الأزمة المتكررة … تلك الشكوى التي لا نتوقف عن طرحها كل عام حينما يحل رمضان بكل مسئولياته والتزاماته وضيق الوقت الذي يباغتنا فجأة، مما يعني تغير النظام المتبع في الأيام العادية، وتكون النتيجة الأكثر شيوعًا هي انخفاض معدل الإنتاجية المعتاد بشكل كبير، بل في بعض الأحيان تصل إلى الصفر بالنسبة للبعض. فكيف يمكننا أن نتوقف عن إهدار الوقت بصورة غير مبررة في رمضان؟


ما قبل المواجهة

قبل أن ندخل في بحث مطول عن الأفكار والخطوات التنفيذية التي يمكن اتخاذها لتحقيق أقصى استفادة ممكنة، نحن في حاجة لمعرفة المشاكل الحقيقية التي تتسبب في كل تلك الخسائر، تلك الأسباب التي تؤدي في النهاية إلى شعورنا بالتعب والإرهاق وفقدان القدرة على العمل، والتي تتمحور في النهاية حول نظام غذائي معتدل وضبط معدلات النوم وتحديد برنامج منضبط يمكن السير عليه.

القليل من الطعام أو الكثير حد التخمة، تلك هي المعضلة التي تتسبب في فقدان القدرة على الاستكمال، فصيام ما يزيد عن الـ 14 ساعة يمكن اعتباره سببًا كافيًا للتوقف عن العمل، لكن في الوقت نفسه يكمن البديل في إفطار صحي متوازن، فبعض من النشويات لأجل عمليات الحرق والحصول على الطاقة، وبعض من البروتينات لتعويض ما يفقد الجسم وما قد يصاحب ذلك من عناصر غذائية مهمة، لكن الأهم هو أن يكون ذلك كله بمقدار متوازن يكفي ليعود الجسم إلى حالته النشطة، ويقدم الشعور بالشبع.

وتكمن مشكلة الطعام في زيادة مقدار أحد العناصر عن الآخر، وتناول كميات كبيرة من الطعام مما يتسبب في صدمة للجسم، تؤدي في النهاية إلى حالة من الإرهاق الشديد بعد الإفطار، وعليه فقدان ساعات الليل.

وبالانتقال إلى العنصر الثاني، فأزمة النوم واضطراب مواعيده بسبب تغير النظام اليومي، يرتبط جزء منها بالنظام الغذائي المذكور سلفًا، ويرتبط الشق الآخر بتنظيم الوقت، فإنفاق الوقت في أمور لا فائدة منها وتضييع الفرصة على الجسد في الحصول على قدرٍ كافٍ من النوم في الأوقات التي يُستحب فيها النوم، يشكل عنصرًا مهمًّا في تلك المشكلة، وبقليل من الاستغناء عن بعض مهدرات الوقت، يمكن التغلب عليها.

وأخيرًا، فتحديد المهام اليومية بشكل محدد، ربما لا يخلق حالة من المثالية في تنظيم الأعمال المحددة والقيام بها، والواقع دائمًا ما يخبرنا أن ذلك النوع من الجداول لا يخرج بالصورة المثالية بالنسبة للشق التنفيذي، لكن الغرض الرئيسي الذي أثبتته التجربة في مسألة وضع جدول الأعمال اليومية، أنه يخلق حالة من البصيرة والتحديد خلال اليوم، بدلًا من السير بشكل متخبط خلال اليوم، مع التفكير كل نصف ساعة في الأمور المتأخرة والمهام التي يجب إتمامها.

وبخصوص العبادات والنوافل، فهناك من يرى أنه ليس هناك وقت كافٍ لها، وهناك من يمنحها الكثير من الوقت، فتطغى تلك على ما عداها، والحقيقة أنها لا هذا ولا ذاك، فالتعامل معها باعتبارها واحدة من المهام اليومية ولها وقتها الخاص بها، ضمن النمط اليومي يمكنه أن يجعل الأمر قابلًا للتطبيق.

فتحديد المهام بشكل مسبق يمكنك على الأقل من إتمام من 3 إلى 4 مهام بشكل جيد، بدلًا من تضييع الوقت في إنجاز لا شيء، أو إنجاز بعض المقتطفات المتخبطة غير المكتملة.

وبعد أن ننتهي من مواجهة المشاكل التي تبدو مجهولة بعض الشيء لكنها محورية بشكل كبير، يمكننا أن ننتقل إلى نقاط أكثر تفصيلية.


الامتحانات والصيام

يشارك الكثير من الطلاب حول العالم ملحوظاتهم حول الروتين اليومي الذي يمكن اتباعه خلال الصيام، لكن على الرغم من صعوبة الاتفاق على نظام بعينه، فإن هناك نقاطًا عامة ومهمة يمكن استنباطها بحكم التكرار والمنطق، ومنها على سبيل المثال،اغتنام بضع ساعات من النوم من بعد أداء صلاة التراويح وكذلك بعد صلاة الفجر وحتى صبيحة اليوم التالي، وهنا يمكن القول إنه ليس هناك موعد محدد للاستيقاظ، ففترة الصبيحة طويلة وممتدة والنوم فيها يمثل أمرًا جيدًا من أجل استكمال بقية اليوم.

ويبدو دربًا من الخداع القول بأن المذاكرة خلال رمضان يجب أن تكون مستمرة طوال الوقت، وبكامل الطاقة البدنية والذهنية، فساعات النهار على سبيل المثال تبدو وقتًا جيدًا للمذاكرة إذا ما توفرت أجواء هادئة ورغبة جادة، وساعات النوم القليلة قبل السحور وبعده يمكنها أن تكون معينًا جيدًا على ذلك، كما يمكن أخذ وقتٍ للراحة من حين لآخر خلال المذاكرة، على فترات متقطعة، لضمان بقاء الذهن متيقظًا.


كيف نواجه إرهاق العمل؟

يختلف الأمر كثيرًا عن الحديث عن الواجبات المهنية، فالأمر له مميزاته وله عيوبه كذلك، فنهاية الدوام اليومي في مقر العمل، يعني في كثير من الأحيان نهاية المهمات المطلوبة، وهو ما يعني القدرة على الحصول على قدر كافٍ من الراحة، لكن المشكلة تكمن في أن الكثير من الآراء المتخصصة تتحدث عن أفضلية القيام بالواجبات المهنية، والجسم في حالته النشطة، وهو خيار غير متاح دائمًا، فالمذاكرة يمكن تأجيلها خلال اليوم، لكن الأعمال المهنية لا تخضع للقاعدة نفسها دائمًا.

وتذهب معظم النصائح دومًا إلى مسألة التنظيم بشكل جيد، فعدد ساعات العمل في كثير من المؤسسات تصبح أقل من الأيام المعتادة، لذلك فهي فرصة جيدة للحصول على قدر أفضل من النوم، لتزويد الجسم بالراحة التي يحتاجها لاستكمال المطلوب منه.

من المهم أيضًا الحرص على إعطاء الأولويات دورها الحقيقي من الوقت المتاح خلال اليوم، فجانب العبادات بكل أشكالها، بمجرد أن ينتهي، يُفضل أن يحصل الجسم على بعض الراحة، مع فهم أن التضحية هنا ببعض رفاهيات إهدار الوقت المعتادة يأتي في سبيل التأقلم مع تغير النظام اليومي بأكمله.

من المهم أيضًا الحرص على ضبط النظام الغذائي بأفضل صورة ممكنة، فالحصول على غذاء جيد مع بذل الجهد في العمل، في حال كان العمل يتطلب جهدًا بدنيًّا، أو يتطلب الذهاب لمسافات بعيدة، يُشكل فرصة متميزة لمساعدة الجسم على التغلب على مشاكل عسر الهضم وما شابه من المشاكل الشائعة، التي تواجه من تضطرهم أعمالهم إلى النوم مباشرة بعد تناول الطعام، والمقصود هنا بالنظام الغذائي البعد قدر الإمكان عن الإفراط في النشويات والدهون، وتناول طعام صحي قدر الإمكان.

في النهاية، يمكننا القول إنه ليس كتيب إرشادات واضح يمكن للجميع اتباعه، فذلك النوع من الأفكار يعد ضربًا من الاحتيال وعدم الفهم، فكل حالة تمتلك ظروفها الخاصة ومتطلباتها المعروفة، لكن ما يمكن الإجماع عليه في النهاية هي العناوين المهمة التي تشكل عاملًا مساعدًا في تحصيل الفائدة الأكبر من الشهر الفضيل من الناحية العملية.