تهز رأسها مرةً بعد مرة قائلةً: «دعكِ من أحاديث الكتب، الأطفال الجيدون رزقُ من الله، قد تحسني تربية طفلك ثم ينشأ ثمرة فاسدة، كل ما عليك هو التشبث بالدعاء حتى يصلح ولدك، إن الأخوة ينشأون معًا، ويصبح أحدهم ثمرة فاسدة رغم أنهم تعرضوا لذات التربية صدقيني!».

لم أقل لها إنني لا أصدق أن نفس السقيا تنبت نباتًا مختلفًا، ربما تكون البذرة أضعف لظروف خارجية، لكن بمزيد من الاهتمام والرعاية والمُحسنات سيصبح مماثلاً للنبتة المجاورة، لكني التزمت الصمت ولم أقل لجارتي أنها لم تربِ أطفالها أحسن تربية كما تظن، فلو الجميع يربون أحسن تربية، من أين يأتي ما نراه؟!.

لذلك بدلاً من محاولة تخمين سبب النتيجة التي وصلت إليها، دعنا نحكي بشكل أشمل: كيف نربي طفلك لينشأ فاسدًا؟ كيف تفسد الثمرة عمدًا من البداية؟!.


أُنشِئْه دون ثقة

احمل طفلك من مكان لآخر دون أن تخبره إلى أين تذهب، تجاهل صراخه، لن تسمع له حسًا بعد حين، كل الرضع يبكون بلا داعٍ من آن لآخر، اكذب عليه كلما أردت الخروج/ السفر/ استقبال الضيوف، أخبره كذبة تلو الآخرى، الطفل لا يعرف الحقيقة ولن يتحملها لو عرفها، وهو غير واعٍ إذًا أخلاقيًا تلك ليست كذبات، ثم هل هو يعرف مصلحته أكثر منك؟ تعرف أنت أنك تحتاج للخروج الآن ولا وقت لديك ليفهم طفلك، أخبره أنك تنتظره ثم غادر على حين غفلة، لا تقلق سيتوقف عن البكاء بعد قليل.

سيكبر طفلك وهو لا يثق فيك، سيبتعد خطوةً بخطوة، إلى أن يشتد عضده ويستطع الاعتماد على مصادر ثقة أخرى، لا تنسى أن تصرخ فيه أنه كاذب حين يخبرك بأماكن مختلفة عن التي يذهب إليها، لا تنسى أن تتسائل كيف نشأ طفلك جاحد لك؟!


اضربه

دعك من أحاديث التربية التي لا تغني ولا تسمن من جوع، هل واجه علماء التربية ما تواجهه مع طفلك؟ إنه طفلك، ومن حقك تأديبه كما ينبغي. اضربه حين يخطأ، علّمه أنك أقوى منه ويحق لك ضربه، اضربيه لأنه فقد توازنه وكسر الكأس الثمين، لأنه تلعثم، لأنه أخطأ في التحكم في بوله، لأنه ترك ألعابه متناثرة، لأنه أعاد كلمات السباب التي تبادلها الكبار.

شاهده وهو يضرب أخاه الأصغر، ثم اضربه لأنه يستعمل قوته ضد أخيه، شاهده يكبر وتكبر عضلاته، وتضعف عضلاتك، شاهد موازين القوى التي تنقلب، ولا تنسى أن تصرخ به إن حاول ضرب والدته، وأخبره أنه ثمرةً فاسدة لم تطرح فيها تربيتك، وأنك تجهل كيف نشأ هذا الولد في منزلك!


لا تمنحه حق الاختيار

أنت المسؤول الأول عن مصلحة طفلك، حدد له طريقة ملبسه ومأكله وأصدقائه، لا تسمح له بمشاركة القرارات معكما، لماذا يتدخل الصغار في أمور الكبار؟ أخبره أن يستمع وينفذ لأنك قلت ذلك، لا تبرر، لا تفسر، عليه أن ينفذ دون تفكير، قرر عنه مساراته الدراسية، انزع عنه حقوق حريته. سينشأ طفلك بلا هوية، بلا قرارات، سيكون جيدًا له كطفل عاق، سيمنحه فرصة التعلم كيف يتجاهل وجودك في حياته حين يصبح قادرًا على أن يكون هو أنت.


أُنشِئْه خائفًا

(من أمن العقاب أساء الأدب)، اجعل لوجودك في المنزل هيبة وحضور، لابد أن يخشى أطفالك من وجودك، إذا تركت لهم الحبل على الغارب، فربك العالم كيف ينشأون! كن حاضرًا حين يبدأون في الكذب، وإخفاء الحقائق أمامك، تجاهل تلك الكذبات الصغيرة، الخوف جيد من آن لآخر، شاهد كيف يتسللون من خلفك، لا تصدق ما يقال أنهم يفعلونه، كن واثقًا أن الخوف سيكون حارسًا أمينًا عليهم.


اذهب به إلى دور الحضانة

أنت منشغل، وزوجتك منشغلة، وليس لديكما الخبرة الكافية للعناية بطفل حديث الولادة/ رضيع. كيف يمكن الموازنة بين وجود طفل والسعي وراء العمل؟ يمكننا دومًا العناية بدور الحضانة، اختر مكانًا جيدًا، هناك بعض الأماكن توفّر له كل الإمكانيات اللازمة، وتحت رعاية متخصصين، من المفيد لطفلك أن يكون محاط بأطفال في سنه. ثم أنه طفلك من يحق له الحديث عن الأنسب له؟.

لا تنسَ أن تخبر الشاب المنشغل الذي يقرر إيداع والديه في دور الرعاية بأنه عاقُ لم تثمر فيه العناية والتربية، أخبره أن من الطاعة أن لا يودعه دارًا تستطيع توفير العناية الأفضل له من المختصين، أخبره أنه أناني إن اختار عمله وانشغاله وعائلته الصغيرة.


قارن بينه وبين الآخرين!

التربية لها طريقُ واحد، وقد نجح معك ومع إخوتك، ومع كل المجتمع. لماذا علينا أن نغيره؟ أو لم يتعلموا دخول الحمام بعد لسعات الشمع؟، إذا نجحت الطريقة فهي صالحة، لماذا لا تصلح مع طفلك الثاني؟؛ لأنه ثمرةُ فاسدةُ بالطبع.

تأكد أن يعرف طفلك ذلك، أخبره أن اختلافه عن أخيه وعن المجتمع يعد نقيصة، لا تترك فرصة لتذكيره بذلك، طالبه بالركض في سباق ليس له. هذا سيضمن له أن ينشأ متشككًا بما فيه الكفاية، إذا لم يفلح ذلك، فلا تقلق، إنها رزق، قد تفلح وقد تخفق، انظر إلى أخيه، ألم يصبح صاحب منصب رفيع بسهولة؟، إذًا طريقتك لم تكن هي المخطئة.

في إحدى محاضرات التربية، ابتدأت المختصة حديثها بجملة علقت بذاكرتي لفترة طويلة: (أعتقد أن اختصار التربية هو أن لا يضطر طفلك للحديث عنك لطبيبه النفسي).


قد يكون لكلامي نبرة سخرية مزعجة، لكن تذكر أن لا أحد كان شاهدًا على الطفل الذي بكى طوال الليل، لأنك ترى أنه سيتدلل إن هززت مهده، لا أحد رأى السلك المخبأ في دولابك، لا أحد رأى لكزاتك المخفية له، لا أحد رآك أثناء ضربه ضربات متلاحقة، لم يرَ أحدٌ الندوب الزرقاء، ولن يرى أحد الندوب الأعمق التي لا تظهر على الجلد، المخفية جيدًا هي الأخرى.

طفلك هو ثمرتك ونتاج جهدك في زراعته، لا شيء سينبت مختلفًا عن ما زرعته، قريبًا سترى طريقته السيئة في معاملتك ونكرانه لك وإهمال قدرك، ستبذل كل شيء حتى تعرف فيما يفكر أو ماذا بات يحب لكنك لن تعرف.. عاجلاً أو آجلاً ستأتيك إجابة السؤال: هل أخفقت في تربيته حقًا؟!.

لكن الجواب سيأتي متأخرًا وقد لا تستطيع العودة مجددًا إلا عبر طريق طويل مرهق شبه مستحيل، لذلك بدء الإصلاح من البداية وخطوةً بخطوة، وإصلاح الخطأ فور حدوثه أفضل بكثير من أن تنتظر نمو النبتة فيستحيل الإصلاح!.

المراجع
  1. How to Teach Your Kids the Importance of Trust in a Relationship
  2. The Importance of Trust