في فيلم «المريخي – the martian» عاش رائد الفضاء «مارك ويتني» أيامًا عصيبة على كوكب المريخ، صامدًا بوجود القليل من الموارد التي ساعدته على البقاء حيًا بعد أن اعتقد رفاقه أنه توفي في عاصفة مريخية قوية تعرضوا لها؛ قبل أن يتلقوا أول إشارة منه تفيد بأنه لا يزال على قيد الحياة.

استعرض الفيلم ملامح العاصفة الترابية على سطح المريخ بشكل قاسٍ؛ حيث أصدرت الرياح قوة وأصواتًا صاخبة لارتطام الأتربة والأحجار بالمعدات والمنشأة التي عاش فيها ويتني.

يستوقفنا هنا السؤال الآتي:

إذا تمكّن البشر من التكيّف في أجواء كوكبية أخرى، وقرروا الهجرة للعيش على سطح المريخ فعليًا، ثم بدأ غلافه الجوي في الاضطراب وتعرض لعاصفة رملية قوية؛ هل ستصدر الأصوات نفسها التي تصدرها الرياح على كوكب الأرض، أو كما أظهرها الفيلم؟

في حقيقة الأمر؛ كوكب المريخ مختلف تمامًا عن كوكبنا؛ لذا فمن الطبيعي وجود عوامل متعددة ستتسبب في اختلاف سير الحياة بشكل طبيعي على المريخ؛ مثل اختلاف مكونات الغلاف الجوي الذي ينقصه غاز الأكسجين، واختلاف الضغط الجوي، والحرارة، وبالطبع طريقة التواصل المباشر بين البشر . وبالحديث عن التواصل بين البشر؛ فإن أحد أهم وسائل الاتصال؛ هو الصوت.

اقرأ أيضًا:الصيام على كوكب الزهرة


ما هو الصوت، وكيف ينتقل؟

قبل رحيلنا للكوكب الأحمر؛ يجب أن نعرف ما طبيعة الصوت؟

إذا عرّفنا الصوت فيزيائيًا؛ فإنه يعرّف بأنه اضطراب ميكانيكي ينتشر في الهواء أو في وسط مادي في هيئة موجات طولية تنتشر في هذا الوسط؛ تحملها جزيئات تتصادم مع بعضها البعض، حيث تستطيع حمل تلك الموجات بعيدًا لأماكن متفرقة. لذا فإن الصوت لا ينتقل في الفراغ أو الفضاء بسبب انعدام هذا الوسط المادي الذي ينتقل فيه.

يتميز الصوت بتردد يعبّر عنه بأنه الفترة الزمنية التي تحدث فيها اهتزازة واحدة، ويقاس بوحدة الهيرتز. أما المسافة التي تستغرقها الاهتزازة الواحدة في الحدوث؛ فيعبّر عنها بالطول الموجي للموجة.

يتأثر الصوت بعدة عوامل، مثل طبيعة الوسط المحيط؛ حيث تختلف سرعة انتقاله في المواد السائلة عن المواد الصلبة عن الغازية. أيضًا يتأثر الصوت بدرجات الحرارة، وكثافة الوسط المار فيه.

وبسبب هذا التأثر؛ تختلف أنواع الموجات الصوتية، منها الموجات الصوتية المسموعة، وتلك الأخرى التي تمر دون أن نعرف عنها شيئًا. فالحد الأدنى لتردد الموجات المسموعة التي تستطيع الأذن البشرية سماعها هو 15-20 هيرتز تقريبًا، والحد الأقصى لها 20 ألف هرتز.


هل الفضاء صامت تمامًا؟

الصورة من أغنية طرق غبية للموت dumb ways to die
الصورة من أغنية طرق غبية للموت dumb ways to die

ربما اعتقدنا لفترة طويلة أن الفضاء صامت تمامًا، لكن إذا نظرنا إلى محتوى الفضاء؛ فإنه يحتوي على الغازات الكونية بين النجوم والمجرات، والغبار الذي خلفته النجوم بعد موتها أو الذي يستخدم أحيانًا في تكون نجوم جديدة.

هذه الغازات والغبار -جزئيات- لديها القدرة على حمل الموجات الصوتية في الفضاء، لكن كل ما في الأمر هو أننا نحن البشر غير مؤهلين لسماعها؛ حيث تنتشر جسيمات الغاز والغبار التي تحمل الموجات الصوتية على مسافة متباعدة؛ بالتالي تنتج موجات صوتية ذات تردد منخفض عن التردد المناسب للأذن البشرية؛ لذا لا يمكننا سماعه.

و تفسير ذلك؛ هو أن الصوت ينتقل في هيئة جزيئات تتصادم وتتقافز في اتجاه تباعدي عن بعضها؛ بالتالي يفقد الصوت سرعته، ما عدا الأصوات التي تنتقل بالقرب منا.


على كوكب المريخ

أكثر الكواكب حظًا في المجموعة الشمسية؛ حيث اجتذب سكان الأرض بالعديد من المغريات الطبيعية؛ على سبيل المثال غلافه الجوي.

فوجود الغلاف الجوي للكوكب -حتى لو لم يكن مشابهًا للغلاف الجوي للأرض- يعني أن هناك وسطًا ماديًّا يسمح بانتقال الصوت. وبالنسبة لكوكب المريخ فإن هناك عوامل تساعد على انتقال الأصوات بطريقة مختلفة تؤثر على انتقاله.

أحد تلك العوامل هو الضغط الجوي الذي يصل لـ 0.6% من الضغط الجوي فوق مستوى سطح البحر على الأرض، حيث تتباعد الجزيئات فيه؛ وبالتالي ستعمل على تقليل الظروف الطبيعية لانتقال الصوت؛ والذي سينتقل بصورة أبطأ.

لكن وبالرغم من ذلك؛ يمكن الكشف عن بعض الإشارات الصوتية ضمن نطاق التردد للأذن البشرية. فإذا قارنا بين كوكبي المريخ والأرض؛ نرى أن متوسط انتقال الصوت -وليكن صوت الصراخ- يساوي ثلاثة أرباع ميل، لكنه سيكون أهدأ وأقل حدة.

لتوضيح تلك النسبة؛ فلنفترض أنك تقوم بجز عشب في ساحة خضراء في مكان مفتوح؛ فإن صوت آلة الجز سيصل إلى مسافة بضعة أميال. أما إذا كنت على سطح المريخ؛ فإن الصوت سيصل لمسافة بضع مئات من الأقدام بالقرب منك.

هذا يعني أنه إذا كنت في المريخ؛ فإنك لن تستطيع تمييز أي صوت بجوارك سوى صوتك فقط، إن استطعت ذلك. حيث يحتوي الغلاف الجوي للمريخ على نسبة عالية من غاز ثاني أكسيد الكربون تصل إلى 95.32%، والذي إن استطعت تنشقه؛ فإن صوتك سيبطأ، وستقل حدته بشكل طبيعي بعكس ما يحدث عند استنشاق غاز الهيليوم.

فعند مستوى سطح البحر ودرجة حرارة تقدر بنحو 21 درجة مئوية؛ فإن سرعة الصوت في الهواء العادي (المكون من غاز النيتروجين والأكسجين ونسبة قليلة جدًا من غاز ثاني أكسيد الكربون) تقدر بنحو 344 م/ ث.

وتحت الظروف نفسها ينتقل الصوت بشكلٍ أسرع إذا مر في غاز الهيليوم؛ حيث تبلغ سرعته نحو 927 م/ ث بسبب كثافته التي تعتبر أقل من كثافة الهواء العادي.

أما سرعة الصوت في غاز ثاني أكسيد الكربون فتقدر بنحو 267 م/ث؛ أي أبطأ من سرعة الصوت في الظروف الجوية العادية، نظرًا لكثافته العالية.


هل يمكننا سماع كوكب المريخ؟

صورة توضح الميكروفون الذي صمم لالتقاط الأصوات على سطح المريخ

بعد أن عرفنا أن هناك صوتًا يمكن أن ينتقل على كوكب المريخ؛ هل حان الوقت لسماعه؟

في الحقيقة؛ يحتوي الغلاف الجوي للمريخ على العديد من العواصف الرملية، والأعاصير الصغيرة التي تنتج عن أنماط الطقس المحلية على الكوكب.

لذا كان من الجيد تصميم وسيلة أو جهاز ما يعمل على التقاط ما يمكن التقاطه من الأصوات التي يمكن أن تنتج عن هذه العواصف. أحد هذه الأجهزة هو «ميكروفون المريخ» الذي صمم لالتقاط بعض الأصوات على سطح المريخ الصادرة عن تلك العواصف الرملية، أو الضوضاء التي تصدر عن المركبة الفضائية، مثل صوت الذراع الروبوتية التي تقوم بحفر التربة، وجمع العينات، وغيرها من الأصوات.

بدأت فكرة «ميكروفون المريخ» من قبل «جانيت لوهمان – Janet Luhmann» في جامعة كاليفورنيا، و«بيركلي وديفيد جورجنز – Berkeley and David Juergens» في مختبر الدفع النفاث، الذي اقترح تصميم جهاز يقوم بتسجيل الصوت على متن مهمات رحلات الفضاء للمريخ. تم تصميم الميكروفون، تحت إشراف لوهمان في مختبر علوم الفضاء.

تصميم الميكروفون

ميكروفون لسماع المريخ
ميكروفون لسماع المريخ

صمم بحجم صغير، حيث يصل طوله لنحو 5 سم، وسماكته تصل إلى سم واحد، ويزن أقل من 50 غرامًا. كما صمم ليستخدم كمية صغيرة من الطاقة، أقل من 0.1 وات خلال أكثر الأوقات نشاطًا.

يتضمن التصميم العديد من الإلكترونيات اللازمة التي تعمل على التقاط وتخزين الصوت، حيث يكون معدل الحصول على البيانات محدود، في حين يستغرق استعادة مقطع صوتي واحد مدته 10 ثوانٍ مدة من الزمن.

يحتوي الجهاز على ذاكرة داخلية ستعمل على تخزين الأصوات لنقلها إلى الأرض بجانب البيانات الأخرى التي تلتقطها المركبة. كلف تصنيع الجهاز نحو 50 ألف دولار أمريكي.

أخيرًا؛ في العام القادم؛ من المفترض أن تقوم شركة «سبيس إكس – spaceX» بإرسال بعثات إلى المريخ بمساعدة وكالة ناسا، وإرسال بعثات مأهولة في الفترة بين عامي 2024 – 2025؛ لذا فإننا على موعد جديد مع حياة أخرى على كوكب المريخ في نمط أكبر من كيفية انتقال الصوت.