محتوى مترجم
المصدر
The Conversation
التاريخ
2017/11/27
الكاتب
Bronwyn Coate

فيم كان يفكر أحدهم وهو يشتري لوحة سالفاتور موندي (مخلص العالم) لليوناردو دافينشي مقابل 450 مليون دولار أمريكي؟

قد تفسر ذلك بأنه مجرد استثمار، ولكن نفس هذه اللوحة بيعت عام 2005 بمبلغ عشرة آلاف دولار فقط.

من وجهة النظر الاقتصادية، يمكن النظر إلى الفن كنوع من أنواع الاستثمار، ومع ذلك، أوضحت الأبحاث أن الاستثمار في الأعمال الفنية يأتي بنتائج متباينة، إذ تُقدم الأعمال الفنية أيضًا ما يُطلق عليه الاقتصاديون «المنافع المعنوية» (psychic benefits)، فتملّك العمل الفني يمنح صاحبها أحاسيس راقية، وشعورًا بالمتعة والفخر، ولعل ذلك هو السبب وراء الأثمان المرتفعة التي دُفعت لقاء لوحة سالفاتور موندي.


الفن كنوع من الاستثمار

تختلف نتائج الاستثمار في الأعمال الفنية اختلافًا شاسعًا، بناءً على عدد من العوامل. فمثلاً، يأتي الاستثمار في الأعمال الفنية المرتبطة بالحركات والمدارس الفنية التي تتمتع بالإقبال الجماهيري، بنتائج أفضل من الاستثمار في الأعمال الفنية الأخرى، كما يحقق الاستثمار في الفن المعاصر نتائج أفضل من الاستثمار في الفن الانطباعي، إذ يقترن الطلب القوي على الفن المعاصر مع قلة المعروض منه للبيع، ما أدى إلى ارتفاع الطلب على أعمال فنانين كانوا مغمورين في السابق، مثل كيث هارينغ، ولكن في العادة، يرتفع الطلب إلى أعلى مستوياته على أعمال كبار الفنانين.

وأظهر تحليل اقتصادي أخير أن نصيب 25 فنانًا فقط (من بينهم جان ميشيل باسكياتوآندي وارهولوجيرهارد ريختر) يبلغ 1.2 مليار دولار أمريكي من إجمالي مبيعات المزادات الفنية للفن المعاصر خلال عام 2017، والتي بلغت 2.7 مليار دولار أمريكي.

ولم تشمل قائمة الخمسة وعشرين فنانًا سوى امرأتين فقط، وهما آغنيس مارتن، ويايوي كوساما، ما يشير إلى مشكلة أخرى وهي عدم تساوي تمثيل الجنسين في المجال الفني، والطريقة التي يتم بها بناء المسار المهني للفنان وشهرته.

لوحة سالفاتور موندي لليوناردو دافنشي.

وأظهرت الدراسات الأكاديمية حول الفن كمادة للاستثمار نتائج متضاربة، فعلى سبيل المثال، أظهر بحث حول سوق الفن الكندي أن عائدات الاستثمار في الفن أقل من عائدات الاستثمار في سوق الأسهم، ومع ذلك، تشير الدراسة إلى فوائد أخرى لوجود الأعمال الفنية ضمن المحافظ الاستثمارية، منها تنويع أصول تلك المحافظ.

ولكن الدارسات التي أجريت على حوالي 35 ألف لوحة فنية لكبار الفنانين الأستراليين أظهرت أن عائداتها المالية تتراوح في المتوسط بين 4% و15%، متفوقة بذلك على عوائد الاستثمار في أسواق الأسهم، كما أظهرت الدراسة أيضًا أن اللوحات المرسومة باستخدام ألوان الزيت والماء واللوحات التي بيعت من خلال دور المزادات، كانت ذات أسعار أعلى.

أما اللوحات التي يُطلق عليها «التحف الفنية»، مثل لوحات ليوناردو دافنشي على سبيل المثال، فكان أداؤها المالي أسوأ بكثير مقارنة بسوق اللوحات الفنية إجمالاً. ومع ذلك، فبما أن اللوحات الفنية تقدم فوائد أخرى عند الاستهلاك؛ مثل الوجاهة الاجتماعية والقيمة الجمالية إلخ، فإنها تختلف عن الأسهم والسندات، فعلى الرغم من انخفاض عائداتها، فإن الاستثمار في الفن لا يزال جذابًا.

ويعكس سوق الفن الأسترالي تأثير الفن المعاصر على السوق العالمي برمته، فعلى سبيل المثال، مثّلت أغلى خمس لوحات أسترالية بيعت عام 2017،حوالي 10% من إجمالي قيمة اللوحات التي بيعت في العالم كله في نفس العام.

وعلى الرغم من أن بيع لوحة «خلق الأرض» للرسامة الراحلة «إميلي كام كنغواري»، وهي من السكان الأصليين لأستراليا، لم يجذب انتباه المراقبين مثلما فعلت لوحة ليوناردو، إلا أنها بيعت بسعر 2.1 مليون دولار أسترالي، وهو ما يقارب ضعف السعر الذي بيعت به اللوحة منذ عشر سنين مضت.


فن للاستهلاك

لوحة, سالفاتور موندي, ليوناردو دافنشي, فنون قديمة
لوحة, سالفاتور موندي, ليوناردو دافنشي, فنون قديمة

يُعد الاستمتاع بجماليات الفن، والشعور بالتحدي أو الإلهام المصاحبين له، أمورًا غير موضوعية ويصعب قياسها، ولكن ذلك لا يعني أن استهلاك الفن لا يضفي عليه قيمة. ويستخدم الاقتصاديون مصطلح «المنافع المعنوية» لوصف المنافع التي تعود من استهلاك الفن، ويمكن تقسيم هذه المنافع إلى ثلاثة نطاقات:

النطاق الأول: هو الشعور بالرضا الناتج عن دعم الفن والفنانين، وهو حافز ذو أهمية بالغة لمن يتبرعون بمجموعاتهم الفنية للمتاحف أو الداعمين للفنون بوجه عام. وعلى الرغم من أهمية هذا الحافز، إلا أنه ليس ذا علاقة مباشرة بأسعار بيع الأعمال الفنية في المزادات.

أما النطاق الثاني: فهو الفائدة الوظيفية أو التزيينية للفن من خلال استخدامه لإضفاء قيمة جمالية على الأماكن، وهي الفائدة الأقرب لمقصود الفنان عند إبداعه العمل الفني في الأساس.

وبالإضافة لما سبق، تأتي الوجاهة الاجتماعية المصاحبة لاقتناء الأعمال الفنية، إذ تُظهر تمتع أصحابها بالذوق الرفيع والثروة والسلطة. فعلى سبيل المثال، غالبًا ما تُعرض الأعمال الفنية الحديثة والمعاصرة المبهرة في مداخل وردهات المكاتب والشركات.

ويطلق الاقتصاديون على ما سبق مصطلح «الاستهلاك المظهري»، فكلما ازدادت ثروة الأشخاص ازداد طلبهم على اقتناء الأعمال الفنية الرفيعة. وبالفعل، استُخدم الفن على مدار التاريخ كوسيلة لإظهار القوة، حتى من قِبل الكنيسة في أوروبا.

ويوضح ذلك أن ما يُحرك سوق الفن، خاصة الأعمال الفنية رفيعة المستوى، خليط عجيب من الاستثمار والاستهلاك، مدفوع بانخفاض حجم الأعمال الفنية المعروضة.

وتمثل الأعمال الفنية لمشاهير الفنانين علامة جودة وضمانًا للسوق الذي تُباع فيه، ما يجعله قِبلة للأغنياء وأرباب السلطة، كما أن تميز هذه القطع الفنية وندرتها لا يزيد الطلب عليها فحسب، ولكنه يحد من المعروض منها أيضًا، ما ينشئ قوة دافعة ممتازة لرفع الأسعار.

وعلى الرغم من أن ذلك لا يشرح السبب وراء بيع لوحة سالفاتور موندي شرحًا وافيًا، فإن التحليلات التي أجريت على صفقة بيع اللوحة تشير إلى أن الحملة التسويقية التي شنها دار المزادات كانت متميزة، ولذلك نجحت في الوصول لهذا السعر المرتفع.

ولكن بخلاف القيمة التجارية للفن، تحمل الأعمال الفنية قيمة ثقافية واجتماعية لا يمكن تقييمها بأسعار السوق، فبينما بيعت لوحة سالفاتور موندي لليوناردو دافنشي بسعر 450 مليون دولار أمريكي، توجد تحف فنية لا يمكن بيعها مثل سقف كنيسة «سيستينا» الذي رسمه مايكل آنجلو،والذي لا يقدر بثمن.