يطلب منه المعلم أن يقرأ، يقف، يمسك الورقة وينظر فيها، يبدأ القراءة، فتبدأ التأتأة، يبدأ بسماع أصوات داخل رأسه تخبره أن ينتبه لتأتأته، وضوضاء أخرى داخل رأسه، الضغط يزيد داخله، فتزداد التأتأة، المحيطون به يبدأون بالسخرية منه؛ فتزداد التأتأة أكثر.. هكذا تستمر الحلقة المفرغة.

هذا ما وصفه أحد الأشخاص عندما تعافى من التلعثم، كان يصف شعوره وهو طفل يعاني مع التلعثم.

ردود أفعال المحيطين بالمتلعثم تؤثر على زيادة نسبة التلعثم في حديثه، ونادرا ما يحدث في الواقع من المجتمع تجنب التعليق على طريقة الحديث أو الاستهزاء بكلامه، فيستقبل الأهالي أو الأطفال الطفل المتلعثم بالكثير من السخرية أو الغضب من طريقة حديثه، مما يزيد الضغط النفسي عليه، فيؤدي لزيادة نسبة التأتأة في حديثه.

في هذا المقال نتناول نقاطا مهمة تساعدك على معرفة إذا كان طفلك يعاني من التلعثم، وكيفية التعامل معه، ومساعدته على تخطي التلعثم، وكيفية علاجه.


ما هو التلعثم؟

التلعثم أو التأتأة تؤثر على الطلاقة في الكلام. ويبدأ في مرحلة الطفولة، وفي بعض الحالات يستمر طوال الحياة. يتميز باضطراب في إنتاج أصوات الكلام. فمعظم الناس يحدث لهم تلعثم قصير في الحديث من وقت لآخر. فمثلا يتم تكرار بعض الكلمات، ويسبقون الحديث ب «امم»، أو «اه»، فالتلعثم لا يعتبر دائما مشكلة، لكن عندما يحدث كثيرا يعوق الفرد عن التواصل فيؤثر على الفرد بالسلب عند ممارسة بعض الأنشطة، أو عند الحديث أمام مجموعة من الناس، فيمنعه من المشاركة في العديد من الأنشطة نتيجة للقلق الذي ينتج لديه من رد فعل الأشخاص حوله. ومن الواضح أن تأثير التلعثم على الحياة اليومية يمكن أن يتحدد بكيفية تفاعل الشخص والآخرين مع هذا الاضطراب.


الفرق بين التلعثم المؤقت والتلعثم المستمر

من المعروف عن معظم الأطفال عدم الطلاقة في الكلام خصوصا في المرحلة العمرية بين 2,5 و5 سنوات، فمن الطبيعي أن يتأرجح الطفل في هذه المرحلة بين التلعثم والطلاقة في الحديث. في بعض الأحيان تحدث تأتأة للطفل أثناء الحديث بدون سبب واضح، ولكنه غالبا يحدث عندما يكون متحمسا جدا، أو متعبا، أو عندما يشعر بالخوف يحدث وقتها تأتأة في حديثه.

في هذه المرحلة العمرية يتوسع الأطفال في تعلم مفردات اللغة وقواعدها المعقدة، هذه القواعد تشجع الأطفال على تحويل الجمل البسيطة لجمل أطول وأكثر تعقيدا مما يتطلب مزيدا من التنسيق الحركي لإخراج الكلام بسلاسة أكثر، فمثلا يحول جملة (عصير الأم) إلى (الأم تضع العصير في الكأس الأزرق). فمن الطبيعي أن تكون هناك بعض الاضطرابات المؤقتة في كلامه، هذه الاضطرابات تختفي من تلقاء نفسها بعد مدة قصيرة.

في بعض الأحيان لا تذهب علامات التلعثم والتأتأة لدى الطفل بل تزداد علاماتها وضوحا، وتستوجب الحصول على مساعدة من متخصص للحد من التأتأة، وكلما كان التدخل مبكرا لعلاجها كان ذلك أفضل. ولكن لكي تستطيع التمييز بين التلعثم الطبيعي والتلعثم المستمر، فهناك بعض الأعراض التي تساعدك على التفريق بينهما.


أعراض التلعثم

تلعثم مؤقت تلعثم مستمر
يكرر الجملة. (هو خدها- هو خدها مني) أو بيكرر كلمة كاملة (بس- بس أنا مش عاوز أروح) بيكرر أصوات أو مقاطع (شايف الطططفل ده؟ )

بيستخدم كلمات أو أصواتا ليس لها محل من الجملة مثل( اممم، اه) يمط ويطيل في صوت الحرف (سسسسسسسمك)
لا يوجد تأثير على حركات جسده عند الحديث أو وجود علامة تدل على صعوبة جسدية يعانيها عند إخراجه الصوت من فمه يظهر على الطفل معاناته في محاولة إخراج الصوت لكنه لا يستطيع/ وتحدث تغيرات جسدية في وجهه عند الحديث.
لا يصاحب حديثه مشكلات أخرى في سلوك غالبا تصاحبه تغيرات في حركة جسده أثناء الحديث (يده تنقر، عينه تغمز)
لا يوجد شعور سلبي أو إحباط يصاحبه عند الحديث حالة من الإحباط والشعور السلبي تصاحبه عند الحديث
لا يوجد في تاريخ العائلة من يعاني من التلعثم يوجد في تاريخ العائلة من يعاني من التلعثم
التلعثم لا يزيد على 6 شهور التلعثم يزيد على 6 أشهر

ما هي أسباب التلعثم؟

السبب المحدد للتلعثم غير معروف. لكن تشير بعض الدراسات الحديثة إلى أن الوراثة تلعب دورا أساسيا في التلعثم، ولم يتضح بعد طبيعة الصفات الوراثية التي تسبب التلعثم. أيا كان، فمن الواضح أن التلعثم يحدث بسبب ضعف قدرة الفرد على القيام بسلسلة الحركات العضلية المختلفة اللازمة لإنتاج الجملة بطلاقة. وأحيانا تكون الظروف المعيشية من الأسباب التي تؤدي للتلعثم.


ما هي العوامل التي تساعد على الإصابة بالتلعثم (التأتأة) المستمر؟

  • التاريخ العائلي: هو أكثر مؤشر يدل على إذا ما كان الطفل مصابا بالتلعثم المستمر أم لا.
  • الجنس: الأولاد يتضاعف احتمال إصابتهم بالتلعثم المستمر عن البنات، ويزيد احتمال إصابة الأولاد في سن المدرسة الابتدائية من 3 لـ 4 مرات أكثر من البنات.
  • عمر الطفل عند بداية التلعثم: الأطفال الذين يعانون من التلعثم عند سن الرابعة أكثر عرضة للاستمرار في التلعثم من الأطفال الذين يظهر لديهم في سن أصغر.
  • استخدام اللغات المختلفة ودمجها في نفس الوقت ربما يزيد من احتمالية الإصابة بالتلعثم لدى الأطفال.

كيف تساعد طفلك على الحديث بطلاقة؟

  • خفض نبرة صوتك: وتحدث معه بطريقة سلسة ومريحة، وانتظر بضع ثوانٍ بعد انتهاء طفلك من الحديث قبل أن تبدأ.
  • الاستماع الكامل لطفلك: حاول أن تزيد الأوقات التي تعطي فيها طفلك اهتمامك الكامل له دون تقسيم، وتخصيص أوقات خاصة بينكما.
  • قلل من طرح الأسئلة على طفلك: من المفيد في بعض الأحيان أن تعلق على ما قاله طفلك، وانتظره حتى ينتهي من الحديث وقاوم نفسك في طرح العديد من الأسئلة.
  • التحدث بالتناوب: ساعد جميع أفراد الأسرة بالتحدث بالدور والاستماع لمن يتحدث إلى أن ينتهي دون قطعه. يجد الأطفال أنه من السهل التحدث عندما يكون هناك انقطاع أقل أثناء الحديث.
  • شجعه على بناء الثقة بنفسه: استخدام الثناء الوصفي لبناء الثقة. مثل: (أنا أحب الطريقة التي ساعدتني بها اليوم في المطبخ، لقد أفدتني جدا)، وشجعه على تنمية مهاراته الرياضية، كل ذلك سيؤثر بطريقة غير مباشرة على زيادة ثقته بنفسه.
  • ممارسة الصبر: أعط الطفل الوقت الكافي له لإنهاء ما يقوله، لا تتعجل ولا تقطع حديثه، لا تعلق على طريقة حديثه، ولا تطلب منه التفكير فيما يريد قوله أولا. هذه العبارات ليست مفيدة للطفل الذي يتلعثم.
  • اتبع صوتك الداخلي: إذا كان لديك مخاوف بشأن حديث طفلك، اطلب من المختص تقييم طفلك لتتأكد من سلامته.

علاج التلعثم المستمر وأشكاله

العلاج المبكر للتلعثم مهم جدا، لأنه كلما كان التدخل مبكرا قبل دخول الطفل المدرسة ساعد ذلك على القضاء عليه. هناك نوعان من طرق المعالجة الرئيسية للتلعثم:

  • علاج غير مباشر: عندما يساعد أخصائي التخاطب الوالدين على كيفية تعديل أساليب التواصل الخاصة بهم. والعلاج غير المباشر فعال ومؤثر في الحد أو القضاء على التلعثم في كثير من الأطفال الصغار.
  • علاج مباشر: ويشمل أخصائي التخاطب الذي يعمل مع الأطفال أنفسهم، إما مع الطفل منفردا أو في مجموعات صغيرة، فيتيح للطفل طرقا مختلفة للحديث، ويساعد الطفل على التمييز بين الحديث بطلاقة وبين الحديث المتلعثم.

بعد سن السابعة يصبح من الصعب أن يختفي التلعثم في الحديث تماما . ومع ذلك يمكن للعلاج أن يكون فعالا جدا في مساعدة الطفل على التحكم في التلعثم من خلال المساعدة على تطوير المهارات اللازمة للتعامل مع المواقف الصعبة مثل (الإغاظة والسخرية)، والمشاركة بشكل كامل في المدرسة وأنشطتها.


في النهاية أحب أن أشارككم الفيديو الذي شجعني لكتابة هذا المقال، ستشاهدون فيه تجربة شخص يحكي عن رحلته مع التلعثم وكيف تعافى منه وهو الآن يتحدث بطلاقة ويغني أيضا.