أحد أهم أدوارنا كمربين هو حماية الطفل من الأذى، نبحث بجد عن الطرق التي تمنحنا أعلى حماية له، خاصةً تلك اللحظة التي يضحك فيها طفلك، حيث تتمنى لو أنك تستطيع الاحتفاظ بهذه الضحكة والنظرات اللامعة للأبد، وأن تحميه من كل سوء. من أجل حماية الطفل، والحفاظ على صحته النفسية، يلجأ أغلب الآباء لتجاهل حقيقة الموت وإخفائها عن الطفل، واللجوء للكذب حين يضطر لمواجهة الموت وجهًا لوجه، خاصةً في حالة الحيوان الأليف. لكن ما الطريقة الأفضل للتعامل مع الموت؟ هل أكذب على الطفل أم أواجهه مع الموت وأغامر بصحته النفسية؟


كيف يتعامل طفلك مع الموت؟

التحدث إلى الأطفال عن الموت يجب أن يكون متفقًا مع نموهم وثقافتهم، ومدى حساسيتهم وقدرتهم على تفهم الوضع، ومن المهم مراعاة ردود أفعال الراشدين نحو الوفاة حول الأطفال، الذين يفسرون هذا المجهول من خلال ردود أفعال الكبار نحوه. وأن ندرك أن جميع الأطفال فريدون في فهمهم للوفاة والموت، يعتمد ذلك على مستوى نموهم، ومهاراتهم المعرفية، وخصائصهم الشخصية، والمعتقدات الدينية، والتعاليم التي حصلوا عليها من الآباء، والمدخلات من خلال الإعلام، والخبرات السابقة مع الموت.

هذه التقسيمات قد تكون مفيدة لفهم كيفية تعامل الأطفال مع تجربة الموت[1]:

  1. الأطفال تحت 3 سنوات (ما قبل المدرسة): قد يستطيعون فهم أن الكبار في حالة حزن، لكنهم لا يفهمون معنى الموت.
  2. الأطفال من 3-6 (مرحلة رياض الأطفال): في هذه المرحلة قد ينكر الأطفال الموت، وقد يرونه كحادث يمكن عكسه (العودة من الموت)، وتفسيره كفصل من الحياة وليس دائمًا. بالإضافة لربطه بأسباب سحرية وغير منطقية، كأن يظن أن ركوب السيارة يؤدي إلى الموت، نظرًا لأن المتوفى كان في حادث سير.
  3. المرحلة الابتدائية الأولية (6-9): في هذا العمر يبدأ الأطفال بتفهم الموت، وأن بعض الظروف قد تؤدي إلى الموت، وأن تصادم سيارتين قد ينتج عنه الوفاة. لكن في حالة صور الحرب قد يختلط الأمر على الطفل في هذه السن بين ما يحدث على شاشة التلفاز، وفي حيِّهم الخاص. وقد يبالغون قليلًا في التفسير، فإذا كانت حوادث السير تسبب الوفاة –حسب خبرتهم- فإن عدم حدوثها يعني عدم حدوث الموت.[3]
  4. المرحلة الابتدائية العليا (9-11): في هذا المستوى يكون لدى الطفل تفهم نهائي لمعنى الموت –كتوقف وظائف الجسم- وقد لا يفهمون كل المفاهيم المجردة التي عرضها الآباء أو عرضت على التلفاز. وقد يتعرضون لاختلاط مشاعرهم بين الفهم وعدم الفهم أو التوصل لعدالة أو ظلم التعرض للموت. هذا الاختلاط الذي قد يؤدي لتعريضهم للأذى من خلال مشاعرهم الغاضبة، لذلك من المهم احتواؤها.[2]

هذه التصنيفات تخضع للكثير من الفروق الفردية حسب المفاهيم والخبرات التي تعرض لها الطفل، وبالطبع لا يمكنك الانتظار حتى يستطيع الطفل تفهّم الموت، لأننا للأسف لا يمكننا التحكم في حدوثه.


ما الذي يمكن فعله؟

يرشح الكثير من التربويين الاعتماد على تربية الحيوانات الأليفة. تربية الحيوان الأليف تقدم الكثير من المنافع للطفل، ومن ضمنها تفهم الموت. مثلاً بعض الحيوانات تموت بشكل أسرع مثل: (الأسماك/ الطيور)، فيمكن للطفل مراقبة الطير وتحسس نبضه، وحين يتوفى، يتحسس اختفاء النبض، سيكون من المهم أن يتعرف على قلبه ووظيفته وكيف يعمل جسده، وهي مفاهيم مبسطة يمكن تقديمها للأطفال من سن الـ4 السنوات. تجربة الموت والحزن مع الحيوان الأليف تكون أقل وطأةً على الطفل من وفاة أحد الراشدين من حوله، كونه معتمدًا على الراشدين، وقد تعتبر تدريبًا جيدًا على التأقلم بشكل صحي مع الفقدان.


ماذا بعد التعرض لموقف الفقد؟

  • امنح الطفل فرصة للتحدث عن مشاعره ووصفها، يمكنك مساعدته بعرض مشاعرك الخاصة، واستمع بشكل جيد لما يقوله.
  • علّمه كيف يمكن أن يحتفظ بذكرى الشخص، الكتابة إليه/ التحدث/ ممارسة بعض الأنشطة التي كان يحبها.
  • لا تفترض أن كل طفل سيحزن ويعبّر عن حزنه بالطريقة نفسها، لذلك تعرف على طفلك بشكل جيد وامنحه الطريقة المناسبة له، وتفهم حزنه للنهاية.
  • تعامل مع حزن الطفل بأنه مرحلة تحتاج إلى وقت، وليست مجرد حالة مؤقتة، أعط الطفل فرصته في مواجهة حزنه والعودة منه، دون الضغط عليه لمواصلة أنشطته الطبيعية.
  • لا تكذب عليه/ لا تخبره نصف الحقيقة: الأطفال حساسون، يتعرفون على الحقيقة وسط حديثك، وسيتساءلون لماذا لا تثق بهم لتخبرهم الحقيقة؟ وهو ما سيؤثر على تفاعلهم مع الحزن الحالي، وتحملهم لما بعد ذلك خلال مسيرة حياتهم.
  • امنحه معلومات كافية، حسب عمره، وأعطه فرصة لمعرفة أنك موجود لمزيد من الأسئلة، الموت والحياة مهمان للطفل ليتعرف على دائرة الحياة.
  • امنحه الفرصة للمشاركة: قد يكون من المفيد للطفل المشاركة في إجراءات الجنازة/ الدفن، وتفهّم ما يحدث، بعد شرح مناسب قبل المشاركة، مع مراعاة أنه إذا رفض الطفل المشاركة فلا يُجبَر.
  • أعلمه بالمستجدات: إذا كانت الوفاة تُحدِث تغييرات في حياة الطفل، مثل أن تتوفى جدته وكانت هي التي ترعاه في غياب الأم، أو في حالة وفاة أحد الوالدين، فعليك أن تشرح للطفل التغييرات التي ستحدث في حياته/ دخول بعض الأفراد. وإعلامه بالمستجدات دائمًا قبل حدوثها.
  • ساعد نفسك أولًا: في حالة وجود طفل تحت رعايتك، ستبدأ بالاهتمام به أولًا، لكن لا تتناسى أنك تحتاج لمساعدة، أنت أيضًا تعرضت لفقد، اطلب المساعدة لتخطي تجربتك. مساعدة طفلك تبدأ بأن تكون بصحة نفسية كافية لكليكما.
  • تحدث إلى مدرسة طفلك، فسيحتاج الطفل الدعم الكافي من الراشدين المحيطين به.

ما يحتاجه طفلك ليس الحماية من التجربة، وإنما أن تكون بجواره أثناء التجربة، داعمًا، بدايةً من السقوط من فوق الدراجة، وحتى مواجهة الموت. يحتاج أن يفهم وأن يجد إجابة أسئلته، وأن يتفهم ما هي المشاعر التي يشعر بها، وبماذا يسمى الألم الذي يشعر به؟ وأن يستخدم المسميات للتعبير عنه. «ما تشعر به الآن هو حزن، هل تريد أن أحتضنك؟»، «هل تريد التحدث؟». بناء صحة نفسية لا يكون بتجاهل الأذى، وإنما بتعلم كيف نتخطى الأذى. لا يختلف التحدث عن الموت عن التحدث عن الولادة، عليك أن تمنح الإجابات اللازمة –دون كذب- وفي الوقت المناسب، بما يتناسب مع عمر الطفل وخبراته.

وتذكر.. معلومات أكثر من اللازم/ معلومات أقل من اللازم، قد تكون مؤذية للطفل.

المراجع
  1. Gootman, M.E. (1994). When a friend dies: A book for teens about grieving and healing. Minneapolis: Free Spirit Publishing
  2. Greenlee, S. (1992). When someone dies. Atlanta: Peachtree Publishing. (Ages 9-12)
  3. Wolfelt, A. (2001). Healing your grieving heart for kids. Ft. Collins, CO: Companion. (See also similar titles for teens and adults)