في إحصاء قمنا به خصيصًا قبل كتابة هذا الموضوع، تبيّن لنا أن الأشهر القليلة المنصرمة من العام الحالي، وبالتحديد في الفترة من شهر فبراير/شباط إلى أغسطس/آب عام 2018، شهدت وقوع 29 جريمة قتل للأبناء على يد أحد الأبوين أو شركائهما الحميميين، استثنينا من هذا الرقم جريمتا مذبحة الرحاب، وطفلي فارسكور، لوجود شبهة عدم تأكد فيما نشر عنهما، وقضية أطفال المريوطية المقتولين بفعل الإهمال.

وينبغي التمييز هنا بين نوعين من جرائم قتل الأبناء: الأول، جرائم قتل غير مقصودة؛ بمعنى ضرب الطفل أو الابن بغرض تأديبه وخروج الأمر عن السيطرة ووفاته. أمّا الثاني، وهو أكثر انتشارًا، فيتمثل في قتل الأطفال عقب رحلة مروعة من التعذيب، أو حتى التمثيل بالجثث عقب القتل، وهو الأمر الذي ينبغي التحذير منه لئلا تتفاقم الأمور.

من خلال رصدنا لجرائم قتل الأطفال على أيدي أحد الأبوين أو كليهما، نفذ الآباء 17 من بين هذه الجرائم؛ مقابل 4 جرائم نفذتها الأمهات، و4 جرائم نفذتها زوجة الأب، وجريمتين ارتكبهما عشيق الأم، وجريمتين للأب وزوجة الأب.


أسباب جرائم قتل الأبناء

من بين أغرب أسباب هذه الجرائم؛ قتل أم لطفلتها -13 عامًا- أثناء تعليمها الأعمال المنزلية، وجريمة أخرى قتل فيها الأب طفلته -5 سنوات- بماسورة مياه بداعي انخفاض مستواها التعليمي في الحضانة، كما قتل رجل طفلته -9 سنوات- في أسوان لكثرة لهوها في المنزل.

سبق أن تحدثنا عن تأثير الأزمات الاقتصادية على استقرار الأسرة وانتشار الجريمة بها في موضوع سابق، لكن في رصدنا هذا نحن بصدد أمر مختلف أو أكثر تعقيدًا؛ فثلاث جرائم ارتُكبت بدافع ضيق ذات اليد أو الخوف من المستقبل، لكن بدرجة مبالغ بها، فقد أقدم عامل في مصر القديمة على قتل ابنته -9 سنوات- بعصا حديدية لطلبها «كيس شيبسي»، واعترف بفعلته من دون إبداء ندم؛ معللًا ذلك بأنها «ارتاحت من الفقر».

فيما قام نجل الفنان المرسي أبو العباس في جريمة بشعة هزت المجتمع المصري بقتل زوجته وطفلتيه، مدعيًا تعثره ماليًا وخشيته عليهم من المستقبل، وقتل أب «ستيني» نجلته بعد أن رفضت إقراضه مبلغ 200 جنيه!

وعلى جانب آخر، وبدلًا عن نزاع الآباء على من يحتفظ بالأطفال عند حدوث خلافات زوجية قديمًا، رصدنا ارتكاب 6 جرائم قتل للأبناء بسبب الخلافات الزوجية أو الشك في سلوك الزوجة أو الرغبة من الانتقام من الشريك أو التخلص من أي رابط معه؛ حيث أقدم رجل على ذبح ابنه انتقامًا من زوجته التي طلبت الطلاق منه، وعذب آخر طفلته -3 سنوات- بإطفاء السجائر في جسدها حتى الموت انتقامًا من طليقته.

وقتل مصري آخر طفلته بسبب شكه في سلوك زوجته، وأقدم رابع على قتل زوجته وأبنائه الثلاثة حرقًا في المنيا بسبب الخلافات الزوجية، وأشعل أخير النار في شقة الزوجية للتخلص من زوجته وأبنائه وأهل الزوجة، ما أدى لوفاة اثنين منهم وإصابة 11 آخرين، كما ذبح سائق توكتوك زوجته وسمم أبناءه الأربعة وانتحر بسبب الشك في سلوك الزوجة.

ووقفت العلاقات غير المشروعة وراء 4 جرائم؛ فاشتركت أم مع ابنتها وخطيبها في قتل طفلها – 5 سنوات- بعد أن رآهم في علاقة جنسية آثمة. كما أقدمت أخرى على قتل طفلها -5 سنوات أيضًا- لكثرة بكائه أثناء ممارستها الرذيلة مع عشيقها، وللسبب نفسه أقدم رجل على ضرب ابنة عشيقته -3 سنوات- حتى الموت، فيما قتلت أرملة رضيعها من سفاح خشية افتضاح أمرها.

بالطبع في كل جريمة قتل يرتكبها أحد الأبوين في حق طفل يقف المرض النفسي وراءها بدرجة ما، وإن لم يكن سببًا رئيسًا، إلا أن جريمة واحدة فقط مما رصدنا كان السبب المباشر فيها هو المرض النفسي أو العقلي؛ وذلك حينما ألقى عامل رضيعته -5 أيام- أرضًا لتصاب بكسور ونزيف متعدد وتتوفى في الحال.

رغم أن التبول اللا إرادي مرض فإنه وقف سببًا وراء جريمتين ارتكبتا بمنتهى القسوة، الأولى نفذها أب وزوجته بحرق طفله -4 سنوات- بالنار عقابًا على هذا الفعل، والثانية عندما أقدمت زوجة أب وابنتها بالتعدي بالضرب حتى الموت على نجلة زوج الأولى الشابة المصابة بنفس المرض، لعدم رغبتهما في رعايتها بسببه.

الأمر نفسه بالنسبة لمرض السرقة المنتشر بين الأطفال؛ حيث تسبب في اثنتين من حوادث قتل للأبناء التي سبقها الكثير من التعذيب الوحشي؛فعذب أب في الشرقية ابنه -11 عامًا- بالماء المغلي حتى توفي مدعيًا سرقته 200 جنيه، كما عذب أستاذ جامعي ابنه -14 سنة- بالضرب حتى الموت بسبب سرقة 400 جنيه.

بعد كل ما سبق تجدر الإشارة إلى وجود عوار قانوني يساعد على تفاقم مثل هذه الجرائم البشعة؛ إذ تنص الفقرة الأولى من المادة 263 من قانون العقوبات المصري والمعدلة بالقانون رقم 95 لسنة 2003، على أنه:

وهي المادة المعتمد عليها غالبًا في قضايا قتل الأبناء.


قتل الأبناء عالميًا

كل من جرح أو ضرب أحدًا أو أعطاه مواد ضارة، ولم يقصد من ذلك قتلًا ولكنه أفضى إلى موته، يُعاقب بالسجن المشدد أو السجن مدة تتراوح بين 3 و7 سنوات.

وكانت دراسة سابقة أجريت حول قتل الأبناء في الولايات المتحدة على مدى ثلاثة عقود في الفترة من 1976 حتى 2007، بينت أن هذه الحوادث تكررت 500 مرة في العام الواحدة؛ 72% من الضحايا كانوا أقل من 6 سنوات، وثلث الضحايا كانوا أقل من عام. وتبيّن أيضاً أن نسبة 57.4% قُتلوا على يد الآباء، و42.6% قُتلوا على يد الأمهات، وفي 90% كان القاتل الآباء البيولوجيين، و10% فقط القاتل هو زوج الأم أو زوجة الأب.

وسعت دراسة أخرى لجامعة Swinburne University في ملبورن، لتحليل 155 عملية قتل ارتكبها 97 والدًا في أستراليا بين عامي 2000 و2011، وقسمت الجناة إلى خمس فئات من الآباء القتلة؛ زوج الأم المقيم مع الأبناء أو شريك الأم «العشيق»، الأب المنفصل، الأم الوحيدة العزباء single mother، الأم «المرتبطة» التي لا تزال في وحدة الأسرة، والأب المرتبط.

وكشفت نتائج الدراسة أن زوج الأم أو عشيقها كان الأكثر عنفًا وتعذيبًا للأطفال ووحشية في قتلهم وأكثر شذوذًا وغرابة في أسباب القتل: مثل عدم رغبة الطفل في النوم، ونادرًا ما يشعر بالذنب أو يندم على فعلته، أما الأب المُطلَق فكان أكثر ميلًا لقتل أعداد أكبر من الأبناء، أي طفلين فأكثر، وخاصة للرغبة في الانتقام من الأم، أو بسبب النزاع على حضانتهم ونفقاتهم. كما تبيّن أن 27% من الآباء القتلة في أستراليا قتلوا أنفسهم بعد فعلتهم هذه.

أمّا الأم العزباء فعادةً ما تقتل طفلًا واحدًا، ويكون السبب في الأغلب «المرض العقلي»، وتستخدم الخنق. بينما الأم المرتبطة فغالبًا ما يكون بسبب المرض النفسي والضغوط والرغبة في التخلص مما يربطها بالزوج، وتميل لخنق الأطفال أيضًا، وأخيرًا الأب المرتبط، وعادةً ما يكون مدمنًا أو لديه تاريخ من العنف ضد الشريكة والأبناء.

ورغم أن الأبوة والأمومة غريزتان فطريتان من أنبل ما يكون، فإن هناك أشخاصًا كثرًا هذه الأيام لا يستحقونها، أو ربما حتى لا يدركون قيمتها؛ إما نتيجة للإنجاب من دون رغبة، أو دون سابق تأهيل واستعداد، أو بسبب تفكير البعض بأن أبناءهم صنيعتهم التي يحق لهم استباحتها كيفما شاءوا.