%40 من الأرامل وجدوا أن الحزن قبل الموت أكثر إرهاقًا من الحزن بعد الموت.

توصلت إلى هذه النتيجة إحدى الدراسات التي أجريت للمقارنة بين الحزن الاستباقي والحزن التقليدي عند الأزواج، ويرتبط الحزن الاستباقي بجائحة كورونا بشكل مباشر، فمع ظهور الوباء في أنحاء العالم شعر الكثير منا بالحزن، لكن نوعية الحزن كانت غير معتادة، وهو ما جعل العلماء يبحثون وراءها حتى وجدوا أنها تنتمي إلى ما يعرف بالحزن الاستباقي أو الحزن التوقعي.

الجميع يشعر أن العالم ذهب في مسار غير معلوم الملامح، أجل قد يكون هذا مؤقتًا، لكن في النهاية تغير تعاملنا التلقائي في الحياة اليومية ولم يعد مثلما كان، وأصبحنا نعيش بتهديدات عالية المستوى من مختلف الأنواع: الخوف من فقدان الأحبة، الخوف من الخسارة المالية، الخوف من الإصابة بالفيروس، وغيرها من المخاوف.

يرتبط الواقع النفسي الراهن بشكلٍ كبير بمجهولية المستقبل، الأمر أشبه بمشاهدة نشرة أنباء تؤكد أن هناك عاصفة قادمة، لتعيش بعدها قلقًا وخوفًا متزايدًا من الاحتمالات اللانهائية لتأثير هذه العاصفة عليك قبل أن تحدث بالأساس.

ما الفرق بين الحزن الاستباقي والحزن التقليدي؟

يوصف الحزن الاستباقي بأنه حزن يظهر قبل وقوع خسارة كبيرة مثل: الموت أو فقدان الوظيفة أو الانفصال بين الزوجين، وفي بعض الأحيان يصاب به الشخص عندما يُشخَّص بمرض له مسارات مستقبلية مختلفة غير محددة، وهو يختلف عن الحزن التقليدي الذي يظهر بعد وقوع هذه الخسارة بالفعل.

إذ ينفرد هذا النوع من الحزن بأنه يتضمن المزيد من مشاعر الغضب وفقدان السيطرة على المشاعر، وتتباين حدة الحزن الاستباقي خلال الأيام التي يعاني فيها الفرد منه، ففي بعضها يشعر بأن الأمر خرج عن سيطرته تمامًا، بينما في أيام أخرى يكون محتويًا لما يحدث بشكل جيد.

وبشكل عام هناك بعض الأعراض النفسية للحزن الاستباقي، مثل: الحزن والبكاء بشكل غير متوقع، فمن الممكن مشاهدة إعلان تلفزيوني لجمعية خيرية مثلًا لرعاية المصابين بمرضٍ ما، فيشعرك هذا باحتمالية فقدان من تحب قريبًا، إلى جانب الشعور بالخوف من التغييرات التي ستنتج عن وقوع الأمر السيئ الذي تتوقعه.

بالإضافة إلى أعراض أخرى، منها: القلق والتهيج والغضب والشعور بالوحدة الشديدة في كثير من الأحيان، والرغبة في التحدث عما تعانيه من مخاوف، وأحيانًا قد يتسلل الشعور بالذنب إلى الشخص بأنه لم يبذل ما يكفي من الجهود لمنع وقوع الحادث الذي يترقبه، وهناك أعراض جسدية شائعة تترافق مع الحزن التوقعي، أهمها: صعوبة النوم ومشكلات الذاكرة.

لماذا يتداخل الحزن الاستباقي مع جائحة كورونا؟

أصبحت كورونا اليوم سببًا رئيسيًّا للوفاة في أنحاء العالم، ويومًا بعد يوم تتزايد أعداد الوفيات الناتجة عنها ويترافق معها الكثير من المشاعر السلبية لعائلات الضحايا وأقربائهم ومحبيهم، وتتشابك هذه المشاعر مع جوانب أخرى من حياتنا، تتمثل في ضعف الصحة العقلية والبدنية أحيانًا.

والامر أبعد من الخسائر التي تحدث في لحظة الوفاة، فمستقبلًا يظهر العديد من المشكلات التي تستوجب العلاج، وحتى في حالة النجاة من الفيروس فالكثير من المتعافين هم عرضة للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وأبعاد ذلك ترتبط بالطبع مع توصيف الحزن الاستباقي الذي أوضحناه.

ومن المعروف مدى تأثير كورونا على الحياة الاقتصادية، فالكثيرون فقدوا وظائفهم نتيجة اجتياح الوباء العالم، وحتى الأشخاص الذين ما زالوا يعملون فهم ليسوا آمنين من مصير مشابه، وتزيد مساحة الحزن التوقعي عند الأفراد الذين يعملون في مجال الرعاية الصحية وعائلاتهم نتيجة اقترابهم من مساحات العدوى باستمرار، وبشكل عام يمكن وصف الشعور العام بالحزن التوقعي في ظل كورونا، أن عقلنا يستشعر أن شيئًا سيئًا سيحدث لكن لا يمكننا رؤيته، وهو ما يفقدنا الإحساس بالأمان.

كيف يظهر الحزن الاستباقي في حياتنا اليومية؟

بمرور الوقت في ظل أزمة كورونا وفقدنا اليقين تجاه تحسن المستقبل، والشعور بأن هناك خسائر مرتقبة، أخذنا نلحظ ظهور مشكلات نفسية يومية ترتبط بالحزن الاستباقي، ومنها:

1. تحاول الوقوف على الحافة دائمًا

يعيش الكثيرون الشعور بأن هناك شيئًا سيئًا دائمًا على وشك الحدوث رغم مجهولية تفاصيله، ويرتبط ذلك باليقظة المفرطة التي تنعكس في الخوف من أشياء عادية لكنها ارتبطت بالفيروس، مثل: وجود شخص يسعل في المكان، أو شخص لا ينتبه للمسافة الآمنة الواجب تركها بينك وبينه، إلى جانب أن بعض الأشخاص أصبحوا يفزعون عندما يرن هاتفهم لتوقع أن المكالمة قد تحمل خبر مرض شخص يعرفونه أو وفاته.

2. تحاول السيطرة على كل شيء، فلا تستطيع، فتشعر بالغضب

ترتبط فاعلية الإجراءات الوقائية من كورونا بأن نتخذها بشكل جماعي، لكن بما أننا نعيش في محيط اجتماعي يتفاوت في درجة وعيه والتزامه، فمن الصعب الوصول لأفضل مستوى ممكن لهذه الإجراءات بالسيطرة على من حولنا، وهو ما ينعكس علينا بالشعور بالإحباط والغضب من أشياء بسيطة، لكن الأصل الحقيقي للغضب يرجع في شعورنا بأن الأمر يفلت من أيدينا ويخرج عن سيطرتنا.

3. أسوأ سيناريو هو الأقرب لك

يُعدُّ هذا الأمر علامة شائعة على الحزن التوقعي، فالناس يصبحون في أتمِّ الاستعداد عقليًّا وعاطفيًّا لأسوأ سيناريو ممكن، وهو فخ يجرُّنا للوقوع فيه لنشعر باليأس من الوضع الراهن ونقتنع أن ما نمرُّ به غير قابل للتغيير، فيزداد الوضع صعوبة نفسيًّا وجسديًّا أيضًا بالتأثير سلبًا على جهازنا المناعي.

4. تنسحب من محيطك الاجتماعي

بالتأكيد لاحظنا اختفاء العديد من الأشخاص في محيطنا الاجتماعي نتيجة تفضيلهم قضاء معظم الوقت في منازلهم والابتعاد عن احتمالية العدوى قدر الإمكان، بالإضافة إلى أنه عندما نشعر بالإرهاق والخوف فغالبًا ما ننسحب من المحيط الاجتماعي الخاص بنا ونفضل العزلة، لكن ذلك للأسف يأتي بنتائج عكسية فيزيد لدينا الشعور بالاكتئاب والقلق.

والحل الأفضل يتمثل في البقاء على اتصال بالآخرين لكن مع وضع حدود تحفظ لنا الابتعاد عن الوقوع ضحايا للفيروس، ولا تتحرج من شرح المواقف غير المريحة لك من حيث المسافات الآمنة أو قدر التلامس المسموح به، وكذلك نوعية الحديث، فربما تود عدم الحديث عن الوضع الحالي للوباء.

5. الإنهاك يتمكن منك

البقاء في وضع تهديد لفترة طويلة يجعل أجسامنا تنهار في لحظة ما، فهرمونات التوتر لا تستطيع أن تظل تُفرز على الدوام؛ لأنها مجهزة للتعامل مع المواقف الصعبة، والتي من المفترض أن تكون مؤقتة.

وذلك ينعكس علينا صحيًّا بالشعور بالإرهاق مع بذل أدنى مجهود، وتدنِّي إنتاجيتنا في العمل بشكل واضح، لذلك لا تشعر بالانزعاج عندما تسمع عن الآخرين الذين حققوا إنجازات عظيمة، فهذا لا يتناسب مع الوضع الصحي الذي نعيشه.

هل هناك مخرج؟

بالطبع ستتساءل بعد توضيح الجوانب السابقة عن الحزن الاستباقي وتأثيره علينا في ظل استمرار جائحة كورونا عن كيفية التعامل معه وتقليل توغل أعراضه في حياتك، لذلك نستعرض معًا بعض الإرشادات الفعالة لذلك:

1. تقبله

ما تشعر به أمر طبيعي تمامًا في ظل ظروف استثنائية مثل التي نعيشها اليوم، لذلك أول خطوة يمكنك فعلها هي تقبل الحزن الاستباقي، وأن تتيقن أنه يحق لك إفساح مساحة كافية للتعامل معه، فهو اضطراب نفسي تم توثيقه من عشرات السنين.

2. عِش الحاضر

يأخذك الحزن التوقعي إلى أعماق المستقبل السيئ، وهنا يكون دورك في الاقتصار على الحاضر فقط، وهو شيء بالمناسبة ليس سهلًا، لكن الأمر يكون مجديًا مع المحاولة وممارسة تمارين التأمل، فركِّز قدْر الإمكان على ما تملكه اليوم وتفاصيله وأفضل الأنشطة التي يُمكنك فعلها، ودع التعامل مع المستقبل لحين الوصول إليه.

3. دعك مما لا يمكنك التحكم فيه

ما يفعله الآخرون لا يهمك ولا يمكنك تغييره، دعني أخبرك أنك لن تستطيع مهما فعلت أن تجعل الدائرة المجتمعية التي تتحرك فيها تطبق جميع الإجراءات الاحترازية، ما يمكنك فعله فقط هو أن تلتزم أنت بهذه الإجراءات.

4. اترك مساحة للراحة والاسترخاء

بما أن الحزن الاستباقي والمشاعر المرتبطة به تسحب منا الكثير من الطاقة، سيكون من المهم أن نهتم بأخذ وقت كافٍ للراحة والاسترخاء للتخفيف عن أجسادنا وأدمغتنا، حتى نتمكن من مواصلة حياتنا والعيش بتوازن.

5. فكِّر في الطرق المتاحة للاستمتاع بحياتك

رغم التهديدات المستقبلية التي يُصدرها لك الحزن الاستباقي، فإنه سيكون مجديًا التفكير في كيفية قضاء الوقت الذي يضيع منك ولا تفعل فيه أي شيء سوى مراقبة مخاوفك، لذا ابذل قصارى جهدك لإسعاد نفسك ومن حولك ولو جزئيًّا.

6. ابحث عن الدعم

توجد أشكال متعددة للحصول على الدعم، منها: زيارة الطبيب النفسي، أو مشاركة أحزانك مع الأشخاص الذين تجدهم يتفهمونك ويستطيعون مؤازرتك، ويمكنك أيضًا التعبير عن نفسك بأشكال مختلفة مثل: الرقص أو الكتابة أو الرسم، فأي منفذ إبداعي يُعدُّ تأثيره بالغًا في الوقت الحالي.

المراجع
  1. طريق التكيف والصمود: كورونا.. الخسارة والحُزن، ياسين زاهي وتشي دو
  2. مقارنة بين الحزن الاستباقي والحزن التقليدي، جي جيليلاند وإس فلمينج