مشاهدات كثيرة للبالغين الذين يديرون حياتهم المالية بطريقة خاطئة تهدر مواردهم وتَضر بحياتهم. كل تلك الأخطاء والمشاكل كان من الممكن تفاديها لو تم تعليمهم تنظيم الحياة والإدارة المالية الصحيحة لها في الصغر. جانب من كل هذا التخبط يعود لعدم اهتمام الأهل بتعليم أطفالهم الإدارة المالية الصحيحة، فثلاثة عناصر تُستَنفد بالتتابع: «الوقت والصحة والمال»، أشياء تتسرب بين أيدينا دون أن يكون لها إطار واضح لما يجب فعله وكيف، لذا من الواجب علينا كآباء تأسيس صغارنا ومساعدتهم وتدريبهم على إدارة المال بشكل صحيح، وإتاحة التجربة التي ستكسبهم الخبرة والوعي، مما يمثل في النهاية -عندما يتولون مسئوليتهم المالية ككبار- ملجأ ومهربا من الوقوع في مشاكل مستقبلية كثيرة وحتمية. فكيف نفعل ذلك؟

في النقاط التالية نتناول تفصيليا كيف نعلم أطفالنا إدارة حياتهم المالية بشكل صحيح، رويدًا منذ الصغر..


المسئولية

بداية، المسئولية ليست أمرًا فطريًّا بل مكتسبًا، لن تلد طفلًا مسئولًا بمفرده، ولن تجده عند عمر كذا بات مسئولًا فجأة، المسئولية تُعلم تدريجيًّا، والتجربة أهم ركن في العملية التعليمية، وعلينا ألا ننسى أن ارتكاب الأخطاء هو معامل الطفل لتصحيح نفسه واكتساب المعلومة وبالتالي المسئولية.. لذلك كآباء نحن سنتقبل الأخطاء في سبيل التعلم، بصدر رحب.


التدريب

1. عند بلوغ طفلك عامًا ونصفًا ابدأ مناولته الأموال الورقية، الفئات القليلة، واتركه لاستكشافها، وقل له إن هذه تسمى «فلوسًا»، وهي التي نُحضر بها الأشياء من عند البائع.

2. في خلال الشهور القادمة، وعندما تنقص أيٌّ من مستلزمات المنزل التي يطلبها طفلك، قل له إننا سنذهب بالمال للبائع، نعطيه المال ليعطينا كذا.

3. دعه يشاهد عملية المبادلة.

4. عرّفه عملك بهدوء، وأخبره أن هذا العمل هو الذي يحضر لنا المال، وإن كنت أحد متبعي فلسفة المنتسوري، فستسهل عليك الفلسفة إيصال المفهوم؛ بسبب الربط بين لفظة «شغل» التي يطلقها الطفل وممارسو المنتسوري على الأنشطة الخاصة بالطفل، فهو في شغل يوميًا مثلك، عليك المقاربة بين الشغل الذي تقوم به والذي يقوم به الطفل ووظيفة كليكما.

5. عند اقترابه من نهاية العام الثاني عرّفه على محفظتك المالية، وأخبره أن هذه سهلة الحمل، لذلك نضع فيها أشياءنا التي نريدها باستمرار، مثل الفلوس والأوراق المهمة.

6. اطلب منه في أي من المرات التي تقوم فيها بمحاسبة عاملي التوصيل أن يُحضر هو المحفظة لك، وفي المرة التالية أن يستخرج هو الأموال بنفسه أثناء ما ترشده.

7. أثناء تطور الطفل مع الوقت يتعلم العد، لذا ابدأ في استخدام الأرقام في المال، خمسة جنيهات، أخرج خمسة جنيهات، ومثل على يدك خمسة أصابع، وعلم طفلك بطريقة ملموسة الطرح والإضافة، لا تهم نهائيًّا استجابة طفلك، لا تنتظر منه أن يستجيب لأنه لن يستجيب، لكنه سيعتاد الأمر بمفاهيمه ومعطياته، هذا ترقية لوعيه في مسارات عديدة.

8. عند عامين وثلاثة أشهر أعطِ محفظتك لطفلك ليكشفها تحت إشرافك، عرّفه الأموال وطرق وضعها مطوية ومفرودة.

9. في خلال ذلك اترك له أموالًا من فئات صغيرة ليسكتشفها، دع له حرية التصرف، نبهه عندما يحاول أن يتلفها، فيجب ألا نتلف أشياءنا في العموم.

10. عند اقترابه من العام الثالث قم بتعريفه الأوراق المالية 10-20-50-100-200، ابدأ بثلاثة منها فقط، ثم الخمس الفئات، عرّفه فقط ما أكبر مِمَّا، سيدرك تتابعها فيما بعد مما يسهل إدراك قيمها في التبادل في المستقبل.


المحفظة المالية

1. عند بلوغه ثلاثة أعوام تكون قد تكونت لديه صورة شبه كاملة عن الأموال ووظيفتها وطريقة الحصول عليها، وخبرات حول العدد وماهية الأوراق نفسها وقيمتها، من الأكبر للأصغر.

2. في الشهور التالية اشترِ له محفظة وأعطه بعض المال البسيط ليحتفظ به، وابدأ في تأهليه لمرحلة البيع والشراء.

3. قم بمعاملته تجاريًّا بشكل مُبسط في المنزل ببيع بعض الأشياء له، أعد له المال مرة أخرى، فهذا تدريب لا أكثر.

4. في هذه الأثناء الطفل يتعلم العد والحساب والطرح بطريقة حسية لا أكاديمية، ربما لا يجب أن يعرف (رسم) الأرقام وشكلها، لكنه سيستطيع عد الأوراق بالإضافة والطرح وبعدها البيع والشراء.

5. بعد ذلك نفتح للطفل حسابه المالي الأول في حياته، سنخصص له جزءًا من المال كهدية له بلا مقابل يطلب منه، حذارِ من استخدام المال كوسيلة لمقايضته، افعل كذا لتحصل على كذا، المال حصة دورية للطفل بما يناسب دخلك.


الإيرادات

1. تخصيص مصروف شهري أو نصف شهري للطفل أفضل من إعطائه المال بشكل عشوائي أو على هيئة مصروف يومي، إتاحة المجال للتفكير للغد، لا لليوم فقط، مهم في تأسيسنا لمهارة التخطيط والتفكير والمنطق.

2. محفظة الطفل أو حسابه المالي بات من حقه تحت رقابتنا البعيدة.

3. يشتري الطفل ما يشاء، لا يهم إن كان سيذهب لشراء شوكولاتة بكل الأموال، النظام سارٍ ليس هناك خرق له، ستتناول حصتك الاعتيادية من الشوكولاتة، قطعة صغيرة في اليوم صباحًا فقط.

4. إن اشترى بكل ماله شوكولاتة مثلًا، فسيمكث أيامًا بلا مال يشتري به شيئًا آخر لأنه استنفد كل ماله، ولا شوكولاتة يأكلها بسبب الحصة المحدودة.

5. سيتدخل معامل تصحيح الخطأ، ولن يكرر هذا الخطأ ثانية، وسيكون قد تعلم أول الدروس: «المال محدود».

6. ما يتحصل عليه الطفل في هيئة هدايا مثل العيديات وأموال عيد ميلاده يدخل حسابه، حتى لو كان مبلغًا كبيرًا، سيتبين سبب ذلك في النقاط القادمة.


المصروفات

1. ليس علينا توجيه الطفل نحو الشراء، هذه الكائنات الجميلة تسعى نحو أشياء كثيرة تتطلب الكثير من المال، الملابس على اختلافها، الألعاب والأدوات الواسعة، عجلة جديدة، لعبة ليجو كبيرة، تلسكوب، هذه الأشياء غالية، ومفيدة، إن كنا سنشتريها يومًا، فلماذا لا تتم من ماله بإدارته، سيدرك قيم الأشياء أكثر بالتجربة.

2. عندما يقف الطفل أمام فترينة محل لن يبكي ويحايل لأنه يريد كذا ولا يدرك أي شيء عما وراء ما يطلب، في حالتنا سيفتح محفظته لينظر للمال ويعرف «هل يستطيع شراءه أم لا؟»، في المرة الأولى سيشتري، سيستخدم ماله في شراء أول ما يعجبه مادام يملك ثمنه.

3. بلياقة، اترك الطفل يُشاري ويستفسر بنفسه، تحت لمساتك، سيحب المعاملة، ويتعلم أثناء ذلك.

4. بعد أن يستنفد ماله في قرار غير مسئول سيكتشف بنفسه نتيجته وهو يشاهد المعروضات المختلفة في واجهات المحال وهو غير قادر على شراء، سيفاضل، ماذا لو اشتريت هذين الاثنين بدلًا من شراء هذه فقط؟ ماذا عن هذه الأداة الأخرى؟ أظن أنها أفضل من تلك التي معي.

5. الآن يتساءل طفلك الأسئلة الإدارية الصحيحة: هل أستطيع شراء هذا؟ هل أنا فعلًا في حاجة له؟ هل يستحق قيمة المال في مقابل قيمته؟ لن يرتكب هذا الخطأ مرة ثانية، وسيتعلم أن يمر على كل الخيارات المتاحة حتى النهاية ويأخذ وقته في المفاضلة، ستنبهر عندما تراه يقف أمام معروضة، ويعد ماله، ثم تشجعه أنت على شرائها لأنها قرار جيد، فيخبرك هو هذه المرة أنه سينتظر ليرى الخيارات أولًا.


الإيثار

1. قل له إن الله يعطينا نصيبًا من الرزق، هو حصتنا في كل ما نأكل ونشرب ونملك، معنويًا وماديًا، هناك محتاجون اضطرتهم الظروف للفقر وألا يمتلكوا ما يكفيهم، علينا إعطاءهم جزءًا، مشاركة منا في تسهيل حياتهم، ولأن الله يحثنا على الخير، دربه على إعطاء الفقراء مما يملك، ليس المال فقط، لعبه القديمة والجديدة، وملابسه، و… و…

2. استخدم ألفاظًا واضحة حقيقية أثناء الشرح بشكل بسيط، لا طفوليّ، ولا تنسَ مساعدته على الادخار بالاحتفاظ بأمواله معك.


في هذه الأثناء لا يتعلم طفلك الادخار ولا العطاء فقط، هو يتعلم الإدارة، والاستفادة من الأخطاء باستخلاص النتائج، أسلوب تعاملكما العاقل الموجه سيكون دفعًا لتكوين إنسان مسئول يدرك مفاهيم الاحتياج والادخار والعطاء وإدارة فرصه في الشراء واتخاذ القرارات المالية القريبة والبعيدة الأجل. بهذه الطريق تدفع طفلك لتعلم إدارة ماله بمسئولية، ومبكرًا جدًا، بما يميزه عندما يأتي دوره كبالغ في تولي ماله كاملًا، إنها لن تكون المرة الأولى له في تولي زمام ماله، ولن يبدأ لتوه، في الثامنة عشرة مثلًا، في التعلم والتجربة، بل ستكون لديه خبرة عشر سنوات من قبل، لدينا مُدير مالي عظيم.