يتساءل المواطن بالشارع المصري: هل ترتفع أسعار الوقود خلال الفترة المُقبلة؟

حتماً الإجابة هي «نعم»، حتى وإن تباينت التوقعات حول موعد تطبيق زيادة أسعار البنزين والكهرباء، كذلك وإن تباينت التوقعات حول نسبة الزيادة المرتقبة، التي تتراوح بين 15 و50%. وفي كل الأحوال سيكون الأمر صعباً على المواطن -خاصةً محدود الدخل – فرفع أسعار الوقود لا ينصب تأثيره على ارتفاع ميزانية المواصلات فحسب، فالأمر من شأنه رفع نسب التضخم بالأسواق في ظل التوقعات بزيادة جميع أسعار السلع الاستهلاكية لتأثير زيادة سعر الوقود على غالبية السلع والمنتجات المحلية بمختلف القطاعات.

هذا وقد خفّضت الحكومة دعم الوقود ثلاث مرات منذ عام 2014، وكانت الزيادة الأخيرة في يونيو/حزيران 2017، عندما رفعت الحكومة أسعار الوقود بنسبة تصل إلى 50%؛ فارتفع سعر بنزين 92 من 3.5 جنيه إلى 5 جنيهات للتر، وارتفع بنزين 80 (وهو الوقود الأكثر استخداماً) من 2.35 جنيه إلى 3.65 جنيه للتر، بينما ارتفعت أسعار أسطوانات غاز الطهي من 15 جنيهاً إلى 30 جنيهاً.


مستهدفات الحكومة من خفض الدعم

تهدف الحكومة إلى خفض الدعم تدريجياً إلى أن يتم رفعه بالكامل، وفقاً لبرنامج متفق عليه مع صندوق النقد الدولي لإقراض مصر 12 مليار دولار، والتي تلقت منه حتى الآن نحو ستة مليارات دولار، وتنتظر شريحة رابعة بقيمة ملياري دولار مستحقة في يونيو/حزيران 2018. وتقول الحكومة إنها مضطرة لاتخاذ خطوات قاسية لإصلاح الأوضاع الاقتصادية المتدهورة منذ 2011، ذلك على الرغم من الأرقام التي تُشير إلى تحسن الاقتصاد.

فخلال مايو الجاري، اختتمت بعثة صندوق النقد الدولي مراجعتها بالموافقة على اتفاق من أجل صرف الدفعة الثانية من القرض، وتقول البعثة إن مؤشرات الاقتصاد الكلي تسير على المسار الصحيح، وذلك باستمرار نمو الناتج المحلي الإجمالي في مصر في التسارع خلال 2017/2018، حيث ارتفع إلى 5.2٪ في النصف الأول من العام من مقارنةً بـ 4.2٪ في 2016/2017. ويأتي ذلك النمو مُصاحباً لمعدلات مستقرة للتضخم وارتفاع الاحتياطي الدولي إلى 44 مليار دولار بنهاية أبريل/نيسان الماضي، كذلك ارتفعت التحويلات من المصريين المغتربين بنسبة 11.6% على أساس سنوي في فبراير/شباط الماضي لتصل إلى 2 مليار دولار، مقارنة بـ 1.8 مليار دولار في فبراير/شباط من العام 2017، حسب تقديرات البنك المركزي.


هل يشعر المواطن بتحسن مؤشرات النمو الاقتصادي؟

في حين يبدو برنامج الإصلاح الاقتصادي على المسار الصحيح، ويبدو أن إعادة الهيكلة المالية تتماشى إلى حد كبير مع المعدلات المستهدفة للحكومة، فما زال المواطن المصري – محدود ومتوسط الدخل – لا يشعر بأي تحسن في مستوى المعيشة، بل تتزايد الأعباء الاقتصادية على عاتق المواطن.

فمعظم مؤشرات النمو الاقتصادي هي في حد ذاتها أرقام جيدة وتدعو للتفاؤل – كأرقام مجردة – ولكن بدراسة العائد على المواطن المصري ومدى استفادته، سنجد أنه لا يشعر بأي تحسن في المستوى المعيشي، خاصةً أن كل ما يشغل المصريين في الوقت الراهن قضية التضخم والارتفاعات المستمرة في أسعار السلع والخدمات بنسب كبيرة، وتلك الارتفاعات المنتظرة بعد تطبيق زيادات الوقود الجديدة.

فعلى مدى السنوات القليلة الماضية، عملت الحكومة على خفض الدعم بشكل كبير، وهو ما وضع عبئاً مالياً إضافياً على كاهل المواطنين. علاوة على ذلك، أدى انخفاض قيمة الجنيه في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 إلى خفض المستوى المعيشي لجميع المصريين.

فالنمو المرتفع خلال الأشهر الماضية لم يأت بسبب طفرة في نمو الإنتاجية داخل الدولة، بل نتيجة لمجموعة من القرارات التقشفية التي أدت إلى زيادة الإيرادات، وبالتالي تقلص حجم العجز قليلاً.


مؤشرات رفع الأسعار بحلول يوليو

من المتوقع إجراء جولة جديدة من تخفيضات دعم الوقود بحلول بداية السنة المالية 2018/2019، أي مع في أوائل شهر يوليو المُقبل، وذلك بعد أن وصلت أسعار النفط العالمية إلى 80 دولاراً للبرميل – خلال مايو/آيار الجاري – للمرة الأولى منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2014، وذلك بسبب العوامل الإقليمية، بما في ذلك انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني.

وقد تضطر الحكومة إلى رفع أسعار الوقود مرتين، خلال العام المالي المقبل، من أجل الوفاء بتعهداتها لصندوق النقد الدولي، بالتخلص من دعم الطاقة بنهاية يونيو 2019، وخاصةً في ظل الارتفاع – غير المخطط له في حسابات الحكومة – في أسعار النفط العالمية. وتُشير بعض التقارير العالمية إلى أن السعودية تستهدف الوصول بسعر البترول لمستويات تتراوح بين 80 و100 دولار للبرميل، وذلك لدعم الإصلاحات التي تقوم بها المملكة. وارتفاع أسعار النفط العالمية، عن المتوسط المتوقع من قبل الحكومة، سيكون له تأثير سلبي على نسبة العجز الكلي المستهدفة، وذلك لأن الفرصة الوحيدة لتعويض أي زيادة في مخصصات دعم الوقود بالموازنة ستكون بزيادة حصيلة الضرائب، والتي تقع بالنهاية أيضاً على عاتق المواطن.

وفقًا لمسودة الميزانية العامة لوزارة المالية، يقدر سعر برميل النفط بـ67 دولاراً في السنة المالية 2018/2019، مقابل 55 دولاراً بموازنة العام المالي الجاري، بينما ارتفعت أسعار النفط الخام العالمية مؤخراً إلى 80 دولاراً للبرميل.

وفي حالة زيادة سعر برميل النفط بدولار واحد، يقابله زيادة في قيمة الدعم، الأمر الذي يكون أثر مالي سلبي على ‏العجز الكلى المسـتهدف، حيث إنه من المتوقع أن يترتب على ذلك تدهور صافي علاقة الخزانة مع هيئة ‏البترول بنحو ٤‏‎ ‎مليارات جنيه، بما يمثل نحو 0.08% من الناتج المحلى، الأمر الذي سـيكون له مردود ‏سلبي على الموازنة العامة.

هذا وقُدر حجم الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية خلال العام 2018/2019 بنحو 332.291 مليار جنيه بخفض قدره 436 مليون جنيه، وبنسبة خفض قدرها 0.1% عن المُقدر للعام المالي الجاري البالغ نحو 332.727 مليار جنيه. وبلغت تقديرات دعم المواد البترولية بمشروع الموازنة للعام المالي الجديد 89.1 مليار جنيه مقابل ‏‏110.148 مليار جنيه بالعام الحالي، بخفض قدره 21.73 مليار جنيه، ويتضمن مشروع الموازنة للعام ‏‏2018/2019 دعم الكهرباء بنحو 16 مليار جنية مقابل 30 مليار جنيه للعام الحالي بخفض قدره 14 ‏مليار جنيه.

‏لكن بناءً على مؤشرات الأسعار الحالية سيتجاوز دعم المواد البترولية تلك الأرقام المُقدرة، وبالتالي ستكون الدولة في موقف إجباري للاختيار بين أمرين كليهما صعب على الوضع الاقتصادي للمواطن والدولة معاً، فإما زيادة حجم الدعم الموجه للسلع البترولية بالموازنة ومن ثَمَّ زيادة العجز النقدي، الأمر الذي ينعكس سلباً على النمو الاقتصادي للبلاد، وإما رفع أسعار الوقود بنفس الوتيرة التي ترتفع بها الأسعار العالمية بما ينعكس سلباً على القوة الشرائية للمواطن، ومن ثَمَّ ركود في الأسواق والذي ينعكس أيضاً سلباً على الوضع الاقتصادي للبلاد.

ومن ثَمَّ قد تضطر الحكومة لإعادة النظر من جديد في الجدول الزمني المحدد (الموضوع عام 2014) لإلغاء دعم الوقود خلال 5 سنوات، وتقوم بتحميل المواطن زيادات إضافية في الوقود خلال هذا العام المالي.


مصر ليست الهند

كحال المصريين، يعاني مواطنو الهند من تدني مستويات المعيشة في ظل الارتفاعات المتتالية لأسعار السلع والمنتجات، الأمر الذي أدى بالمواطنين للتظاهر ضد سياسات رئيس الوزراء الهندى «ناريندرا مودي»، اعتراضاً على رفع أسعار البنزين والسولار، وذلك بحرق دمى له. وكما في مصر تماماً، يعود الارتفاع فى أسعار الوقود بالهند إلى توجهات الحكومة الهندية لتحرير أسعار الوقود من أجل تخفيف أعباء الدعم.

ربما تكون مظاهر غضب المجتمع المصري أقل حدة من نظيره الهندي، ولكن حتماً سنشهد حالة من الغضب المُبرر فور تطبيق الزيادة في أسعار الوقود، خاصةً وأنها لن تكون زيادة واحدة بل ستكون مضاعفة في ظل نية الحكومة زيادة الحصيلة المستهدفة من الضرائب على الوقود بنحو 3 مليارات جنيه، وذلك بعد أن تم تطبيق قانون الضريبة على القيمة المضافة التي تصل نسبتها حالياً إلى 14%، على مبيعات المنتجات البترولية، منذ نهاية عام 2016.

وتُشير التوقعات إلى ارتفاع سعر بنزين 92 من 5 جنيهات إلى 7 جنيهات للتر الواحد، على أن يرتفع مرة أخرى إلى 9 جنيهات قبل يونيو/حزيران 2019، إن لم يكن خلال العام الجاري.

وهنا أقل ما يُمكن توقعه هو اندلاع الكثير من حالات الغضب الشعبي على كافة المستويات، ليس بسبب ارتفاع أسعار الوقود فحسب، بل ارتفاع الوقود يتبعه زيادة أسعار كافة السلع والخدمات بما لا يتناسب مع دخل المواطنين وأصحاب المعاشات، حتى أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة قد يجدون صعوبة في الاستمرار في المجال الاستثماري – دون دعم كبير من الدولة – في ظل موجة الغلاء المرتقبة.

كذلك تنسحب تلك الموجة التضخمية المرتقبة على كافة القطاعات الاقتصادية، حيث تتزايد التوقعات بمزيد من ارتفاعات الأسعار في مواد البناء بما ينعكس سلباً على قطاع العقارات، ومن ثَمَّ على حركة البيع والشراء للوحدات العقارية، وذلك لأن خفض دعم الطاقة يُسهم فى زيادة تكلفة مدخلات آخرى بخلاف مواد البناء، ومنها العمالة التي تدخل ضمن التكاليف التشغيلية للمشروع.

نهايةً، قضية رفع الدعم وارتفاع أسعار الوقود لم تعد بمثابة قرار اقتصادي فحسب، بل هي من أكثر القضايا التي تشغل الشارع المصري، ذلك لأن من يقع عليه عبء ذلك القرار هم الطبقات الكادحة، التي تشعر بظلم شديد من تحميل الحكومة أعباء الإصلاح الاقتصادي لها، حيث تفشل تلك الطبقات في تأمين احتياجاتها اليومية الأساسية من السلع الضرورية، بسبب التدني الكبير في الأجور الحقيقية، وتلك الحالة من شأنها أن تدفع هؤلاء لارتكاب مزيد من الجرائم والسرقات، وبالتالي تدخل البلاد في موجة من انعدام الاستقرار الأمني، التي طالما بررت الحكومة الأوضاع الاقتصادية الصعبة بتحقيق مزيد من الأمن والأمان في المجتمع.