فريسةٌ سهلة للاستغلال، فهم إما أن يكونوا بحاجة ماسة إلى المال فيقبلون بأقل مما يستحقون خشية ألا يجدوا فرصة عملٍ أخرى، أو بحاجة إلى المأوى فلا يُبلِّغون عن الانتهاكات الصادرة بحقهم في دور الإيواء. أو هم بالبراءة بمكان مما تجعلهم أقل وعيًا بأن ما يواجهونه من قبل البعض أمر لا يُسكت عنه، أو هم بقلة حيلتهم غير قادرين على التعبير عما يتعرضون إليه من استغلال وإيذاء.

يعيش ذوو الاحتياجات الخاصة بين شقي رحى الإساءة بكافة أشكالها من سخرية وتنمر واستغلال بصوره العديدة (جنسي وجسدي ومالي). فهم كما تشير الدراسات أكثر عرضة للإساءة من 4 إلى 10 أضعاف من أقرانهم ممن لا يعانون من أي إعاقات.

كان مقطع الفيديو الذي نشره مرتضى منصور، عضو البرلمان المصري ورئيس نادي الزمالك، وفي رفقته طفلان من ذوي الاحتياجات الخاصة، استعان بهما في سبّ خصومه من أعضاء اللجنة الأولمبية، قد أثار موجة انتقادات واسعة ضده وضد كل من يستغل براءة تلك الأطفال من أجل مصلحته الخاصة. كما فتح الباب مجددًا للحديث عن صور الاستغلال التي يتعرض لها ذوي الاحتياجات الخاصة في مجتمعنا المصري.


عنف جسدي وجنسي

في باطن هذه الجملة تختبئ الأوجاع والآلام والتجارب السلبية، وبسببها يستغل الكثيرون ذوي الاحتياجات الخاصة. فهم على علم بضعفهم وقلة حيلتهم.

فإلى جانب صور العنف البدني المعروفة والاعتداء الجنسي من تحرش واغتصاب، يتعرض أولئك إلى أنواع غير شائعة من العنف، كأن يمنع الشخص المُسيئ عن أحدهم الدواء الخاص به، أو يعيقه عن الوصول إلى الأدوات والتقنيات والأجهزة التي تعينه على التواصل (كالسماعات أو الكرسي المتحرك أو العكاز). وقد يرفض المسئول عن رعايته تقديم المساعدة التي هي من صميم عمله؛ إما إهمالًا منه أو رغبةً في منعه من الدفاع عن نفسه أو طلب النجدة من الآخرين.

يشير دكتور «مارك بيليس»، مدير مركز الصحة العامة في جامعة ليفربول إلى أن تأثير إعاقة الطفل على نوعية حياته تتوقف على الطريقة التي يعامله بها الآخرون، وأن مخاطر العنف المرتكب ضد الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة أعلى بثلاثة إلى أربعة أضعاف من أقرانهم الأصحاء.

ووفق دارسة علمية، فإن هناك سنويًا نحو مليون جريمة عنف (غير مؤدية للموت) تُمارس بحق أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة بما في ذلك الاغتصاب والاعتداء الجنسي والاعتداء الجسدي البسيط. وأن 90% من أشكال العنف تلك تقع من قبل الدوائر القريبة منهم ومن قبل أناس منوط بهم رعايتهم إما من داخل الأسرة أو مؤسسات الرعاية، وأن أكثر ذوي الاحتياجات الخاصة تعرضًا للعنف بأنواعه هم من يعانون من إعاقات الذهنية.

فعلاوة على ضعفهم وعدم قدرتهم على التعبير أو الخوف من التصريح،فهم على الأغلب لم يتلقوا تربية جنسية تعينهم على إدراك ما يحدث معهم من اعتداء، وتمييز الصواب من الخطأ، خاصة وأن المسئولين عن رعايتهم يدخل من صميم عملهم مساعدتهم في تلبية حاجاتهم الأساسية. الأمر الذي يُوجب على الأهل والمسئولين في دور الرعاية مساعدة الأطفال على فهم طبيعة أجسامهم، وما لها من خصوصية لا ينبغي لأحد العبث بها أو انتهاك حرمتها.


استغلال من أجل التربح المادي

من المُحزن أن نكتشف أن بعض أسر ذوي الاحتياجات الخاصة بدلاً من أن يمثلوا مصدر الأمان والدعم لأبنائهم، يستغلونهم كوسيلة للتربح المادي. إذ كثيرًا ما نسمع عن بيع أسر ذوي الاحتياجات الخاصة للسيارات التي تمنحها الدولة لأبنائهم من أجل الاستفادة منها في تنقلاتهم وتيسير حركتهم، أو تحويلها إلى «أتوبيس» بعد إجراء بعض التعديلات عليها للعمل عليها أو تأجيرها للسائقين.

ليس هذا فحسب، بل يعمد البعض لاستغلال ما يتمتع به ذوو الاحتياجات الخاصة من إعفاء ضريبي وجمركي على سياراتهم، فتدخل السيارات تحت أسمائهم من أجل الحصول على الإعفاء الجمركي، فيصبح الأمر نوعًا من التجارة. كما تتجه بعض الأسر للاستئثار بالإعانات الشهرية التي هي من حق أبنائهم وإنفاقها على احتياجاتهم مع التجاهل التام لاحتياجات أبنائهم.

كذلك الانتفاع ببطاقات الخدمات التي يحصل عليها ذوو الاحتياجات الخاصة والتي بمقتضاها يحصلون على تخفيضات على تذاكر المترو والسكك الحديدية وهيئة النقل العام وغيرها من الخدمات.

لكن الأمر الأكثر خطورة وقسوة، هو استغلال هؤلاء الأبناء في أعمال التسول، كأن ترى أمًا جالسة في الشارع وإلى جانبها طفل كفيف أو مبتور القدمين تحت الشمس الحارقة أو في البرد القارس، كي تتسول به كوسيلة لاستدرار عطف الناس، أو أن تترك طفلها في يد عصابة تستغل الأطفال في تعليمهم التسول حتى يعود لها في نهاية اليوم بـ«يومية». فبدلاً من أن يعيش الابن في مستوى يُهون عليه ما هو فيه، يجد نفسه ضحية أسرة تستغل إعاقته دون اكتراث بمشاعره.


عبودية من نوع آخر

لن يصدقك أحد.

كأي شاب يحلم بفرصة عمل مناسبة، يبدأ رحلته بالبحث عن وظيفة فيجد أبواب العمل أمامه موصدة. وإذا وجد وظيفة فهي في كثير من الأحيان خالية من أي سلامة مهنية، فقد يعمل في ظروف عمل خطيرة وغير إنسانية أحيانًا وبأجور زهيدة أو تكاد معدومة.

ويحصل على مرتبات أدنى من زملائه في العمل، لا لتقصير منه في أداء عمله، ولكنها عنصرية من قبل صاحب العمل. ولأنه على يقين بحاجة الشاب من ذوي الاحتباجات الخاصة إلى العمل، فإنه قد يُحمِّل عليه التزامات ومهام أخرى ليست من صميم عمله.

يحكي شاب يُدعى مصطفى، أنه ولد بإعاقة في يديه، ورغم ذلك كان يعمل في مصنع للعصير، وفي أثناء عمله تعرض للإصابة التي أسفرت عن بتر ثلاثة من أصابعة بسبب الماكينة التي كان يعمل عليها.رفض الاعتراف أمام الجهات المسئولة بأن إصابته كانت في العمل، وأنه لم يكن هناك سلامة مهنية له خشية أن يفقد وظيفته، قائلاً:

الأسوياء لا يأخذون حقوقهم، فما بالك بصاحب الإعاقة الذي ينظر إليه صاحب العمل وكأنه عالة، فكثيرًا ما يُردد صاحب العمل على مسامعي أنه ليس بحاجتي لكنه شفقة منه بي يشغلني مع أنني أنجز كزملائي وأكثر، كما أن راتبي أقل منهم وبالكاد يكفي لإطعام زوجتي وطفليّ الصغيرين.

قد يعيش العاملون من ذوي الاحتياجات الخاصة في مساكن جماعية، الأمر الذي يعطي مبررًا لأرباب العمل لإعطائهم مرتبات أقل، فهم في نظرهم يعيشون بتكاليف أقل من زملائهم الذين يتحملون مسئولية أسرة ويدفعون إيجارًا كاملاً. وقد يستغل صاحب العمل هذا العامل في مهام أخرى غير مهام العمل، كأن يأمره بشراء احتياجاته من السوق وتوصيلها إلى منزله، أو أن يمسح سيارته إلى جانب تكليفهم في بعض الأحيان بالعمل بعدد ساعات أكبر.

وقد يواجه العامل من ذوي الاحتياجات الخاصة إلى جانب ظروف عمله الصعبة سخرية وتنمر من زملائه، إذ يشير فتى عشريني يعاني من متلازمة الداون ويعمل في البناء بحمل الحجارة ونقلها لأعلى، إلى تهكم وسخرية من قبل زملائه وإلقاء الحصى الصغيرة عليه.