سبع سنوات تفصلنا عن انتهاء عصر الصحافة الورقية؛ هذا ما تنبأ به «دوانسن» الأسترالي عالم المستقبليات. أو يزيدون على أكثر الطموحات المفرطة عقدين آخرين وفقا لكتاب «حتمية انقراض الصحافة المطبوعة»، فهل استعد عالمنا العربي لشغل الخريطة الجديدة إلكترونيا؟

في عام 2000 شهد عالمنا العربي لأول مرة إصدار نسخة إلكترونية من جريدة ورقية، وهي «الشرق الأوسط» اللندنية، ومر عام آخر قبل أن يترك السعودي عثمان العمير رئاسة تحرير الشرق الأوسط ويطلق أول موقع إلكتروني (بدون نسخة ورقية)، وهو «إيلاف» الموقع العربي ذو التوجهات الليبرالية، فيما أطلقت جمعية البلاغ القطرية موقع «إسلام أون لاين» ذائع الصيت، وأطلقت شبكة الجزيرة منصتها الإلكترونية الشهيرة «الجزيرة نت».

أما عام 2010 وبعد عقد كامل من الصحافة الإلكترونية، أغلق «إسلام أون لاين» أبوابه بعد تجربة ثرية، وسعت المواقع الإلكترونية لاستصدار نسخ ورقية؛ بما يعني ضمنا عدم نجاحها، وانتعشت قليلا النسخ الإلكترونية للمؤسسات الصحافية أو الإعلامية الكبرى؛ المحلية أو الإقليمية منها، لكنّ بداية جديدة كانت تنتظر الجميع.

فمع انطلاق ربيع الثورات العربية، حلت «سوشيال ميديا» محل الجميع، ومع انفكاك عقال الصحافة والإعلام من الرقباء في بعض البلاد العربية كمصر وتونس بدأ سباق محموم في إصدار الصحف والمواقع والقنوات الفضائية، لكنه لم يفضِ إلى جديد بعد أن أذهبت رياح الثورات المضادة بأكثره.


الكتابة على المواقع بديلا عن الهتاف في الشارع

مرة أخرى رفعت العصا، بل وضع السيف وأطلق الرصاص الطائش، واستصدرت قوانين منع التظاهر، نشطاء وسياسيون وكتاب وصحافيون وجدوا أنفسهم إثر وصول موجة الثورات المضادة لأوجها بعد 30 يونيو المصرية في مهب الريح، غير مرحب بهم في الصحف الرسمية والخاصة، غير مدعوين لأي برنامج في إذاعة أو فضائية، وهنا بدأت طفرة جديدة في خريطة الانتشار الإلكتروني عبر سلسلة من المواقع أنعشت الصحافة الإلكترونية والنشر العربي بشكل عام، وخلال عامين فقط أُطلق أكثر من 20 موقعا عربيًا، ليس لهم أي نسخ ورقية، ولا يقدمون خدمات إخبارية في الغالب، واستُكتب مئات الشباب الذين بدأوا مدونين قبل 2011، وانضمت إليهم أجيال شبابية أصغر.


صحافة البوست: ساسة ونون وهافنغتون

الأخبار المجمعة والمنوعات الخفيفة، مقالات الشباب والكُتّاب الكبار جنبا إلى جنب، التدوين وعالم مفتوح من عرض ومناقشة الآراء، كانت هذه هي أبرز معالم الصحافة الإلكترونية الجديدة التي انتقلت من الولايات المتحدة وأروبا إلى العالم العربي أخيرا.

ساسة ونون وهافنغتون «بوست» مساحات وأنماط مختلفة حظيت باهتمام الشباب العربي وأسهمت في تشكيل الوعي العام

فقد انطلق «نون بوست» كموقع عربي يقدم تحليلات مختلفة للأخبار في أغسطس 2013، بمجموعة محررين شباب، وتحليلات متميزة خاصة ما يتعلق بتركيا وإيران ومصر وكذلك السعودية، ويفرد مساحات متميزة للتدوين الاجتماعي والثقافي والترجمات، الموقع انطلق من تركيا، ويخاطب العالم العربي ويُتابع حاليا (وفقا لإليكسا) بأعلى نسبة من قطر( 31.46% ) تليها مصر بنسبة 26.9%.

أما «ساسة بوست» فمنذ انطلاقه في مارس 2014 وإلى اليوم، حقق انتشارا هائلا بين شرائح واسعة من الشباب المصري والعربي تخطى عدد زواره بحسب مقال مديره التنفيذي «أحمد عبد الحميد» حاجز المليون، وعدد المشاهدات ما بين 3 و4 ملايين.

بـ «عشرة أشياء لا تعرفها» و «خمسة أفلام عليك مشاهدتها» و «7 نصائح يجب اتباعها» انتشرت تقارير ساسة انتشارًا هائلا، وبأخبار المنح والهجرة والدراسة حصلت على اهتمام جانب جديد من الجمهور، وأخيرا بفتح الباب على مصراعيه لكافة الآراء والتوجهات لتكتب وتنشر المقالات والترجمات أصبح محط الأنظار.

تحتل ساسة اليوم المرتبة 293 في تصفح المواقع المصرية، كما تحتل مصر النسبة الأولى في نسبة المتصفحين من الدول العربية بنسبة 34.2% تليها السعودية بنسبة 15.1% وتأتي في المرتبة الآخيرة الجزائر بنسبة 4.2%.

في 27 يوليو 2015 انطلقت النسخة العربية من أشهر «بوست» في العالم، إنها «هافنغتون» التي تعد النسخة العربية منها هي النسخة الرابعة عشر لها حول العالم، حيث جذب الموقع في بداية عمله العشرات من المشاهير من مختلف الاتجاهات للكتابة في مدوناته، مما جعله في البداية محط انتقاد الجميع، إلا أنه أثبت بعد شهور من العمل أنه قادر على صناعة محتوى مقروء ومرئي ينال اهتمام شرائح واسعة، كما أنه حافظ بذكاء على تنوع الشباب المدونين من كافة أنحاء العالم العربي؛ شوام ومغاربة وخليجيون ومصريون، كما تنوعت مساحات تناوله للموضوعات من أول وصفات تصفيف الشعر إلى تحركات داعش.

الإعلامي الفلسطينى البارز «وضاح خنفر» مدير «شبكة الجزيرة» سابقا، ومنشئ النسخة العربية من هافنغتون أكد فى بداية إطلاقها أنها ستحدث طفرة في عالم الإعلام الإلكتروني، واليوم بعد أشهر من الانطلاق، تحتل «هافينتغون بوست» المرتبة 299 في حجم المتابعة من مصر بنسبة 26.7% تليها السعودية بنسبة 17.6%، كما تحتل المركز 47 في قطر بنسبة متابعة 16.1%.


الصحافة الاستقصائية أو مدى مصر

بدأت «مدي مصر» في عملها يوم 30 يونيو 2013، واشتهرت بتقاريرها الاستقصائية من «عاملات الجنس في مصر: بيع الهوى ونشتري قهرا» إلى «تفاصيل المحاكمة العسكرية لضباط بالجيش بتهمة التخطيط لانقلاب»، وتسبب الأخير في استدعاء كاتبه «حسام بهجت» إلى النيابة العسكرية مما أثار موجة عارمة من الاحتجاج في الأوساط الصحفية والإعلامية العربية والدولية وصلت إلى أن يعرب «بان كي مون» عن قلقه مما أفضى لإطلاق سراحه مرة أخرى قبل انتهاء أيام ذمة التحقيق.

يشتهر موقع مدى مصر أيضًا بتقديم خدمة يومية هي «يوميات قارئ صحف»، والتي يقدمها أيضا «حسام بهجت»، وأحيانا الصحفي ومقدم النشرات «أحمد خير الدين»، وبالرغم من قلة إنتاجها النسبي إلا أنها تسعى للانفرادات من خلال مصادرها الخاصة حيث سجلت 10 انفرادات صحفية كبرى في 2015.

نسبة متابعي مدى من مصر 66.4% تليها السعودية بنسبة 13.5%، ويأتي ترتيب مدى في المواقع المصرية رقم 1173.


كسر المألوف: كسرة و زائد 18 ورصيف 22

(كن خفيف الظل، شديد التأثير. اكسر قيود إبداعاتك وانشرها هنا) بهذه الجملة يخاطب موقع «كسرة» جمهوره كي يشاركوه إبداعه، ولا توجد سابقة لموقع يخاطب الجمهور أو المحررين بقوله «كن خفيف الظل»، ولكن كسرة بدأها، وعندما يكتب الصحفيون الشبان مثل «بلال فضل» و «محمد أبو الغيط» و «أحمد سمير» والراحل «البراء أشرف» مقالاتهم السياسية وتقاريرهم المطولة على «المصرى اليوم» و «الشروق» أو «العربي الجديد» فإن «أسامة الشاذلي» (رئيس تحرير الموقع) نجح من خلال موقعه في إقناعهم بنشر مقالاتهم “الحلوة” عن تجاربهم الاجتماعية وأصدقائهم وأبنائهم وقصص حبهم عبر كسرة.

أما «زائد 18» فأنت حر في هذا الموقع الشبابي الجديد للدرجة التي تجد نفسك أمام باب “اصطباحة” كأحد أهم أبواب الموقع، وينتشر عن الموقع إثارته للقضايا العنصرية وقضايا التحرش الجنسي، ونجحت رئيسة تحريره الصحافية «دعاء سلطان» في إقناع عديد من كتاب السيناريو وعلى رأسهم «عمرو سلامة» في نشر أعمالهم كاملة على باب «سكريبت» الخاص بالموقع، إلى جانب عديد من الأفلام والمسلسلات التاريخية والمعاصرة.

«رصيف 22» وصورة مقربة للحياة اليومية في العالم العربي. مواضيع خلفية تتمحور حول المواطَنَة والعدالة الاجتماعية، ومحاولة إيجاد روابط مشتركة بين أبناء الوطن العربي -دون الاستناد على فكرة القومية العربية- يتميز «رصيف 22» بتقديمه مواضيع غير معتادة، مثل ملف نُشر مؤخرًا حول الخمر في الوطن العربي تحت عنوان «يسألونك عن الخمر».

كما أنه ولأول مرة تأتي الجزائر في مرتبة متقدمة في تصفح مواقع الصحافة الإلكترونية؛ حيث حلت في المرتبة الثانية بنسبة متابعة 9.1% سبقتها مصر في المرتبة الأولي بنسبة متابعة 31.9%.


مرحوم ومولود ومحجوب: التقرير وألترا والعربي

غُيب بعد أقل من عام على انطلاقه تقريبا، ذاك هو موقع «التقرير» الممول سعوديًا، والذى فوجئ الوسط الثقافي والإعلامي بقرار إغلاقه معلقا على صفحته على الفيسبوك يعتذر لجماهيره عن استكمال المشوار؛ المشوار الذى بدأه كموقع ثقافي واعد ينشر لشباب المثقفين، إلى جانب مقالات سياسية بنكهة بلال فضل، وبالطبع تقارير مترجمة وتحليلات متنوعة دارت التكهنات لاحقا حول تسببها في إغلاقه بعد أن ناقشت عددا من القضايا الخليجية خاصة المتعلق منها بالإمارات والسعودية.

وعندما أطلق في فترة قريبة من أواخر العام موقع «أ لترا صوت» انتبه المتابعون إلى النفس الثقافي الممتد أيضا، وإن كانت مساحة التنوع، والبعد المغاربي أكثر من الأول، ألترا صوت عنون نسخته بأنها “تجريبية” وانتشر في أوساط الشباب بتحليلاته المعرفية للأوضاع السياسية الراهنة.

ولم يكد العام ينتهي أيضا حتى تم حجب موقع «العربى الجديد» الذى بدأ عهده بكلمة من المشرف عليه المفكر الفلسطينى البارز «عزمى بشارة» قال فيها:

لأننا نعيش في عصر عربي جديد، يحلم فيه الشباب العربي بالحرية والمساواة والحياة الكريمة

لكن يبدو أن حرية تصفح الموقع في «الإمارات» ثم «السعودية» ثم «مصر» لم تعد متاحة كما تمنى «بشارة»، حيث تحتل «مصر» المرتبة الأولى في متابعة الموقع بنسبة 29.7% (قبل الحجب مباشرة)، بينما تأتي الجزائر هذه المرة في المرتبة الثانية بنسبة 19.6%.


اقرأ المزيد

«عربى 21» وتحليلات متميزة وانفرادات فيما يخص الحركات الإسلامية من الداخل، «مصر العربية» ومنافسة لأعلى 20 موقع مصريا، «نون» للتدوين والصحافة النسائية، «بوابة يناير» صحافة مش خوافة وصوت عالى ودفاع عن الحقوق والحريات، «شفاف» وأول شبكة إخبارية للجامعات المصرية، «دوت مصر» وآداء متميز فى التقارير المصورة وصحافة الفيديو، «قُل» وآراء وتقارير عابرة للحدود واهتمام بالمنح والتدريبات الصحفية، «أراجيك» ومتابعات للتقنيات والعلوم ومقالات مترجمة فى تنمية الذات.

مواد تجميعية خفيفة، أو تحليلات سياسية رصينة، أو قراءات ثقافية ومعرفية مفيدة، أو حتى تدوين حر وتوثيق وتجارب ونصائح فى الحياة والعمل، الكثير الذى يولد كل يوم، ولن يتسع له مكان على بسطة بائع الجرائد ذى الشعر الأشيب على ناصية الشارع العربى بعد!