من أين نبدأ؟ كيف نبدأ؟ هو سؤال التربية الأول، السؤال الأبسط والأعقد.

ميلاد الطفل حدثٌ جلل، سواء كان طفلك الأول أو الثاني، فلن يغير ذلك من حقيقة وجود كائن مستقل جديد في المنزل – ولوجوده هيبةٌ وثقل ومسؤولية – وسؤال ماذا أفعل.

ورغم أن الأمر يبدو معقدًا وصعبًا فإن التعرف على الطفل لا يختلف كثيرًا عن تعرفك على زملائك وأصدقائك، كل ما في الأمر أنك بحاجة لمعرفة طباعه وعاداته ورغباته، لكن كيف أعرف ذلك من رضيع لا يتحدث ولا يعبِّر بشكل واضح عن رغباته واحتياجاته، بل إنه حتى لا يعرف ما يريد بعد!

أغلب ما عليك فعله خلال السنة الأولى هو الهدوء والثقة في نفسك وفي فطرتك التي ستساعدك بأكثر مما تتخيل مع الوقت، والمراقبة.

لماذا نراقب؟

المراقبة المستمرة هي مفتاحك للتعرف على طفلك، رغباته وتفضيلاته وجدول نموه وطبيعته الفطرية. وهي تمهد لك الطريق لبناء علاقتك معه ومساعدته على النمو وتدعيم أنظمته الحياتية المختلفة كالأكل والنوم. وتتيح لك فرصة التعرف عليه واكتشاف نفسك وطفلك ونظامه المريح كي يعتاد بيئته الجديدة المليئة بالتحديات والمعاناة مقارنةً ببيئة الرحم الآمنة المريحة. ولادة الطفل هي أول خروج للإنسان من دائرة أمانه، وكل ما عليك فعله هو محاولة بناء دائرة أمان جديدة يستطيع الاعتماد عليها في نموه.

المعرفة

بالتوازي مع الملاحظة والمراقبة يحتاج المربي إلى جزء معرفي وقاعدة علمية تساعده على فهم احتياجات طفله وتطوره. أحد أهم مصادر المعرفة الأولى في التربية هو كتاب دكتور سبوك، رغم أنه يعد من المصادر القديمة فإنه باستثناء بعض التفاصيل التي تطورت علميًّا يعد أهم المصادر التي يمكنك البداية بها، ويمكنك أيضًا الاستمتاع بمشاهدة الوثائقي الذي أنتجته نتفلكس مؤخرًا عن الرُّضَّع لتحظى بمعرفة ممتعة ومثيرة عن عالمهم.

 و.بدأ التربية حين نتعرف على أهم شقين في نمو الطفل:

1. نموه الجسدي، والذي يمكنك متابعته بشكل دوري عبر جداول نمو الطفل وطبيب الأطفال، حتى تتأكد أن طفلك يسير في عملية نموه بشكل طبيعي وسليم. ويمكن الاستعانة ببعض الأنشطة مثل المساج وتعليم السباحة خلال الأشهر الأولى لتطوير حركة العضلات وراحة الطفل.

 2. نموه النفسي، والذي يؤهلنا ببساطة لفهم كيف يفكر، وماذا يحتاج لمساعدته على تجاوز مراحل نموه بأكثر طريقة صحية وآمنة له. وإذا لاحظت على سبيل المثال نظرية أريسكون في علم النفس الاجتماعي، فستجد أهمية نمو الطفل النفسي خلال السنة الأولى التي يحدد فيها عن طريق علاقته بمربيه نظرته وثقته في العالم من حوله، فاعتناؤك بطفلك وتنظيفه ومداعبته ورضاعته هي ركائز تحدد ثقته وتعامله المستقبلي مع العالم.

اللغة

بالرغم من أن تعلم اللغة فطري وطبيعي فإن طريقة المساعدة في اكتساب اللغة تصنع فارقًا في جودة تعلم الطفل لها، كيف يمكننا صنع هذا الفارق؟

1. التحدث المباشر للطفل بلغة كاملة وسليمة: التحدث للطفل بأسماء الأشياء الحقيقية وبجمل سليمة تساعده على اكتساب لغة سليمة وبشكل أسرع.

2. استخدام الكروت والصور: الاستعانة بصور الأقارب وصور الأشكال الهندسية يساعد الطفل على استخدام أسماء الأشياء التي لا تقع في نطاق بصره مثل أدوات المنزل والطعام.

تربية الاطفال تعليم الاطفال
تربية الاطفال تعليم الاطفال الصغار

3. لغة الإشارة: أحد العلوم الحديثة في تعليم اللغة هو استخدام لغة إشارة مع الطفل في الفترة قبل العامين، حين يكون الطفل قادرًا على فهم المعاني لكنه يعجز عن التحدث، استخدام لغة الإشارة يساعد الطفل على التواصل والتعبير عن نفسه وتعلُّم اللغة، ويقلل توتره الناتج عن عدم فهمه.

التربية الجنسية

مبادئ التربية الجنسية تبدأ مبكرًا جدًّا منذ الولادة، وتزداد تفاصيلها مع تقدم العمر، خلال السنة الأولى من المهم الحفاظ على مبدأ حرية الطفل عن طريق عدم إجباره على السلام أو التقبيل أو الاحتضان حين يرفض مهما بلغ قرب الشخص الراغب في ذلك، وإن كان أحد الوالدين، ومبدأ خصوصية الجسد من خلال ستر الرضيع أثناء تغيير الحفاظ والتقليل من مداعبته واللعب معه أثناء خلع ملابسه، والمنع التام لمداعبة المناطق الخاصة. وفصل الرضيع عن غرفة أبويه بعد الشهر السادس على الأكثر، وعدم ممارسة العلاقة الحميمة إطلاقًا في وجود الطفل في غرفة الأبوين. فرغم اعتقاد الكثير أن الرضيع لن يعي هذه التفاصيل فإنها تؤثر فيه بشكل كامل، حتى إن كان على سبيل إرساء القواعد غير المنطوقة عن حدود الجسد وخصوصيته وتيسير تربيته الجنسية فيما بعد.

الأنشطة والألعاب

الهدف من تجهيز الألعاب والأنشطة للطفل خلال مراحل الطفولة الأولى هو تدعيم نموه الجسدي والنفسي بالإضافة إلى تسليته، خلال السنة الأولى يبدأ الطفل بالتعرف على نفسه أولًا، ثم حركات يديه وأرجله والتحكم في جسده، وحين يفرغ من اكتشاف جسده يبدأ باكتشاف العالم من حوله، ويندر أن يهتم بالألعاب البلاستيكية أو ذات الأصوات الموسيقية، وسرعان ما يملها ويرميها ويلتقط ريموت التلفاز، فماذا نفعل؟ وكيف نهيئ له ألعابًا تناسبه؟

تربية الاطفال

سمات أنشطة السنة الأولى

1. آمنة: (غير قابلة للبلع أو الكسر، ولا تحتوي على مكونات سامة إذا ما تم وضعها في الفم).

2. سهلة الفهم، ويستطيع الطفل التسلية بها وحده لفترة طويلة (من المهم أن يتعلم الطفل تسلية نفسه منذ السنة الأولى).

3. تدعم إحساسه بالإنجاز والاستقلال؛ لذلك من المهم أن تكون مناسبة لقدراته الجسدية وقت إعداد النشاط (وأسهل طريقة هي أن ننتظر حتى يكوِّن مهارة معينة كالإمساك مثلًا، ثم ندعمها بنشاط ملائم).

أنواع الأنشطة

1. المساج: خلال الأشهر الأولى يعد المساج أحد أمتع التجارب التي تمنحه اتصالًا مباشرًا مع الأهل واكتشافًا لأجزاء جسمه، بالإضافة إلى الاسترخاء والتخلص من الغازات والمغص الشائع خلال هذه الفترة، (ويمكن خلاله أن نتحدث ونذكر أسماء أعضاء الجسم باستمرار تدعيمًا لاكتساب اللغة).

2. المرآة: وجود مرآة كبيرة في مستوى نظر الرضيع يمنحه فرصة عميقة لتأمل نفسه وجسده وحركاته خصوصًا خلال الأشهر الأولى حين تكون حركته لا تزيد عن تحريك يديه ورجليه ويكون تركيزه على نفسه.

يمكنك أيضًا تدعيم حركته بربط يديه أو رجليه بخيوط خفيفة يستطيع من خلالها تحريك أجسام خفيفة مرئية، قدرته على تحريك الأشياء مثيرة ولطيفة.

3. المشاهدة الطبيعية: كل ما يرغب فيه الرضيع هو أن يشاهد ويكتشف هذا العالم، لذلك من المهم أن نضعه في وضعية المشاهدة بشكل دائم، فإذا كان المنزل يحتوي على نافذة أو بلكونة مطلة على الشارع فضع كرسيه نحوها بزواية يستطيع المشاهدة من خلالها، واتركه للاستمتاع بنفسه واكتشافاته الجديدة. وإذا استطعت فوفِّر له جلوسًا آمنًا في كرسيه في المطبخ أثناء إعداد الطعام وتحدث إليه عن الخطوات التي تقوم بها. وخلال رحلاته خارج المنزل ضعه في العربة باتجاه الشارع، أو إذا كنت تحمله فاحمله باتجاه عكسي يمكِّنه من مشاهدة ومراقبة الأشياء من حوله.

4. الاستقلال: تدعيم استقلال الطفل وقدرته على إنجاز الأعمال مهم لصحته النفسية، ويساعده على الثقة في نفسه وقدراته، ويمكننا تحقيق ذلك من خلال المهام البسيطة التي يستطيع فعلها، فحين يتمكن من مسك ونقل الأشياء اطلب منه مناولتك إياها، اترك له اختيار ملابسه (بين اختيارين فقط)، ناوله بعض الأدوات المنزلية الآمنة واتركه ليتسلى بها دون تحديد نشاط معين، اترك له طبقه ليأكل بنفسه حين يبدأ التحكم في عضلات يديه. هذه النسمات من الحرية هي التي تسقي ثقة الطفل وتمنحك مساحةً للرفض والمنع وقت الخطر.

تربية الاطفال تعليم الاطفال طعام الاطفال

الحواس وتقوية عضلات الأيدي

خلال السنة الأولى من المهم تقوية الحواس وعضلات يديه الصغيرة وترك الطفل ليكتشفها ويدرك العالم من حوله عن طريقها، وتخدمنا في ذلك الألعاب والأنشطة التي يمكنك بسهولة تنفيذها في المنزل:

1. زجاجات/ أكياس الحواس: وهي عبارة عن أكياس أو زجاجات بلاستيكية مملوءة بمواد مختلفة في الملمس أو الصوت أو اللون ليكتشفها الطفل بنفسه.

 2. أنشطة الإمساك والنقل: يمكن تنفيذها حين يبدأ الطفل بإحكام قبضة يديه على الأغراض المختلفة، وهي ببساطة أن تعطيه أدوات لإمساكها ونقلها من مكان لآخر، وتتدرج أحجام الأدوات المستخدمة تبعًا لسن الطفل وقدرته على الإمساك.

3. الاستخدام الدقيق للأيدي: لمزيد من التحكم وتقوية عضلاته الدقيقة، مثل نزع الشريط اللاصق الذي يتطلب جهدًا أكبر من نقل الأجسام، أو إدخال الأجسام في أماكن ضيقة.

4. التحديات (طفرات النمو، التسنين): كل مراحل نمو الإنسان تشمل تحديات ولحظات مؤلمة، وهي اللحظات التي تعذب الوالدين بشكل أكبر وتشعرهما بالعجز، لذلك من المهم أن نستعد لهذه للحظات المؤلمة.

ما هي طفرات النمو؟ هي مراحل يقفز فيها الطفل في جدول نموه قفزات قد تتسبب في تقلبات مزاجية وتغير عادات النمو والشهية، مما يتسبب في آلام له ولوالديه.

ماذا أفعل خلال فترة التسنين أو طفرات النمو؟

كل ما هو مطلوب منك هو تهدئة الطفل ومحاولة تيسير هذه المرحلة عليه، مثل استخدام العضاضات أو كمادات الأسنان الباردة، أو تغيير أجواء المنزل وروتين الطفل، وبالطبع معرفتك بفترات الطفرات وسماتها يقلل من قلقك وتوترك كمربٍّ. مرحلة وستمر، وتذكر أن مساعدتك لطفلك في تخطي هذه التحديات الأولى هي دعائمه لمواجهة التحديات خلال فترات حياته القادمة.

لا تقلق، أنت تستطيع

السنة الأولى تمنح الطفل أول ركائز ثقته في العالم، وهي بالتأكيد أصعب سنة في الرعاية، خصوصًا في حالة الطفل الأول، لكنها أسهل سنة في التربية إن تمكنا من الوقوف على أرضية علمية صلبة ومنحنا الرضيع مساحة وعلاقة تمكنه من مواجهة العالم من خلالها. ترسيخ علاقتك بالطفل في الوقت الذي يبدو فيه التعامل معه سهلًا (ويمكنك بكل سهولة نزع الأشياء منه وتركه في مكان لا يتحرك منه) هو ما سييسر لك التعامل مع المراحل الأعقد والأكثر تشبثًا وعنادًا. ويمكننا دائمًا الاختيار: هل نبذل القليل من أجل تيسير الطريق، أم نترك الأرض غير الممهدة تؤرقنا بقية الطريق؟