يجب على «وادي السيليكون» أن يقول لا للسعودية، ولمهامها القذرة المتعلقة بحجب الإعلام القطري.
تقرير على موقع «مؤسسة الجبهة الإلكترونية»

نشرت «مؤسسة الجبهة الإلكترونية» (the Electronic Frontier Foundation EFF) وهي منظمة غير ربحية تأسست مطلع التسعينيات لتُعنى بحماية البيانات الشخصية على الشبكة العنكبوتية، تقريرًا انتقد الضغوط التي تمارسها المملكة العربية السعودية على مواقع التواصل الاجتماعي من أجل الحد من حرية التعبير، قالت فيه إنّ شركات «وادي السيليكون» يجب أن تقول «لا للسعودية التي تستغل شبكات التواصل الاجتماعي لإنجاز مهامها القذرة المتعلقة بحجب الإعلام القطري»، مطالبةً بعدم الرضوخ لطلبات الحكومات التي تنتهك حرية الفكر والتعبير.

ويُعتبر «وادي السيليكون» منطقة استثمارية أمريكية ترقى لتكون العاصمة التقنية في العالم لاستضافتها المقرات الرئيسية لآلاف الشركات العملاقة العاملة في مجال التكنولوجيا المتقدمة، ومنها تنطلق مشاريع وأفكار وخطط وأبحاث مستقبلية، وتمتد المدينة على مساحة 110 كيلو مترات مربعة، وتشمل 28 مدينة وأربع مقاطعات، ويقطنها 2.5 مليون نسمة.

وتستقطب شركات وادي السيليكون أفضل العقول وخبراء التكنولوجيا من شتى بلدان العالم، وينحدر 50% منهم من قارة آسيا وتحديدًا من بلدان الصين، وباكستان، والفلبين، والهند، التي تمثل 6% من العاملين في شركات الوادي.

وخلال الأسابيع الأخيرة، قام موقعي «ميديوم»، و«سناب» بالخضوع لطلبات السعودية بحجب المحتوى الإعلامي في المملكة، مما يعتبر بالنسبة لـ «مؤسسة الجبهة الإلكترونية» أمرًا محزنًا أدى إلى زيادة الرقابة في ظل عدم قدرة الشركات على حماية حرية التعبير على منصاتها حول العالم.

وتعتبر السعودية بالنسبة لكثير من المراقبين الدولة العربية الأولى في ممارسة الرقابة على الإنترنت، ومهاجمةً لكل شيء بدءًا من الإعلانات وأغلفة الألبومات وصولًا إلى الإصدارات الصحافية، حيث نفذت المملكة خلال السنوات الأخيرة رقابة بعيدة المدى، واعتقلت مدونين معارضين بسبب منشوراتهم الإلكترونية.


الحجب والاختراقات: سلاح السعودية المُشهَر ضد قطر

بدأ كل شيء بعد أيام قليلة من اجتماع الرئيس ترامب في 22 مايو/آيار 2017 الماضي مع قادة الخليج في المملكة العربية السعودية، عندما نشرت وكالة الأنباء القطرية «قنا» تعليقات تنتقد الولايات المتحدة منسوبة إلى حاكم البلاد الشيخ «تميم بن حمد آل ثاني»، بينما أكدت قناة الجزيرة القطرية في وقت لاحق، أن موقع «قنا» تعرض للاختراق.

من هنا تصاعدت الأمور بسرعة، فبعد يومين فقط من قمة الرياض، حجبت وزارة الثقافة والإعلام السعودية، مواقع كل الصحف القطرية إلى جانب مواقع قناة شبكة «الجزيرة» التابعة للدوحة، وقامت السلطات الإماراتية والمصرية والبحرينية على ذات المنوال، بحجة «بث أخبار تحريضية والتشجيع على الإرهاب».

وبدورها، نشرت السعودية جيشاً إلكترونياً ضدّ الجزيرة ومؤيديها، وزادت الحكومة من طلبات الحجب، بينما رضخت لتلك الضغوط شركات وادي السيليكون، ففي يونيو/حزيران الماضي، استجاب «ميديوم» لطلبات الرياض لتقييد الوصول لمحتوى مواقع صحفية أمثال «العربي الجديد» و«الخليج الجديد»، كما خيّبت شركة «سناب» ظن ناشطي حرية التعبير، وذلك على خلفية تعاونها مع السعودية ضدّ إعلام قطر، فقد حجبت الشركة قناة الجزيرة من خانة «ديسكوفر» على تطبيق «سناب شات» بناءً على طلب حكومي سعودي.

وللأسباب سالفة الذكر دعت «مؤسسة الجبهة الإلكترونية» الشركات التابعة لوادي سيليكون بتقليل خضوعها للحكومات الأجنبية، خصوصاً غير الديمقراطيّة منها، مطالبةً المنصات الإلكترونية بعدم الوقوف إلى جانب النظام السعودي في معركة سياسية خطيرة تستهدف حجب الإعلام وعدم الالتزام بحرية التعبير.


أزمة الحجب القسري تحت ستار السياسة

ما تشهده دول الخليج ليست أزمة دبلوماسية فحسب، بل أزمة حرية التعبير في منطقة مقيدة بالفعل؛ لذا ظهر التوجه الخليجي لإغلاق قناة الجزيرة وغيرها من المواقع الصحفية، بزعم دعم قطر للإرهاب؛ تخوفًا من القناة القطرية التي تعتبر المنصة الإعلامية الرائدة في الوطن العربي، حيث تطرقت القناة لموضوعات غالبًا ما تتجاهلها المنافذ الأخرى، مما يعتبر سابقة خطيرة في بيئة شديدة التقييد لحرية التعبير، بحسب تقرير صادر عبر موقع «مؤسسة الجبهة الإلكترونية».

وتحت ذريعة «الجريمة السيبرانية» يسعى جيران قطر إلى ملاحقة أي شخص يتحدث بشكل إيجابي عن الدوحة، وقد هددت دولة الإمارات العربية المتحدة بالسجن لمدة 15 عامًا وفرضت عقوبات على كل من يظهر التعاطف مع قطر، بينما أعلنت وزارة الداخلية البحرينية عقوبة السجن لمدة تصل إلى خمس سنوات لمؤيدي الدوحة.

ومن جانبها،أدانت (EFF) قيام دول مجلس التعاون الخليجي بإسكات وسائل الإعلام القطرية، تحت ستار مكافحة الإرهاب، لافتةً إلى أن المزيد من قمع حقوق الإنسان ليس حلًا، كما وجهت نداءً إلى الشركات الإلكترونية العالمية بدعم البيئة الإعلامية في الوطن العربي، ومساعدتها على أن تصبح أكثر حرية.


وادي سيليكون: القوة السياسية الصاعدة في واشنطن

يا حكومات دول العالم الصناعية، يا عمالقة اللحم والحديد المنهكين، آتيكم أنا من عالم فضاء الإنترنت، الموطن الجديد للعقل والفكر.. إنني بالنيابة عن المستقبل أطلب منكم يا من عفى عليكم الزمن أن تتركونا وشأننا، فلا مرحباً ولا أهلاً ولا سهلاً بكم بيننا، إذ لا شرعية لكم في مكان تجمعنا.
جون بيري بارلو العضو المؤسس لـ «EFF»

في فترة التسعينيات، باكورة أيام شبكات الويب، ازدهرت شركات الإنترنت وانتعشت في وادي السيليكون بمراوغتها القانون وارتكاب التجاوزات ومخالفات اللوائح المنظِمة، وبالتزامن مع ذلك نشأت الروح التحررية التي نصت عليها مؤسسة الجبهة الإلكترونية في ميثاقها الذي أصدرته عام 1996 بعنوان «إعلان استقلال فضاء الإنترنت» الذي عادى كل أشكال التدخل الحكومي، لكن تلك الجهود قوبلت بتوجه قوي نحو الصعود السياسي على حساب حرية التعبير.

ومارست البنوك الكبرى وعمالقة الشركات الدوائية نفوذها الاقتصادي في واشنطن على مر العقود والسنوات الماضية، لكن قادماً جديداً تمكن بقفزة واحدة من تجاوز كل هؤلاء، إنه وادي السيليكون؛ ففي خلال السنوات الـ 10 الفائتة أغرقت كبريات الشركات التقنية عاصمة البلاد بأموال اللوبي، لدرجة أنها باتت الآن تتفوق على وول ستريت في إنفاقها بنسبة 2 إلى 1.

لقد أنفقت كل من (جوجل وفيسبوك وميكروسوفت وآبل وأمازون) 49 مليون دولار في أروقة اللوبي بواشنطن، كما أن لوادي السيليكون باباً دوّاراً لا يتوقف، يدخل ويخرج منه المسئولون التنفيذيون لشركاته في زيارات لا تنقطع إلى كبار مسؤولي الدولة على اختلاف مناصبهم.

وهناك في شارع K بواشنطن، مركز صناعة اللوبي والضغط السياسي، الذي يشمل معاهد الأبحاث والدراسات السياسية، ويعج بممثلي الشركات الضخمة، ويقضي أعضاء اللوبي وجماعات الضغط أوقاتهم في التكالب على أعضاء الكونغرس والتحليق حولهم من كل جانب، بغية التأكد من أن القوانين والتشريعات تخدم مصالحهم الخاصة.

ويمثل تمويل معهد الأبحاث واحدا من الأساليب العديدة التي تتبعها أقوى صناعات أمريكا في ممارسة نفوذها على صناع السياسة؛ فالشركة الأم لجوجل Alphabet، تبرعت بـ 21 مليون دولار لمعهد New America منذ عام 1999، ومعظم هذا العمل يتم على بعد ربع ميل فقط من البيت الأبيض.

وباتت الشركة الأم Alphabet تنفق الآن مبالغ طائلة على اللوبي، تفوق أي شركة أخرى، فبلغ إنفاقها 9.5 مليون دولار في النصف الأول من عام 2017 الجاري وحده، بينما وصل إنفاقها العام الماضي إلى 15.4 مليون دولار.

لقد أصبحنا في عصر الكلمة لشركات التكنولوجيا العملاقة التي تسيطر على صناعة اللوبي ومجموعات الضغط، فهي تستطيع بأموالها شراء كل ما تشتهيه من منافسة أضعف وضرائب أقل وولوج إلى بيانات بشكل أكبر، لدرجة تجعل المصالح تتغلب على أي اعتبارات مهنية وأخلاقية، كل ذلك يحدث في وقت تغرُب فيه شمس «وول ستريت» بينما يظل وادي السيليكون قطب التكنولوجيا الأمريكية مركزاً للقوة السياسية الصاعدة في واشنطن.