قام الملك من نومه فزعًا، فجمع رجال دولته من الأمراء والوزراء والكهنة كافة، ثم حكى عليهم ما رآه في نومه؛ فقال كما ورد في سورة يوسف: ﴿وَقَالَ ٱلۡمَلِكُ إِنِّيٓ أَرَىٰ سَبۡعَ بَقَرَٰتٍ سِمَانٍ يَأۡكُلُهُنَّ سَبۡعٌ عِجَافٌ وَسَبۡعَ سُنۢبُلَٰتٍ خُضۡرٍ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٍۖ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡمَلَأُ أَفۡتُونِي فِي رُءۡيَٰيَ إِن كُنتُمۡ لِلرُّءۡيَا تَعۡبُرُونَ﴾ [يوسف: 43].

فأخبروه أنهم لا يحسنون تأويل الأحلام، فتذكر ساقي الملك يوسف (عليه السلام) وما كان منه في السجن، فطلب من الملك أن يذهب إليه لتأويل الرؤيا، ولما عاد من عنده- يوسف (عليه السلام)- وحكى للملك فاطمأن لقوله، ثم لحُسن خُلقه، كما ذكرت الآيات، فقرر الملك إخراج يوسف (عليه السلام) من السجن وجعله من المقربين منه، وكذلك طلب يوسف من الملك، كما ذكرت السورة: ﴿قَالَ ٱجۡعَلۡنِي عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلۡأَرۡضِۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ [يوسف: 55].

وهنا نجد أن قرار الملك مبني على تأويل يوسف للرؤيا، وأيضًا طلب يوسف مبني على رؤيا الملك.

وكما ورد في القرآن الكريم كيف أن الرؤيا أحيانًا تحدد خطوات وقرارات البعض مستقبلًا، نجد في كتب التاريخ والسير، قصصًا مُشابهة لأحلام ورؤى في قرارات العرب قبل وبعد الإسلام.

مُبشرات النبي

من هذه المبشرات، رؤيا ربيعة بن نصر، من أشراف اليمن، ولشدة انزعاجه منها استدعى كاهنًا يقال له سطيح، فلما قدم عليه، طلب منه بن نصر أن يخبره بما رأى قبل أن يفسر له رؤياه، فقال له سطيح: «رأيت حممة خرجت من ظلمة فوقعت بأرض تهمة فأكلت منها كل جمجمة»، فقال له بن نصر: ما أخطأت.

ثم قال له سطيح:

إن الأحباش سوف يدخلون اليمن، ويملكونها، ثم يرحلون عنها، ويعود الحكم فيها لأهل اليمن، ثم ينقطع حكمهم على يد نبي زكي يأتيه الوحي من قبل العلي، وكانت هذه بشرى ببعث الرسول (صلى الله عليه وسلم) في أرض العرب.

ولما اطمأن ربيعة بن نصر لتأويله، قرر أن يرسل أهله وبنيه إلى العراق وأرسل كتابًا إلى ملك بلاد فارس، فأسكنهم منطقة الحيرة بالعراق، ويقال إن النعمان بن المنذر من أحفاد ربيعة بن نصر.

وأيضًا، رؤيا عبد المطلب (جد النبي) التي رآها قبل ميلاد الرسول (صلى الله عليه وسلم)، حيث رأى وهو نائم في حجر الكعبة «كأن شجرة تنبت قد نال رأسها السماء وضربت بأغصانها المشرق والمغرب.. ورأيت رهطًا من قريش قد تعلقوا بأغصانها، ورأيت قومًا من قريش يريدون قطعها، فإذا دنوا منها آخرهم شاب لم أر قط أحسن منه وجهًا ولا أطيب منه ريحًا فيكسر أظهرهم ويقلع أعينهم، فرفعت يدي لأتناول منها نصيبًا، فمنعني الشاب فقلت لمن النصيب؟ فقال النصيب لهؤلاء الذين تعلقوا بها وسبقوك إليها».

فذهب عبد المطلب مذعورًا إلى إحدى الكاهنات، وقصَّ عليها رؤياه، فقالت له: لئن صدقت رؤياك ليخرجن من صلبك رجل يملك المشرق والمغرب ويدين له الناس.

فاستبشر عبد المطلب من حديثها، وقال لابنه أبي طالب: «لعلك تكون هذا المولود»، وظلت هذه الرؤيا حديثًا يرويه أبو طالب، بخاصة بعد أن ولد الرسول (صلى الله عليه وسلم) وبعث بالرسالة، وكانت تلك الرؤيا دافعًا لأبي طالب لرعايته وحمايته من الأعداء.

الرؤيا تهديهم للإسلام

كانت الرؤيا حافزًا لإسلام بعض أهل مكة والمدينة المنورة (يثرب)، مثل: أبي بكر الصديق، وسعيد بن أبي وقاص، وخالد بن سعيد وزوجته وأخيه عمرو بن سعيد، وأسعد بن زرارة؛ وغيرهم من الصحابة، واتسمت معظم الرؤيا بالتشابه فيما بينها بظهور نبي في مكة، وقد كانت هذه الرؤيا حافزًا لإيمان هؤلاء الصحابة، بخاصة مع معرفتهم علامات النبوة على الرسول (صلى الله عليه وسلم).

يحكي نور الدين الحلبي في كتابه «السيرة الحلبية»، أن سبب مبادرة إسلام أبي بكر، بجانب تصديقه دلائل النبوة، رؤيا رآها سابقًا، حيث رأى القمر نزل إلى مكة فدخل في كل بيت منه، فقصّها على بعض أهل الكتاب، ففسّرها له بأنه يتبع النبي المنتظر الذي قد ظل زمانه، وأنه يكون أسعد الناس به، وهذا ما حدث فعلًا كما تروي كتب السيرة، فأبي بكر الصديق كان من أوائل من أسلموا وأقرب صحابي للرسول (صلى الله عليه وسلم).

وأيضًا تتشابه رؤيا أبي بكر مع رؤيا أسعد بن زرارة، والتي ذكرها ابن سعد في كتابه «الطبقات الكبري» فبينما هو عائدٌ إلى يثرب من الشام، رأى في منامه أن آتيًا أتاه، فقال له: إن نبيًا يخرج بمكة يا أبا أمامة فاتبعه.

وكان لهذه الرؤيا أثر فيه فعندما ذهب مع ذكوان بن عبد قيس إلى مكة ليحكم بينهما عتبة بن ربيعة فسمعا برسول الله، فذهبا إليه فعرض عليها الإسلام فأسلما، وكانا أول من أسلم في المدينة، وهو ممن حضر بيعة العقبة الأولى والثانية، التي كانت بداية لهجرة المسلمين والنبي من مكة إلى المدينة المنورة.

الرسول يبحث عن مهجره

ذكرت كتب السير أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) أخبر صحابته قائلًا: رأيت في المنام أنى أهاجر من مكة إلى أرض فيها نخل، وكانت هذه الرؤيا دافعًا للبحث عن تلك الأرض ودعوة القبائل فيها إلى الإسلام، فذهب إلى اليمامة والطائف وهجر، لكن كانت الأرض التي اختارها الله هي يثرب، التي جاء أهلها يبايعون الرسول (صلى الله عليه وسلم) في عامين متتاليين، وعرفوا بأهل بيعة الرضوان.

حفزت تلك البيعة، للرسول (صلى الله عليه وسلم) بأن يأذن لصحابته في مكة بالهجرة إلى المدينة، ثم هاجر هو مع أبي بكر، كما ذكرت سيرة ابن هشام.

أبو جهل يكذب رؤيا قتلى بدر

أيضًا ورد في سيرة ابن هشام، رؤيا جهيم بن الصلت، التي رأى فيها مصرع كبار قريش في بدر، وقد حكاها لأبي جهل (عمرو بن هشام) فقال: وهذا أيضًا نبي آخر من بني المطلب، سيعلم إذًا من المقتول إن نحن التقينا.

ورغم هذه الرؤيا وتحذير أبي سفيان، فإن أبا جهل أصر على الخروج، آملًا في القضاء على دعوة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وواجهوا المسلمين في منطقة آبار بدر، سنة 2هـ، وقُتل أشراف قريش الذين رآهم ابن الصلت في رؤياه، وكانت هذه أول معركة في الإسلام، ثم توالت من بعد ذلك الغزوات والفتوح.

الحسين مبشرٌ بالشهادة

حول استشهاد الحسين رويت العديد من الرؤى، أشهرها رؤيا عبد الله بن عباس، التي ذكره البغدادي في كتابه «تاريخ بغداد»، أن عبد الله بن عباس رأى في ما يرى النائم الرسول (صلى الله عليه وسلم) أشعث أغبر، بيده قارورة، فسأله: ما هذه القارورة؟ فقال: دم الحسين وأصحابه.

لكن تظل رؤيا النبي لمقتل الحسين هي الأولى في هذا الأمر، حيث رأى في ما يرى النائم: كأن كلبًا أبقع يلغ في دمه (يقصد الحسين)، كما أن مَلَكًا جاء للنبي في بيت أم سلمة، وقال له: إن أمتك تقتله.

ورغم تلك البشرى والرؤى لم يسمع الحسين لتحذيرات صحابة رسول الله، وخرج إلى العراق، وقتل في كربلاء، كما ذكر ابن كثير في كتابه «البداية والنهاية».

الرؤيا تؤيد البيت الأموي

بعد وفاة يزيد بن معاوية الأموي، أعلن عبد الله بن الزبير نفسه خليفة، وبايعه الناس، سنة 64هـ، لكن مروان بن الحكم لم يرضَ أن تخرج الخلافة من البيت الأموي فحشد الناس ضد ابن الزبير، واستطاع أن يحكم قبضته على الشام، وبعد وفاة مروان جاء ابنه عبد الملك، سنة 65هـ، وقرر أن يسترد العراق والحجاز، وهو ما تم خلال بضع سنوات.

لكن اللافت للنظر في صراع ابن الزبير وابن مروان، أن الأول رأى خلال نومه كأنه صارع عبد الملك بن مروان، فصرعه وسمره في الأرض بأربعة أوتاد، وقد فسرها له ابن سيرين فقال: إن عبد الملك سوف ينتصر عليك، ويحكم من بعده أربعة من أبنائه، وهذا ما حدث، لكن هذه الرؤيا لم تمنع ابن الزبير من الحروب التي انهزم فيها.

المنصور يسعى لتحقيق رؤياه

استطاع أبو العباس السفاح أن ينهي الدولة الأموية ويؤسس الدولة العباسية، سنة 132هـ، وأوصى بالخلافة من بعده لأخيه أبو جعفر المنصور (سنة 132هـ)، لكن عمه عبد الله بن علي، رفض البيعة، ودخل معه في صراع على الحكم، انتهى بأن قبض أبو جعفر على عمه وسجنه، سنة 137هـ.

حول هذا الصراع، هناك رؤيا تدل عليه، حكاها أبو جعفر المنصور، وذكرها البغدادي في كتابه «تاريخ بغداد»، حيث قال: رأيت كأني في المسجد الحرام، وكأن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في الكعبة، وبابها مفتوح، فنادى مناد أين عبد الله؟ فقام أخي أبو العباس، ثم نودي أين عبد الله؟ فقمت أنا– أبو جعفر- وعبد الله بن علي نستبق حتى صرنا إلى الدرج المؤدي لباب الكعبة، فصعدت ودخلت الكعبة، وفيها رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ومعه أبو بكر وعمر وبلال، وقال لي: خذها إليك أبا الخلفاء إلى يوم القيامة.