تعتمد الحياة على كوكبنا بشكل أساسي على الطاقة القادمة من الشمس، فنصف الضوء الذي يصل إلى الغلاف الجوي يمر إلى سطح الأرض حيث يتم امتصاص بعضه، بينما يرتد البعض الآخر باتجاه الفضاء على شكل أشعة تحت الحمراء، قبل أن تعيد امتصاصه بعض الغازات في الغلاف الجوي تعرف بــ «الغازات الدفيئة»، وتقوم ببثه مرة إلى الأرض حيث ترفع درجة حرارتها.

وتمنح طبيعة غلافنا الجوي وتكوينه المعتدل من الغازات الدفيئة كوكب الأرض المناخ المناسب لانتعاش الحياة، فلو قل سمك غلافنا الجوي وتكوينه من الغازات الدفيئة ربما أصبحنا كوكبًا متجمدًا كالمريخ، ولو زادات عن الحد المناسب لاحترقت الأرض لتصبح كرة مشتعلة ككوكب الزهرة، الذي تخنقه الغازات الدفيئة.

تبدل مناخ الأرض عدة مرات مع مرور الزمن لأسباب طبيعية كازدياد انبعاث الغازات الدفيئة إثر فوران البراكين، إلا أن الأزمة التي تشغل العالم الآن، يبدأ تاريخها القصير مع انطلاق الثورة الصناعية؛ أي أن الأزمة الحالية، باتفاق 97% من علماء المناخ، إنما حدثت بشكل أساسي نتيجة النشاطات البشرية.


من ملاحظات منسية إلى أزمة عالمية

تعرّف العالم على الأزمة لأول مرة مع نهاية القرن التاسع عشر، إذ رجح الكيميائي النمساوي «سفانتي أرينيوس» أن زيادة انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون إثر الثورة الصناعية سيعمل على رفع درجة حرارة الكوكب، بناء على مفهوم «تأثير الدفيئة» الذي شكله سابقوه.

لم تؤخذ ملاحظات أرينيوس بجدية حتى أثاره مرة أخرى مهندس بريطاني يعرف بـ «جاي كالندر»، حين قام عام 1938 بمراجعة درجات الحرارة المسجلة خلال الخمسين سنة التي سبقته، ليلاحظ ارتفاعًا ملحوظًا في درجات الحرارة يترافق مع زيادة انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون، إلا أن العالم لم يكن ليهتم بملاحظات كالندر مع اندلاع أكبر الحروب التي عرفها التاريخ عام 1939.

خلال السبعينيات، عندما تعاود درجات الحرارة الارتفاع يزداد ضغط الحركات البيئية التي نشأت بعد الحرب، ويحتفل العالم لأول مرة بــ «اليوم العالمي للأرض»

بانتهاء الحرب العالمية الثانية، لم تكن أزمة المناخ لتتصدر قائمة الأزمات العالمية بعد، مع احتقان الصراع بين القوى العظمى فيما عرف بالحرب الباردة، كان خطر حرب نووية مدوية يلوح في الأفق. خلال الخمسينيات عادت المصانع لتعمل بكامل طاقتها، حجزت سحب من الغبار والدخان أشعة الشمس لتؤدي إلى انخفاض نسبي في درجات الحرارة، وهو ما خلق بدوره حالة من عدم اللايقين عن طبيعة أزمة المناخ خلال الستينيات، بين فريق يحذر من عصر جليدي جديد، وآخر ينذر بأزمة احتباس حراري تذيب جليد القطبين.

يتغير كل شيء خلال السبعينيات عندما تعاود درجات الحرارة الارتفاع مرة أخرى، يزداد الضغط الذي تمارسه الحركات البيئية التي نشأت بعد انتهاء الحرب، يحتفل العالم لأول مرة بــ «اليوم العالمي للأرض»، وتجتمع الدول لأول مرة لتناقش قضايا البيئة تحت مظلة الأمم المتحدة، يصعد مصطلح الاحتباس الحراري أو الاحترار العالمي Global warming إلى الصحافة بعد ظهوره كعنوان لورقة بحثية في منتصف العقد، وفي الولايات المتحدة تتشكل «الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي»، والتي ستصبح أكبر ممولي أبحاث المناخ في المستقبل.

يتجاوز تعداد السكان العالمي 5 مليار إنسان خلال الثمانينيات، يوافق العالم على التخلص التدريجي من المركبات التي تؤذي طبقة الأوزون في اتفاقية مونتريال التاريخية عام 1987 والتي بدورها دعمت التقدم لحل أزمة المناخ. عام 1988 بعد أن شهد العالم السنة الأكثر قيظًا عن كل سابقيها، تتصدر أزمة المناخ أخيرًا عناوين الصحف والإذاعات العالمية، وتشكل الأمم المتحدة «اللجنة الدولية للتغيرات المناخية» -IPCC- وسط دعوات للتوصل إلى اتفاقية عالمية للحد من الأزمة.

تشهد التسعينات تحركًا جادًا لحل الأزمة، تباشر اللجنة الدولية للمناخ مهامها وتقدم تقريرين مؤكدة ارتفاع درجة الحرارة بمعدل يقارب 0.6 درجة مئوية عن العقد الماضي. في قمة الأرض التي أقيمت في ريو دي جانيرو في البرازيل عام 1992 وافقت الدول المشاركة على إطار عمل عام لمكافحة تغير المناخ، لتترك التفاصيل لمناقشتها في اجتماعات لاحقة تحت مسمى «مؤتمر الأطراف» COP، والتي تباشر أولى اجتماعاتها عام 1995 لتستمر بشكل سنوي.

إلا أن آمال علماء المناخ عن تحرك العالم لتحييد الأزمة كان على وشك الاصطدام بفوضى السياسة والمصالح، إذ ظهرت الخلافات سريعًا خلال اجتماع برلين عام 1995، وهو أول اجتماع لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة المبدئية للتغير المناخي. حدث ذلك عندما قررت الأطراف تقسيم العالم فئتين من أجل المعاهدة المستقبلية، بحيث تضطلع الدول الغنية بخطط مناخية طموحة تحت قيود مشددة، خلافًا للدول النامية التي تعد غير ملزمة بالحد من انبعاثاتها من الغازات الدفئية، بما يشمل دولاً ذات نمو متسارع مثل الصين والهند والبرازيل، وهو ما أثار حفيظة الدول الصناعية الكبرى.

وقبل أن يجف حبر أول معاهدة ملزمة للدول الصناعية بالحد من انبعاثاتها عام 1997 فيما عرف بـ «بروتوكول كيوتو»، كان من الواضح أن الاتفاقية ستشهد مستقبلاً متعثرًا، إذ أعلن الرئيس الأمريكي بيل كلينتون أن الولايات المتحدة -أكبر المسؤولين عن انبعاثات الغازات الدفيئة حينها- لن تصدق على الاتفاقية ما لم تلزم الصين والدول النامية الأخرى على الحد من انبعاثاتها، ومع دخول الاتفاقية حيز التنفيذ عام 2005، كانت الولايات المتحدة قد سجلت انسحابها، و هنا نص بروتوكول كيوتو باللغة العربية.

عام 2009 بعد أثبتت «كيوتو» فشلها في تحقيق إنجاز يذكر، مع ارتفاع معدل الانبعاثات بنسبة تفوق 50% عن عام 1990، وبعد أن شهد العالم بداية التأثيرات الخطيرة لتغير المناخ، اجتمع أطراف اتفاقية الأمم المتحدة للتغير المناخي مجددًا في كوبنهاجن، معلقين آمالهم على الرئيس الأمريكي المنتخب حديثًا باراك أوباما،لتنتهي المباحثات بفشل ذريع وسط اتهامات متبادلة بين الصين والولايات المتحدة.

إلا أن التصفيق الحاد قد حل محل المناوشات في اللحظة التي أعلن فيها عن انتهاء مراسم قمة المناخ في باريس العام الماضي، فيما وصف باتفاق تاريخي بشأن المناخ شمل 195 دولة، وفيما يسعى الاتفاق إلى إبقاء مستوى «الاحتباس الحراري» عند 1.5 درجة مئوية فوق معدلات ما قبل الثورة الصناعية، الذي تجاوز بالفعل حاجز «درجة مئوية» العام الماضي، يرى الخبراء أن الالتزامات التي تعهدت بها الدول المشاركة تبتعد كثيرًا عن تحقيق الهدف، إلا أنها تبقى الأمل الأخير. وتواجه الاتفاقية حاليًا مستقبلاً مضطربًا بعد وصول رجل الأعمال الجمهوري ترامب إلى منصب الرئيس في الولايات المتحدة، والذي تعهد بالانسحاب من الاتفاقية، وسط تصريحات مكذبة لأزمة التغير المناخي، و هنا نص بنود اتفاق باريس للمناخ باللغة العربية.


مؤشرات الكوكب الحيوية في 2016

قبل أن يجف حبر أول معاهدة ملزمة للدول الصناعية بالحد من انبعاثاتها فيما عرف بـ بروتوكول كيوتو، كان من الواضح أن الاتفاقية ستشهد مستقبلاً متعثرًا.

http://gty.im/532027420

وفقًا لبيان مؤقت أصدرته «المنظمة العالمية للأرصاد الجوية»، وهي منظمة متخصصة تابعة لأمم المتحدة، فإن عام 2016 قد تجاوز الرقم القياسي لارتفاع درجة الحرارة المسجل في 2015، حيث ارتفع متوسط درجة الحرارة المسجل هذا العام بداية من شهر مارس حتى سبتمبر، إلى 1.2 درجة مئوية فوق معدل درجات الحرارة المسجل قبل الثورة الصناعية، مقتربة بذلك من الحد الذي تسعى اتفاقية باريس إلى عدم تجاوزه، وهو 1.5 درجة مئوية فوق معدلات ما قبل الثورة الصناعية.

وينذر الخبراء أنه بالاقتراب من 2 درجة مئوية فوق معدلات ما قبل الثورة الصناعية، سنصل إلى نقطة اللارجعة في أزمة المناخ، حيث ستطلق كميات كبيرة من غاز المثيان -وهو أحد الغازات الدفيئة- المحبوس في جليد القطب، خالقًا تغذية رجعية إيجابية، تزيد من تلك الانبعاثات سنويًا مع زيادة ذوبان الجليد.

ومع ارتفاع درجة الحرارة يذوب الجليد ويزداد تمدد مياه البحار والمحيطا؛ مما يؤدي إلى ارتفاع منسوب مياه البحر. وبحسب تقرير الأمم المتحدة السابق ذكره، فقد ارتفع منسوب مياه البحر 15 مل بين عامي 2014 و2016.

ومع ارتفاع درجة حرارة المحيطات، تزايدت ظاهرة «تبييض الشعاب المرجانية» التي تحدث نتيجة تفكك العلاقة التكافلية بين الشعاب وأحاديات الخلايا التي تمنحها لونها المميز، ورافقها اضطراب الأنظمة الحيوية البحرية في عدة مناطق في المياه الاستوائية، وموت ما يصل إلى 50% من الشعاب في أجزاء من الحيد المرجاني العظيم.

وقد شمل البيان أيضًا حالة ثقب الأوزون، التي وصلت إلى أقصى اتساع هذا العام خلال شهر سبتمبر الماضي بمساحة 23.1 كم مربع، أقل من اتساعها الأقصى عام 2015 بـ 4.9 كم مربع.

و من موقع وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا»، تعدى تركيز غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي 400 PPM ، ليتعدى بما يزيد عن الثلث تركيزه قبل الثورة الصناعية، حيث لم يتعدّ 290 PPM. كما تشير بيانات موقع منظمة «Global Carbon Project» أن معدل الزيادة في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون قد انخفض نتيجة توجه الصين، البلد المسؤول عن أكثر الانبعاثات وفقًا لتقارير العام الماضي، إلى الاستثمار في الطاقة الشمسية.

جدير بالذكر أن البيان المؤقت الصادر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية كان بهدف مساعدة أطراف اجتماع مراكش المكمل لمباحثات «اتفاقية باريس للمناخ»، وأن التقرير الكامل سيتم نشره أوائل عام 2017،وهنا النص الكامل للبيان.

المراجع
  1. Timeline of Global Warming
  2. The Discovery of Global Warming
  3. climate change negotiations