محتوى مترجم
المصدر
Washington Post
التاريخ
2016/12/02
الكاتب
ماريكي ترانسفيلد وإيزابيل ويرينزفيل

نشر الباحثان، المهتمان بشئون الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، ماريكي ترانسفيلد وإيزابيل ويرينزفيل نتائج دراستهما الأخيرة عن وسائل التواصل الاجتماعي في العالم العربي. ما شجعهما على القيام بهذه الدراسة هو الصدمة الكبيرة التي عاشتها الولايات المتحدة الأمريكية بعد ما أحدثته وسائل التواصل الاجتماعي من أثر ضخم على الانتخابات الرئاسية لهذا العام. هذا الأثر الذي اعتادته دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لسنوات.

يقول الباحثان :«بعد الانتفاضات الشعبية في المنطقة، انتشرت الرؤية لوسائل التواصل الاجتماعي على أنها «تقنيات للتحرر»، حتى أتت دراسات أحدث تؤكد الأثر المدمر لنفس هذه الوسائل على السياسة والمجتمع في المنطقة.»

قام الباحثان بدراسة لإثبات صحة إحدى هذه النظريات، معتمدين على ثلاث حالات لنقاشات على تويتر في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عن: «العنف الجنسي في ميدان التحرير بالقاهرة في 2014، المظاهرات المضادة للتعدين في جنوب الجزائر، والتدخل العسكري السعودي في اليمن في 2015». أكدت هذه الحالات الثلاث التباين الشديد لأثر وسائل التواصل الاجتماعي حسب السياق محلي، و طبيعة المستخدمين المشاركين في النقاش.

تختلف الآثار المترتبة على النقاشات العامة على تويتر، فقد تؤدى أحيانا إلى انتشار دعوات للتظاهر للتنديد بأحداث محلية معينة (ولا يمكن لهذه الأحداث في ظروف عادية أن تلفت انتباه المجتمع الدولي أبدا إلا عن طريق الضجة على وسائل التواصل الاجتماعي). وقد تعمق في أحيان أخرى الانقسامات داخل المجتمع وتروج لخطابات سلطوية وراديكالية.


تويتر: تقسيم حسب البلد

وجد الباحثان :«الاكتشاف الأكثر مفاجئة للدراسة ( المتناسب بشدة مع الميول القومية الجديدة في أوروبا والولايات المتحدة) هو أنه بالرغم من أن تويتر يتميز بأنه منصة للتواصل العابر للدول، أصبح الفضاء على تويتر مقسم بشكل واضح حسب حواجز اللغة والتأطيرات القومية».

فقد لاحظا الارتباط الدائم بين النقاشات المثارة على مواقع التواصل الاجتماعي وبين السياق المحلي الضيق، فحتى في الأحوال التي تتكرر حادثة ما في أكثر من مجتمع على مستوي العالم، يستأثر بها كل مجتمع على حدة ويعيدها لسياقه الخاص.

مثلا، استغل مستخدو تويتر في لبنان قضية التدخل السعودي في اليمن لإثبات انتماءاتهم الطائفية المحلية، كما استخدم ناشطون بيئيون من مختلف أنحاء العالم قضية التعدين في الجزائر للفت الانتباه لصراعاتهم المحلية ضد عمليات استخراج الغاز الصخري.

كذلك أثبتت دراسات الحالة الثلاث أن نقاشات تويتر تنتشر فقط في حالة ظهور قضية ما في السياق المحلي فقط، فعندما حاول ناشطون في مصر وتونس نقل الحراك ضد سياسات التعدين إلى بلادهم على غرار الحالة الجزائرية، منيت جهودهم بالفشل.


الترويج لسياسات الهوية

وجد الباحثان أنه «حتى في الأوقات القليلة التي نجح فيها تويتر في خلق نقاش عابر للدول والقوميات، فعل ذلك فقط بين أشخاص متشابهي الأفكار فكان كالذي يردد صدي الصوت».

على سبيل المثال، في حالة الجزائر استطاع تويتر دعم التضامن بين مختلف المجتمعات المهمشة و مثّل منصة مهمة للتفاعل وتبادل الخبرات بين نشطاء حقوق الانسان والعاملين ضد التحرش الجنسي في الشرق الأوسط والعالم. لكن لاحظ الباحثان ظاهرة متكررة وهي أن «تويتر يجمع المجتمعات الطائفية، العرقية والدينية أي كل التجمعات القائمة على أساس إيدلوجي أو قيمي عبر الشرق الأوسط وخارجه لتقف هذه التجمعات في مواجهات مع بعضها البعض».

لم يكتف تويتر بعكس الصراعات والانقسامات بين المجموعات المختلفة بل وأعاد إنتاجها مرة تلو الأخري. ولضرورة الاختصار في الجمل المكتوبة على الموقع الاجتماعي كانت دائما التصريحات أكثر حدة وأقل تقيدا بالقواعد الأخلاقية كما في وسائل الإعلام الرسمي. ويمكن بسهولة للنقاشات حول قضية واحدة على تويتر أن تسيس فورا وتصبح محملة أيدلوجيا، كاشفة عن انقسامات وصراعات عميقة.

أكد الباحثان كذلك على ميل تويتر لإبراز الفرق الهوياتي بين ال«نحن» و«الآخر» أو «العدو». فقد »عكس التدخل السعودي والنقاشات المصرية سياسات الهوية، باستخدام لغة طائفية صراعية بين مؤيدي الرئيس عبد الفتاح السيسي ومؤيدي الإخوان المسلمين. في حالة السعودية واليمن، خاصة مع مستخدمي اللغة العربية، لم يُظهر تويتر الأصوات المهمشة أو المعتدلة، إنما أظهر بالأساس مواقف الحكومة السعودية معززا بذلك الهيمنة الإقليمية السعودية في النقاش».


أداة في يد النشطاء والحكومات

لقد وجد الباحثان أنه كلما صغر عدد مستخدمي تويتر في مجتمع ما، كلما سيطر على هذا التجمع الصغيرالنشطاء وأفراد المجتمع المدني والأصوات الناقدة للأوضاع العامة. ففي التجمع الجزائري الصغير على تويتر خير مثال، حيث يحفل بالصحفيين المستقلين ونشطاء حقوق الإنسان والديموقراطية.

مثل هذه التجمعات مازالت موجودة في المغرب، تونس، والأردن، وظهرت في بدايات استخدام تويتر في مصر والسعودية. لكن كلما أصبحت المجتمعات على تويتر أكبر وأكثر وضوحا، كلما زادت جهود الدولة لتحجيمها والسيطرة عليها، وأصبحت الأصوات المعارضة، والداعمة لحقوق الإنسان والديموقراطية أكثر تهميشا.

في المملكة العربية السعودية، أكبر تجمع لمستخدمي تويتر في العالم، من يحرك النقاشات الآن هم ممثلي الدولة، من رجال الدين المحافظين والشخصيات العامة التي لا تتجاوز الخطوط الحمراء. وقد نتج ذلك عن اشتراك أعداد ضخمة من السعوديين بالموقع بعد اكتسابه لشعبية كبيرة.

وفي سياق النمو المتسارع لمجتمع وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن للأفراد التأثير على النقاشات على تويتر من خلال شبكات متابعيهم. ولا يحدد فقط عدد المتابعين لشخص ما قوة تأثيره على النقاشات العامة بل أيضا نوعية هؤلاء المتابعين فإذا تابعته وسائل إعلام محلية ودولية، أومسئولين أجانب، أومنظمات دولية كبيرة كان له تأثير أقوي وأوضح.

ويمكن أن تؤثر مشاعر الغضب المثارة على وسائل التواصل الاجتماعي على ردود فعل السياسيين. مثلا في الحالة المصرية، ساهم الانتشار الكبير عبر تويتر لفيديو يظهر حالة اغتصاب في ميدان التحرير، في دفع الرئيس السيسي لزيارة الضحية. كذلك أدي الغضب الموجه لشخصية إعلامية دافعت عن الاغتصاب إلى وقفها عن العمل.


خطر التلاعب

«أينما توجد التجمعات على تويتر، يمكن التلاعب بها» هكذا يقول الباحثان ترانسفيلد وويرينزفيل. ففي حالة الحرب السعودية في اليمن، كان الحسابان الأكثر تأثيرا على النقاش منذ أبريل/نيسان 2015 لشخصين يدّعان التواجد في العاصمة اليمنية صنعاء ولكل منهما أكثر من مئة ألف متابع، كانت أغلب تغريدات هذين الشخصين مؤيدة للجانب السعودي ومنددة بقوات الحوثيين.

استطاع هذان الحسابان التأثير على النقاش الدائر حيث أعاد الآلاف نشر كل تغريدة يكتبانها وقد لوحظ أن هؤلاء الذين يعيدون النشر هم خليجيون مؤيدون أيضا للتدخل السعودي. بالتأكيد ساهم الانتشار الكبير للانترنت في منطقة الخليج وبالتالي الأعداد الضخمة لمستخدمي تويتر من الخليجيين ( السعودية وحدها بها 2,414,000 مستخدم) في ترجيح كفة المملكة في النقاش بالمقارنة مع موقف تأييد الحوثيين.

بالإضافة لذلك تم اكتشاف أن عدد من المتابعين في الحقيقة ليسوا أشخاصا حقيقيين، إنما حسابات مزيفة تعيد التغريد تلقائيا للتأثير على النقاش العام وتم إيقاف العديد من هذه الحسابات.

في النهاية خلص الباحثان إلى أن شيطنة وسائل التواصل الاجتماعي، تخلط العاطل بالباطل، حيث تستمر وسائل التواصل الاجتماعي في تحقيق وظيفتها الهامة لنشر المعلومات التي لا يمكن الحصول عليها بسهولة بأي وسيلة أخرى في السياقات السلطوية، فتنوع المعلومات والنقاشات يبقي الفارق الأهم بين وسائل التواصل الاجتماعي مثل تويتر ووسائل الإعلام التقليدية.

وبالرغم من وجود رقابة على الإعلام التقليدي وامتدادها في الكثير من الأحيان لوسائل التواصل الاجتماعي كما في المملكة العربية السعودية ومصر، مازال تويتر يوفر مساحة جيدة للأصوات المعارضة.

كذلك تستمر الجماعات المهمشة والأصوات المعارضة ونشطاء حقوق الإنسان في استخدام منصة تويتر للتعبير عن مطالبهم وتحريك الجموع في الدول السلطوية. من الناحية الأخري، يجب أن نتقبل تواجد جميع أنواع النقاشات المعتدلة والليبرالية منها جنبا إلى جنب مع المواقف المتطرفة غير الليبرالية (التي تعبر عنها مجموعات مثل الدولة الإسلامية)، وحملات التضليل السياسي، سواء كان ذلك في إطار مجتمع سلطوي مغلق أو مجتمع ديمواقراطي غربي.