ضجّت الأوساط الطبية في الأيام الماضية بالحديث عن السيدة البريطانية ذات الـ ٤٩ ربيعًا، والتي أكملت عاميْن دون سرطان الثدي، باستخدام علاج جديد يعتمد على تحفيز المناعة الداخلية للجسم ضد السرطان. تطوعت السيدة للقيام بتجربة العلاج الجديد بعد فشل دورات متعددة من العلاج الكيماوي في السيطرة على السرطان، وآتت التجربة أُكُلَها، وأصبحت هذه الحالة صفحة مهمة في تاريخ طويل من نضال الطب ضد المرض الخبيث كما يصفه الجميع.

ليس مستغربًا أن تحظى أي أخبار علمية تتعلق بالسرطان بتغطية إعلامية كبيرة، واهتمام ضخم، خاصة الأخبار من نوعية المذكور في الفقرة الأولى، والتي تنفخ بصيصًا من الروح، في حلم القضاء على المرض الذي أجمع البشر على وصفه بـ«الخبيث».

ينشأ السرطان عمومًا من نشاط غير طبيعي لبعض خلايا الجسم، فتتكاثر بشكل زائد على الحد، فتسبب فقد النسيج التابعة له لوظيفته الطبيعية. خلال فترة قصيرة أو طويلة، تنتشر الخلايا السرطانية مكانيًا، وعبر الأوعية الليمفاوية والدموية، إلى أعضاء أخرى بالجسم فتسبب تلفها. وقد تفرز في الدم مواد ضارّة، أو هرمونات غير طبيعية، تسبب اضطرابات في وظائف أعضاء الجسم.

سنخصص السطور المقبلة لبعض المعلومات الواجب أن يعرفها الجميع عن سرطان الثدي، إذ يعتبر السرطان الأكثر انتشارًا لدى النساء حول العالم، بنسبة ٢٥٪ من مجموع حالات السرطان في السيدات. في عام ٢٠١٢م وحده، سُجّلت ١.٧ مليون حالة سرطان ثدي جديدة، وسجلت كذلك أكثر من نصف مليون حالة وفاة بسببه.


1. هل يمكن تجنب حدوث سرطان الثدي؟

كمعظم السرطانات، لا يوجد سبب محدد لسرطان الثدي، بتجنبه، أو بالقضاء عليه، لا يحدث السرطان. لكن هناك بعض عوامل الخطر التي أظهرت الدراسات وجود علاقة بينها، وبين حدوث سرطان الثدي. للأسف فإن أغلب تلك العوامل، وأهمها، لا يمكن للمرء تغييرها، مثل :

1. كونك أنثى .. فهذا يزيد احتمالات حدوث سرطان الثدي 100 مرة مقارنة بالرجل.2. التقدم في العمر: خاصة فوق سن الأربعين. 3. تاريخ مرضي بالعائلة للإصابة بسرطان الثدي. فوجود إصابة به لدى إحدى قريبات الدرجة الأولى (الأم – الأخت…) يعني أن احتمالية الإصابة به الضعف.4. عوامل وراثية جينية: الجينات هي الوحدة الوظيفية لعواملنا الوراثية، وهي تمثل الرسم التخطيطي لبناء أنسجة أجسامنا، ووظائفها، ومستقبلها. هناك بعض التحورات الجينية ترتبط بزيادة فرص حدوث سرطان الثدي، وأشهرها BRCA 1 وBRCA 2. وهي تنتشر في بعض العائلات، وتزيد فرص حدوث السرطان عمومًا، وفي سن صغرى. وهناك تحورات جينية كثيرة أخرى يصعب حصرها. يمكن للتحاليل الجينية كشف هذه التحورات، لكن ليس من الممكن عمل كل التحاليل الجينية – باهظة التكلفة – لكل السيدات. إنما عند اكتشاف تكرر أحد التحورات في عدد من السيدات المصابات بالسرطان في عائلة ما، يتم عمل التحليل الجيني الكاشف لهذا التحور لدى باقي سيدات العائلة.5. إصابة سابقة لدى نفس الشخص بسرطان الثدي.6. البلوغ المبكر، وتأخر سن اليأس. نتيجة التعرض للهرمونات الأنثوية لمدة أطول.7. التعرض للعلاج الإشعاعي لسرطانات أخرى بالصدر.

في المقابل، هناك بعض عوامل الخطر التي يمكن التحكم فيها، وبالتالي تقليل فرص الإصابة بسرطان الثدي ولو قليلًا، مثل:

1. تناول الكحوليات.2. السمنة، خاصة بعد سن اليأس. وكذلك عدم ممارسة الرياضة ل ساعتين على الأقل أسبوعيًا. 3. عدم إنجاب أطفال. فالحمل والرضاعة الطبيعية تقطع الدورات الشهرية، فتقلل مدة التعرض الكلية للهرمونات الأنثوية على مدى العمر.4. موانع الحمل التي تحتوي على هرمونات.


2. الكشف المبكر = حياة

من المعلوم عن سرطان الثدي بالضرورة أن العامل الرئيسي المؤثر في احتمالات الوفاة بسببه هو توقيت اكتشافه وبدء التعامل معه. الكشف المبكر يعني أنه السرطان ما زال صغير الحجم، لما يتسنَّ له الانتشار بعد إلى العقد الليمفاوية، وأعضاء الجسم الأخرى، وبالتالي يمكن التعامل معه جذريًا بالجراحة، والتي يمكن أن تقتصر على الاستئصال الجزئي فقط للثدي المصاب، وجرعات أقل من العلاج الكيماوي والإشعاعي، وبالتالي تجنيب الجسم الكثير من الأضرار.

سرطان الثدي من أكثر أنواع السرطان في قابلية الانتشار في الجسم، وغالبًا ما يغزو المخ والرئة والعظام. والسرطان المنتشر في الجسم، لا يمكن استئصاله بجراحة، وغالبًا ما يحتاج إلى جرعات كثيفة من العلاج الكيماوي والإشعاعي.


3. كيف أكتشف وجود سرطان الثدي مبكرًا؟

حتى فترة قريبة، كان يُنصح بأن تقوم السيدات بالفحص الذاتي للثدي لاكتشاف وجود أي كتل غريبة به. لكن هذه الطريقة يعيبها عدم الموضوعية، فخوف السيدات من السرطان قد يدفع بعضهن لتكذيب نفسها فيما تحس به. في المقابل هناك العديد من الأسباب الحميدة التي قد تؤدي لوجود كتل بالثدي، مما سيعطي إنذاراتٍ كاذبة للكثير. وكذلك فإن بعض أنواع سرطانات الثدي تظل صغيرة الحجم جدًا، وغير مسببة لأعراض، رغم بداية انتشارها إلى العقد الليمفاوية وخروجها عن السيطرة.

للأسباب السابقة، تنصح الجمعية الأمريكية للسرطان عموم السيدات بعد سن 45 عامًا بإجراء أشعة الثدي ( الماموجرام) بشكل سنوي، لاكتشاف وجود سرطان الثدي مبكرًا، ويمكن بعد سن 55 عامًا إجراؤها كل عاميْن. لكن بالنسبة للسيدات المعرضات لخطر سرطان الثدي بشكل أكبر (تاريخ مرضي عائلي بأقارب الدرجة الأولى – وجود التحور الجيني BRCA – التعرض لعلاج إشعاعي بالصدر )، فتنصحهن الجمعية الأمريكية للسرطان بعمل الماموجرام وكذلك رنين مغناطيسي على الثدي كل عام ابتداءً من سن الثلاثين.


4. أعراض سرطان الثدي

أشهر الأعراض هو اكتشاف كتلة غير مؤلمة باللمس في الثدي، غالبًا ما يكون هذا مصادفة بحتة أثناء الاستحمام مثلًا، أو أثناء الكشف الذاتي بشكل دوري. أما الأعراض الأخرى فهي تغير في حجم الثدي، أو تغير في شكل ووضعية حلمة الثدي، وأهمها الحلمة الغائرة للداخل. وكذلك تورم الإبط أو الشعور بتضخم العقد الليمفاوية فيه. يحدث في بعض الحالات التهاب شديد وتورم عام في الثدي، مع تغير في لون الجلد، حتى يصبح شكل الثدي مثل ثمرة البرتقال. يسمى هذا بالسرطان الالتهابي.


5. وجدت كتلة غربية بالثدي.. ماذا أفعل؟

لا داعي للهلع. فـ 80% من الكتل بالثدي حميدة، وأكثرها تحدث بشكل ما مع الدورة الشهرية. ارجعي إلى الطبيب المختص للفحص، وعند اشتباهه في الكتلة، فسيطلب الأشعة. فإن كانت طبيعة الكتلة مريبة بالأشعة، فسيطلب أخذ عينة بالإبرة للتحليل، لتظهر بشكل قاطع محتوى الكتلة.


6. مراحل سرطان الثدي

أهم عاملين للحكم على خطورة سرطان الثدي، هو نوع الخلايا السرطانية والذي على أساسه يتحدد العلاج المناسب لكل نوع، وأهم منه مدى تقدم انتشار السرطان في الجسم، وهي باختصار شديد 5 مراحل أساسية:

المرحلة صفر: السرطان متركز في بعض فصوص وقنوات الثدي فقط.الأولى: قطره أقل من 2 مم، لكن بدأ ينتشر إلى العقد اللمفاوية الإبطية. الثانية: حجمه أقل من 20 مم ووصل إلى العقد اللمفاوية، أو يتراوح بين 20 و50 مم، ولم يصل للعقد الليمفاوية.الثالثة: انتشر في المزيد من العقد اللمفاوية، وجدار الصدر، وزاد في الحجم.الرابعة: انتشر في أعضاء أخرى بالجسم كالمخ والرئة والعظام… إلخ.

عند بدء العلاج في المرحلة الأولى تكون احتمالية النجاة في الخمس السنوات التالية فوق 99%، لكن في المراحل المتأخرة، تكون الاحتمالية أقل من 20%.


7. العلاجات المتاحة لسرطان الثدي

في المراحل الأولى يمكن الشفاء جذريًا بالاستئصال الجراحي الكلي أو الجزئي. لكن في الحالات المتقدمة لا يكفي العلاج الجراحي، ونكون بحاجة لاستكماله بالعلاج الكيماوي والإشعاعي، كما يتم عمل استئصال جراحي للعقد الليمفاوية الإبطية في حالة وصول السرطان لها.. هناك أنواع من سرطان الثدي تحفزها هرمونات الأنوثة كالإستروجين والبروجسترون، وهذه يمكن استخدام مضادات الهرمونات كعلاج مساعد فيها.

أما الاتجاه الجديد في العلاج، فهو العلاج المناعي كما في حالة السيدة البريطانية التي أشرنا إليها في البداية. ومن المتوقع في الأعوام المقبلة أن تحدث طفرات جديدة في هذا النطاق الجديد من العلاج.

انظر أيضًا: إعادة برمجة المناعة.. فتح جديد في طريق قهر السرطان


8. سرطان الثدي ليس قاصرًا على النساء!

سيتفاجأ الكثيرون بهذه المعلومة.. يمكن أن يصاب رجل بسرطان الثدي، وغالبًا ما يكون من الأنواع شديدة الخطورة. فجسم الرجل يحتوى على ثدي ضامر، يمكن أن يصاب بالسرطان، لكن لحسن الحظ فهو نادر الحدوث مقارنة بالسيدات.

أخطر ما في الأمر هو أن التشخيص غالبًا ما يكون متأخرًا للغاية، فهو خارج دائرة الاحتمالات المعتادة للسرطانات في الرجل. وتزداد فرص حدوثه في حالة وجود تاريخ مرضي عائلي – للسيدات أو الذكور – بسرطان الثدي، وفي الرجال المصابين بتضخم في الثدي نتيجة السمنة المفرطة، أو الاضطرابات الهرمونية أو الفشل الكبدي المتقدم الذي يسبب زيادة نسبة هرمون الأنوثة – الإستروجين – لدى الرجل. وكذلك الأمراض التي تسبب تلف الخصية، كالالتهاب أو السرطان. ويكون العلاج حسب نوع الخلايا السرطانية، ومدى تقدم انتشارها في الجسم.