قد يبدو ما سنذكره في السطور التالية في نظر الكثير من الأزواج ضربًا من المبالغات الرومانتيكية، ومثاليات لا تمت للواقع بصلة، أو محاولة مستميتة لكسب اللايكات والمشاركات من جمهور النساء على الإنترنت، وما أكثرهن، وما أكثر شكاواهن من تقصير الأزواج، لاسيمًا في الأوقات الاستثنائية العصيبة كفترة الحمل. الحقيقة أعزائي الأزواج أن العلم والطب ليسا في صف أكثرنا في هذا الأمر، وأولكم كاتب هذه السطور. ليس في القصة مبالغات درامية، إنما أبحاث وعلم وإحصاءات تؤكد مدى أهمية دور الزوج في دعم زوجته الحامل، والانعكاس البارز لذلك على صحتها وصحة طفلها. ليس الدعم المقصود هنا بالطبع هو الدعم المادي الذي يكفل تلقي خدمة طبية جيدة، والحصول على تغذية مناسبة … إلخ، وهذا بالطبع واجب مشكور، ولا يقصر فيه أكثر الآباء، مقارنة بالدعم المعنوي الذي نقصده هنا، والذي يغفل عنه أو يتغافل الكثير من الأزواج، بتبريرات بعضها مقبول، وأكثرها لا يقبل.


كيف تقدم الدعم لزوجتك بسهولة؟

1. اطمئن عليها: لا تنسَ الأصل بسبب الفرع

يركز الكثير من الأزواج أثناء الحمل على فكرة الاطمئنان على الجنين، بشكل يُشعر الزوجة أنها مجرد وسيلة لجلب هذا الطفل المنتظر إلى الدنيا. صحة الأم هي المبدأ والمنتهى، وهي التي ينبغي أن تكون بؤرة الاهتمام، فهي العمود الفقري للاطمئنان على الجنين.

2. كن مبادرًا

التقلبات النفسية الحادة التي تصاحب الحمل، لا تستطيع أغلب النساء مجابهتها بمفردها. ستجد زوجتك تريدك أن تكون سباقًا في دعمها، ورعايتها، في تلك الفترة الحساسة المحتقنة بالانفعالات والهرمونات، فلا تُلجِئها أن تطلب منك هذا الدعم تصريحًا أو تلميحًا، لا يجب أن تطلب كل شيء أولاً كي تبدأ أنت بعد ذلك في تنفيذه.

3. لمسات الدعم: الصبر الجميل

لا تحتاج لكثير من العلم والمعرفة لتقدم لزوجتك الكثير، خطوات بسيطة مثل:1. مرافقتها للطبيب أثناء المتابعات الدورية2. الاستماع لخواطرها ومخاوفها وتقديم الدعم المعنوي أولًا بأول، فسيحدث فارقًا كبيرًا، وحتى إن توفر غيرك لمساعدتها في ذلك (صديقة، أخت، أم، … إلخ)، فمساعدتك أنت لا تُضاهى في قيمتها شيئًا. 4. مساعدتها ولو رمزيًا فيما لم تعد تستطيع القيام به بكفاءة من أعمال المنزل.5. عدم الضغط عليها نتيجة التقصير غير المتعمد في بعض تلك المهام، فالحمل في ذاته عملية مرهقة للغاية، فالجنين الذي يتشكل في أعماق زوجتك، يتصرف ككائن طفيلي، يكرس جانبًا هامًا من نشاط أجهزتها الحيوية، ومن طاقتها، للحصول على ما يتطلبه نموه.6. ساعدها في مهامها الخاصة مثل مساعدتها في الحركة وفي الاستلقاء على الفراش… إلخ فالتغيرات الهرمونية التي تحدث مثل اختزان السوائل في جسمها، وبالتالي زيادة الوزن، وتسبب ارتخاء أربطة المفاصل، والعضلات … الخ، وكل هذا يضعف اللياقة البدنية للحامل، بالتالي يقلل نشاطها في المنزل وسواه عن المعتاد.

4. الطعام والرياضة المعتدلة

هاتان النقطتان لابد من التركيز عليهما بشكل خاص، أغلب الأنماط الغذائية لنا غير صحية في الأوضاع العادية، وبالتالي فهي غير مناسبة أكثر وأكثر للمرأة الحامل التي تحتاج لتغذية جيدة للغاية لتلبي احتياجاتها واحتياجات الجنين.1. تتضامن مع زوجتك في تبني برنامج غذاء صحي أثناء الحمل، يعتمد على الفواكه والخضروات، والألبان الطبيعية، والبروتينات غير الدسمة كالأسماك … إلخ، فهذا سيفيدها، وفي نفس الوقت يجنبها الزيادة غير المنطقية في الوزن أثناء وبعد الحمل، والتي ستعرضها لأخطار صحية مستقبلية كثيرة (الضغط – السكر – أمراض القلب …). 2. مرافقة زوجتك الحامل ستشجيعها على القيام بالتمارين المعتدلة كالمشي، والعدو الخفيف، بمعدل منتظم؛ فهذا يساهم كثيرًا في تحسين لياقتها البدنية، وتسهيل الولادة الطبيعية، ويساعدها في العودة إلى الوزن الطبيعي بعد الحمل، وهي كما ذكرنا لن تستطيع في الغالب القيام بذلك بمفردها بسبب إجهاد الحمل، لكن دعمك ومشاركتك سيزيدان فرص هذا كثيرًا.

5. جدول زمني للحمل

من أهم ما يمكنك فعله لطمأنة زوجتك منذ الانطلاقة الأولى لماراثون الحمل، أن:1. تضع معها خطة واضحة المعالم لفترة الحمل، خاصة الولادة، فهذا يرفع عن كاهلها التفكير في تلك التفصيلات.2. شاركها مبكرًا في اختيار الطبيب، وطريقة الولادة الأنسب، ومكانها، وكيفية إدارة الفترة الأولى بعد الوضع .. الخ.


كيف سيحدث ما سبق فارقًا في تجربة الحمل؟

اهتمام الزوج بالزوجة الحامل يقلل كثيرًا فرص تعرضها لاكتئاب الحمل

1.اكتئاب الحمل من أخطر المشكلات النفسية في الحمل وأكثرها انتشارًا، حيث تقدر بعض الإحصائيات أن واحدة من كل 7 حوامل تتعرض لدرجة من اكتئاب الحمل، والذي يتدرج من مجرد التوتر النفسي، واضطرابات النوم والطعام، وقد يصل في بعض الحالات الخطيرة إلى الاكتئاب الشديد، وفقدان الرغبة في الحياة بالكلية. قد يؤثر هذا كثيرًا على قدرتها على الاهتمام بطفلها في أهم مراحل حياته، وقد يصاحب هذا الاكتئاب الشديد نوازع انتحارية، أو قد يتطور إلى حدوث الذهان النفسي، والذي قد يصحبه ميل لإيذاء الجنين بشكل مباشر. 2. التواصل الجيد مع زوجتك في كل مراحل الحمل، ودعمها بما ذكرنا من خطوات وغيرها، والتأكد من أنها بالفعل تحصل على كفايتها النفسية والمعنوية من الدعم، كفيل بجعل فرص حدوث تلك المضاعفات النفسية الخطيرة في الحد الأدنى.3. أظهرت دراسة نفسية حديثة أن الزوجات محل الدراسة، واللائي أقررن أن أزواجهن قدموا لهن الدعم الكافي أثناء الحمل، كُنَّ أقل عرضة للتوتر النفسي، ولحدوث اكتئاب ما بعد الحمل، وكذلك شدة درجته إن حدث، مقارنةً بغيرهنَّ ممن شكوْن من عدم تلقيهِن الدعم الكافي أثناء الحمل.

دعم الزوجة: صحة أفضل للطفل

يفرز جسم المرأة الحامل تركيزات أكبر من هرمونات التوتر والضغط النفسي كالثيروكسين والأدرينالين والكورتيزول .. الخ مقارنة بما قبل الحمل، وذلك لمساعدة الجسم على التكيف مع الوضع الطارئ الحالي. لكن في غياب الدعم النفسي، وكثيرة الضغوط على الأم الحامل،يزداد إفراز تلك الهرمونات، وتزداد الكمية التي تصل إلى الجنين من بعضها.وُجِد لهذا تأثير في جعل الجنين أكثر قابلية للاضطرابات النفسية والانفعال العصبي بعد الولادة. في نفس الدراسة التي ذكرناها في الفقرة السابقة، ظهر أيضًا فارق بين مواليد أمهات الشطر الأول (اللائي تلقيْنَ الدعم الكافي)، وأمهات الشطر الثاني، فقد جاء الأولون أقل عرضة للهياج العصبي، وأكثر صحة.كذلك أظهرت دراسة أخرى أن إفراز جسم الأم لكميات كبيرة من هرمونات التوتر النفسي السابقة في الشهور الأولى للحمل، يؤثر بالسلب على نمو الجنين جسمانيًا، ونفسيًا. وأظهرت دراسات أولية أخرى أن الضغط النفسي المستمر على الأم الحامل خاصة عندما يكون مصدره اضطراب علاقتها مع شريك حياتها، يؤثر ولو بشكل طفيف على حجم مخ الجنين، وبالتالي مستوى ذكائه مستقبلًا.بل إن نتائج إحدى الدراسات أظهرت ارتباطًا بين نقص وزن بعض المواليد عن المعدل الطبيعي، وعدم رضا الأب عن الحمل، وبالتالي نقص دعمه لشريكة حياته. وأظهرت دراسة خطيرة عام 2010م في جامعة جنوب فلوريدا الأمريكية أن غياب دعم الأب بالكلية عن الزوجة الحامل، يضاعف احتمالات وفاة الطفل في العام الأول 4 أضعاف. أظهرت دراسة أخرى أن حضور الأب مع زوجته في أولى متابعات الحمل المبكرة، يقلل فرص حدوث بعض مضاعفات الحمل مثل الولادة المبكرة، ونقص وزن المولود .. الخ، وفسَّر الباحثون ذلك الأمر بأن مثل هذا الدعم المبكر للغاية، يعني استعدادًا أكبر للدعم في باقي مراحل الحمل، وبالتالي توترًا نفسيًا أقل للأم، وقابلية أكثر عندها للالتزام بالتعليمات الطبية المطلوبة لحمل آمن.

رغبة أقل في التدخين!

من الظواهر المؤسفة التي تتفاقم، مؤخرًا، الانتشار الكبير لتدخين السيدات في المجتمعات الشرقية، حتى بعض المجتمعات المحافظة منها. وتدخين الأم الحامل من أهم عوامل الخطورة لكوارث عديدة أثناء الحمل مثل وفاة الجنين في الرحم، الولادة قبل الأوان، الانفصال المشيمي والذي قد يصحبه نزيف خطير، نقص الوزن والنمو، تسمم الحمل .. الخ. أظهرت دراسة أمريكية أجريت عام 2016 أن الحوامل المدخنات اللائي يتلقين الدعم الكافي من شريك الحياة، يصبِحْنَ أكثر قدرة على الالتزام بتعليمات الأطباء فيما يتعلق بالتوقف عن التدخين، بينما نظرائهن اللائي لا يحصُلن على حقِّهن في ذلك، يُصبِحَنَ أكثر قابلية لحدوث لنوبات من التدخين المفرط، وتزداد صعوبة التزامهن بتعلميات الامتناع عن التدخين، فيصبحن وأجنَّتهن أكثر عرضة لكل المشكلات الخطيرة التي ذكرناها.

العلاقة الحميمة وفوائد جمَّة

في الغالبية العظمى من تجارب الحمل الخالية من مضاعفات طبية معينة(الإجهاض المزمن – تاريخ سابق بالولادة المبكرة قبل الأوان – المشيمة قريبة من عنق الرحم أو عليه … إلخ)، لا يكون انتظام العلاقة الحميمة بين الزوجيْن أثناء الحمل ممارسة آمنة فحسب، بل مطلوبة، وتحقق فوائد جمة لكليهما. الفائدة الأولى المتعلقة بموضوعنا، أنها تشعر الزوجة أنها لم تفقد الكثير من جاذبيتها لدى زوجها، مما يحسن كثيرًا من حالتها النفسية، ويشعر بالكثير من الرضا عن النفس. ووجدت الأبحاث فوائد أخرى مباشرة لهذا الاندماج الحميم، مثل الحفاظ على اعتدال ضغط الدم لدى الأم الحامل، وتقليل فرص حدوث متلازمة تسمم الحمل التي يرتفع فيها ضغط الدم بشكل مرضي، قد يسبب ضررًا في الاجهزة الحيوية كالكلى. وأيضًا يساعد انتظام العلاقة الأم في تنظيم ساعات النوم، والنوم بشكل أعمق، حيث يقلل حركة الجنين نسبيًا، والتي قد تسبب زيادتها الأرق في الفترة الأخيرة في الحمل. كذلك تزداد إفراز هرمون الأوكسيتوسين أثناء ذروة الجماع، وهو يساهم في تقليل الشعور بالإجهاد، وفي زيادة القدرة على تحمل الألم، وفي تحسين كفاءة العضلات والأربطة. وعمومًا يساعد الانتظام في العلاقة الحميمة أثناء الحمل، على الحصول على ولادة طبيعية أفضل، وذلك لأنه أشبه بتمرين خفيف مستمر لعضلات الحوض خاصة في ذروة الجماع (الأورجازم).

فائدة بارزة لك كأب

لن تقتصر فوائد دعمك لزوجتك الحامل عليها وعلى الجنين فحسب، إنما لك كأب نصيب جليَ من الفائدة كما أظهرت دراسة موسعة عام 2016. حضورك المستمر مع زوجتك في أثناء متابعاتها، يزيدك ارتباطًا بالأمر، ويجعلك على دراية بكافة جوانب الحمل، مما يساعدك على تقديم دعم فعال لزوجتك، ومشاركة مثمرة في اتخاذ القرارات الهامة أثناء الحمل والولادة خصوصًا في حالة حدوث المضاعفات، والحاجة لقرارات مصيرية لا يمكن للطبيب اتخاذها دونك. كذلك أظهرت الدراسة أن حضورك المستمر في كافة المراحل، يعزز الرابطة الأسرية، ومشاعر أبوتك تجاه الطفل بشكل ضخم، مما يجعل العلاقة قريبة وبعيدة المدى مع الطفل فعالة ومثمرة. كذلك أكدت النتائج أن الآباء الأكثر دعمًا لزوجاتهم في مراحل الحمل المختلفة، يصبحون أكثر حماسة، وأشد شعورًا بالإنجاز، وأكثر رضًا عن النفس، وأقل إصابة بالتوتر والضغط النفسي. كذلك من منظور آخر، أكد بعض الباحثين أن تجارب الحمل التي تمتاز بدعم الأب في مراحلها المختلفة، تكون أقل في كلفتها المادية كثيرًا، ورجَّحوا أن السبب عائدُ إلى أن الأم المتساندة إلى أبٍ متفهم وداعم ماديًا ومعنويًا، تكون أقل في التوتر النفسي، وأكثر انتظامًا في متابعات الحمل، وبالتالي تكون فرص تعرضها وجنينها، لمضاعفات الحمل ذات الكلفة العالية صحيًا وماديًا (لولادة المبكرة وتكاليف المحاضن الباهظة – وفاة الجنين داخل الرحم – الولادة المتعسرة … إلخ) أقل كثيرًا، مقارنة بالأمهات اللائي يعانين من الغياب التام للزوج.