تتفق المصادر التاريخية سواء كانت سنية أو شيعية، على التأكيد على الدور الكبير الذي لعبه علي بن أبي طالب في غزوات الرسول، وعلى أنه كان واحداً من فرسان الصحابة وشجعانهم من الذين ظهرت مهاراتهم القتالية في ميادين المعارك.

ولكن رغم هذا الاتفاق المبدئي، فإننا نلاحظ أن الميول المذهبية الشيعية والسنية قد ألقت بظلالها على توصيف وتحديد دور علي بن أبي طالب في تلك الغزوات. فبالنسبة للسردية الشيعية، فإنها قد أضفت على روايتها صبغة مبالغة واضحة، بحيث يظهر ابن عم الرسول وكأنه البطل الوحيد الذي تتركز عليه الأضواء، فيضطلع بالمهام الجسيمة وتُلقى على كاهله الشدائد. أما فيما يخص السردية السنية، فقد عملت على إشراك بعض الصحابة في دائرة الاهتمام، بحيث تتوزع أدوار البطولة عليهم جميعاً، فيظهر علي وكأنه واحد فحسب من بين لفيف الأبطال الذين أحاطوا بالرسول وانضووا تحت لوائه وحاربوا بين يديه.


غزوة بدر: اختلاف في تعيين عدد القتلى

إذا ما رجعنا لتفاصيل غزوة بدر، وهي الغزوة الأولى التي يخوضها المسلمون ضد المعسكر المكي، لوجدنا أن أغلبية المصادر التاريخية تتفق مع بعضها البعض على أن المسلمين قد ألحقوا بأعدائهم خسائر ضخمة، وعلى أن قتلى المشركين في تلك المعركة كان في حدود السبعين رجلاً.

المصادر الشيعية تتفق على أن الخليفة الرابع قد جندل بسيفه ما يزيد على نصف هذا العدد بمفرده. فعلى سبيل المثال، يذكر باقر شريف القرشي في كتابه «موسوعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب»، أسماء أربعة وثلاثين رجلاً، قُتلوا على يد ابن عم الرسول في غزوة بدر، كما تؤكد المصادر الشيعية الدور المهم الذي لعبه حمزة بن عبد المطلب في تلك الغزوة، وهكذا ترسم المصادر الشيعية لوحة المعركة بوصفها مُنجزاً مخصوصاً لفرسان وأبطال آل البيت النبوي.

على الجهة المقابلة، فإن المصادر التاريخية ذات النزعة السنية، مثل «تاريخ الرسل والملوك» للطبري و«تاريخ دمشق» لابن عساكر و«الكامل في التاريخ» لابن الأثير، قد أشارت للدور الكبير الذي لعبه علي وحمزة، ولكنها في الوقت ذاته قد ركزت على استعراض بطولات بعض من الصحابة المُقدمين في العقل السني. فعلى سبيل المثال، تتناقل المرويات السنية خبر قتل عمر بن الخطاب لخاله العاص بن هشام بن المغيرة، وخبر قتل أبي عبيدة بن الجراح لأبيه، كما تركز على الدور المؤثر الذي لعبه كل من الزبير بن العوام وأبو دجانة الساعدي في قتل العديد من الأعداء.


غزوة أحد: عندما أهدى الرسول سيفه لعلي

في غزوة أحد، أشارت بعض المصادر السنية بشكل سريع، لدفاع علي بن أبي طالب عن الرسول، ووقوفه أمام المشركين وتصديه لهم بكل ثبات وقوة.

في هذا السياق، ذكرت بعض المصادر، ومنها تاريخ الطبري و«فضائل الصحابة» لابن حنبل، أن سيف علي لما انكسر، أهداه الرسول سيفه «ذا الفقار»، فأخذه علي وجندل به كفار مكة، فإذا بجبريل ينادي من السماء قائلا:

وعلى الرغم من شهرة تلك الرواية فإن الكثير من علماء أهل السنّة قد قالوا بضعفها، ومنهم على سبيل المثال عبدالرحمن بن الجوزي في كتابه «الموضوعات»، وابن كثير في كتابه «البداية والنهاية».

على الجهة المقابلة، فإن المصادر الشيعية عبر القرون، ومنها «مناقب آل أبي طالب» لابن شهر آشوب و«بحار الأنوار» للمجلسي، قد أكدت نداء جبريل بمقولته المشهورة في أحد، واعتبرتها أحد أهم الشواهد والأدلة على شجاعة علي الفائقة في حروبه.

هذا السيف سيصبح فيما بعد ذا دلالة قوية ومؤثرة في العقل الشيعي الجمعي، حيث سينظر إليه على كونه واحدًا من أهم رموز السلطة الممنوحة من السماء لعلي بن أبي طالب تحديداً. وستتسق تلك النظرة مع الاعتقاد الشيعي التقليدي بالتنصيب الإلهي لعلي. ومن هنا نستطيع أن نتفهم السياق الإعجازي الذي برر به المجلسي في «بحار الأنوار» أصل هذا السيف، حينما ذكر أن ذا الفقار كان سيفاً لنبي الله آدم، فلما نزل أبو البشر إلى الأرض أخذ معه سيفه وحارب به أعداءه من الجنِّ، وانتقلت ملكيّة هذا السيف بعد آدم في سلسلة الأنبياء حتى وصل يد النبي محمد فأهداه لابن عمّه عليّ بن أبي طالب. وذكر المجلسي أنه كان مكتوباً على نصل هذا السيف: «لا يزال أنبيائي يحاربون به نبي بعد نبي وصديق بعد صديق حتى يرثه أمير المؤمنين فيحارب به عن النبي الأمي»٠

مما ينبغي الإشارة إليه أيضاً في سياق الحديث عن غزوة أحد أن الروايات السنية قد أكدت الدور الكبير الذي لعبه بعض الصحابة الذين تولوا الدفاع عن الرسول ولم تشر إليهم المصادر الشيعية على الإطلاق، ويأتي على رأس هؤلاء طلحة بن عُبيد الله الذي دافع عن الرسول حتى شُلت يده بحسب ما يذكر ابن الأثير في كتابه الكامل، وأيضاً سعد بن أبي وقاص الذي يذكر البخاري في صحيحه أنه قد رمى بالقوس والسهام دفاعاً عن النبي، فقال له: «ارم يا سعد، فداك أبي وأمي».


غزوة الخندق: قتل عمرو بن ود فارس العرب

في غزوة الخندق، اتفق التوجهان الشيعي والسني على بطولة علي بن أبي طالب في قتاله مع فارس العرب عمرو بن ود العامري، ولكن نلاحظ أن المصادر الشيعية قد عملت على ربط تلك الواقعة بتوجهاتها المذهبية، فعلى سبيل المثال، ذكر ابن شهر آشوب في «مناقب آل أبي طالب» أن الرسول لما وجد أصحابه قد تقاعسوا عن القيام لمبارزة عمرو بن ود، فإنه قد نادى قائلاً: «من يقم لمبارزته فله الإمامة بعدي»، وهي الرواية التي علق عليها جعفر العاملي في كتابه «الصحيح من سيرة الإمام علي» بأن الإمامة المذكورة يقصد بها معناها الشرعي الحقيقي، والذي يتمثل في خلافة الرسول في أمور الدين والدنيا.

في السياق نفسه، تذكر الكثير من المصادر الشيعية قول الرسول لعلي بعد قتله غريمه: «لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن ود يوم الخندق أفضل من أعمال أمتي إلى يوم القيامة»، وهو الحديث الذي رغم وروده في بعض المصادر السنية مثل المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري، فإن أغلبية العلماء السنة قد قالوا بوضعه واختلاقه وبأنه من وضع الشيعة الروافض بحسب ما يذكر شمس الدين الذهبي في «مختصر التلخيص».

أيضاً نستطيع أن نلاحظ محاولة السردية الشيعية في استحضار الإشارات الرمزية الممنوحة لعلي في ذلك الموقف، من خلال ما ذكره المجلسي، من أن الرسول قد عمم ابن عمه بعمامته قبل أن يقوم لمبارزة غريمه، بل وحرص على لفها على رأسه بنفسه.


غزوة خيبر: فتح الحصن وقتل أبطال اليهود

لا سيف إلا ذو الفقار :: ولا فتى إلا علي

في بدايات العام السابع من الهجرة، وقعت غزوة خيبر، عندما قام المسلمون بفتح الحصون اليهودية القريبة من المدينة، محققين بذلك واحداً من أهم الانتصارات الإسلامية على اليهود، وأكثرها عمقاً وتأثيراً في تشكيل الذاكرة الإسلامية الحربية حتى يومنا هذا.

معارك خيبر شهدت حضوراً مكثفاً وبارزاً لشجاعة علي بن أبي طالب الأسطورية، والتي اعتاد مؤرخو الشيعة على إظهارها وتبيانها في كتاباتهم ومصنفاتهم، ومنها على سبيل المثال «الإرشاد» للشيخ المفيد و«إعلام الورى» للطبرسي و«مناقب آل أبي طالب» لابن شهر آشوب و«بحار الأنوار» للمجلسي.

بحسب ما ورد في المصادر السابقة، نستطيع أن نتلمس مظهرين واضحين لبطولة علي وشجاعته في غزوة خيبر: الأول، هو أنه الذي اختاره الرسول من بين جميع الصحابة ليقود الجيش في فتحه لأحد الحصون المنيعة التي استعصت على كل من أبي بكر وعمر، والثاني، هو انتصاره على مجموعة من أبطال اليهود وشجعانهم في عدد من المبارزات الفردية التي ـسهبت المصادر الشيعية كثيراً في وصف تفاصيلها.

بالنسبة للنقطة الأولى، فقد وجدت سبيلها إلى مجموعة من الكتابات السنية الموثوق بها، فعلى سبيل المثال أورد النسائي في السنن الكبرى أن الرسول قد «دعا أبا بكر فعقد له لواء ثم بعثه فسار بالناس فانهزم حتى إذا بلغ ورجع، فدعا عمر فعقد له لواء فسار ثم رجع منهزماً بالناس، فقال رسول الله لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله له ليس بفرّار»، ثم تكتمل الرواية باستدعاء الرسول لابن عمه المُصاب بالرمد، فيشفيه من مرضه بطريقة إعجازية، ويذهب علي إلى الحصن فيقتلع بابه، وينفتح الطريق أمام المسلمين لتحقيق النصر.

أما فيما يخص النقطة الثانية، فإننا نستطيع التأكيد على أن قصة قتل علي لمرحب بن الحارث اليهودي، قد صارت مع الوقت نموذجًا اعتاد المؤرخون الرجوع إليه لإثبات شجاعة وفروسية ابن عم الرسول التي لا سبيل لمضاهاتها، ومن ثم فقد حرص بعضهم على صبغتها بالصبغة الغيبية. فعلى سبيل المثال، يذكر تقي الدين المقريزي في كتابه «إمتاع الأسماع» أن أم مرحب، وكانت كاهنة وعرافة، قد قالت له منذ أمد بعيد: «يا مرحب لا تبرز في الحرب إلى رجل يكتني ويرتجز بحيدرة، فإنه قاتلك»، أما علي بن برهان الدين الحلبي فقد أورد في «السيرة الحلبية» أن مرحب قد رأى في المنام في الليلة التي سبقت مقتله وكأن أسداً قد افترسه، في إشارة إلى هزيمته على يد علي بن أبي طالب.

ولما وجد المؤرخون السنة في سياق تأريخهم لتلك المعركة، أن الكتابات الشيعية قد استعانت بما روي من مآثر بطولية عظيمة لعلي في سبيل إثبات تفوقه المطلق على جميع الصحابة، فإنهم قد عدلوا من سرديتهم لأحداثها بالشكل الذي يوازن بين بطولات علي وأقرانه، فعلى سبيل المثال، أعرض البخاري في صحيحه عن ذكر فشل كل من أبي بكر وعمر في فتح حصون خيبر المنيعة، واكتفى بإيراد تكليف الرسول لعلي بقيادة الكتيبة المهاجمة للحصن.

أيضاً نجد أن بعض المؤرخين، ومنهم ابن اسحاق في سيرته، قد شكك في قتل علي لمرحب بن الحارث، فنسب ذلك لمحمد بن مسلمة، وفي السياق نفسه، أشار هؤلاء المؤرخون للدور المهم الذي لعبه الزبير بن العوام بقتله ياسر أخو مرحب، وأكدوا فروسية ياسر هذا وشجاعته وبطولته، بحيث يظهر أن قتله على يد الزبير كان عملاً مكافئاً ومعادلاً لقتل مرحب على يد علي.