تداولت وسائل الإعلام تسجيلاً صوتيًا منسوبًا لأحد أساتذة الجامعة في كلية الإعلام أثناء محاولته مقايضة طالبة على جسدها مقابلاً للنجاح، وصل الأمر -وفقًا للتسجيل – لمحاولة إجبارها على التصوير عارية لاستغلالها وضمان صمتها، وبعيدًا عن إثبات حقيقة التسجيل أو فبركته، لأن ثبات الواقعة من عدمه لن ينفي تعرض طالبات بشكل مستمر لاحتمالات التحرش والمقايضة على الجسد في مقابل الشهادة، يُعد الانتقال الحديث لظاهرة التحرش من (الشارع) لمنظومة (التربية والتعليم) داخل الحرم الجامعي، مصيبةً جديدةً تدخل علينا، فبدلاً من نقل الأساتذة للعلم والمعرفة ورسالة القيم داخل أسوار الجامعة، كسبيلٍ للنجاح وهدفٍ لأولياء الأمور يرسلون أبناءهم من أجله، باتت خدمات (التحرش الجنسي)، و(خلع الملابس) طريقةً للحصول على الشهادات عبر طرق مختصرة!.

وطالما مفروض احتمال تحوّل الحرم الجامعي بهيبته وقدره من مكان يقابل فيه أبناؤنا نماذج الأساتذة الوقورة ذوي العلوم والأخلاق الرفيعة كي يكونوا قدوة لهم، إلى مكان قد يَنتهك جسد ابنتي ويسلب روحها، بل حقيقة احتمالية وصول تلك النفوس المريضة -كالتي في التسجيل- لهذه المناصب الأكاديمية الرفيعة داخل منظومة التعليم الحكومية التي تتماس بشكل مباشر طوال الوقت وبناتنا في كل جامعات مصر، يصبح معه لزامًا علينا تحصين بناتها ووقايتهم بالتأهيل والاستعداد السليم من مثل هذه الاحتمالات، فمواجهة الأستاذ الدكتور المتحرش ذي المكانة المرموقة الذي يملك مصيرك في سن قلمه ليست بذات سهولة مواجهة متحرش في الشوارع، فمن أين نشأت المشكلة؟، وكيف يكون الحل؟، هذا ما نجيب عليه في النقاط التالية.


الآباء

منطقيًا إذا وضعنا في كفتيْ ميزان (جسد الفتاة) وفي الكفة الأخرى (الشهادة) وسألنا الجميع عن احتمالية قبولهم أن تتخلى فتاة عن جسدها كي تحصل على الشهادة سيجيب الجميع أن لا احتمالية هناك، الجواب حاسم: لا يجب على الفتاة أن تسمح بانتهاك جسدها للحصول على أي شيء في الدنيا، لا شهادة ولا غيرها.

هذا هو المنطق المفترض، لكن ما يفرضه الآباء طوال عمر فتياتهم ويعبث بهذا المنطق ويغير موازين الكفات دون أن يدروا هو:

1- (قومي ذاكري، مش هتسافري/تلعبي/تخرجي/تروحي التمرين/تقابلي صحباتك … إلخ … قبل ما تذاكري) – رسالة مفادها أن عمل أي شيء تحبينه في الحياة، متوقف على المذاكرة.

2- لو كان الشاب أو الفتاة حائزًا للمركز الأول على مستوى العالم في رياضة ما، لكن نتيجته في الثانوية العامة سيئة فلا يهم الرياضة ولعب العيال ذلك!، درجاتك سيئة وأنت فاشل وهذا أمر يستدعي العقاب والتقريع والحرمان من بعض الأشياء، ربما الحرمان من التدريب في رياضتك ذات المركز الأول سيكون ملائمًا فهي السبب في فشلك – (المذاكرة أهم من كل الأشياء في العالم، ربما لو كنت بطل العالم في الجمباز والسباحة والشطرنج معًا وقمت باختراع سيارة تسير بالماء وأول بدلة فضائية من ورق ألومونيوم البوتجاز، لكنك حصلت على 55% في الثانوية العامة، فسيقتلك أبوك وتبات الليلة غارقًا في نحيب ودموع أمك التي لا تعرف في ماذا قصرت في تربيتك كي تنال منك هذا العقاب.

3- (لما تتخرج هعملك … كذا كذا …) / (اتخرج انت بس وملكش دعوة وهتلاقي ……كذا كذا………) / (عارف لما تتخرج، هتشتغل وتسافر وتبقى حر نفسك ونسيبك تعمل … كذا … كذا …) – (الحصول على الشهادة هو مربط فرس الحياة بأسرها، كل شيء في حياتك متوقف حتى تمام التخرج).

4- (أنا قاعدة بعملك كل حاجة في الدنيا عشان تذاكري، عمري ما حرمتك من حاجة، ليه بتجيبي درجات وحشة؟ أنا قصرت معاكِ في حاجة؟) – (وظيفتك هي الحصول على الشهادة وكل ما يقدم لك هو في سبيل نتيجة واحدة فقط؛ الحصول على درجات مرتفعة والإتيان لهم بالشهادة كما يحبون).

بغسيل المخ هذا اختلفت الموازين وتحولت الشهادة من رحلة اكتساب علم لسجن افتراضي نبذل كل السعي لإنهائه والخروج منه بأسرع وقت ممكن، أضف تفريغ منظومة التعليم الحالية من الفائدة العلميّة الحقيقة على مستوى الفرد وسوق العمل، تبات الرحلة عبثية لا شيء معروف لها، كالتجنيد الإجباري في الجيش تمامًا، لا تعرف له سببًا ولا تنتظر منه نتيجة، فقط هم قالوا لك إن هذا إجباري ومحتم فعله حتى اختزلوا وجودك نفسه في حصولك على الشهادة فكل شيء يدور في فلكها لا مناص من ذلك.

بهذه الأركان وذلك الضغط النفسي المشوّه وتعريض الأبناء لوسائل الترهيب والترغيب المُقنن المستمر منذ ميلادهم حتى عمر تخرجهم، بما يماثل أركان غسيل المخ الحقيقية؛ يجعل فتياتنا يقفن عاجزات أمام التحرشات العابرة في الغرف المغلقة التي لن يعرف عنها أحد وستمر بسلام وتختصر عليها الطريق لإنهاء فترة تجنيدها الإجبارية داخل أسوار التعليم!.

لا تلقِ باللوم كله عليها، أنت من قبض عليها وأودعها خلف هذه الأسوار وأوصل لها على مدار كل سنين عمرها أن الخروج من هذا السجن هو هدفها في الحياة، أنت الذي حول (الشهادة) من طريق للعلم، لسجن افتراضي تربي أبناءك فيه على أن (الدرجات) أهم من الحياة نفسها، من النفس والشخص ذاته.. الناس يقيمونك بما ترتدي لأنهم يهتمون بالمظاهر وكذلك عليك أن تكون، الشهادة التي تكلل مشوار حياتك هي سبيلك الأوحد لإثبات نفسك وبدء مشوار حياتك، ومن ثَمَّ تحقيق كل ما تريد.. كل الأمور ستصبح جيدة فور تخرجك فلا تقلقي.

أي حماقة هذه؟! هي الحماقة التي تؤدي بأستاذ جامعة مرموق لطلب التعري وخلع الملابس من فتاة في عمر ابنته يعرف كل المعرفة أنها لن تقوى على المواجهة أو الرفض لاعتبارات عدة؛ الفصل من الجامعة وخسارة الشهادة أحدهما، والفضيحة في مجتمع يلقي باللوم على الضحية دائمًا ثانيهما. تربية ليست من أفشل أنواع التربية فقط، بل تربية كاذبة كذلك..

ملايين يعملون في مجالات اهتموا بها وتخصصوا فيها دون الحصول على أي شهادة، وباتت سيرتهم الذاتية هي سابقة أعمالهم، وليست سطرًا عن الشهادة والتقدير العام وسط ورقتين A4 مزيف أغلبهما!.


الشهادة

في عام 2005 أحصت وزارة العمل الأمريكية 10.3 مليون عامل في الولايات المتحدة (7.4٪ من القوى العاملة في الولايات المتحدة الأمريكية) يعملون freelancer، دون توظيف أساسي ودون مسوغات عمل تقليدية كتلك التي تتطلب تقديم الشهادة وإلخ.

في عام 2012 قدرت مجموعة أبردين المتخصصة في البحوث والإحصائيات أن 26٪ (حوالي 81 مليون نسمة) من سكان الولايات المتحدة كانوا جزءًا من قوة العمالة غير الرسمية التي تشمل في لوائها العمالة الحرة freelancer.

في عام 2013 قدر اتحاد العمال المستقلين أن 1 من بين كل 3 موظفين في الولايات المتحدة يعملون في وظائف حرة.

وفي بريطانيا،قدر منذ 6 سنوات أن عدد ال freelancer الذين لا يتطلب عملهم الحضور لمكتب العمل، أو تقديم مسوغات تعيين، بـ 10.7% من إجمالي القوة العاملة.

والمفاجأة أن تقرير الصناعة الحرة لعام 2012 حدد أن 71٪ من العاملين لحسابهم freelancer هم من النساء، وقالت الباحثة «كاثرين ماكرتشر» إن غالبية العاملين الأحرار في مجال الصحافة هم من النساء، و يقول (براين راشد) في المجلة الأشهر حول العالم في عالم المال والأعمال (فوربس): «بعد عامين فقط، في 2020 ستكون 50٪ من القوى العاملة في الولايات المتحدة يعملون بطريقة حرة»، وذكر في تقريره: تدفعون آلاف الجنيهات على رحلة تعليم فاشلة للحصول على قطعة من الورق اسمها شهادة، وماذا تفعلون بهذه الورقة التي لا تعني سوق العمل في شيء؟، تنشئون حولها سيرة ذاتية وتستمرون في إرسالها لمئات الشركات منتظرين الرد.. مزيد من الانتظار ومزيد من الإرسال، وفي النهاية يُقبل شخص واحد ويرفض الجميع، في نفس الوقت أثناء ما أنت منتظر هناك آخر لا يعبأ بالشهادات ويعمل على تطوير قدراته في مجال مُخصص لتلبية احتياجات السوق، فتزداد فرصته في العمل، في الوقت الذي تفقد فيه أنت والآلاف ثقتكم في أنفسكم بسبب رفضكم وتجاهلكم (انتهى)».

كاتب هذا المقال نفسه لم يظهر شهادته الأكاديمية في علم إدارة الأعمال أبدًا منذ تخرجه حتى اليوم، طوال 13 عامًا من العمل المستمر في عشرات الجهات والمجالات المختلفة، فلا حاجة محمومة باتت -كما كان سابقًا- للشهادة، بما يضطر أي ابنة في الدنيا للتخلي عن نفسها في سبيل الحصول عليها!


ضحية أم مسئولة؟

أنتِ الضحيةُ ولستِ المسئولة، ليذهب مجتمع كامل للجحيم فقد ذهبت من قبله مجتمعات ومجتمعات لكن الحق لا زال حقًا والمنطق لم يزل مُعرّفًا واضحًا. لا يجب أبدًا على رجل اقتناص شيء من جسد امرأة رغمًا عنها تحت أي غطاء اجتماعي كان.

كل التربية القائمة على (ما هو اتحرش بيكي عشان لبسك)، (ما لو كنتي محترمة مكنش عاكسك) هي تربية باطلة.

كل التربية القائمة على تحويل رحلة الحصول على الشهادة لسجن افتراضي لا قيمة للنفس فيه إلا بمستوى الدرجات وأسماء الشهادات، هي تربية لا يعوّل عليها.

تعليم الطفل اكتساب العلوم ذاتيًا وطرق تنمية المهارات الشخصية والبحث عن المعرفة والتعلُّم الحر باستخدام شبكة الإنترنت، وامتهان ما يريد من العمل بصقل مهاراته بالدراسات الحقيقية، هو سبيله للاستثمار في نفسه وتحقيق ذاته، وليست شهادة على ورقة لا يخرج بعدها متذكرًا أي شيء!.

باحترام جسد ابنتك منذ طفولتها الأولى، بعدم السماح لنفسك ولا لغيرك بتقبيلها عنوة أثناء المزاح او احتضانها رغما عنها (وادي عمو بوسة)، بعدم ضرب ابنتك أو ممارسة أي شكل من أشكال العنف الجسدي ضدها كانتزاع الأشياء من يدها عنوة أو حملها من مكان لمكان رغما عنها؛ ستتعلم أن لجسدها مساحة على الجميع احترامها، وأنه لا يجب لشخص من كان، أن يفكر -مجرد تفكير- في انتهاك ملكيتي على جسدي مهما كان المقابل، فكذا ربياني صغيرة.

وكذا تقي ابنتك احتمالاً بات يطال الجميع في جميع الأماكن، حتى داخل أسوار المدارس والجامعات!.