرفة حول ما هو حديث في تدريس الموضوعات التي يقوم بتدريسها، كما تسمح التقنية الحديثة بتواصل المعلم مع آراء غيره من المعلمين؛ أي أن التقنية قد ألغت الفواصل بين المعلمين، كما أسهمت التقنيات الحديثة في توظيف كافة المعارف التي يقوم المعلم بطرحها عمليا، وأكسبته التفكير الابتكاري.

لقد كشفت دراسة صادرة عن منظمة اليونسكو في العام 2009م أنه كان من المتوقع أن تقود تكنولوجيا المعلومات والاتصالات إلى تعلّم أكثر إنتاجية، غير أن الدراسات الأخيرة حول أثر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على مخرجات التعليم لم تعطِ نتائج متطابقة.

على أن التحليلات الشمولية (meta-analysis) تميل أكثر إلى إعطاء صورة أكثر تفاؤلًا، والاستنتاج العام الذي يستخلصه المؤلفون هو أن البحوث قد حددت الآثار الإيجابية لاستخدامات محدّدة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات على الإنجازات التعليمية للطلبة.

أمّا أبرز آثار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات فقد لوحظت عند استخدام هذه التكنولوجيا في تدريس الرياضيات والعلوم واللغة الانجليزية [4].


التعليم عن بُعد؛ ثورة تكنولوجية متفجّرة!

كان تصور الأمريكان لأهمية التكنولوجيا وارتباطها الأمثل بالعملية التعليمية والتربوية لها أكبر الأثر في تطور المنظومة التعليمية حتى صارت في المقدمة

لقد أثبتت التكنولوجيا الحديثة أثرها الفعّال في تجديد العملية التعليمية وتطورها، إذ انقسمت هذه العملية أخيرًا إلى عملية متزامنة تستدعي وجود المعلم والمتعلم أمام الحاسوب أو الوسائط المتعددة الحديثة لإثراء تلك العملية بالنقاش الفعّال.

وأخرى غير متزامنة لا تستدعي تواجد الطرفين في آن واحد، وإن العملية التعليمية التكنولوجية غير المتزامة، أو ما يُسمى الآن بالتعليم عن بُعد قد أحدثت ثورة تعليمية بلا شك، وصارت في تطور ملحوظ.

وبعد أقل من عامين من تقرير اليونسكو الآنف، صار التعليم عن بُعد، واستخدام التكنولوجيا الحديثة ومواقع الإنترنت المتخصصة في سبيله دربًا من دروب الثورة المعرفية بلا شك.

إن بإمكان أي طالب أن يضغط على مواقع التعليم المتخصصة أو حتى مواقع التواصل الاجتماعي ليتعلم بسهولة ودون عناء وفي جوف بيته كل ما يريده، ولقد لاحظ عدد من التربويين في الغرب هذا الأمر، فشرع بعضهم في إنشاء أكاديميات تعليمية عن بُعد وصار لبعضها شهرة عالمية، مثل أكاديمية خانKhan Academy.

أقل من عامين لتقرير اليونسكو الآنف صار التعليم عن بعد واستخدام التكنولوجيا الحديثة ومواقع الإنترنت المتخصصة في سبيله دربا من دروب الثورة المعرفية

ومؤسِّس تلك الأكاديمية هو الشاب الأمريكي سلمان خان ذو الأصول البنغالية، وهو الحاصل على عدد من المؤهلات العليا من كبرى الجامعات والمعاهد الأمريكية مثل معهد ماساشوستس للتكنولوجيا، وجامعة هارفرد، وأكاديميته منصة تعليمية مجانية على الإنترنت وغير هادفة للربح.

فقد قام بإنتاج ما يزيد عن 2200 شريط فيديو في منزله لمجموعة واسعة من فروع العلم والمعرفة وبتركيز على مواضيع الرياضيات والعلوم كالفيزياء والكيمياء والأحياء وغيرها .

وقد لاقت شعبية واسعة؛ إذ جذبت قناته الرسمية المسماة «قناة أكاديمية خان»، أكثر من 45 مليون مشاهد بحسب إحصائيات مارس 2011م، وصارت هذه المنصة الآن متاحة باللغة العربية، وهي في طور ترجمة كل المحاضرات إلى كل اللغات العالمية [5]!

لقد كشف خان في أكثر من مقابلة تلفزيونية على أن «الفيديو» صار مهمًا لإعادة ابتكار التعليم، وهو ما قام به في هذه الأكاديمية التعليمية عن بُعد، و في 2011م عندما كان سلمان خان يُلقي محاضرة قصيرة في مؤسسةTED عن «أكاديمية خان»[6].

كان من جملة الحاضرين أستاذ في الذكاء الاصطناعي والروبوتات بجامعة ستانفورد يستمعُ في إعجاب؛ لقد انبهر الرجل بالتجربة، وتساءل عن إمكانية تطبيقها على المستوى الجامعي أيضًا؟

ومن هنا كان «كورس» جامعة ستانفورد الشهير مقدمة في الذكاء الاصطناعي والذي يعد البداية الحقيقية لما عُرف بعد ذلك بثورة «الكورسات الأونلاين المفتوحة» في المجالات التعليمية المختلفة بجامعة ستانفورد العريقة.

لقد كان هذا البروفيسور هو سباستيان ثرن، أحد ألمع العقول في العالم في مجاله، والذي استقال من منصبه بجامعة ستانفورد كي يتمكن من تطوير هذه الفكرة ونشرها، ثم أنشأ في سبيل ذلك الموقع الشهيرUdacity.com، وبإمكانك أن ترى أكبر الشركات المعلوماتية العالمية مثل جوجل وفيسبوك وكلوديرا وغيرها في مقدمة داعمي هذه المنصات التعليمية الجديدة، التي أحدثت بلا شك تطورًا ملموسًا في مضمون ووسائل التعليم الحديث.

إننا في العالم العربي اليوم في أشد الاحتياج لإعادة هيكلة التعليم، وتعريف مناهجه، وكيفية مزج التكنولوجيا الحديثة في المعارف التربوية والتعليمية، خاصة في التعليم الحكومي الذي تُدلل المؤشرات وإحصائيات الجودة على تراجعه بصورة تُنذر بالخطر الحقيقي، والحق أننا بحاجة إلى مثل تقرير «أمة في خطر» الذي دقّ ناقوس الصحوة التعليمية في الولايات المتحدة في أواخر خمسينيات وستينيات القرن الماضي!

المراجع
  1. منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فرع التعليم
  2. جاري أنجلين: تكنولوجيا التعليم؛ الماضي والحاضر والمستقبل ص70- 72. جامعة الملك سعود – الرياض، 2004م
  3. مصطفى عبد العظيم الطبيب: انعكاسات تقنية المعلومات على العملية التعليمية ص7، 8. ورقة عمل مقدمة ضمن المؤتمر العربي حول التعليم العالي وسوق العمل
  4. دليل لقياس تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في التعليم، وثيقة تقنية رقم 2، ص15، 16. منظمة اليونسكو – 2009م
  5. أكاديمية خان، المنصة العربية
  6. Let's use video to reinvent education