تمثل الذاكرة جزءًا مهمًا في صلب التعلم، سواء تعلم المهارات أو التعلم الأكاديمي، لذا فكثير من الآباء يسأل: «كيف أقوي ذاكرة طفلي»، وقبل الإجابة عن السؤال نتعرف إلى أنوع الذاكرة الثلاثة، وهي:

«ذاكرة تلقائية» مسؤولة عن جميع الأنظمة الجسدية كالتنفس ودقات القلب وحركة ووظيفة كل أعضاء الجسم، و«الذاكرة قصيرة المدى» والتي تمثل الملفات التي تستخدمها كثيرًا و«الذاكرة طويلة المدى» كالأرشيف الذي يخزن المعلومات لسهولة الوصول إليها وقت الحاجة، وترتبط قوة الذاكرة بعوامل عديدة، منها ما هو وراثي، ومنها ما يتعلق بأسلوب حياة طفلك، وهي:


العوامل المؤثرة في أداء الذاكرة

1. النوم الكافي

النوم المنتظم يعالج الدماغ من خلق مهارات جديدة وتثبيت الذكريات وحل المشكلات حيث إن النوم غير المنتظم هو أحد أسباب ضعف الذاكرة عمومًا والنسيان خصوصًا، أما النوم الكافي فيساعد على الاستيعاب بشكل سريع للحقائق والمعلومات التي يتلقاها طفلك في فترة النهار، كما أن النوم الزائد عن الحد يتسبب في خمول الذاكرة.

ومن الجدير بالذكر أن قصة الكيميائي الروسي الشهير «ماندليف» بأنه حصل على الجدول الدوري أثناء نومه في الحلم بعد يوم طويل قضاه في الصراع مع المشكلة هي خير دليل على أن النوم الكافي المنتظم يخلق الإبداع، وهناك العديد من العلماء اكتشفوا أبحاثهم التي تشغل عقولهم أثناء النوم، لذا فحافظ على نوم جيد بعدد ساعات مناسبة لأطفالك حسب أعمارهم.

2. التغذية السليمة

الكثير من الأطعمة تسمى أطعمة المخ لأنها تغذي العقل وبالتالي تتطوّر الذاكرة، ومنها سمك التونة والسالمون واللفت وفول الصويا وبذور الكتان والتي تحتوي على الأوميجا 3، حيث إن تناول هذه الأغذية بانتظام يقلل المادة المسؤولة عن تدمير خلايا المخ والتي تؤدي للإصابة بالزهايمر مع تقدم العمر.

كما أن تقديم المكسرات والحبوب والحليب والبروكلي والبصل والقمح والشوفان وصفار البيض والقرنبيط وكل ما يؤكل من ورق أخضر لطفلك فقد أثبتوا أن لها نتائج فعالة في تقوية الذاكرة وتنشيط الذهن فهي من الأطعمة الهامة التي تساعد على تقوية الذاكرة.

كما يجب أن يتناول الفواكه لأنها تمد جسمه ومخه بالسكريات البسيطة، والنشويات مهمة جدًا كالخبز والبطاطس فهي مصدر جيد أيضًا للطاقة التي يحتاجها جسمه وجهازه العصبي، ولكن احذري من كثرتها حتى لا تسبب له السمنة المبكرة، كما يجب تقديمها له بشكل صحي، حيث إن تناول الطعام الصحي له صلة مباشرة بمدى تركيز الطفل، وتناول الوجبات السريعة أو الأطعمة الغنية بالسكر يجعل الطفل بطيئًا و تقلص حجم المخ لديه.

3. الموجات الكهرومغناطيسية

التعرض للمجالات الكهرومغناطيسية يضعف ذاكرة الأطفال وقدرتهم على التعلم، حيث تشير دراسة نشرها موقع (Earth Calm) إلى أنَّ تعرض الأطفال للموجات الكهرومغناطيسية التي تصدر عن أجهزة البث، مثل الهواتف المحمولة، وأجهزة Wi-Fi، تؤثر سلبًا على ذاكرة الأطفال، لذا ينصح المتخصصون بتجنبهم التعرض المباشر لهذه المجالات، التي تتسبب في ضعف ذاكراتهم وإصابتهم بضعف الإدراك، فاحرص على حماية طفلك من الإلكترونيات وتعامل معها بحذر وللمزيد يمكنك قراءة (كيف تحمي طفلك من الإصابة بالتكنولوجيا؟)

4-الضغط النفسي

لا يعتبر نقص الذاكرة أمرًا بيولوجيًا بحتًا بل هناك عوامل نفسية تؤثر على عملية الاحتفاظ بالمعلومات وأيضًا استرجاعها، منها ما يعتبر عوامل عرضية مثل تشتت الانتباه، ومنها ما يشكّل عوامل مرضيَّة مثل الاكتئاب. وأهم هذه العوامل هو الضغط النفسي الذي يظهر في خوف الأطفال من الصراخ أثناء التعلم، مما يجعل هناك عائقًا كبيرًا يحول دون وصول المعلومة إلى المخ، كما يجعل الطفل ينسى المعلومات لارتباطها بذكرى سيئة لديه، وقد ثبت علميًا أن التعلم الممتع يقوي الذاكرة ويطورها لذا فلا تضغط على طفلك واجعل تعلمه ممتعًا بالنسبة له وليس تجربه سيئة يريد نسيانها.

5. البيئية المحيطة

تشير الدراسات إلى أن درجات الحرارة المرتفعة جدًا تسبب ضعف الانتباه وتؤثر على الوظائف العقلية، حيث إن الإجهاد الحراري قد يؤدي إلى ضعف الذاكرة، كما أن للضوضاء تأثيرًا كبيرًا على الذاكرة خاصةً الذاكرة السمعية، لذا فإن هدوء البيئة المحيطة يجعل عمل الذاكرة أنشط وأسرع.


كيف تقوي ذاكرة الطفل؟

من المدهش أن تعلم أن ذاكرة الأطفال تعتبر قوية عمومًا، لأن دماغ الأطفال ما زال ينمو، كما أنَّقدرة الأطفال على الاحتفاظ بالمعلومات تفوق قدرة الكبار، حيث أثبتت الدراسات العلميّة أنّ نشاط الذاكرة يكون أكبر وأقوى كلما زاد دافع الطفل ورغبته في التّعلّم والمعرفة، فهناك نظرية تسمى «نظرية الاضمحلال» تشير إلى أن الذكريات والمعلومات تتلاشى وتختفي مع مرور الزمن إذا لم يتم تذكرها والتدريب عليها بشكل متكرر ومستمر، ويصعب استرجاع ما بها من معلومات، لذا يمكن تدريب الذاكرة بعدة طرق، منها:

1. ممارسة الرياضة

عدة أبحاث أثبتت أن ممارسة الرياضة والأنشطة البدنية المختلفة بانتظام تؤثر بشكل مباشر على قوة الذاكرة، فإنها قد تزيد من حجم الجزء المسؤول عن التعلم والذاكرة اللفظية في الدماغ، لذا فإن التمرين يغير الدماغ إلى الأفضل، ويعمل على حماية مهارات التفكير والذاكرة. وقد أظهرت دراسات أن التدريبات مرتين في الأسبوع قد يساعد الأشخاص الذين يعانون من ضعف إدراكي معتدل للتغلب عليه وتحسن طريقة التفكير لديهم.

2. تدريبات التأمل

التنفس العميق مع الصور المرئية الإيجابية «التأمل» يساعد الدماغ على التطور وتعلم مهارات جديدة لأنه يزيل التوتر، لذا اطلب من طفلك أن يغمض عينه ويتخيل أنه في الفصل وجميع زملائه يشجعونه ويقدرونه، ثم اسأله ماذا رأى في مخيلته، وماذا يمكنهم أن يخبروه، ولماذا حظي بكل هذا الاهتمام منهم؟ وبمجرد أن يتمكن من تصوير هذا بوضوح في عقله، ستجد أن سلوكه في الواقع «المدرسة» يتغير أيضًا، فهي حيلة على المخ بالتخيل لجعله يريد أن يحقق ما حدث في مخيلته.

كما أن الذاكرة ترتبط بمهارات التصور عند الأطفال، لذا يعتبر تشجيع الطفل على تخيل ما يقرؤه أو يسمعه، من أبرز الطرق لمساعدته على تطوير الذاكرة، فإذا كنت تشرح لطفلك عن خط الاستواء مثلاً، دعه يتخيل برتقالة مقسومة إلى نصفين، وخط الاستواء هو الذي يقسمها، وهذا يختلف عن إحضار البرتقالة ليراها؛ ففي التخيل نعتمد على الذاكرة البصرية المتطورة عن ذاكرة القراءة أو السمع.

كما يمكنك أن تلعب مع طفلك لعبة المطابقة (الصور المتشابهة) فهي تنشط الذهن والتركيز، ويمكن ببساطة مشاهدة الصور العائلية مع طفلك وسؤاله كي يتذكر أحداث كل صورة ومتى وأين كنتم، فهذه لعبة مسلية تزيد من التركيز وتنشط العقل.

3. الموسيقى

تعمل الموسيقى الهادئة علي تحسين الذاكرة وكذلك السماع للقرآن الكريم، كما يمكنك أن تساعد طفلك على تكوين قافية أو قصيدة أو أغنية من المعلومات التي يتعلمها، حيث يتم توصيل أدمغتنا لتذكر الموسيقى والأنماط، لذلك فإن استخدام الموسيقى أو القوافي يمكن أن يساعد طفلك على تذكر تلك المعلومات المصاحبة لها.

4. تقسيم المعلومات لأجزاء صغيرة

من السهولة أن نتذكر معلومات صغيرة بدلاً من التعامل مع الكثير منها في وقت واحد، لذا قم بتنظيم وتقسيم المعلومات باستخدام العناوين الفرعية والقوائم والألوان ليسهل على طفلك تذكرها لاحقًا.

5. الرسم

أن تطلب من الطفل أن يرسم ما يدرسه في تصوير المادة يساعد مهاراته الحركية الدقيقة لتطوير وتذكر ما يرسمه بسهولة بعد ذلك، ويعمل على تدريب ذاكرته بشكل أفضل وارتباط المعلومات بصور مرسومة بيده، كما أن التدوين للأطفال الأكبر سنًا أثناء الدراسة يساعد على التذكر.

6. طريقة توصيل المعلومة

أثبتت عدة دراسات أن أسباب نسيان الطفل للمعلومة وضعف ذاكرته التي تتمثل في عدم فهم المعلومة التي تم تقديمها إليه وأنه يحفظ فقط دون الفهم لذا يجب أن يتلقى المعلومة بشكل بسيط وسلس، كما أن المعلومات التي تُقرأ على الطفل بصوت مرتفع وواضح يسهل عليه تذكرها.

7. المسؤولية.

يمكنك أن تطلب من طفلك أن يأخذ دور المعلم ويقوم بشرح ما تعلمه اليوم، كما يمكنك أن تطلب منه تعليم أخيه الأصغر، لأن خروج المعلومات بقصد التعليم يعمل على تثبيت المعلومة وحفظها بشكل أسهل.

8. التشجيع والاهتمام

شجع طفلك على القراءة باستمرار وتدوين تلخيص لما يقرأ ويفهم، كما يمكنك طرح الأسئلة عليه حول ما قرأ وتعلم، وأيضًا تمهيد طفلك للمهمة القادمة وما سوف تقومون به قبل البدء في المذاكرة، كما يمكنك إعداد مكافأة له بعد الانتهاء والتأكد أن المعلومة قد وصلت بشكل واضح بإجاباته الصحيحة على أسئلتك ومناقشتك حول ما تعلمه.

9. التعلم باللعب

اجعل التعلم أكثر جاذبية لطفلك من خلال اللعب ببطاقات يتم كتابة الحروف بها، وعليه أن يجيب بتكوين كلمة من هذه البطاقات، أو استخدام أشياء ملموسة في التعلم كاستخدام المكعبات أو الكرات في العمليات الحسابية كالجمع والطرح والضرب، واجعل الوقت المهدر كوقت المواصلات خير فرصة للتعلم بسؤالك له على شكل لعبة مثل «من سيربح المليون»، فيمكنك وضع أسئلة حول جدول الضرب أو في الدراسات والبلدان والتضاريس أو في العلوم حول النبات والحيوان وجسم الإنسان، وكل هذا دون أن يمل طفلك ويمكنك في كل مرحلة تثبيت مكافأة رمزية للوصول للجائزة الكبرى.

10. الحصول على الراحة

ضع في اعتبارك أن متوسط ​​تركيز البالغين هو حوالي 42 دقيقة، وبالتالي فإن تركيز الطفل في حدود زمنية أقصر مثل 15 دقيقة إلى 20 دقيقة، لذا يجب أخذ راحة فاصلة 3-5 دقائق كل ثلث ساعة من الدراسة حتى يسهل عليه استكمال ما يفعل والتركيز به، كما أن وضع مهمات محددة متعددة يساعد على التركيز، وأيضًا يجب أن نأخذ في الاعتبار أن بعض الأطفال ينجحون عند وضع أهداف زمنية، وقد يشعر أطفال آخرون بالضغط والقلق ويفقدون التركيز، لذا ليس كل طفل يستطيع أن نفرض عليه مدة زمنية لهدف محدد.