تدور عجلة الزمن مولّدةً على محيطها ما لا نهاية له من الأحداث والمواقف والشخصيات والفوائد. وجرَت العادة في بني الإنسان أن يكون لهم اهتمامٌ بما جرى، كيف جرى، وما تفاصيله، ومَن أشخاصه؛ اهتمامٌ بالتاريخ وإن كان على سبيل الحكاية والقصص لا أكثر، وهذا أمرٌ يحسنه كثيرون، لكن هل يكفي هذا ليكون كل عارفٍ بقصص الماضي مؤرّخًا يستحق وصفه بالمؤرّخ؟.

ماذا عن أولئك الذين ينظرون إلى باطن التاريخ نظرة تحقيق وتدقيق؟، نظرة بحثٍ في أسباب الحوادث وعلّة وجود الكائنات؛ للوقوف على مقدّماتها وأسبابها ونتائجها؟، نظرة فاهمٍ للغاية من التاريخ، عارفٍ بفلسفته؟، هؤلاء هم مَن يستحقّون وصف «المؤرّخين» «الحكماء» كما يصفهم «ابن خلدون».

يمكنك أن تنظر إلى التاريخ نظرة كثيرين بدون تدقيق أو تحقيق، وما أسهل هذا، ويمكنك أن تنظر إليه نظرة الحكماء المؤرّخين، ولكن كيف؟!.

التاريخ فنٌّ من الفنون «تتداوله الأمم والأجيال، وتُشدّ إليه الركائب والرحال، وتسمو إلى معرفته السوقة والأغفال، وتتنافس فيه الملوك والأقيال، وتتساوى في فهمه العلماء والجهال، إذ هو في ظاهره لا يزيد على أخبار عن الأيام والدول، والسوابق من القرون الأول، تنمو فيها الأقوال، وتضرب فيها الأمثال، وتطرف بها الأندية إذا غصها الاحتفال، وتؤدي لنا شأن الخليقة كيف تقلبت بها الأحوال، واتسع للدول فيها النطاق والمجال، وعمروا الأرض حتى نادى بهم الارتحال، وحان منهم الزوال، وفي باطنه نظر وتحقيق، وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق، فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق، وجدير بأن يعد في علومها وخليق».
«ابن خلدون» في مقدمته

أن تعرف روحَ التاريخ

لا يزال تعريف العلامة ابن خلدون (ت 808هـ/1406م) للتاريخ في فاتحة مقدمته من أدق ما قيل في هذا العلم عند العرب، وهو تعريف – كما يقرر الدكتور حسين مؤنس– أُعجب به، وأشار إليه نفر من كبار المؤرخين في الغرب، من أمثال: كولنجوود، وأرنولد توينبي، وغيرهم، برغم أنه لم يُترجم إلى الإنجليزية ترجمة دقيقة إلا على يد فرانز روزنتال في النصف الثاني من القرن العشرين.

رغم ما وصلت إليه الإنسانية من المعارف والأدوات، لا زال التاريخ يرصد الإنسان ومعارفه، مؤكدًا أنه كعلم، باقٍ ببقاء الإنسان على الأرض.

وعلى هذا التعريف الذي قدّمه ابن خلدون، قامت المدارس التاريخية باتجاهاتها المختلفة ولا تزال، وتجلى عدد من كبار المؤرخين والفلاسفة الغربيين ممن وصفوا بالمؤسسين لهذه المدارس التاريخية، مثل الفيلسوف الألماني «هيجل» الذي كان يرى أن غاية التاريخ هي تحقيق الحرية ومحاربة الجهل والتخلف، وأن دورة التاريخ بدأت بالتوحش والبداوة، ومرت بالحروب والملاحم بغية إخضاع الناس للقانون، وانتهت – حتى عصره– إلى بدايات زمن الحرية والسعادة ورفاه الإنسان. وهي نظرة نقضها وهاجمها الماركسيون الماديون الذين رأوا في هيجل نصيرًا للحكومات الرأسمالية، غارقًا في صدى التفاؤل، متعصبًا للمسيحية، لا يرى الصراع المادي بين الطبقات الاجتماعية في كل زمن، وفي حين كان التاريخ عند «هيجل» يمر بخط مستقيم، فإنه عند «ابن خلدون» يمثل دائرة لها نقطة بداية ونهاية، وهي الضعف ثم القوة ثم الضعف والاضمحلال.

وإذا كان المؤرخون في العصر الحديث قد وقفوا على عمق الفكرة التاريخية ولبّها، وتمكنوا من ذلك نظرًا لتراكم المعرفة التاريخية، وسهولة الوصول إلى مصادر المعرفة في هذه العصور المتأخرة مقارنة بالعصور السابقة، وإلى الغايات التي يجب أن تُدرك من التاريخ وحركته، فإن علم التاريخ لا يزال يتحفنا بكل جديد؛ ذلك أن التاريخ يرصد الإنسان ومعارفه، وطالما بقي الإنسان على الأرض، فإن التاريخ باق.


التاريخ علم أم فن؟

إذا كنا قد وصلنا إلى مراحل متقدمة في فهم التاريخ بناء على الأفكار والفلسفات والرؤى المعرفية المختلفة، فلماذا لا يزال يتجرأ على التصدّر للتأريخ كل أحد وأي أحد؟، وهل يسوّغ هذا ما جاء في تعريف ابن خلدون أنه «يتساوى في فهمه الجهّال والعلماء»؟، ثم: هل التاريخ علمٌ أم مجرد فن من الفنون؟، وإذا كان العلماء قد حسموا هذه المسألة منذ ابن خلدون، بأن التاريخ علم يخضع لما تخضع له سائر العلوم من قواعد وأصول، فلماذا يجري الناس إلى أنصاف المتعلمين ممن يُدبّجون الكتب المتهافتة التي تنشر جهلاً بالتاريخ أكثر مما تنشر حقائقه وحركته الكلية؟.

هذه المسألة تعد ظاهرة ربما تنال بعضًا من العلوم والمهن الأخرى، وربما مع مرور الزمن يتكشف للأجيال المثقفة والمطلعة والبصيرة الغث من السمين، لكن لا شك أن عددًا من المؤرخين الكبار في الغرب والعالم العربي قد أثاروها وطافوا حولها بمزيد عناية ودرس.

يعملُ التاريخ في محيط أصعب من المحيط الذي يعملُ فيه أي علم معروف؛ مما يجعل مهمة المؤرخ الأمين تفوق في صعوبتها مهمة أي عالم في أي مجال معرفي آخر.

إنّ ما يتميّز به التاريخ وينفرد به – وفق رؤية عدد من المؤرخين الكبار- أنه يعملُ في محيط أصعب من المحيط الذي يعملُ فيه أي علم معروف؛ مما يجعل مهمة المؤرخ الأمين تفوق في صعوبتها مهمة أي عالم في أي مجال معرفي آخر، فعالم الجغرافيا أو الفيزياء أو الكيمياء أو الجيولوجيا أو الطب عليه أن يُجري تجاربه، ويثبت مشاهداته، ويُقارن ويُعلل ليصل إلى النتيجة التي يرضى عنها. أما المؤرخ الحق فعليه – علاوة على ما سبق– أن يُغربل الحقائق ويُصفّيها وينقيها ويميز بين ما هو واقعي وما هو مدسوس. فليس كل ما هو منقوش على الآثار أو مدون في بطون المخطوطات حقيقة خالصة، وإنما فيه الحقيقي وفيه المزيّف، ومنه الصادق ومنه الكاذب. هنا تكمنُ الصعوبة التي تواجه المؤرّخ الحق؛ إذ عليه أن يجمع المعلومات والوثائق المتباينة عن الحدث الواحد، ويُسجّل الملاحظات المختلفة عن كل حدث أو واقعة، ثم يسلك طريقًا شاقًّا من الفحص والنقد والمقارنة، مجردًا نفسه تجريدًا تامًّا عن الهوى؛ حتى يصل إلى ما يؤمن بأنه اليقين.


مدارس قدماء المؤرخين

أن تتعاطى التأريخ، هذا يعني أن تُلمّ بضوابط وقواعد لابدّ منها. وبالنسبة لقدماء المؤرّخين كانت هناك مدرستان على الأقل في تناول هذا المبدأ؛ المدرسة الأولى تُعنى بأهمية الجانب الأخلاقي وأولويته، والأخرى تُعنى بأهمية الجانب العقلي الاحترافي وإعماله.

«التاج السُّبكي» ( ت 771هـ/1370م)، كمثال على المدرسة الأولى، يشدّد على الصفات الأخلاقية التي يجب أن يتسم بها المؤرخون من الصدق والعدل والإنصاف والأمانة والتحري في النقل. ويرى في كتابه «مُعيد النِّعم ومُبيد النقم» أن المؤرخين «على شفا جرف الهاوية؛ لأنهم يتسلطون على أعراضِ الناس، وربما نقلوا مجرد ما يبلغهم من كاذب أو صادق، فلا بد أن يكون المؤرخ عالماً عدلاً عارفًا بحالِ مَن يُترجمه، ليس بينه وبينه من الصَّداقة ما قد يحمله على التعصُّب له، ولا مِن العداوة ما قد يحمله على الغضِّ منه، وربما كان الباعثُ له على الغض من قوله مخالفة العقيدة، واعتقاد أنهم على ضلال فيقع أو يقصر في الثناء لذلك» إلى أن قال «ومنهم من تأخذه في الفروع الحميّة لبعض المذاهب، ويركب الصعب والذلول في العصبية، وهذا من أسوأ أخلاقهم، ولقد رأيتُ في طوائف المذاهب من يُبالغ في العصبية بحيث يمتنع بعضهم من الصلاة خلف بعض، إلى غير هذا مما يُستقبح ذكره».

على أن السبكي وإن نقم على أستاذه «الذهبي» ما وقع فيه من مزالق التعصّب، فإنه هو الآخر وقع فيما حذّر منه، فقد أطال الحديث عن مآخذ الحشوية والمجسمة من الحنابلة كما وصفهم، وكان في المقابل شديد الوله والتعلق والإكبار للأشاعرة لانتمائه العقدي لهم. ونموذج الذهبي والسبكي نموذج حي لأثر الانتماء الفكري والثقافي على المؤرخ ورؤيته للأشخاص والحوادث والعالم في كل جيل وعصر. ولذلك كان التاج السبكي ورغم تلمذته على الذهبي يعيب عليه تعصبه الشديد للمخالفين له من الأشعرية؛ وذلك لانتقاصه الشديد لهم في تواريخه خاصة كتابه الأشهر «سِير أعلام النبلاء»، ووصل بالتلميذ القول بلا أدنى تحفّظ: «والذِي أُفْتِي بِهِ أَنه لَا يجوز الِاعْتِمَاد عَلَى كَلَام شَيخنَا الذَّهَبِيّ فِي ذمّ أشعري، وَلَا شكر حنبلي، وَالله الْمُسْتَعَان».

وفي المقابل، يأتي «ابن خلدون»، ممثلًا عن المدرسة الثانية، ليحُثّ المؤرخين على إعمال العقل، وفهم طبيعة العمران البشري، وقانون العلاقات الإنسانية والسببية بين الأشياء، ووجود الروابط المنطقية التي تربط بين الحوادث، وتلافي الوقوع في الأخطاء التي يمكن بقليل تدبر أن تُعرف حقيقتها وماهيتها. ثم هو يؤكد في مقدمته على أن المؤرخ «محتاج إلى مآخذ متعددة، ومعارف متنوعة، وحسنِ نظرٍ وتثبتٍ يفضيان بصاحبهما إلى الحق وينكبان به عن المزلات والمغالط؛ لأن الأخبارَ إذا اعتُمد فيها على مجرد النقل، ولم تحكم أصول العادة وقواعد السياسة وطبيعة العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني، ولا قيس الغائب منها بالشاهد، والحاضر بالذاهب، فربما لم يؤمن فيها من العثور، ومزلة القدم والحيد عن جادة الصدق، وكثيرًا ما وقع للمؤرخين والمفسرين وأئمة النقل من المغالطِ في الحكايات والوقائع لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثًا أو سمينًا، ولم يعرضوها على أصولها، ولا قاسوها بأشباهها، ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات، وتحكيم النظر والبصيرة في الأخبار؛ فضلوا عن الحق، وتاهوا في بيداء الوهم والغلط، ولا سيما في إحصاء الأعداد من الأموال والعساكر إذا عُرضت في الحكايات؛ إذ هي مظنة الكذب، ومطية الهذر، ولا بد من ردها إلى الأصول وعرضها على القواعد».


أن تفكر كمؤرخ: دليلٌ عملي

الأصل في التأريخ وكتابته أن يعتمد المؤرخ على الأصول الصحيحة أولاً ثم لا يشرع في الكتابة إلا إذا نقد هذه الأصول نقدًا علميًا صحيحًا، وهو ما يؤكده المؤرخ اللبناني «أسد رستم» (ت 1965م). وقد مر الكلام على مسألة النقد، ورأينا أن المؤرخين القدامى تناولوا المصادر التاريخية من زاويتين؛ إحداهما أخلاقية كما فعل السبكي، والأخرى عقلية احترافية كما فعل ابن خلدون وإن لم يسر على دربها في تاريخه.

على أن «أسد رستم» وضع 11 قاعدة، فيما يشبه الدليل العملي للمؤرخ، ضمنها في كتابه القيم «مصطلح التاريخ» لتكون نموذجًا علميًا لأي مؤرخ يبغي أن يُكتب لعمله القبول والانتشار، والبقاء والمرجعية.

هذه القواعد هي:

1- التقميش، ويعني بها جمع الأصول التي يتكئ عليها المؤرخ في عمله، فإذا ضاعت الأصول ضاع التاريخ، والأصول التاريخية هي كل ما خلّفه السلف من ميراث تاريخي؛ من كتب، وآثار، ونقوش، ورسائل، ووثائق، ..إلخ.

2- العلوم الموصلة: فالباحث في التاريخ عليه أن يتذرع بالعلوم المساعدة التي تؤهله على تكوين الصورة الكاملة والصحيحة للحقيقة التاريخية؛ مثل الإلمام ببعض اللغات الأخرى التي كتب باحثوها عن عصر من العصور للعودة إلى ما كتبوه، والوقوف على العلوم النقلية والعقلية، والعلوم الإنسانية الحديثة مثل علم الاجتماع والاقتصاد والأخلاق وغيرها.

3- نقد الأصول، فالأصل في الباحث/المؤرخ ألا يركن إلى ما معه من أصول ويسلم بها، فإن عليه أولاً أن يقف على مدى دقة هذه الأصول وصحتها، وهذا ما نراه في كثير من الروايات التاريخية الموضوعة والمكذوبة خاصة في الحوادث التاريخية التي اختلف الناس حولها مثل حوادث الفتنة بين الصحابة وغيرها.

4- تنظيم العمل، ويقصد به تنسيق هذه الأصول ووضع خطة رشيدة في استخلاص المعلومات منها.

5- تفسير النص، والمقصود به تفسير ظاهر النص الذي اقتبسه الباحث، وإدراك غرض المؤلف منه، فالمؤرخ المدقق المنقب عليه أن يلم بلغة الأصل الذي يدرس، وعليه أن يُجيد فهم هذه اللغة كما عرف، ويعتمد على المعارف التي تعينه على فهم هذا النص إن استغلق عليه، وهي معارف متنوعة ما بين العلوم الإنسانية واللغات الأخرى.

6- العدالة والضبط، فعلى المؤرخ أن يكشف الستار عن مآرب المؤلف وأهوائه ودرجة تدقيقه في الرواية، فيظهر لنا مقدار ما عنده من العدالة والضبط أو ما ينقصه منها، والمؤرخ العربي في أشد الحاجة إلى مثل هذا النوع من النقد، فشك المؤرخ رائد حكمته، وقيل: إن الأصل في التأريخ الاتهام لا براءة الذمة.

7- الحقائق المفردة، بحيث لا يكتفي المؤرخ بما سبق، وإنما يعمل على الوصول إلى الطمأنينة فيما ينقل، فيبتعد كل الابتعاد عن الروايات التي انفرد بها راوٍ واحد، فإذا كانت العلوم الطبيعية تتطلب المشاهدة والاستدلال القياسي والتحقيق بالمقابلة والتجربة فالتأريخ أولى بذلك منها؛ لأنه بعيد عن المشاهدة، ضعيف الاستدلال بالقياس، عديم التجربة، ولابد من الإفادة بعلم مصطلح الحديث ومعرفة مراتب الحديث بين الصحيح والضعيف والحسن والعزيز، فحريّ بالمؤرخ أن يبتعد عن الرواية التاريخية التي انفرد بها راوٍ واحد، وإذا اضطر إلى تدوينها عليه التنبيه على ذلك، أما على الجهة المقابلة إذا كثرت الروايات وتناقضت فعلى المؤرخ أن يعيد النظر في موقف الفريقين وأن يترفع عن التوسط بينهما، وأن يمتنع عن الحكم بين الطرفين.

8- الربط والتأليف، وبعد التثبت من صحة الروايات يشرع المؤرخ في الربط بين الروايات المختلفة، فينتقي البعض منها ويصرف النظر عن البعض الآخر وفقًا لمنهج عمله وخطته، ويحاول الوصول من خلال هذه الحقائق إلى صحة ما كتب الغير عن وقائع الماضي لا الوقائع نفسها.

9- الاجتهاد، فإذا ما تمكن المؤرخ من الوصول إلى عدد من الحقائق وغاب عنه عدد آخر، فعليه أن يبذل الجهد والطاقة، ويستعين بالمنطق، ويعيد البحث عن مصادر أخرى علّه غفل عنها، أو لم تُنشر بعد.

10- التعليل والإيضاح، فإذا ما تمكن المؤرخ من فعل ما سبق فقد أجاب على سؤال: ماذا حدث؟. غير أن القارئ يُريد من المؤرخ عادة أن يُجيب على السؤال التالي وهو: لماذا حدث ما حدث؟، وهذا الأمر وإن كان من شأن الفلاسفة فإن المؤرخ مطالب بإبداء رأيه، فالقارئ يريد أن يعرف: لماذا سقطت روما؟، ولماذا هجمت القبائل البربرية على أطرافها؟، ولماذا وقعت الحروب الصليبية؟، ولماذا وقعت حروب الفتح الإسلامي؟، ولماذا نشأ الحكم الإقطاعي؟. على أن البحث في مثل هذه القضايا كما يقول أسد رستم «يتوقف على مذهبه الفلسفي»، وقناعته الأيديولوجية.

11- العرض، وقد فرّق أسد رستم عرض البحث التاريخي على نوعين من القراء؛ النوع الأول العالم الأكاديمي المتخصص، وشرح فيه الآليات والوسائل العلمية الصحيحة، والنوع الثاني العرض على القارئ العادي، فهي يجب أن لا تختلف عن سواها في صحة القول وسلامة الاستنتاج، لكن على المؤرخ أن يتبسط ما أمكنه في عرض الحقائق بحيث تصبح قريبة من متناول أفهامهم، ولابد أيضًا من عرض هذه الحقائق بصورة جذّابة محببة إلى القراء ترغّبهم في الاستطلاع.


ختامًا

ظهرت عند القدامى مدرستان في نقد التاريخ وكتابته، الأولى تُعنى بأهمية الجانب الأخلاقي وأولويته، والأخرى تُعنى بأهمية الجانب العقلي الاحترافي وإعماله.

لستَ مطالبًا – كقارئ- بأن تكون باحثًا أو أكاديميًا مختصًا في التاريخ – يبحث ويكتب وينشر-؛ كي تتعامل مع التاريخ بهذه القواعد، وتُعمِل أدوات النقد المستقرّة منذ مدراس القدماء. كلّ ما في الأمر أنّ هذه الأدوات – الذهنية والأخلاقية والاحترافية- يمكنك أن تدركها بسهولة، وتوظّفها بيُسرٍ في تناول كل حدثٍ أو شخصية أو موقف أو نتيجة، سواء كان في الماضي المُنقضي، أو في الحاضر الجاري؛ فكلّه يدخل في نطاق «التاريخ»، وأنت بإمكانك ببساطة أن تفكّر كـ«مؤرّخ».

المراجع
  1. إبراهيم بيضون: مسائل المنهج في الكتابة التاريخية العربية، دار المؤرخ العربي، الطبعة الأولى – بيروت، 1995م.
  2. أسد رستم: مصطلح التاريخ، المكتبة العصرية – صيدا، 2002م.
  3. حسين مؤنس: التاريخ والمؤرخون، دار المعارف – القاهرة، 1984م.
  4. السبكي: طبقات الشافعية الكبرى، تحقيق محمود الطناحي وعبد الفتاح الحلو، هجر للطباعة والنشر، الطبعة الثانية – القاهرة، 1993م.
  5. السخاوي: الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ، نشرة فرانز روزنثال، ترجمة صالح العلي.
  6. فرانز روزنثال: علم التاريخ عند المسلمين، ترجمة صالح أحمد العلي، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية – بيروت، 1983م.
  7. لويس جوتشلك: كيف نفهم التاريخ، مدخل إلى تطبيق المنهج التاريخي، ترجمة عائدة سليمان عارف وأحمد مصطفى أبو حاكمة، دار الكاتب العربي – بيروت، 1966م
  8. مقدمة ابن خلدون "ضمن تاريخه"، تحقيق خليل شحادة، دار الفكر، الطبعة الثانية – بيروت، 1988م.
  9. هاري إلمر بارنز: تاريخ الكتابةالتاريخية، ترجمة محمد عبد الرحمن برج، الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة 1984م.
  10. وجيه كوثراني: تاريخ التأريخ، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الطبعة الثانية – بيروت، 2013م.