مثلما يحدث في فصل الصيف من ارتفاع لدرجات الحرارة وتعرض الأشخاص لأمراض متعددة و حالات وفاة نتيجة شدة الحرارة؛ فإن الأمر لا يختلف كثيرًا في فصل الشتاء. فمنذ بضعة أسابيع شهدت العاصمة الروسية موسكو موجة من البرودة الشديدة لم تشهدها منذ نحو 120 عامًا؛ حيث بلغت درجة الحرارة فيها إلى نحو 30 درجة مئوية تحت الصفر ليلًا، وفي مدينة ديميتريف شمال العاصمة موسكو وصلت درجة الحرارة إلى قرابة 28.8 درجة مئوية تحت الصفر.

أما في بولندا فقد توفي 10 أشخاص نتيجة شدة البرودة حيث وصلت درجة الحرارة إلى 20 درجة مئوية تحت الصفر.

وفي رومانيا أعلنت وزارة الصحة وفاة 8 أشخاص خلال موجة الصقيع التي ضربت البلاد، وتم تعطيل المدارس في معظم المحافظات للحفاظ على سلامة الأطفال. وفي العاصمة بوخارست وصلت درجة الحرارة إلى نحو 32 درجة مئوية تحت الصفر.

وبمتابعة أحوال الطقس يومًا بعد يوم؛ يبقى السؤال الأهم: مالذي يتسبب في موجات البرد القاسية، وما الذي يقترحه علماء المناخ لتفسير قسوة الشتاء سنة بعد أخرى؟

في بحثٍ أجراه فريق دولي من علماء الطقس والمناخ مثل البروفيسور «إدوارد حنا، وريتشارد هول» في جامعة تشيفيلد، والبروفيسور «جيمس إي برا» في الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA)؛ وجد الفريق أن ارتفاع درجات الحرارة في القطب الشمالي قد يؤثر بشكلٍ كبير على موضع «التيار النفاث – Jet stream» الذي يُرجح بأنه المتسبب في قسوة الطقس في فصل الشتاء.

وحول هذه القضية؛ انقسمت آراء العلماء لمجموعتين كل واحدة منهم تعتمد رأيها في أسباب قسوة الطقس شتاءً؛ حيث ذهبت المجموعة الأولى منهم إلى الإعتقاد بأن التقلبات الطبيعية في موضع التيار النفاث قد تتسبب في وجود أنماط من الطقس شديد البرودة الطقس في فصل الشتاء مثلما شهدتها أماكن متفرقة من العالم في شرق الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة.

أما المجموعة الأخرى من العلماء؛ فيجدون أنه ربما تكون هناك صلة بين ارتفاع درجة حرارة القطب الشمالي – مثل ذوبان الجليد البحري، وارتفاع درجات الحرارة الجوية، وارتفاع درجة حرارة سطح البحر – والنمط القاسي للطقس في فصل الشتاء.


ماهو التيار النفاث – Jet stream وكيف يعمل؟

http://gty.im/468201030

التيار النفاث – Jet streams هو نطاق من التيارات الهوائية التي تتحرك بسرعة تصل إلى أكبر من 100 كم/ الساعة، ويمكن أن تزيد على 300 كم/ الساعة، أما طول التيار نفسه فيمكن أن يصل متوسطه إلى نحو 4800 كم.

تحدث هذه التيارات في طبقة الغلاف الجوي القريبة من الأرض (التروبوسفير الأعلى) على ارتفاعات مختلفة تتراوح من 10 إلى 15كم؛ وتتحرك في شكل موجات حول نصفي الكرة الشمالي والجنوبي.

لا تأخذ التيارات النفاثة مسارات ثابتة لتدفق الرياح بسبب أن هذا التدفق يتحرك ببطء نوعًا ما، وتبدل الرياح مواقعها باستمرار، وتتحرك رأسيًا وأفقيًا، هذه التغيرات في الحركة تعمل على تغيّر أنماط الطقس.

كما تعمل التيارات النفاثة على فصل الكتل الهوائية الدافئة عن الكتل الهوائية الباردة، ويختلف موضع هذه الكتل باختلاف الفصول.

أما عن أنواع التيارات النفاثة؛ فهي ثلاثة أنواع:

  1. التيار النفاث القطبي

يقع هذا التيار بين خطي عرض (30 – 60) درجة في نصف الكرة الشمالي، ويتحرك من جهة الغرب إلى الشرق، كما يتغير موقعه كثيرًا بحيث لا يظهر على خرائط الطقس، ويضعف نشاطه أثناء فصل الصيف ويتحرك بعيدًا إلى جهة الشمال.

  1. التيار النفاث شبه المدراي

يتحرك هذا التيار في اتجاه الشرق، ويضعف أيضًا أثناء فصل الصيف، ويتحرك بعيدًا إلى جهة الشمال.

  1. التيار النفاث الإستوائي

لا يدور هذا التيار حول الأرض مثل التيارين السابقين، وإنما يوجد فقط في جنوب شرقي آسيا وإفريقيا، وفي فصل الصيف فقط، ويتحرك من جهة الشرق إلى الغرب.

كما يوجد تيارات نفاثة أخرى تقع على ارتفاعات أعلى من تلك التيارات التي توجد في طبقة التروبوسفير.

على سبيل المثال؛ يوجد التيار النفاث القطبي الليلي في طبقة الغلاف الجوي العليا التي تعلو طبقة التروبوسفير، ويتحرك في اتجاه الشرق ويحدث فقط في فصل الشتاء.


كيف يؤثر سلوك التيار النفاث على الطقس؟

http://gty.im/476446425

نتيجة للدراسات السابقة لفريق العلماء من جامعة تشيفيلد والإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي؛ أظهرت أن سلوك التيار النفاث يؤثر على تغيّر برودة الطقس.

فعندما يكون سلوك التيار متموّجًا؛ فإنه يُولّد مجموعة من موجات الطقس شديد البرودة، التي تُغرق الجزء الجنوبي من القطب الشمالي داخل خطوط العرض المتوسطة، وتستمر هذه الموجات شديدة البرودة لأسابيع في كل مرة.

أما عندما يتدفق التيار النفاث بقوة من جهة الغرب إلى الشرق ولا يكون متموجًا؛ فإننا نميل إلى رؤية المزيد من الطقس الشتوي العادي في البلدان التي تقع داخل خطوط العرض المتوسطة.

على سبيل المثال؛ ما حدث خلال شتاء عامي 2014 – 2015 الذي شهد مستويات قياسية لتساقط الثلوج في مدينة نيويورك.

يقول البروفيسور «حنا» أحد المشاركين في هذه الدراسة:

«لقد كان لدينا سنوات تأثرت برياح من التيار النفاث المتموج وغير المتموّج، لكن خلال العقدين الأول والثاني الأخيرين؛ وجدنا أن ارتفاع درجة حرارة المنطقة القطبية الشمالية يُمكن أن يكون قد تم تضخيمها – أو زيادتها – نتيجة لتغيّر أنماط تموجات التيار، وربما ساهم ذلك في ظهور طقس من الشتاء القاسي في الفترة الأخيرة على طول الساحل الشرقي للولايات المتحدة، وفي شرق آسيا، وأحيانا أنحاء المملكة المتحدة.»

وأضاف:

«أن تحسين قدراتنا على التنبؤ بكيفية تغيّر المناخ؛ سوف يساعد على تحسين توقعاتنا على المدى الطويل من الطقس الشتوي في أكثر المناطق المكتظة بالسكان في العالم»


الاحتباس الحراري وقسوة الشتاء

إذا ما تحدثنا عن العلاقة بين ظاهرة الاحتباس الحراري وقسوة الطقس في الشتاء؛ فقد ذكر تقرير نشرته مجلة «ساينتيفك أمريكان –«scientific american أن معظم العلماء يتفقون على أننا بحاجة إلى التفريق بين الطقس والمناخ.

فالمناخ وفقًا للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (نوا)؛ يُعرّف بأنه متوسط حالة الطقس خلال فترة 30 عامًا على الأقل.

أما التغيرات الدورية في الطقس، وحتى عواصف الشتاء القاسية التي تجتاح أماكن متفرقة من العالم؛ لا يُمكن أن تكون ظاهرة الاحتباس الحراري هي المسؤولة بشكلٍ رئيسي عن حدوثها؛حيث إن هذه الظاهرة تنشأ نتيجة لممارسات البشر، لكنها في الوقت نفسه يقع عليها جانب من المسؤولية.

فقد تسببت ظاهرة الاحتباس الحراري في ارتفاع درجات الحرارة في فصل الشتاء عام 2006، أدى ذلك إلى عدم تجمد بحيرة «إيري» للمرة الأولى في تاريخها. نتيجة لذلك؛ زاد معدل تساقط الثلوج حيث إن تبخر الماء من البحيرة كان سببًا لهطول الأمطار بمعدل أكبر من المعدل الطبيعي.

وفي حين أن الظواهر الجوية الأكثر تطرفًا مثل العواصف الثلجية، الأعاصير، والجفاف؛ هي الآثار الجانبية المحتملة للمناخ الذي يمر بمراحل انتقالية؛ فإن معظم العلماء يروا بأن أي تغيير في الطقس من سنة إلى أخرى؛ لا يُمكن أن يكون مرتبطًا بشكل مباشر إلى أي ارتفاع في درجات الحرارة أو الإنخفاض.

أما عن أكثر المناطق التي سجلت أقل درجات الحرارة حول العالم؛ فهي كالآتي:

اسم المنطقة درجة الحرارة المُسجلة السنة
فيرخويانسك – روسيا ~67.8 – 5, 7 فبراير 1892
سارمينتو – الأرجنتين 32.8 – 1 يناير 1907
أويمياكون – روسيا ~67.8 – 6 فبراير 1933
إفران – المغرب 29.9 – 11 فبراير 1935
يوكون – كندا 63 – 3 فبراير 1947
كريك كامب – ألاسكا 80 – 23 يناير 1971
فوستوك – القارة القطبية الجنوبية 89.2 – 21 يوليو 1983
شارلوت ممر، نيو ساوث ويلز – استراليا ~ 23 – 29 يونيو 1994

أخيرًا؛ مهما اختلفت وتعددت الأسباب في حدوث موجات البرد القاسية شتاءً، ومهما كانت تفسيرات العلماء بصددها؛ فإن الشيء الثابت هو أن موجات الصقيع أو الشتاء القارس يزداد سوءًا سنة بعد أخرى مُسببًا بذلك كوارث طبيعية مثل تجمد بحيرات وأنهار، وانخفاض درجات الحرارة في مناطق لم تعتد على ذلك مُطلقًا.

ولمواجهة موجات الصقيع؛ يُنصح دائمًا بالمكوث في المنازل إلا في حالات الضرورة القصوى، وارتداء الملابس الثقيلة، واحتساء أكوابٍ من المشروبات الساخنة، وإشعال ما يُدفئ حرارة جو الغرف كأفضل الحلول المتاحة للأفراد في المنازل.

المراجع
  1. World's Hottest and Coldest Places
  2. What is the jet stream position?
  3. Nonlinear response of mid-latitude weather to the changing Arctic
  4. Early Spring Frost-Free Regions: Comparing 1950s and 2010s