عام 1987، وفي مدينة شنزن الصينية، تم إنشاء شركة Huawei للعمل في مجال الاتصالات، وفي خلال 30 عاماً أصبحت (واوي) –كما تنطق بالصينية– عملاقاً صينياً يعمل في مجالات وأنظمة الاتصالات، وينافس بقوة على تصنيع وتطوير الهواتف الذكية، بل إنه تفوق على العملاق الأمريكي Apple، ونافس العملاق الكوري Samsung، للدرجة التي جعلت السلطات الأمريكية تمارس ضغوطاً على مُشغلي الاتصالات لمنع مبيعات هواتف Huawei، وتفرض حظراً على منتجاتها.


التنين الصيني يلتهم منافسيه

في أغسطس/آب 2018 أكدت الإحصائيات تفوّق Huawei على Apple في سوق الهواتف الذكية، لتحتل المرتبة الثانية عالمياً من حيث حجم المبيعات بأكثر من 54 مليون هاتف، وحصة سوقية 15.8% من حجم سوق الهواتف عالمياً، مقارنة بنسبة 12.1% لصالح Apple، بينما احتلت الشركة المنزلة نفسها في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، متقدّمة على Apple أيضاً، ومحلياً تصدرت Huawei مبيعات الهواتف في مصر لشهري يونيو/حزيران ويوليو/تموز 2018.

وتحتل Huawei المرتبة 25 ضمن قائمة Brand Finance لأكثر 500 علامة تجارية قيمة في العالم لعام 2018، والمرتبة 48 وفق تصنيف BrandZ لأفضل 100 علامة تجارية عالمية، والمرتبة 79 وفق تصنيف Forbes لأعلى العلامات التجارية قيمة، وهي الشركة الصينية الوحيدة المدرجة بقائمة Forbes لعام 2018.

إلى جانب أن Huawei رسمت ملامح مرحلة جديدة من الابتكارات في قطاع الهواتف الذكية باستخدامها معالج (Kirin 970) لهواتفها، وهو أول معالج مدعوم بإمكانات الذكاء الاصطناعي، فضلاً عن هاتفها (Huawei P20 Pro) المزود بأول نظام ثلاثي لكاميرا خلفية بدقة 40 ميجابكسل، لالتقاط أفضل الصور الاحترافية.

بعد كل هذا هل تعتقد أن صورة من كواليس إعلان قد تنال من عظمة التنين الصيني؟


سارة الشامي تحرج هواوي!

أنتجت Huawei إعلاناً ترويجياً لهاتفها nova 3i، المزوّد بكاميرا أمامية بدقة 24 ميجابكسل و2 ميجابكسل، مدعومة بالذكاء الاصطناعي؛ لتوفير صور مدهشة وتجربة مميزة؛ للحصول على أفضل صورة «سيلفي».

وبعد نشر الإعلان قامت بطلته، الممثلة الشابة «سارة الشامي»، بنشر صورة من كواليس التصوير، تُظهر القائمين على الإعلان وهم يستخدمون كاميرا احترافية لالتقاط الصور، وليست كاميرا الهاتف، حيث ظهر بطل الإعلان، الممثل الشاب «أحمد مجدي»، متظاهراً بحمل الهاتف لغرض التصوير، لكنه في الحقيقة كان ينتظر التقاط الصورة من قبل شخص آخر يحمل كاميرا رقمية من نوع DSLR، فاتهم البعض Huawei بالتحايل للمبالغة في إظهار قدرات كاميرا الهاتف، وأصبح ترند «هواوي»، و«فضيحة هواوي» رائجاً على فيسبوك وتويتر.


سوابق هواوي: تاريخ من الأخطاء الإعلانية

هذه الصورة ليست الواقعة الأولى بالنسبة للممثلة الشابة، حيث سبق وأن نشرت صورة مشابهة من كواليس دورها في مسلسل كلبش، أثناء التقاطها «سيلفي» مع الفنانة هالة فاخر، في حين أن الصورة المنشورة كانت من كاميرا احترافية بموقع التصوير، مما يبدو وكأن الأمر اعتيادي لدى الممثلة.

وبالنسبة للشركة، فهذه ليست الواقعة الأولى أيضاً، ففي عام 2015، قامت الشركة بتعديل حواف هاتفيها P8 وP8 Max باستخدام برنامج فوتوشوب، من أجل الصور التسويقية.

وفي عام 2016، نشرت صورة على موقع Google+، تستعرض جودة كاميرا هاتفها P9، لكن موقع (android police) أثبت أن الصورة تم التقاطها بواسطة كاميرا Canon 5D، وعلق الموقع بأن «النص المصاحب للصورة لم يُشر إلى أنها التُقطت بهاتف (P9)، لكن الدعاية تريدك أن تصدق أنها كذلك»، فاضطرت Huawei لحذف الصورة، وأصدرت بياناً، جاء فيه:

تم التقاط الصورة بشكل احترافي لإلهام مجتمعنا، لم تكن أبدا نيتنا التضليل، نعتذر عن هذا.

وفي عام 2018، تعاونت Huawei مع الممثلة الإسرائيلية «جال جادوت»، صاحبة شخصية (Wonder Woman)؛ للدعاية لهاتفها mate10 pro، وبعدها قامت الممثلة بنشر الإعلان على موقع تويتر باستخدام هاتف iPhone


سيناريوهات الخروج من الأزمة

هواوي، آبل، شركات المحمول
هواوي، آبل، شركات المحمول
من الطبيعي في تصوير أي اعلان ترويجي أن يتم استخدام كافة المعدات التصويرية؛ لأن تصوير الفيديو يتطلب نوعاً معيناً من المحتوى، كما أن كل هذه المعلومات وردت في التنويه الموجود في آخر الإعلان.

تصريح نائب رئيس Huawei مصر

بناءً على التصريح السابق يمكننا استنتاج 4 سيناريوهات استخدمتها الشركة لمواجهة الأزمة.

1. خطأ غير مقصود

أعلنت Huawei أن التضليل لم يكن مقصوداً مثلما أعلنت سابقاً مع هاتفها P9، كما وعدت بتجربة تصوير مميزة بهاتفها تقارب تجربة الإعلان، وقد يكون ذلك من منطلق أن من ضروريات الحملة الإعلانية الناجحة تقديم الرسالة الصحيحة وتلافي الأخطاء التي قد تؤدي إلى الإضرار بالمنتَج والمعلِن، كما أن النجاح على المدى الطويل يتطلب إصلاح الأخطاء باستمرار.

2. نحن لا نخدعكم

الاعتراف بالخطأ يؤكد أن الشركة لا تخدع عملاءها؛ لأن هاتفها يقدم –بالفعل- تقنية لصاحبه ليلتقط صوراً احترافية دون أن يكون محترفاً.

وربما قامت الممثلة بحذف الصورة كي لا تشارك في الخداع، وليس اعترافاً بالخطأ، وقد يكون هدف الإعلان –مثلما ادّعت Huawei سابقاً– هو الإيحاء بجودة الكاميرا للدرجة التي تبدو وكأن مصوراً محترفاً قام بتصويرك، فضلاً عن أن الشركة لم تذكر في الإعلان أن الصور التُقطت باستخدام هاتفها، لكن ذلك لا ينفي شبهة التضليل، كما أشار موقع (the next web) التقني.

3. استغلال التفاعل والدعاية المجانية

عدم وجود رد رسمي من الشركة، واقتصار الأمر على تصريحات مقتضبة من نائب رئيسها بعد فترة من الصمت، كل ذلك يدعم هذا السيناريو، فالأخطاء أحيانًا تكون طريقة دعائية ناجحة؛ لأنها توفر رواجاً أكبر، حيث يكون الأمر موضع اهتمام وتداول ونقاش بين مؤيد ومعارض، وهو ما يُعتبر دعاية مجانية للشركة والهاتف، وهو أمر يحدث كثيراً في الدعاية الحديثة، لاسيما وأن الدعاية على «السوشيال ميديا» أصبحت تُقاس بالترند، وأرقام «الشير واللايك»، والتغريدات، والتعليقات، وإعادة التغريد، والوصول، وهو ما حققته الشركة بنجاح.

وفي حين أن استخدام الأخطاء في الحملات الدعائية هي طريقة محفوفة بالمخاطر، وتتطلب قدراً من المغامرة، إلا أن بعض الشركات تتعامل مع الأخطاء كوسيلة دعائية، فحينما ترسل للشركة أنك استلمت منتجاً غير سليم أو غير مطابق فإن الشركة قد ترسل لك اعتذاراً وتعويضاً؛ لتستغل ذلك في دعايتها كشركة تهتم بعملائها، وتسعى لزيادة ثقتهم فيها، وبالتالي تحظى بترشيحات عملائها لدى أصدقائهم، وهو أسلوب دعائي مقبول.

إلى جانب ذلك، لا يُعقل أن الممثلة أحضرت من يصورها في الكواليس دون علم المُعلن؛ لأن الفنانين مهما تضاءلت خبرتهم يدركون أن كواليس العمل هي مُنتج تابع للمُعلِن، يمكنه بيعه والاستفادة منه، لاسيما وأن جودة الصورة المنشورة تحتاج إلى كاميرا احترافية ومصور محترف، وهو ما لا يُعقل أن تتحمل الممثلة الشابة تكلفته من أجل التقاط صورة لها.

4. الاستفادة من تجارب المنافسين

استفادت Huawei من تجارب منافسيها Apple وSamsung اللذين تعرضا لأزمات قاسية، ورغم ذلك استطاعا التعافي والعودة للصدارة.

فقد تعرضت Samsung لأزمة كبرى، في سبتمبر/أيلول 2016، بسبب تكرار حوادث انفجار هاتفها Galaxy Note7؛ نتيجة لاحتراق بطاريته، الأمر الذي اضطرها إلى سحب ملايين الأجهزة من السوق، وتكبُّدت خسائر مالية قُدرت بـ3 مليارات دولار، بعدها عادت الشركة للقمة، بإصدار هاتف Galaxy S8 ذي الشاشة المنحنية، وارتفعت أرباحها إلى مستوى قياسي.

وفي فبراير/شباط 2017، تعرضت أسهم Samsung للهبوط؛ نتيجة اعتقال رئيس الشركة؛ لتورطه في فضيحة فساد أدت إلى إقالة رئيسة كوريا الجنوبية؛ لاتهامها بتلقي رشوة منه، ورغم ذلك تصدرت مبيعات 2018.

أما Apple، ففي عام 2016، طرحت تحديثاً جديداً لنظام التشغيل يوقف عمل الهاتف في حال الكشف عن مكون غير أصلي، فواجهت الشركة اتهاماً بتعمد تعطيل الهواتف، بينما أعلنت أن هذا الإجراء يأتي في إطار تأمين بيانات المستخدمين وحمايتها من السرقة.

وفي العام نفسه تسبب تحديث آخر لنظام التشغيل في توقف مئات الهواتف، وتطور الأمر إلى اتهام Apple بمعاقبة مستخدمي هواتفها، وذلك بعد أن أقرت الشركة بأن تحديث النظام أثّر على نسخ قديمة من هواتفها؛ لأنها تتعمد أن تبطئ من أداء هواتفها كلما قدُم طرازها من دون إخطار مالكيها، كإجراء وقائي للتخفيف من أدائها؛ حتى لا تتعرض الهواتف للإغلاق، وليس لإجبار عملائها على شراء طرازات جديدة، وذلك بحسب تقرير صحيفة (إندبندنت) البريطانية.

وقد واجهت الشركة دعاوى قضائية؛لتعمدها إجبار المستخدمين على شراء النسخ الأحدث لهواتفها، فاضطرت إلى نشر اعتذار جاء فيه:

نعلم أن بعضكم يشعر أن Apple قد خذلته… ونحن نعتذر… وسنجري تعديلات لاستعادة ثقة كل من ساوره شك في نوايا Apple.

وواجهت Apple أزمة كبرى بسبب انفجار هواتفها، ففي عام 2013 انفجر جهاز iPad Air أثناء عرضه بأحد متاجر أستراليا، وفي العام نفسه انفجر هاتف iPhone 5 في يد مالكه أثناء إجراء مكالمة، وفي عام 2015،أُصيبت طفلة أمريكية بحروق؛ بسبب انفجار هاتف iPhone في جيبها، وفي عام 2016، انفجرت 8 هواتف iPhone بالصين، وتسببت فى ضجة إعلامية أدت إلى تراجع مبيعاتها في الصين.

وفي عام 2017،نشرت شابة أمريكية فيديو لهاتفها iPhone 7 plus وهو ينفجر بجوارها وهي نائمة، وفي عام 2018، نشرت صحيفة (الميرور) البريطانية فيديو لانفجار هاتف iPhone بين يدي شابة، في متجر لإصلاح الهواتف، مما تسبب في إصابتها بحروق خطيرة.

وغالبا ما تُبرر Apple تلك الحوادث بتعرض الأجهزة لحرارة عالية، أو استخدام شواحن غير أصلية أو وقوع الحادث في متجر غير تابع لها.

ما اعتبره البعض فضيحة إعلانية قد يكون وسيلة جيدة للدعاية، ويتحول الخطأ إلى فكرة خلّاقة وجديدة، وقد يكون خطأ بسيطاً وغير مقصود ولا يتطلب كل هذه الضجة، فالإعلانات تتضمن أحيانًا بعض الأخطاء البسيطة التي يتم الإفراط في تضخيمها لتتجاوز أهميتها الحقيقية.

مما يدعم ذلك أن الأمر قد أحدث ضجة ورواجاً، لكنه لم يُسبب أزمة أو يُقلل من المبيعات، فقد نفذت كمية الحجز المسبق من هاتف Nova 3i بعد 3 أيام فقط من إطلاقه.

الأمر المهم هو أنك إذا كنت تعتقد أن هذا الإعلان تم تصويره بالهاتف فأنت واهم أو غير مدرك لصناعة الإعلان، الذي يحتاج إلى أدوات وتقنيات لا توفرها الهواتف المحمولة، وإنما يتطلب كاميرات احترافية، وتقنيات متعددة، وأدوات بلاستيكية، وألوان غير طبيعية، ومواد صناعية؛ لتبدو الأطعمة لامعة وشهية، ولتبدو الألبان شديدة البياض، ولتعتقد أن المسحوق يزيل البقع بمجرد ملامستها، والسائل يزيل أصعب الدهون بنقطة واحدة، والسمن بطعم ورائحة الزبد البلدي، و«البرجر» حجمه عملاق كما تراه على الملصق الدعائي.

ببساطة… لقد رأيت أنهم يخدعونك، من المفترض أنك تعلم ذلك لكنك لا تراه، والآن قد رأيته. هذا كل ما في الأمر.