ظاهرةٌ تضرب بجذورها في غالبية المجتمعات العربية، شبحٌ يهدد الأسر ويثير ذعرهم حول مستقبل بناتهم. فمهما انتشرت أفكار التحرر وعلا طموح المرأة يظل الزواج في نهاية المطاف لدى أغلب المجتمعات العربية «سُترة » واستقرارًا نفسيًا ومعنويًا للفتاة.

تشير الأرقام إلى تضخم «العنوسة» وتوغلها في معظم البيوت العربية، حيث إن ثلث عدد الفتيات في الدول العربية بلغن عمر الثلاثين دون زواج وفق ما أشارت إليه دراسة حديثة. ففي السعودية على سبيل المثال، أكدت إحصائية صادرة عن وزارة التخطيط أن ثلث عدد الفتيات السعوديات ممن هن في عمر الزواج يعيشن دون زواج، في حين وصل عدد الفتيات المتأخرات عن الزواج إلى 68% في الإمارات.

وبحسب دراسة حديثة، فإن 35% من الفتيات في كل من الكويت والبحرين وقطر قد بلغن مرحلة «العنوسة». بينما تنخفض النسبة في اليمن وليبيا لتصل إلى 30%، و20% في الصومال والسودان. وفي المغرب وسلطنة عمان 10%. أما الجزائر فكانت صاحبة النصيب الأكبر، إذ بلغ عدد النساء غير المتزوجات حوالي 11 مليون امرأة، وهو ما يفوق عدد سكان خمس دول عربية، بزيادة 200 ألف امرأة سنويًا فوق سن 25 عامًا، من بينهن خمسة ملايين فوق سن الـ35. بينما بينت الأرقام الرسمية المعلنة من جانب الديوان الوطني للإحصاء الجزائري قبل نحو أربع سنوات، أن هناك أربعة ملايين فتاة لم تتزوج بعد رغم تخطيهن سن الـ34.


طموح المرأة أم فقر الرجل؟

غالبًا ما تنحصر أسباب تلك الظاهرة بين عاملين أساسيين: إما أن الفتاة هي من ترفض الزواج وتضع الشروط التي يراها كثير من الشباب تعجيزية، أو أن الظروف المادية للرجال دفعتهم نحو الإحجام عن الزواج.

طموح المرأة الجزائرية

يمكن القول إن فكر المرأة الجزائرية قد تحرر مؤخرًا من الفكرة التقليدية المتعلقة بمكوثهن في البيت بانتظار الزواج، وتحولن إلى نساء باحثات عن العلم والعمل، إذ تقول شائعة جعفري، رئيسة المرصد الجزائري للمرأة، إن «الأولوية عند المرأة الجزائرية في وقتنا الراهن أصبحت الحصول على درجة كبيرة من العلم، والحصول على شهادات عليا بدعم من العائلة، في مقابل ذلك لا تضع الزواج ضمن قائمة أولوياتها عكس ما كان في السابق، حيث كانت الأسرة تبحث عن الاستقرار العائلي لبناتها بتزويجهن».

ومع وصول الفتيات إلى درجة عالية من العلم والثقافة وتحقيق أحلامهن في العمل، تضع كل منهن قائمة ترسم فيها ملامح فارس الأحلام الذي يليق بها، من حيث انفتاحه الفكري وتقبله لعمل المرأة وفكرة تحديد النسل، وألا يتزوج عليها بأخرى بلا أي غضاضة.

هذه الأفكار كانت سلاحًا ذا حدين، فإلى جانب أن كثيرًا من الشباب يخاف الزواج بامرأة ذات شخصية قوية. فإن ارتفاع ظاهرة الطلاق في الجزائر أيضًا وتخلي المرأة عن زوجها بكل بساطة برفعهن قضايا الخلع في المحاكم – وذلك لاستقلالهن المادي – جعل الرجل يخشى العيش مع امرأة عاملة قد تتمرد عليه في لحظة لأنها بلغة الأرقام ليست بحاجة إليه.

الظروف المادية المتعسرة

كان الزواج مشروعًا صعبًا وتخيلت أنه مع الوقت سيهون، لكنه اليوم كرة ثلج تتدحرج ويكبر حجمها.
مراد، شاب جزائري

يقع الشباب الجزائري بين فكي الظروف المادية المتعسرة والغلاء الفاحش للمهور. إذ تشير شائعة جعفري إلى أنه ليس من اليسير الحصول في الجزائر على بيت مستقل، كما أن الإيجار أصبح حلاً معقدًا خاصة في ظل ارتفاع أسعار الإيجار، علاوة على عدم وجود قوانين تضع سقفًا للمهور، إذ وصل الحد الأدنى لإقامة حفلات الزفاف في الجزائر – على حد قولها – إلى ما يزيد على 100 ألف دولار، بينما تتراوح المهور في عدد من المناطق في الجزائر بين ألفين وأربعة آلاف دولار. الأمر الذي يجعل الشباب يتراجعون عن فكرة الزواج، إذ ليس بإمكانهم تحصيل كل ذلك برواتبهم المحدودة، فكيف لراتب شهر أن يغطي إيجار السكن ومصاريف بيت الزوجية، وكيف له من الأساس أن يتزوج وهو لا يستطيع دفع تلك المهور الباهظة إلى أهل العروس؟

يؤكد من جانبه جلول حجيمي، رئيس النقابة الوطنية للأئمة في الجزائر، أن تفاقم ظاهرة العنوسة عائد إلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي المزري الذي يعيشه الجزائريون، كانتشار نسب البطالة في أوساط الشباب، وغلاء المهور بسبب الشروط القاسية التي تفرضها العائلات لتزويج بناتها. مشيرًا إلى أن فكر الشباب الجزائري قد تغير، إذ أصبح الشاب يحلم بالعيش في أوروبا والزواج من امرأة أوروبية آملاً في الحصول على الجنسية الأوروبية وتحسين ظروف معيشته، مُبرهنًا على ذلك بارتفاع موجات الهجرة غير الشرعية في الجزائر مؤخرًا، الأمر الذي -على حد قوله – أسهم في تفاقم ظاهرة العنوسة.


سُبل الظفر بـ«عريس»

ترفض فطرة المرأة استساغة لفظ «عانس» أو «بايرة» حتى وإن كان الأمر باختيارها. إذ تجد من تخطت سن الثلاثين دون زواج نفسها وسط نظرات اتهام قاسية، ومن هنا تبدأ رحلتها في البحث عن عريس، قد تستبيح فيها بعضهن كافة الوسائل حتى وإن كانت مشبوهة أو محرمة.

الإنترنت والهاتف النقال

بات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وسيلة تلجأ إليها كثير من الفتيات حول العالم في سبيل الحصول على زوج، إذ على الرغم من المشاكل التي قد تحدث للفتيات من وراء اعتقادهن ذلك، والتي قد تنتهي بمأساة تدفع فيها الفتاة الثمن غاليًا، إلا أنه لا يزال هناك من الفتيات من يقتدين بقصص الفتيات اللاتي نجحن في أن يتزوجن بتلك الطريقة.

فلعل انشغال المرأة الجزائرية بالعمل شجع أكثر على انتشار هذا النوع من العلاقات، باعتبار أنهن لن يخسرن شيئًا فهذا النوع من العلاقات بعيد عن أعين الناس، ولسعي بعض المتعلمات منهن إلى التعرف على أزواج من الخارج، إذ أصبح متعارف في الجزائر على أن الشباب الأوروبي أكثر جدية من الشباب الجزائري الذي لا يتسامح مع من تخطئ معه.

ارتياد طرق السحرة والمشعوذين

لماذا تأخرتِ في الزواج؟ لابد أن هناك تعطيلة «عمل» أوقفت حالك، سأدلك على الشيخة فلانة لفك السحر وجلب الحبيب!

أصبح السحر والشعوذة حلاً تلجأ إليه الكثير من الفتيات الجزائريات سواء كن أميات أو متعلمات،حتى بات هناك أحياء مخصصة يقطن فيها السحرة والمشعوذون. فعلى المشارف الغربية للعاصمة الجزائر توجد بعض الأحياء كمنطقة أولاد ‏فايت التي ضلع فيها مهاجرون أفارقة في الشعوذة الأفريقية المشهورة باسم الـ«قري قري»، يمارس هذا النوع من السحر من خلال كتابة الحرز لطالبه.‏

انتشر ممارسوه في الأسواق الشعبية وباتت النساء تترددن عليهم، حتى انتظمت تلك الظاهرة وأصبح السحرة يمارسون نشاطاتهم ‏من خلال مواعيد وكروت للتعريف بهم وبأرقام هواتفهم.‏ ‏فأكثر زبائنهم من الفتيات اللواتي يرغبن في الزواج أو النساء اللواتي يواجهن مشاكل مع أزواجهن ويريدن من أولئك السحرة تطويع أزواجهن إليهن.


هل الزواج بالتقسيط بات حلاً؟

ثار الجدل حول قضية الزواج بالتقسيط عندما أعلنت مديرة شركة تنظيم حفلات في السعودية تدعى عبير حسن عام 2011، أنها نظمت ما يزيد على 51 حفلة زواج من بينها 13 حفلة كانت بنظام التقسيط المريح، وذلك لدعم الشباب المقبل على الزواج،داعية أولياء أمور الفتيات إلى تقليل أعباء الزواج، وتطبيق التقسيط على كل ما يتعلق به.

كانت تلك المبادرة متزامنة مع ظهور مكاتب تيسير الزواج وتسهيل التعارف بين راغبي الزواج. فكانت فكرة الزواج بالتقسيط مفادها أن يدفع العريس مقدمًا في حدود نصف المهر المتفق عليه، ثم يتعهد بسداد باقي المهر على أقساط بإيصالات أمانة وشيكات لزوجته في فترة سداد محددة كوسيلة لتيسير الزواج.

بدت فكرة الزواج بالتقسيط حلاً لدى كثير من الشباب الجزائري، وعبّر عن دعمها عددًا من الشيوخ كوسيلة لتيسير الحلال، إذ دعا الشيخ الجزائري «شمس الدين» إلى تلك الفكرة، مستعينًا بقول الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم – «أكثرهن بركة أقلهن مهرًا»، موضحًا أنه إذا اشترطت أسرة الفتاة مهرًا غالي الثمن، فمن الممكن للشاب أن يدفعه بالتقسيط بعد الزواج.

لاقت تلك الفكرة إقبالاً لدى كثير من الشباب الجزائري وأصبحت اتجاهًا عامًا لدى البعض. لكنها في الوقت ذاته لا تزال تقابل بالرفض من قبل البعض الذين يرون في فكرة التقسيط مخالفةً للأعراف الجزائرية، إذ يشير بعض الناس إلى أن تلك الفكرة من شأنها أن تجعل الزوجة صغيرة في عين زوجها، وأنه من الممكن التخلي عنها في أي وقت. بينما يرى البعض أنه لا ضمان لوفاء الشاب بدفع الأقساط بعد الزواج. في حين رفض آخرون فكرة أن يكون الزواج سلعة من الممكن التقسيط فيها. كما رأوا أن قبول الفتاة بهذه الفكرة مغامرة غير محسوبة،فإذا كان الشاب يلجأ إلى التقسيط من أجل توفير متطلبات الزواج بما فيه مهر الفتاة نفسها، فماذا سيحدث إن لم يستطع الشاب الالتزام بتسديد ما عليه من أقساط؟