عمرو حمزاوي ومايكل ماكفول

28 يناير 2015 | واشنطن بوست

بعد خمسة أعوام على الربيع العربي، لا يزال حلم الديمقراطية يبدو بعيدًا. وتلقى تلك النتيجة ترحاب النخبة العربية الحاكمة، العائلات الملكية، الجيوش، الأجهزة الأمنية، وبعض رجال الأعمال. حيث تقوم حجتهم على أن استعادة الاستقرار أهم من الديمقراطية.

تعزيز بشار الأسد والتعاون معه شر لا بد منه لهزم تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، العراق، وبقية أنحاء المنطقة

كذلك تبنى العديد من الحكومات الغربية هذا الفكر. فبسبب التهديد بفشل الدولة والتمرد الإرهابي المصاحب، يقول المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون إن الحاجة الأكثر إلحاحًا الآن في الشرق الأوسط هي محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وأفرعه – وهي معركة تتطلب التعاون مع الحكام المستبدين. كما يمثل تعزيز المستبدين العرب – بمن فيهم، بالنسبة للبعض، القاتل الجماعي، بشار الأسد – شرًا لا بد منه لهزم التنظيم في سوريا، العراق، وبقية أنحاء المنطقة.

ولكن ذلك المنطق معيب. فتقديم الدعم مجددًا للمستبدين العرب قد ينتج بعض المكاسب قصيرة المدى، على حساب كارثة بعيدة المدى. بل يتعين على النخب العربية الحاكمة وداعميهم الغربيين أن يقاوموا الوعد الكاذب للاستقرار الاستبدادي – ليس من أجل الأفكار النبيلة المتعلقة بالديمقراطية، بل ببساطة سعيًا وراء الاستقرار. فالتغييرات السياسية التدريجية هي المسار الوحيد لمنع التغيرات الجذرية العنيفة في المستقبل.

بغض النظر عن تونس، لم ينتج الربيع العربي نوع الأنظمة الذي تطلعنا إليه عام 2011. يجب تعلم الدروس، ودراسة الأخطاء، ولكن من السذاجة المطالبة بعودة ممارسات ما قبل 2011. قد تصبح الأنظمة الاستبدادية الشرق أوسطية مستقرة وقوية بعد 20 عامًا، أو قد تواجه تحديات أكبر خلال العقديم القادمين؛ تُرى أي الافتراضين أكثر خيالية؟

سن النظام المصري قوانين لمحاربة التظاهرات وجل الأولوية للستقرار على حساب حقوق الإنسان، من أجل إعادة ثقفة الخوف التي كسرها المصريين في 25 يناير 2011

تعد مصر، الدولة العربية الأكثر سكانًا، نموذج عودة الاستبداد الأكثر نجاحًا. ومن أجل إعادة تأسيس ثقافة الخوف التي كسرها المصريين عام 2011، سن النظام المصري المستبد الجديد قوانين لمحاربة التظاهرات والإرهاب. كما أمطر المصريين برسائل حول الحاجة لجعل الأولوية للاستقرار على حساب حقوق الإنسان.

إلا أن النظام الاستبدادي الجديد لا يوفر الاستقرار، بل يزرع بذور المزيد من انعدام الأمن. فمنذ 30 يونيو ووصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الحكم، حاكم النظام طلابًا، نشطاء حقوق الإنسان، وعددًا من أعضاء الإخوان المسلمين، وأحيانًا ما لجأ إلى القتل الجماعي كوسائل لإحكام قبضته على السلطة. كما أصبحت السجون المصرية غير الآدمية ممتلئة العدد، وهو بالتأكيد عامل محفز للتشدد. كذلك يعزز القتل العشوائي في سيناء قدرة تنظيم الدولة الإسلامية على اجتذاب المتطوعين. وبالتأكيد، يعد أي نظامٍ مجبرٍ على الاعتماد على مثل تلك الوسائل ضعيفًا ومضطربًا.

فشل النظام في تعزيز الاستقرار الاقتصادي. حيث يعيش أكثر من 22 مليون مصري قرب خط الفقر، وتتأرجح معدلات البطالة قرب 13 بالمئة، وتظل معدلات النمو الاقتصادي أقل من 3 بالمئة.

تتخذ الاحتجاجات منحنًى صاعدًا، خصوصًا وسط الطلاب، العمال، والموظفين الحكوميين. بالتأكيد يمكن لإستراتيجية السيسي القمعية أن تنجح لفترة، ولكن ليس لسنوات أو عقود. كما ينقص النظام مصادر الشرعية التي استدامت حكم الأنظمة الاستبدادية تاريخيًا وفي مناطق أخرى من العالم، مثل النمو الاقتصادي، الحكم الملكي، أو الفكر. ودون إجراء أي إصلاحات، سينهار هذا النظام.

يتعين على النظام المصري وداعميه الخارجيين تبني إستراتيجية لإنتاج شرعية للنظام؛ تقوم على تشارك السلطة. بالتأكيد لا تبدو الديمقراطية الكاملة احتمالًا واقعيًا الآن. ولكن يجب تبني التحرر السياسي – كفتح مساحات للمشاركة السياسية الآمنة.

أولًا، على النظام المصري أن يطلق سراح مئات آلاف المعتقلين السياسيين الذين يحتجزهم، الذين سُجن بعضهم لاتهامات شديدة التافهة. ثانيًا، عليه إبطال القوانين الأمنية القمعية التي مررها منذ عام 2013، وتأسيس هيكل لتدشين العدالة الانتقالية، بما في ذلك تأسيس لجنة لإعلان الحقائق والمصالحة، وإصلاح الأجهزة الأمنية. ثالثًا، يتعين على النظام السماح لجميع الأطراف بدخول العملية السياسية، شريطة أن يلتزموا بمصداقية بسيادة القانون ونبذ العنف والامتناع عن بث الكراهية. رابعًا، في مرحلة ما في المستقبل غير البعيد، على النظام أن يجري انتخاباتٍ برلمانية. فبسبب شراء الأصوات ونسبة المشاركة المنخفضة في انتخابات عام 2015، لا يتمتع البرلمان المشكل حديثًا بشرعية قوية. ويمكن بدأ عملية تطويرية بطيئة بهدف استعادة الشرعية البرلمانية فقط عبر إجراء انتخابات جديدة، والتي ستكون خطوة أولى، وصغيرة، نحو مراقبة الصلاحيات الرئاسية.

ربما تكون تلك الخطوات مستبعدة. ولكنها تمثل أيضًا الإستراتيجية الوحيدة المقبولة لصمود النظام. وبالنسبة لداعمي النظام، ستؤدي تلك الخطوات التدريجية نحو التحرر السياسي إلى خفض التوترات المجتمعية، تحسين الشرعية الحكومية، وتعزيز فرص الاستقرار بعيد المدى. أما بالنسبة لمعارضي النظام، فإن تشارك السلطة مع الحكومة يمثل السبيل الوحيد ليتمكنوا من وقف انتهاكات حقوق الإنسان، المشاركة في الحياة السياسية مجددًا، والضغط تدريجيًا من أجل تحقيق أهداف بعيدة المدى فيما يتعلق بتداول السلطة، سيادة القانون، وتعزيز ديمقراطية العلاقات المدنية العسكرية.

يضمن البديل – أي عدم فعل أي من تلك الخطوات – المزيد من العنف والتشدد، وفي النهاية، إنهيار الدولة. قد تجنبنا التغييرات الإيجابية الصغيرة حاليًا تغييرات سلبية كبيرة لاحقًا في مصر، الدولة الأهم في العالم العربي.

عمرو حمزاوي عضو البرلمان المصري منذ عام 2011 حتى حله عام 2012، وباحث زائر بمركز الديمقراطية، التنمية، وسيادة القانون بجامعة ستانفورد.

مايكل ماكفول مساعد خاص سابق للرئيس أوباما بمجلس الأمن القومي والسفير الأمريكي السابق بروسيا.

المراجع
  1. How to Rescue Egypt