محتوى مترجم
المصدر
theconversation
التاريخ
2020/2/13
الكاتب
برنارد كويتزي

منذ خمسة وعشرين عامًا اختبرت لوس أنجلوس انقطاعًا ضخمًا للتيار الكهربي بسبب هزة أرضية، حيث غرقت المدينة بأكملها في الظلام، كما غرق خط الطوارئ 911 في سيل من مكالمات مذعورة لأناس يتحدثون عن «سحابة فضية عملاقة» تبتلع السماء، لم يعلم هؤلاء أنهم يشاهدون درب التبانة لأول مرة في سماء الليل؛ مجرتنا التي تحوي المجموعة الشمسية، فبعض أولئك المتحضرين لم يختبر من قبل سماءً مظلمة غير ملوثة بالضوء.

التلوث الضوئي هو الضوء الشديد المتداخل الذي تنتجه الحضارة البشرية ليلًا، يأتي هذا الضوء من مصادر اصطناعية، من كهرباء المنازل والمكاتب ومصابيح الطرقات ومن لوحات الإعلانات والمصابيح الأمامية للسيارات بصورة أساسية. كما أن هنالك نوعين أساسيين من التلوث الضوئي؛ النقاط المضيئة وهو الضوء المنبعث مباشرة من مصدر ما، والوهج السماوي وهو التأثير المجمع والمتراكم من مصدر مضيء يسري عبر الغلاف الجوي، ذلك الوهج الخفيف الذي يمكننا رؤيته في الأفق إذا نظرنا إلى مدينة ما من منطقة ريفية.

تقع نحو ربع مساحة الأرض تقريبًا تحت سماوات ملوثة، حيث يعيش ثمانون بالمائة من تعداد السكان تحت تلك السماوات الملوثة بالضوء حاليًّا، الأمر الذي يعني أن ثلث البشرية لم يعودوا قادرين على رؤية درب التبانة بعد الآن.

إن غزو الضوء الاصطناعي لليل حدث في كون كان غارقًا في الظلام في الحقيقة، فبعيدًا عن الوهج الخفيف للضوء السماوي، لا ينبغي أن ننسى أنه لولا  الضوء الاصطناعي لكان نصف الأرض دومًا في أي دقيقة الآن غارقًا في ظلام مطبق، فنحن نحظى بضوء الشمس يوميًّا بسبب ميزة حصلنا عليها بالصدفة؛ كوننا على مقربة من نجم ما، وهو ما يعني أنه على مدار نطاقات زمنية متدرجة على الأرض، فقد تكيف البشر أيضًا مع دورات ليل ونهار ثابتة ومنتظمة، إذ استخدمت العديد من الكائنات الحية دورات الضوء الشمسي والقمري لتُشكل أنماط سلوكها ونشاطها ونومها على أساس زمني، ومتى يتزوجون ويأكلون أيضًا، ولكن التغطية المكانية للتلوث الضوئي الآن ضخمة، وتتزايد كثافتها كذلك.

لكن هناك مشكلة أكبر؛ فهنالك دلائل متزايدة  مفادها أن الإضاءة المتزايدة لها مجموعة من الآثار السلبية.

الجانب المظلم للإضاءة

تؤثر الإضاءة سلبًا  على البيئة إذ تشوش على دورات الضوء الطبيعية التي يدور نشاط الفصائل حولها، ويتضمن هذا التغيرات في تقسيم الوقت كالتغريد وأوقات النشاط والبحث عن الطعام بالنسبة للحيوانات، أو تبدل صحة الأفراد.

كما أن هنالك أدلة متزايدة على الآثار السلبية للإضاءة على الصحة البشرية؛ فهرمون الميلاتونين المنُظم لدورات النوم البشري يقل إفرازه تأثرًا بالضوء، فاختلاف نُظم الضوء عن دورات الليل والنهار بسبب التلوث الضوئي يعني إمكانية تشويش العملية الحيوية للتعبير الطبيعي للهرمون، وهو الأمر الذي المرتبط بالبدانة وقلة جودة النوم وضعف الذاكرة.

ولأن الميلاتونين مضاد للأكسدة يكون إمكانه إزالة الجذور الحرة، بينما تشويش تعبير ذلك الهرمون عبر الضوء الاصطناعي قد  يزيد من خطر السرطان، ويكون تشويش دورات الضوء الطبيعي أكثر حدة خصوصًا مع أضواء الـ LED (الصمام الثنائي الباعث للضوء)؛ والتي يزداد تبنيها عالميًّا  نظرًا لفوائد فعالية الطاقة الخاصة بها، مع قليل من الاهتمام بعواقبها السلبية على الصحة.

إدارة المشكلة

سلط تقرير حديث في مجلة Science  الضوء على خمس استراتيجيات رئيسية لتقليل الإضاءة عالميًّا -والتي لن تقلل من فوائدها بالضرورة- وهي كما يلي:

  • تجنب إدخال الإضاءة إلى المناطق المظلمة من قبل.
  • أن يكون الإضاءة بأقل كثافة ممكنة للاستخدام.
  • استخدام الإضاءة عند الحاجة المباشرة فقط وحجبها قدر الإمكان.
  • استخدام الإضاءة عند الحاجة.
  • أن تكون الإضاءة «أكثر حرارة»؛ مما يعني المزيد من الأضواء البرتقالية التي ينبغي استخدامها بدلًا من الضوء الأبيض المزعج.

الحاجة لبحث إفريقي

نظرًا لعظم وفداحة العواقب، فإن ندرة الأبحاث عن التلوث الضوئي في إفريقيا لهو قصور مدهش، فعلى الرغم من كون إفريقيا إحدى أقل القارات في التلوث الضوئي، فإن ذلك يتغير بسرعة مع تمدد بنية الإنارة التحتية وارتباطها الوثيق بالتنمية الاقتصادية، وهو أمر صحيح بشكل خاص بالنسبة للمناطق الريفية، والتي قد تزيد إتاحة الشبكات الكهربية وأضواء الـ LED بالنسبة لها.

لم يضع الأطلس العالمي للوهج السماوي أي معايير واقعية في إفريقيا (ولا في أمريكا الجنوبية أو أغلب مناطق آسيا)، بينما ضرب مثالًا على مدى الحاجة الضرورية إلى فهم أقوى وأوسع عن آثار ذلك الأمر.

التلوث الضوئي هو أمر ضار ويتزايد اعتباره كمحرك للتغيير العالمي، فبينما ما زال العديد من الأفارقة بإمكانهم رؤية درب التبانة، فإن شبح تمدد شبكات الإنارة يلوح في الأفق، وكما هو الحال بالنسبة للقوى المحركة للتغير العالمي، فالقارة تمر بمنعطف هام لضمان أن مسارها الاقتصادي لن يؤثر بالسلب على الصحة البشرية والبيئية، وكيف يحدث ذلك بصورة وافية، والنلوث الضوئي ما زال أمرًا لم يُتخذ قرار بشأنه.