محتوى مترجم
المصدر
Politico Magazine
التاريخ
2016/10/18
الكاتب
آنا نيمستوفا

شبهت الصحفية الروسية «آنا نيمستوفا» دول الاتحاد السوفيتي بـ«أرض البلطجية» نظرًا لما يمارسه ساسة تلك الدول من تنكيل وقمع للمعارضة طيلة العشرين عامًا الأخيرة بما فيهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ولا ترى الصحفية الروسية أن مرشح الحزب الجمهوري في الانتخابات الأمريكية دونالد ترامب بالشخص الغريب على هذا التنكيل أو القمع فتصريحاته تنذر باحتمالية حدوث هذه الأمور حال انتخابه رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية.

وأوضحت نيمستوفا في خطاب لها نشرته مجلة بوليتيكو الأمريكية تحت عنوان «في أرض الفتوّات.. يبدو ترامب مألوفًا» أن مرشحة الحزب الديمقراطي في الانتخابات الأمريكية هيلاري كلينتون شبهت ترامب بأنه أشبه ببلطجية هوليوود. لكن نيمستوفا ترى أنه يشبه فعليًا البلطجية الذين يحكمون دول الاتحاد السوفيتي على الأقل في العشرين عامًا الماضية.

واستشهدت نيمستوفا بالحملة الإعلانية التي شنّتها كلينتون مؤخرا والتي شبهت خلالها ترامب بالبلطجية المشهورين في هوليوود مثل شخصية بيف في فيلم «العودة إلى المستقبل». غير أن نيمستوفا تشير إلى أن كلينتون كانت ستغدو أكثر واقعية إذا ما شبهت ترامب ببلطجية -حقيقيين- موجودين على أرض الواقع كحكام دول الاتحاد السوفيتي سابقًا.

وقالت نيمستوفا: «أعرف جيدًا شخصية ترامب، هو رجل متعجرف يرى نفسه أكبر من الحياة وترتسم على وجهه تكشيرة كبيرة، ويعتقد أن الجميع في أمريكا ينبغي أن يكونوا مبهورين بشخصيته وليس النساء فقط، لكننا نعيش مع هذه الشخصية منذ عام 2000م وهي شخصية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين و«بوتينيين» صغار في الدول المجاورة لنا».

وأوضحت أنه خلال المناظرة الثانية بين ترامب وكلينتون والتي جرت في وقت سابق من الشهر الجاري، عندما أخبرها ترامب أنه سيضعها في السجن في حال انتخب رئيسًا، كان لكلماته وقعًا مخيفًا على الكثير منا في هذا الجزء من العالم.

ولفتت نيمستوفا إلى أنها تعيش في بلد يسودها الاضطهاد والثأر السياسي، الذي يدمر حياة البشر ويشوه سمعتهم ويسهِم في إبطاء تطور الدول. المعروف أن القادة الذي يحملون فكر جهاز المخابرات الروسي (كي جي بي)، المكان الذي ترعرع به بوتين، انتقاميون. فعلى مدار عقود وحتى الآن انتهت جلسات استماع المحاكم السياسية في قضايا ضد المعارضة وقادة بالحكومة السابقة إلى أحكام بالسجن واغتيالات داخل روسيا وأوكرانيا وجورجيا وأذربيجان وبيلاروسيا ودول وسط آسيا، ونطلق على مثل هذه التهديدات وفترات السجن التي تعقبها «القمع السياسي».

وأوردت نيمستوفا تصريحًا لأليكساندر تشيركاسوف رئيس المركز التذكاري لحقوق الإنسان بموسكو حيث قال: «إن ترامب يسير على غرار حكام أذربيجان وأوزبكستان ودول أخرى في فترة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، والذين أعماهم الانتقام من الساسة في بلادهم لينتزعوا كل ما يؤهل هؤلاء الساسة لمنافستهم، وكانت النتيجة النهائية هي حرمان بلادهم من فرصة رؤية النظام الحاكم في حالة تحدي ومنافسة من قبل ساسة آخرين».

وألمحت أيضا إلى مقابلة سابقة أجرتها مع أحد أشهر المعارضين في روسيا وهو السجين السياسي السابق ميخائيل خودوركوفسكي حيث قال «إن خطاب ترامب جعله يشعر بالقلق حول مستقبل الولايات المتحدة وانتهاك الديمقراطية من خلال ممارسة الثأر السياسي».

وكان خودوروكوفسكي، وهو أغنى رجل في روسيا، قضى فترة بالسجن قوامها 10 أعوام بعد أن وجهت السلطات له اتهامات بالتهرب الضريبي والاختلاس، لكنه يرى أن تلك القضية تندرج تحت مسمى «الاضطهاد السياسي». ويُجبر خودوروكوفسكي الآن على العيش في المنفى لأن القيادة الروسية لا تزال تريده سجينًا، حيث أدانته محكمة روسية العام الماضي غيابيًا للمرة الثالثة وهذه المرة كانت التهمة هي القتل.

وقال خودوروكوفسكي: «ما جعلني قلقًا ليس أنهم سيرسلونني إلى السجن مجددًا، بل لأن المحكمة التي أصدرت الحكم ليست مستقلة، ولأن شخصًا آخر هو من يحدد ذلك». ونوهت إلى أن ثمة بُعد آخر للبلطجة السياسية الممارسة من قبل هؤلاء الرؤساء ألا وهو قمع حرية الرأي كرد لما يقال من انتقادات بحق الرئيس أو البلطجي على حد وصف نيمستوفا.

وبالنظر إلى الطريقة التي هاجم بها ترامب وسائل الإعلام وفي بعض الأحيان بشكل شرس، كان على الصحف الأمريكية التي تغطي حملة ترامب الانتخابية أن ترافقها الشرطة حفاظًا على سلامة أفرادها، ما يشير إلى أن ترامب قد يفضل التخلي عن التعديل الأول بالدستور (الذي يمنع صياغة أي قوانين تحظر التعدي على حرية الرأي والصحافة وحريات أخرى) ويفعل ما فعله بوتين.

وضربت نيمستوفا مثالا بقضية نادية تولوكونيكوفا، أحد أعضاء فريق «بوسي رايوت» النسائي المناهض لبوتين والتي تلقت حكما بالسجن بتهمة ارتكاب «أعمال شغب» بعد أداء حفلة غنائية. وفي مقابلة أجرتها نيمستوفا مع تولوكونيكوفا قالت خلالها الأخيرة «إن كلمات ترامب التهديدية كانت مألوفة، وتُعد أعراضا خطيرة للاستبداد، الأمر الذي قد يحدث تغييرا حتميًا داخل المجتمع الأمريكي».

وتابعت تولوكونيكوفا «إن أمثال ترامب أو بوتين لا مكنهم البقاء آمنين ولا يستطيعوا الصمود أمام المنافسة المتكافئة، لا ينبغي أن يحكموا دولا لأنهم غير راشدين».

وأضافت تولوكونيكوفا، التي تعمل حاليًا في تأليف أغاني وأفلام سياسية بلوس أنجلوس: «بالعودة إلى ما فعله بوتين لنا، أعتقد أن أي حاكم رشيد لم يكن ليسمح بإرسالنا إلى السجن، فذلك الأمر أضر بنا كثيرًا». ومنذ اعتقالات فريق «بوسي رايوت» واحتجاز أكثر من 12 ناشط في الفترة بين عامي 2011م و 2012م واغتيال زعيم المعارضة بوريس نيمستوف أمام الكريملين، أصبحت الاحتجاجات المناهضة لبوتين نادرًا ما تحدث داخل روسيا. وتقول زهانا نيمستوف نجلة بوريس: «إن أي تصريحات ضد بوتين تُفسر على أنها نشاط سياسي ومحاولة لإلغاء الدستور».

وأوضحت نيمستوفا أن بوتين لعب دور البلطجي/الفتوّة عددًا من المرات في الخارج أيضًا وليس في الداخل فحسب، حيث سبق وأن هدد ميخائيل ساكاشفيلي رئيس جورجيا والمناهض لكل ما له علاقة بالمخابرات الروسية.

وأثناء إدلاء بوتين بتصريحاته تلك في أغسطس/آب عام 2008م، كانت مجموعة من الصحفيين تجري مقابلات مع قادة بالجيش الروسي كانوا يقومون بوضع دباباتهم على مشارف العاصمة الجورجية تبليسي. وفي أعقاب حرب استمرت طيلة أسبوع بين جورجيا وروسيا، خسرت الأولى 20% من أراضيها وعانى آلاف الأشخاص من الصراع على مدار الأعوام التالية.

وأوضحت نيمستوفا أن ساكاشفيلي، المحافظ الحالي لمقاطعة أوديسا الأوكرانية، لا يزال يعيش في المنفى لأنه أصبح مطلوبًا داخل بلاده لكن هذه المرة لم يكن بوتين هو من يهدده بل حاكم ظِل آخر موال لبوتين هو بيدزينا إيفانيشفيلي الذي شرع في عمليات انتقام سياسي منذ أن جاء إلى سدة السلطة في عام 2012م.


أما رئيس الوزراء الجورجي الجديد إيراكلي جاريباشفيلي فقد وصف حزب ساكاشفيلي «الحركة القومية المتحدة» بأنها منظمة إرهابية، أعقب ذلك عشرات الأحكام بالسجن على أعضاء الحزب فيما يخضع ساكاشفيلي نفسه في الوقت الحالي للتحقيق بتهمة الفساد.

والآن فقد سيطرت النزعة القومية على الأرض وحتى هؤلاء الذين كانوا جزءًا من فريق ساكاشفيلي وسعوا إلى الانفتاح وإصلاح جورجيا، قاموا بالالتفاف حول البلطجية.

رئيس البرلمان الجورجي والحليف السابق لساكاشفيلي نينو بورجانادزه قال في مقابلة مع نيمستوفا الأسبوع الماضي: «إن السجن هو المكان الذي ينتمي إليه ساكاشفيلي، وفي حال لم توقفه الشرطة على الحدود، فالآلاف من أنصاري سيمسكون به حال عبوره للحدود».

ونوّهت نيمستوفا أنه ينبغي على ترامب أن يعلم أن تصريحاته الفضفاضة عن القمع يمكن أن تغرق حياة الكثير من الأشخاص وأن يتحقق ذلك فعليًا .. لافتة إلى مقابلة أجرتها الأسبوع الماضي مع ناستيا بيندوكيدزي (26 عاما) في العاصمة الجورجية تبليسي حيث كان والدها وزير اقتصاد سابق وهو كاخا بيندوكيدزي ويمتلك جامعتين خاصتين وكان أحد الإصلاحيين البارزين في جميع الدول الـ 15 بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، لكنه تلقى تهديدات بالسجن من رئيس الظل إيفانيشفيلي.

واضطر كاخا بيندوكيدزي إلى الهروب من بلاده لكنه توفي بعد أن حصل على حق اللجوء السياسي في بريطانيا. وقالت نجلته ناستيا: «أعتقد أن الاضطهاد السياسي هو من قتل والدي حيث كان يدرك أن صحته ضعيفة للغاية وأنه لن يستطيع النجاة من السجن، لكن لسوء الحظ لم يستطع تحمل الحياة في المنفى أيضًا، فضغوط تركه لبلاده وأرضه وممتلكاته تسببت في وفاته».

وألمحت نيمستوفا إلى «بلطجي» آخر على حد وصفها وهو الرئيس الأوكراني الأسبق فيكتور يانوكوفيتش، الذي لم يستطع الصمود أمام المنافسة السياسية، وشن حملة انتقامية في عام 2011م ضد خصمه الأبرز رئيسة الوزراء السابقة يوليا تيموشينكو والتي حُكِم عليها بالسجن 7 أعوام وقضت 3 أعوام خلف الأسوار حتى اعترفت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بأن قضيتها مسيّسة.


انتهاك الديمقراطية لا يحدث على الفور، فالبلطجية السياسيون يستغرقون وقتًا للوصول إلى ذلك، والدليل أن بوتين نجح في الانتقاص تدريجيًا من حرية التعبير حتى زالت ولم يعد لها أثر. الكلمات الغامضة التهديدية لترامب تذكرني بفيكتور شينيديروفيتش الساخر الروسي المعروف في أول لقاء له مع الرئيس بوتين والتي يعود تاريخها إلى عام 2001م. شينيديروفيتش ومجموعة من الصحفيين العاملين بقناة (إن تي في) المستقلة جاءوا إلى الكرملين ليطلبوا من بوتين الاهتمام بقضية زميلهم مدير مؤسسة ميديا موست الإعلامية أنطون تيتوف الذي حُكِم عليه بالسجن لأسباب غير واضحة.

وقال شينيديروفيتش: «لقد أخبرنا بوتين أن تيتوف كان رهينة وتم استجوابه طيلة 16 ساعة دون انقطاع، وردًا على ذلك سمعنا منه محاضرة مطولة لنصف ساعة عن سيادة القانون والمحاكم المستقلة، والتي ليس للرئيس أي نفوذ عليهم». بعد ذلك، قام أفراد ملثمون من القوات الخاصة باقتحام مقر تليفزيون (إن تي في) وكانت تلك بداية النهاية لحرية التعبير داخل روسيا.

وأضاف شينيديروفيتش «في البداية سنجد ترامب يتوعد بوضع معارضيه في السجن ثم يغلق وسائل الإعلام المستقلة ومن ثم يسيطر على المحاكم وبعد أعوام قليلة يهدد العالم بإلقاء قنبلة نووية». ومع ذلك، فالعديد من منتقدي ترامب في هذا الجزء من العالم يعتقدون أنه حتى وإن تم انتخابه ونفذ تهديداته ضد معارضيه وضد حرية التعبير، فسيعيش أوقاتًا أكثر صعوبة عن بوتين.

أما زهانا نيمستوف، التي تعيش حاليًا في ألمانيا وتعمل لدى شبكة «دويتشه فيله» الألمانية، فتعتقد أن العدالة والديمقراطية الأمريكية أكبر وأقوى من تهديدات ترامب. فالمحاكم تحظى باستقلالية داخل الولايات المتحدة، لذا فلن يكون للسلطة التنفيذية نفوذ على اتخاذ القرار.


واختتمت آنا نيمستوفا خطابها للمجلة بالقول «إن العديد من الروس كانوا يعتقدون أن محاكمهم مستقلة أيضا، حتى سيطر البلطجية/الفتوّات على زمام الأمور!»