في الكارتون الشهير «الأسد الملك» تساءل بومبا عن النجوم، وربما كان تعريف تيمون للنجوم على أنها «دبان منور لازق في السجادة الزرقا اللي هناك دي»، أبسط كثيرا من تصور بومبا لها على أنها «كور غاز مولعة على بعد بلايين الأميال»، لكن لحسن حظنا فإن تصور بومبا هو الصحيح، حيث تكون دراسة النجوم في هذه الحالة أكثر إمتاعا، فكرات الغاز المشتعلة على بعد بلايين الأميال -والتي شغلت كل من نظر يوما إلى السماء- تكشف لنا كل يوم عن شيء جديد، أحيانا عن الكون الذي نحيا فيه، وأحيانا أخرى عن أنفسنا نحن وارثي النجوم.


هنا تولد النجوم

سديم النسر نشأة النجوم تطور النجوم
النجوم هي المصانع الأولية للبشر، حيث تصنع فيها العناصر الأثقل من الهيدروجين وحتى الحديد، وكلها تدخل في تكويننا.

لكن قبل أن نبدأ الحديث عن النجوم لابد أن نبدأ أولا بالحديث عن مصانع النجوم، وهي السُدُم (Nebula).

في الواقع فإن الفضاء بين النجوم ليس فارغا تماما، ففي المسافات الهائلة بين النجوم توجد كميات كبيرة من الغاز والغبار تسمى المواد بين النجمية ((interstellar medium (ISM)، فمثلا من المعروف الآن أن حوالي 10% من المادة في مجرتنا «درب التبانة» مكونة من المواد بين النجمية. تنتشر سحب الغازات هذه في مجرتنا وفي المجرات الأخرى، وتكون باردة جدا، وهذه السحب تسمى سُدُم (Nebula)، وهو الاسم اللاتيني لكلمة سحابة أو ضباب (Cloud/ Mist/ Fog).

تمتد هذه السُدُم لمسافات عظيمة تقاس بالسنوات الضوئية Light year، وهي المسافة التي يقطعها الضوء في سنة، وتساوي 9.5×1012 كيلومتر، وهي مسافة هائلة بالنسبة لمقاييسنا الأرضية، فالمسافة بين الأرض والشمس حوالي ٨ دقائق ضوئية فقط، وهي المسافة التي يستغرقها الضوء للوصول من الشمس إلى الأرض بسرعته الهائلة.

أعمدة الخلق سديم نشأة النجوم
صورة لأعمدة الخلق (Pillars of Creation)، وهي منطقة مليئة بالغاز والغبار في سديم النسر. سميت بهذا الاسم لأن كتل الغاز والغبار فيها في مرحلة تخليق النجوم

لنتخيل أنفسنا الآن في هذا الفضاء الشاسع بين النجوم، حيث سحابة عظيمة كتلتها هائلة كافية لصنع آلاف النجوم في مثل حجم شمسنا. بجانب نسبة من الهيليوم تشكل حوالي 27%، فإن معظم هذه الكتلة مكونة من جزيئات الهيدروجين (ولذلك يسمى هذا النوع من السُدُم بالسحابة الجزيئية، حيث يوجد الهيدروجين على هيئة جزيئات). الهيدروجين هو أخف العناصر وأكثرها وفرة في الكون، وهو أبسط صورة للذرة، على وشك أن تتحول لعناصر أثقل وأكثر تعقيدا. لكن المدهش أننا سنجد معظم السُدُم تحتوي بالفعل على عناصر أخرى أثقل، بل بعض الجزيئات العضوية المعقدة. لكن كيف وجدت هذه العناصر الثقيلة في سحابة لنجم لم يتكون بعد؟ إنها «فضلات» من النجوم الأقدم التي انفجرت فيما يسمى بالمستعر الأعظم (Super Nova)! لكن الجزء الأكثر إدهاشا هو وجود الجزيئات العضوية المعقدة، من أين أتت؟ حسنا، لا ندري على وجه التحديد، الأمر ما زال لغزا!


التحضير لولادة نجم

نعود الآن لمشاهدة السديم، نلاحظ أن كثافته غير منتظمة، فبعض الأجزاء توجد بها كمية أكبر من الغاز من الأجزاء الأخرى، يعمل هذا التفاوت غير المنتظم في الكثافة على تجميع جزيئات الغاز أقرب لبعضها البعض، يتزامن ذلك مع عدة تغيرات أساسية في السحابة:

  • السخونة: تزداد درجة حرارة السديم مع انهياره وينكمش، حيث تتجمع جزيئات الغاز وتتحرك في اتجاه المركز وتفقد طاقة وضعها الكامنة لتتحول إلى طاقة حركة، وبينما تصطدم جزيئات الغاز ببعضها البعض تتحول طاقة الحركة إلى طاقة حرارية.
  • الدوران: يزيد معدل دوران السديم حول نفسه كلما قل نصف قطره، وذلك نتيجة مبدأ يسمى «حفظ عزم الازدواج»، لنفهم ذلك، ما علينا سوى مراقبة راقصة التزلج على الجليد التي تضم ذراعيها لجسدها عندما تريد أن تزيد من سرعة دورانها حول نفسها.
  • التسطح: نتيجة الدوران وتصادم الجزيئات، فإن السحابة تتسطح لتصبح مثل قرص (Disk). فمهما كان حجم السحابة أو شكلها، ومهما كانت كتل الغاز داخل السحابة تتحرك في اتجاهات مختلفة وبسرعات مختلفة، فإنها في النهاية تتصادم وتمتزج لتكون قرصا مسطحا يدور.
سديم نشأة نجوم
يعتقد العلماء أن الأسباب المحتملة لانهيار السديم هي اضطراب في مجال الجاذبية أو المغناطيسية وتكون من خلال:
  • موجة صدمة ناتجة عن انفجار نجم قريب.
  • تصادم سحابتين جزيئيتين ببعضهما البعض.

يستمر انهيار السديم على نفسه وتزداد درجة حرارته، وعند لحظة معينة تنفصل سحابة الغاز المكونة للسديم إلى العديد من السحب الأصغر، والتي من المحتمل أن تكون كل منها فيما بعد نجما.

قلب كل سحابة من هذه السحب المنفصلة ينهار أسرع من أجزائه الخارجية، ويبدأ في الدوران أسرع وأسرع للحفاظ على عزم ازدواجه.

بينما يستمر هذا التسارع تصبح الجاذبية أقوى لأن قوة هذه الجاذبية تزداد عندما تزداد الكتلة، وفي النهاية تنهار هذا المواد بين النجمية على نفسها تماما. المواد في القلب تنضغط بواسطة المواد الساقطة عليها من الخارج وتدفعها إلى المركز أكثر فأكثر . هذا الضغط يزيد بالطبع من درجة حرارة مركز السحابة المنهارة.

عندما تصل درجة حرارة المركز إلى 2000 درجة كيلفن (صفر كيلفن يساوي -273 مئوية) تبدأ جزيئات الهيدروجين في التحطم إلى ذرات هيدروجين، ويستمر ارتفاع درجة الحرارة حتى 10000 درجة كيلفن، ما يؤهله لبدء تفاعلات الاندماج النووي للهيدروجين في مركزه. لكن حتى الآن لم تبدأ التفاعلات الاندماجية، وبالتالي لا يصنف كنجم بعد، فحتى بعد أن ينهار حجمه الهائل إلى 30 مرة حجم شمسنا فقط (نصف قطر الشمس 7.35*10^-8 سنة ضوئية، وهو رقم صغير جدا بالمقارنة بحجم السحابة) يمكننا فقط أن نطلق عليه «نجم أولي» (Protostar).


نجوم فاشلة

الآن النجم تخطى أولى مراحل تطوره، لكن ليس أهمها، فكتلته سوف تلعب الآن الدور الأهم في تحديد إذا ما كان المولود الجديد سيصبح في عداد النجوم أم سيصبح قزما بنيا.

لكي نفهم القزم البني علينا أولا فهم الفرق بين الكوكب والنجم. عندما تنظر إلى السماء بالعين المجردة فإنه من الصعب تحديد إذا ما كنت ترى نجما أم كوكبا، لكن الأمر يختلف إذا كنت فلكيا مستخدما تليسكوب أو سبيكتروسكوب (ٍSpectroscope)، فالفارق الجوهري هو أن الكواكب تعكس الضوء، بينما النجوم تنتج هذا الضوء. إذن لماذا تنتج بعض الأجسام ضوءا بينما تكتفي أجسام أخرى بعكس هذا الضوء فقط؟ فهم ذلك سيقودنا مباشرة لفهم ماهية القزم البني.

بينما يتكون النجم من سحابة الغاز وتزداد درجة حرارة مركزه وتبدأ تفاعلات اندماج الهيدروجين وتحوله إلى هيليوم مطلقا كمية ضخمة من الطاقة تتسبب في تألق النجم، فإن الكوكب يتكون من تجمع جسيمات صغيرة من الغبار تبقت من تكون النجم. هذه الجسيمات تصطدم معا وتتماسك، لكن درجة حرارتها لا تصل أبدا لدرجة كافية لبدء اندماج نووي وإطلاق طاقة. القزم البني يقع بين هذين التصنيفين.

سديم نشأة النجوم
حجم القزم البني يتوسط النجوم الصغيرة وكوكب كبير مثل المشتري

القزم البني هو جرم له حجم متوسط بين الكواكب العملاقة -مثل المشتري- وبين النجوم الصغيرة. معظم الفلكيين يصنفون أي جرم حجمه يتراوح بين 15 و75 مرة حجم المشتري على أنه قزم بني، لكن رغم حجمه الكبير بالنسبة للمشتري، فإنه -نظرا لكثافته العالية- تكون كتلته هائلة مقارنة بكتلة المشتري، لكن مقارنة بالشمس –كنجم كتلته فوق متوسطة- فهو صغير الكتلة.

ويحدد علماء الفلك أنه عندما تكون كتلة النجم الأولي (Protostar) أقل من 0.08 من كتلة شمسنا فإنها لا تكفي لبدء سلسلة تفاعلات الاندماج النووي، لكن لحرارتها العالية فإنها تشع ضوءا ضعيفا يمكن رصده، لكنها لا تتحول إلى نجم، ما يجعل علماء الفلك يطلقون على القزم البني لقب نجم فاشل (failed star).

بدءا من العام 1995، استطاع علماء الفلك رصد بعض الأقزام البنية، وجدير بالملاحظة أن جميع المكتشَفين حتى الآن هم أجزاء من نظام ثنائي (binary system، وهو حيث يدور جسمان حول بعضهما البعض بسبب تقارب كتلتهما، ويمكن اعتبار بلوتو وقمره شارون نظاما ثنائيا).


اندمج

على الجانب الآخر هناك كتلة كافية أفلتت من مأزق القزم البني واستطاعت أن تنجو لتكمل رحلتها كنجم. إن كل ما يميز النجم هو وجود سلسلة تفاعلات اندماجية بين ذرات الهيدروجين في مركزه، لكن كيف يحدث هذا بالضبط؟

كي نتحدث عن الاندماج النووي، يجب أولا التحدث عن الذرة. يمكن أن نستخدم نموذجا فيزيائيا بسيطا لوصف الذرة، في مركز الذرة يوجد جسيمات تسمى بروتونات وأخرى تسمى نيوترونات ويسمى هذا المركز بالنواة، ومن هنا جاء اسم التفاعلات «النووية» لأن هذه التفاعلات تتعلق فقط بنواة الذرة، لإكمال النموذج علينا أن نعرف أن حول هذه النواة توجد جسيمات صغيرة تسمى إلكترونات تدور حول النواة، لكنها غير مهمة في التفاعل الاندماجي.

لكل نوع من العناصر في الطبيعة عدد مختلف من هذه الجسيمات. في الهيدروجين – بطلنا الأساسي- يوجد عدة إصدارات، في إحداها تحتوي النواة على بروتون واحد، وفي إصدار آخر يوجد في النواة بروتون ونيوترون، ويسمى هذا الإصدار بالديوتيريوم.

في مركز النجم الأولي تكون الجاذبية هائلة، فتقترب هذه الأنوية مع بعضها البعض بسرعة عالية جدا -على الرغم من أنها تتنافر بطبيعتها- إلا أن قوة الجذب الهائلة تضغطهم سويا لدرجة الاندماج، ومن هنا جاء اسم التفاعلات «الاندماجية». لكن كيف يولد هذا الاندماج طاقة؟

التفاعلات الاندماجية النووية

كمية الطاقة في نواة الديوتيريوم أكبر منها في نواة الهيدروجين، حيث إن تماسك البروتون والنيوترون يحتاج لطاقة لا توجد حاجة لها في نواة الهيدروجين، لأنها لا تحتوي على سوى جسيم واحد. عندما تندمج نواتا هيدروجين تنتج نواة ديوتيريوم، ثم يتفاعل الهيدروجين والديوتيروم وتتكون ذرة من نوع من الهيليوم يسمى هيليوم-3 ، لكن الطاقة لتماسك نواته أقل من الطاقة التي يستلزمها تماسك نواة الديوتيروم، فأين ذهب فرق الطاقة؟

تخرج الطاقة من التفاعل على هيئة موجات كهرومغناطيسية (مثل الضوء والحرارة) كما في معادلة أينشتاين الشهيرة(E = m * c^2) (حيث «E »هي الطاقة الناتجة، و «m» هي فرق الكتلة بين الهيدروجين والهيليوم الناتج، و «c» هي سرعة الضوء، وبملاحظة أن سرعة الضوء كبيرة جدا ( 300 ألف كيلومتر في الثانية، نلاحظ أن مربع هذا الرقم الضخم يعني أن الطاقة الناتجة من تحول كتلة صغيرة ستكون كبيرة للغاية).

يعتبر الهيدروجين في هذه التفاعلات الاندماجية هو وقود النجم طوال حياته، وحين تبدأ، يسطع ضوء النجم أخيرا.


الآن أنت نجم

تفاعلات اندماجية فلك نشأة النجوم
تفاعلات اندماجية فلك نشأة النجوم

بدأنا بكتلة غاز باردة في أعماق الفضاء، والآن صار لدينا كتلة ملتهبة تحدث فيها انفجارات نووية تؤهلها لتصبح نجما ساطعا لملايين السنين عبر سلسلة من المراحل المدهشة، ما هي هذه المراحل؟ وما هو مصير هذه النجوم؟ هذا ما سنراه في المقال القادم.

المراجع
  1. Stars & Brown Dwarfs
  2. How is a star born?
  3. The Interstellar Medium
  4. A Star is Born
  5. Nebula
  6. Star Formation
  7. Nebulae