على هامش قمة مجموعة العشرين في الهند، تم الإعلان، يوم السبت الماضي، عن إطلاق ممر للشحن التجاري يربط الهند بأوروبا عبر المنطقة العربية، ويضم المشروع الهند والإمارات والسعودية والأردن وإسرائيل، وكذلك فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمفوضية الأوروبية، وقد يشمل اليابان.

ويمتد الممر الهندي الأوروبي (IMEC) لأكثر من 3 آلاف ميل ويتكون من ممر شرقي من الهند إلى الخليج العربي، وآخر شمالي يربط الخليج بأوروبا، وعند اكتماله على النحو المبين في مذكرة التفاهم التي وقعها البيت الأبيض، سيتم تقليل تكلفة النقل.

وتشمل الشبكة خط سكك حديدية وممرات ملاحية، إذ ستمتد من الهند عبر بحر العرب إلى الإمارات، ثم تعبر برًا إلى السعودية ثم الأردن ثم إسرائيل قبل أن تصل إلى أوروبا عبر البحر المتوسط، وسيشمل المشروع أيضاً كابلاً بحرياً وأنابيب لنقل الطاقة، وفي الستين يومًا القادمة، ستضع مجموعات العمل خطة أكثر تفصيلاً بتواريخ محددة.

ووصف الرئيس الأمريكي، جو بايدن، الاتفاق بأنه «تاريخي»، وقال إنه سيسهم في جعل منطقة الشرق الأوسط أكثر استقرارًا وازدهارًا، وبينت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أن الممر سيسرع التجارة بين الهند وأوروبا بنسبة 40%.

وهناك خطة لتدشين شبكة كهرباء متكاملة تعمل بالطاقة المتجددة في دول مجلس التعاون الخليجي يمكن أن تمتد إلى أوروبا والهند، ومن المتوقع أن يساعد الممر الهندي الإمارات على مضاعفة تجارتها غير النفطية بحلول عام 2031، وتهدف الإمارات إلى الوصول إلى صفر انبعاث كربوني بحلول عام 2050، وتستثمر في مشاريع الطاقة المتجددة.

انتقادات للمشروع

وُجهت انتقادات للمشروع ووُصف بأنه يمثل ضرب لقناة السويس وقد يتسبب في إفقار مصر عبر حرمانها من رسوم مرور التجارة بالقناة، وقد كشفت وسائل إعلام إسرائيلية أن مصر ستكون أكبر الخاسرين، خصوصًا بعد أن قفزت إيرادات قناة السويس في السنة المالية الأخيرة إلى 9.4 مليار دولار، بدلا من 7 مليارات في العام السابق في ظل الحاجة المتزايدة للنقد الأجنبي، لكن الفريق مهاب مميش، مستشار رئيس الجمهورية لقناة السويس، قال إن الممر لن يكون بديلا عن القناة لأنها أسرع الطرق فى النقل البحرى.

وقد كثرت في الفترة الأخيرة مشاريع لممرات شحن دولي تتجاوز قناة السويس ففي العام الماضي تم تدشين طريق تجاري من الإمارات إلى تركيا يمر عبر إيران، وفي الشهر الماضي انطلقت أول رحلة تجريبية لقطار حاويات من روسيا في طريقه إلى السعودية عبر إيران أيضًا ضمن مسار شحن بري جديد، وفي مايو/أيار الماضي وقعت روسيا وإيران اتفاقًا لتمويل وإنشاء خط للسكك الحديدية ضمن طريق الشمال-جنوب الذي يربط الموانئ الروسية على بحر البلطيق بالموانئ الإيرانية على سواحل المحيط الهندي والخليج العربي.

كما وُجهت لمشروع الممر الهندي الأوروبي انتقادات تتعلق بكونه مدخلا لتطبيع المملكة العربية السعودية علاقاتها مع إسرائيل في ظل محاولات الإدارة الأمريكية إتمام الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى صفقة ضخمة مع السعودية، قد تشمل تطبيع العلاقات بين تل أبيب والرياض قبل انطلاق حملة بايدن للانتخابات الرئاسية لعام 2024.

وقد ظهر رئيس الوزراء الاسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في مقطع فيديو للتعليق على المشروع ووصفه «بالتاريخي» معتبرًا أنه سيعيد تشكيل إسرائيل والمنطقة، وتحدث الإعلام الإسرائيلي عن التحضير لاتفاق آخر تتفاوض بشأنه مع المملكة العربية السعودية، يقضي بتوقيع واشنطن اتفاقية دفاعية مع الرياض ومساعدتها في إنشاء برنامج نووي مدني مقابل تطبيع المملكة علاقاتها مع تل أبيب وابتعادها عن الصين وروسيا.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ناقش في وقت سابق إمكانية إنشاء قطار يربط إسرائيل بالمملكة، لكن من المرجح أن يتوقف اتفاق التطبيع السعودي على تنازلات إسرائيلية كبيرة للفلسطينيين، ومن غير المرجح أن تقدم حكومة نتنياهو المتشددة تلك التنازلات.

منافسة الحزام والطريق

في حين يتنامى الدور الصيني بالمنطقة العربية التي تعد جزءًا أساسيًا من مبادرة «الحزام والطريق» تحاول إدارة بايدن منافسة هذا المشروع وعدم ترك فراغ للصينيين للتمدد فيه، لذا جاء مشروع ربط الهند بأوروبا بدعم أمريكي كبير.

ومن المتوقع أن تستفيد الهند وأوروبا من المبادرة الجديدة حيث تركزان على تسريع نمو اقتصاداتهما وتنويع مصادر التوريد بعيدًا عن الصين.

ووصف بايدن الشهر الماضي مبادرة الحزام والطريق الصينية بأنها «اتفاقية الديون والخناق»، التي تأمل الولايات المتحدة ومجموعة السبع (G7) في مواجهتها بالبدائل.

من المهم عدم النظر إلى المشروع على أنها مجرد منافس لمبادرة الحزام والطريق، فالدول المشاركة به مثل السعودية والإمارات، ترفض فكرة النظام العالمي ثنائي القطب الذي سيجبرها على الاختيار بين الصين والولايات المتحدة أو العكس، وتتجسد هذه الحقيقة في انضمام هاتين الدولتين مؤخراً إلى مجموعة البريكس التي تضم الاقتصادات الناشئة الكبرى.

ويمثل مشروع الممر الهندي نجاحًا لواشنطن، التي اجتهدت لتقديم بديل قابل للتطبيق لمبادرة الحزام والطريق لا يجبر الشركاء مثل الخليج والهند على الاختيار بينها وبين بكين.

ويُظهر المشروع أن الولايات المتحدة يمكن أن تعتمد على حلفائها العرب في جهودها لاحتواء صعود الصين، ولكن يظهر أيضًا كيف تحاول دول الخليج إيجاد توازن بين الولايات المتحدة والصين التي تحظى بعلاقات اقتصادية كبيرة جدًا معهم، كما تشارك السعودية والإمارات وكذلك إيطاليا في مبادرة الحزام والطريق الصينية، ويرى البعض أن قرار دول الخليج بالانضمام إلى المشروع الجديد قد يكون مدفوعًا أيضًا بتباطؤ الاقتصاد الصيني، مما دفعها إلى تنويع خياراتها.

ويعد هذا المشروع أيضًا أحد مظاهر التقارب الجيوسياسي والاقتصادي بين الهند والسعودية والإمارات، فالهند ثاني أكبر شريك تجاري للمملكة العربية السعودية، حيث وصل حجم التجارة الثنائية إلى 52.75 مليار دولار خلال الفترة 2022-2023، مما يرفع المملكة العربية السعودية إلى رابع أكبر شريك تجاري للهند، كما ارتفعت التجارة بين الهند والإمارات العربية المتحدة إلى 85 مليار دولار في عام 2022، مما يجعل الإمارات ثالث أكبر شريك تجاري للهند لعام 2022-2023 وثاني أكبر وجهة تصدير لها.

ويسلط المشروع الضوء أيضًا على حالة العلاقات الباكستانية الخليجية، حيث حولت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، الحليفتان القديمتان لإسلام أباد، ثقلهما الاقتصادي والجيوسياسي تجاه الهند.

وتهدف الهند إلى أن تصبح سلة غذاء الشرق الأوسط، وتقع إسرائيل في قلب هذا الهدف الطموح، وأنشأت وزارة الخارجية الإسرائيلية 29 مركزًا مشتركًا مع الهند لتحسين الإنتاج واستخدام المياه وتنوع المحاصيل.

وبينما يدرك الأمريكيون أن الهند لن تتماشى مع مصالحهم في الشرق الأوسط إلا بشكل جزئي، لكنها على الأقل لا تعمل على تقويض مصالحهم كما تفعل الصين، والأهم من ذلك هو أن نجاحاتها في المنطقة تعمل على تقويض نفوذ الصين الاقتصادي على المدى المتوسط والطويل.