الكل مقتنع بأن كويت اليوم تغيرت، لكن مو لأنها تطورت وتقدمت، بل تغيرت بتغير قلوب وضماير الكثير من أهلها بعد ما فقدنا البراءة والنوايا الطيبة بين الشعب، اليوم صرنا نستجدي وحدتنا الوطنية اللي كانت مضرب مثل بين الشعوب العربية، وصار معيارنا ذاك سني وهذا شيعي وهذا حضري وذاك بدوي.

كلمات كاشفة دوّنها الإعلامي الكويتي «مبارك الوصيص»، في مقاله بجريدة الأنباء الكويتية، قبل أيام من بدء عمليات الاقتراع لاختيار برلمان جديد -مجلس الأمة والذي يعلق عليه الكويتيون آمالاً عريضة لإنهاء سياسة التقشف الغريبة نسبيًا عن العادات الاستهلاكية للمجتمعات الخليجية.

وتكشف كلمات «الوصيص» عن حالة الخوف التي بدأت تسترعي انتباه النخب، لاسيما في البلدان الخليجية التي فرغت نفسها في وقتٍ سابق لاستعداء تيارات سياسية لاسيما الإسلامية منها، وتزكية الانحياز واختصار الخيارات في شخوص وولاءات وانتماءات، وسرعان ما تبين خطأ هذه النظرية، واستدرك كثيرون خطورة شيوع الإقصاء وتنمية الروح العدائية بين أبناء الوطن الواحد.

وتشارك في الانتخابات، بعد مقاطعة برلمان 2012، «الحركة الدستورية الإسلامية»،الذراع السياسية للإخوان المسلمين بالكويت، والتي تخوض اختبارًا عاصفًا ورهانات محلية وإقليمية ودولية، ومسؤولية كبيرة وحملًا ثقيلًا، لانتشال الجماعة الأم ومعها أفرعها بالخارج، من دوامات «الشبهات السياسية» التي التفّت حولها، منذ أزمتها المفصلية في 2013 بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، وتصنيفها كجماعة إرهابية، من قبل الحكومة المصرية وبعض حكومات الخليج.


ومضات تاريخية: من هم «إخوان الكويت»؟

2fdb1a435f

تعود نشأة الإخوان المسلمين في الكويت، إلى نهايات الأربعينيات وبداية الخمسينيات من القرن الماضي، على يد عبد العزيز المطوع، وتم تأسيس كيان سمي بـ«جمعية الإرشاد الإسلامي» التي نشط الإخوان من خلالها، فاستقطبوا شرائح مختلفة من المجتمع وخاصة الشباب، ولكن سرعان ما تعثرت البداية وتعرضت الجماعة لهزة حقيقية، بعدما برز الخلاف بين أعضائها، وانقسمت الجماعة إثر خلاف داخلي بين أعضاء قيادتها.

وحسب دراسة لـد. «علي كندري»، الخبير الكويتي في شئون الجماعات الإسلامية، كان الخلاف الحقيقي بين المؤسسين للإخوان في الكويت يدور حول آلية التعامل مع الأسرة الحاكمة، ورد الفعل المناسب من أحداث الصدام التي دارت بين الجماعة الأم في مصر ونظام جمال عبد الناصر، وطريقة إدارة جمعية الإرشاد، واختزال القرارات المهمة بيد مجموعة صغيرة، وإقصاء السواد الأعظم من أعضاء الجمعية عن المشاركة؛ لتساهم الخلافات بجانب ظروف الكويت السياسية آنذاك في توقف المشروع مؤقتًا.

عاد الإخوان وجمعوا أنفسهم في بدايات ستينيات القرن الماضي، وأنشأوا «جمعية الإصلاح الاجتماعي»؛ للحد من سيطرة العلمانيين وخاصة القوميين العرب على الحياة السياسية والاجتماعية، وأصبح «عبد الله العلي المطوع» شقيق مؤسس الجماعة في الكويت هو واجهة الإسلاميين السياسية بحكم مكانته التجارية وعلاقته المتميزة مع أقطاب الأسرة الحاكمة؛ الأمر الذي ساهم في تعزيز التفاهم بين الإخوان والحكومة لصد نفوذ القوميين العرب والعلمانيين.

ومع تطورات الأحداث، وغزو العراق للكويت، دخلت البلاد في محنة غير مسبوقة، وكان للإخوان المسلمين هناك -بحسب الباحث الكويتي- دور كبير في توفير الخدمات الأساسية لأفراد المجتمع، بالإضافة للعبهم دورًا توجيهيًا مهمًا من خلال المساجد، كما لعبت الجماعة دورًا في تعزيز شرعية الأسرة الحاكمة في الكويت وقتها في مقابل ادعاءات «صدام حسين».

بعد انتهاء الغزو ومآلاته، أعلن إخوان الكويت تأسيس الحركة الدستورية الإسلامية «حدس»، وأتت هذه الخطوة غير المسبوقة في التاريخ السياسي للكويت لتنقل فيها العمل السياسي إلى مرحلة أكثر مؤسسية من ذي قبل؛ حيث كانت القوى السياسية والاجتماعية المختلفة معروفة لدى الشارع، لكنها لم تشرعن عملها في كيانات تمثلها سياسيًا، ليتوالى إعلان الحركات السياسية عن أنفسها.


انجُ سعد فقد هلك سعيد: كيف تم تفادي «الكابوس» المصري؟

في وقت اجتهدت فيه الأنظمة العربية للخلاص من صداع الإخوان التاريخي، بعد انتكاسة الجماعة في مصر، جاء موقف أمير الكويت -أحد أهم الداعمين لنظام الرئيس السيسي- مخالفًا للتوقعات، فهو لم يتخذ أي إجراء لإدراج الإخوان كجماعة إرهابية، وهو القرار الذي كان يضغط باتجاهه النظام المصري والإماراتي، ورفضت السلطات الكويتية اتخاذه بناء على العلاقات التاريخية التي زرع بذرتها إخوان الكويت مع الأسرة الحاكمة منذ بداية تدشين «جمعية الإرشاد الإسلامي».

وخلْف الموقف الكويتي من محنة الإخوان الأخيرة دلالات عميقة، ودروس يمكن استنتاجها، واختلافات جذرية بين الجماعة الأم وإخوان الكويت، فالأخيرة منذ بدايتها لم تنسج صراعًا مع السلطة السياسية، بل اجتهدت لتحسين علاقتها بها، وعقدت مواءمات وتحالفات مع النظام الأميري ضد التيارات العلمانية، وتركت له المجال السياسي لتسيطر هي على المجال الاجتماعي؛ لتتخلص الجماعة بذلك من أبرز مبررات التضييق عليها.

هذا بعكس ما انتهجته إخوان مصر ومعها أغلب أفرع الحركة في البلدان العربية، الذين تبنوا صدامًا علنيًا؛ الأمر الذي أٌوقع الجماعة في شباك مصير لا تحسد عليه.

وربما كان إخوان الكويت أكثر ذكاءً وحنكة من أقرانهم بمصر، فكانت «حدس» لا تترك مناسبة إلا وتؤكد فيها بشكل قاطع على عدم علاقتها بالتنظيم الدولي للإخوان، الذي كان يجر على جماعة مصر صنوفًا من الكيد السياسي، والتنكيل والمحاكمات العسكرية، وأكثر القرارات التي عبرت فيها عن ذلك رفضها لرؤية التنظيم الأم أثناء محنة غزو العراق للكويت، والرامي وقتها إلى رفض التدخل العسكري الأجنبي في بلاد المسلمين، والانتظار حتى تكوين جيش إسلامي يستطيع طرد الجيش العراقي من الكويت، وانضمت الحركة للرأي الرسمي والشعبي المؤيد للاستعانة بالمجتمع الدولي لإخراج الجيش العراقي. ولم تكتفِ بذلك، بل شاركت في تأسيس حركة المرابطين للدفاع عن البلاد، بالتعاون مع باقي الجمعيات الخيرية والقوى الشعبية.


فشل أسلوب المقاطعة: ذراع السلطة الذي لا يمكن ليّه

http://gty.im/457980966

جاءت عودة «الحركة الدستورية» للماراثون الانتخابي، لتنهي عزلتها السياسية الاختيارية التي استمرت لأربعة أعوام، بعدما أعلنت مقاطعتها لانتخابات مجلس الأمة في 2012، وهو البرلمان الذي تم حله بحكم قضائي فيما بعد، لتجري انتخابات جديدة صيف 2013، قاطعتها الحركة أيضًا، إلى جانب تحالف ضم العديد من التيارات الإسلامية والوطنية والليبرالية.

وكانت الإخوان، بجانب قطاعات سياسية مختلفة آنذاك، تمردت على قرار أميري بتعديل القانون الانتخابي وإلغاء إسناد أربعة أصوات لكل ناخب، والاكتفاء بصوت واحد، وأطلق عليه إعلاميًا وقتها «قانون الصوت الواحد»، لاسيما أنه كان تضييقًا واضحًا على المعارضة، التي كانت تستفيد في السابق من نظام تعدّد الأصوات في إحكام سيطرتها على برلمانات الكويت؛ ليتسبب القانون سريعًا في تغيير بنية التوازنات داخل مجلس الأمة الكويتي، ويتحول تشكيل المجلس إلى أغلبية داعمة للحكومة، وهو الأمر الذي تراه السلطة أضفى استقرارًا كبيرًا، وحدّ من صراع خانق، كان عنوانًا عريضًا طوال عقود مضت بين الحكومة والبرلمان، وكان ينتهي دائمًا بحل أحدهما.

واعتبر إخوان الكويت آنذاك أن قوتهم التي كانوا يتحسسونها في عدد المقاعد البرلمانية، وتاريخهم الطويل في الحياة السياسية، يؤهلهم لقيادة حركة مقاطعة كبرى للانتخابات، مدعومين بجماهيريتهم في الشارع الكويتي الذي سيزحف خلفهم لإعلان احتجاجه لكن الطامة الكبري لهم، أنه لم يتحرك، بل ربما على العكس، أيّد القرارات الأميرية؛ ما صدّر للإخوان محليًا وإقليميًا ودوليًا رسائل صادمة عن حدود تأثيرهم في أي صراع لهم مع سلطة حاكمة، خاصة السلطة السياسية الكويتية ببرود شديد، ودعم مفتوح لنظام السيسي، في مواجهة جماعتهم الأم.

ربما استفادت الحركة الدستورية من دروس عواقب المقاطعة؛ وهي أن تلك الآلية السياسية التي تمثل ثقلاً في بلدان الغرب، تمثل خذلانًا وإقصاءً وربما إدانة قانونية واتهامات لا حصر لها في بلاد العرب، لذا انتهجت الدستورية «براجماتية مستنسخة» من تلك التي حدثت في تونس، للتوازن والحفاظ على مكتسباتها وتأثيرها السياسي التاريخي في الكويت، حتى لو كان ذلك متناقضًا بشكل صريح مع مواقفها المعلنة وتحالفاتها الإستراتيجية، لدرجة جعلتها تعلن بشكل منفرد مشاركتها في انتخابات مجلس الأمة لعام 2016؛ لتعود للحياة البرلمانية والسياسية تحت لواء نفس القانون، الذي حصنته المحكمة الدستورية الكويتية؛ ما جعل الامتثال للأمر الواقع فرضية لا بديل عنها.

واستعدت «إخوان الكويت» مبكرًا للانتخابات البرلمانية، واعتمدت خطة للدفع بمرشح أصيل في كل دائرة من الدوائر الانتخابية الخمس، كما دفعت بمرشحين غير معلن عن انتمائهم للجماعة في الظاهر ليكونوا رديفًا للمرشحين الأصليين، وداعمين لهم في المجلس حال نجاحهم معًا، وقد أدت هذه الإسترتيجية إلى فوز الجماعة بأربعة مقاعد، فيما تأمل أن تتحالف مع آخرين، وهو ما يشكل نتيجة جيدة نسبيًا.


عين على المستقبل: ماذا بعد العودة إلى البرلمان؟

كان إخوان الكويت أكثر ذكاءً وحنكة من أقرانهم بمصر، فكانت «حدس» لا تترك مناسبة إلا وتؤكد فيها بشكل قاطع على عدم علاقتها بالتنظيم الدولي للإخوان

خسرت الإخوان كثيرًا بعد تصدرها بجانب حلفاء معركة قانون الصوت الواحد، والذي أنهى الجدل حوله بتحصين المحكمة الدستورية له، فضلاً عن السقوط المدوي للجماعة في مصر، وانتكاسة الحركة في أغلب البلدان العربية إثر ذلك، جنبًا إلى جنب مع كافة تيارات الإسلام السياسي التي تواجه أكبر أزمة في تاريخها. ومع ذلك، لا تزال «إخوان الكويت» هي الأكبر والأكثر تنظيمًا من الناحية الاجتماعية والسياسية حتى الآن، شأنها في ذلك شأن جماعة الإخوان في كافة الدول العربية.

وباستعراض بسيط لما أشرنا إليه في خطة التحالفات البرلمانية الحالية، سنجد أن الحركة الدستورية لم تفقد شعبيتها وذكاءها التنظيمي والخططي، لاسيما وأنها تعتمد غالبًا على كتلها التصويتية وتحالفاتها مع باقي مكونات التيار الإسلامي؛ ما يجعلها في مأمن من «إعلام التعبئة» الذي يجتهد لتشكيل رأي عام ضدها، رغم أنه لا يشكل إزعاجًا للحركة، مقارنة بحجم تأثيره على الإخوان في الدول المجاورة، وفي القلب منها بلد الجماعة الأم مصر.

تتحمل «إخوان الكويت» في الماراثون الانتخابي الحالي مسؤوليات ضخمة لإعادة الجماعة ككل إلى مسارها الطبيعي، وتنقية سمعتها من «رذاذ الإرهاب» الذي طالها من جراء عزل الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، والسياقات والأحداث التي تبعت تمزق إخوان مصر إلى جناحين؛ أحدهما يتوافق من نهج القيادات التاريخية المؤيدة للسلمية، والآخر يشرعن للعنف بشكل معلن وممنهج لتصفية رؤوس نظام السيسي «مهما كان لهم تأويل في ذلك».

نهاية، الجماعة حاليًا في حاجة لـ«شعرة معاوية» لإثبات جنحها للسلم، وتفوقها بانتخابات الكويت، بجانب الاستفادة من تقرير لجنة الشئون الخارجية في مجلس العموم البريطاني، الذي أنصف الإخوان وبرّأها من استخدام العنف بشكل ممنهج، يعني أنها لا تزال صالحة للممارسات الديمقراطية، فقط تهيئة المناخ السياسي والاجتماعي والإعلامي وكفى.