إن ملايين الأطفال والنساء والرجال قد وقعوا خلال القرن الحالي ضحايا لفظائع لا يمكن تصورها هزت ضمير الإنسانية بقوة.
ديباجة «نظام روما الأساسي» للمحكمة الجنائية الدولية

أعمال قتل وتعذيب وإبادات جماعية وقعت بحق المدنيين خلال الحروب وأعمال العنف الجماعي والممنهج، من قبل أنظمة الحُكم المختلفة ضد مواطنيها، لتكون خير مُعبّرٍ عن المعنى المبسط لجرائم الحرب وللجرائم ضد الإنسانية التي أخذت في التطور على مدار التاريخ الحديث خاصة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.

ويُعرف ميثاق «محكمة نورمبرغ العسكرية الدولية» جرائم الحرب بأنها: انتهاكات قوانين الحرب وأعرافها، بما في ذلك قتل مدنيين في أرض محتلة أو إساءة معاملتهم أو إبعادهم، قتل أسرى حرب أو إساءة معاملتهم، قتل رهائن، سلب ملكية خاصة، والتدمير غير الضروري عسكريًّا.


هل كان هناك حاجة لإنشاء محكمة دولية؟

http://gty.im/84065243

دخل الناس الباب ونعلم، الآن، ذلك الباب يؤدي إلى غرف الغاز، ولم نرَ الناس مرة أخرى.

أبراهام بومبا، أحد اليهود العاملين بغرف القتل بالغاز التي نفذها النازيون ضد اليهود.

بدأت الكثير من المحاولات لتجريم الحرب وما ينتج عنها من كوارث إنسانية من خلال نصوص دولية في القرن التاسع عشر، عندما تمت صياغة اتفاقيات لاهاي عام 1899 و 1907، حيث محاولة وضع هيكل ثابت لمحكمة مختصة بجرائم الحرب، إلا أن المشروع تعذّر بسبب اندلاع الحرب العالمية الأولى.

لم تدخل اتفاقيات لاهاي ضمن القانون الدولي إلا بعد الحرب العالمية الثانية.

ولم تدخل اتفاقيات لاهاي ضمن القانون الدولي إلا بعد الحرب العالمية الثانية مع إنشاء محاكم «نورمبرغ»، لمحاكمة النازيين على الجرائم التي ارتكبوها خلال الحرب العالمية الثانية، وكان ذلك بعد اجتماع دول الحلفاء المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، وإعلانها رغبتها في معاقبة مجرمي الحرب. وفي ديسمبر/ كانون الأول 1942 صدر أول بيان رسمي مشترك من زعماء الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى والاتحاد السوفييتي، ليسجلوا به حدوث قتل جماعي لليهود الغربيين وإعلانهم محاسبة المسئولين عن تلك الجرائم ضد المدنيين.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 1943 صدر إعلان موسكو، الموقع من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى والاتحاد السوفييتي، وقد نص الإعلان على أنه فور إعلان وقف إطلاق النار بين قوات المحور وقوات الحلفاء، سيتم محاكمة المتورطين فى جرائم حرب بقوانينهم الوطنية بعد عودتهم إلى دولهم.

أما فيما يخص الجرائم التي يصعب تحديد موقعها الجغرافي فيحاكم المسئولون عنها وفقًا لقرارات مشتركة بين حكومات المحور والحلفاء. وشُكلت العديد من المحاكم لمحاكمة مجرمي الحرب، كان أشهرها محاكمات «نورمبرغ» لمحاسبة المسئولين الألمان، بالمحكمة العسكرية الدولية والتي شرعت في عملها منذ عام 1946 (بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية).

وعلى الرغم من محاكمة العديد من المسئولين بدءًا من قيادات الجيش والمسئولين السياسيين وصولًا إلى قادة الصف الثاني، إلا أنها كانت محاكم مؤقتة. حيث أُنشئت لغرض محدد وهو محاكمة مرتكبي الجرائم وقت الحرب فقط، ولم يكن هناك نظام دائم لمحاكمة أي من مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية خارج إطار الحرب العالمية الثانية.


كيف نشأت المحكمة الدولية؟

تمت الموافقة على ميثاق روما في 17 يوليو/تموز 1998، وبموجبه تم إنشاء المحكمة الجنائية الدولية لتكون دائمة. حيث تم التصويت على الميثاق في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، بموافقة 120 ومعارضة 7 دول وامتناع 21 دولة عن التصويت.

كانت الموافقة على إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة تكليلًا لمجهودات 40 عامًا.

وكانت الموافقة على إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة تكليلًا لمجهودات 40 عامًا. ففي بداية الخمسينيات تشكلت لجنة خاصة بطلب من الجمعية العمومية للأمم المتحدة وقدمت مسودتين لنظام المحكمة، إلا أن الجمعية العامة لم تنجح في إقرارها والموافقة عليها بسبب الصراعات الدولية التي كانت مسيطرة على المشهد الدولي آنذاك، والتي عُرفت بالحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية.

وبدأت المحكمة عملها بشكل رسمي عام 2002، بعدما دخل ميثاق روما حيز التنفيذ عقب تصديق 60 دولة عليه، ويقع المقر الرئيسي للمحكمة في المدينة الهولندية لاهاي وهي لا تتبع الأمم المتحدة بعكس محكمة العدل الدولية (أحد أفرع الأمم المتحدة)، ومُصدق عليها 108 دولة إلى الآن. ولم توقع كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل على نظام روما الأساسي، بالإضافة إلى توقيع أربع دول عربية فقط، وهم تونس وفلسطين وجزر القمر وجيبوتي.

اختصاصات المحكمة

  • جرائم الإبادة الجماعية والتي عرّفها ميثاق روما بأنها: القتل، أو التسبب بأذى شديد بغرض إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية إهلاكًا كليًّا أو جزئيًّا.
  • الجرائم ضد الإنسانية: أي فعل من الأفعال المحظورة المنصوص عليها في نظام روما، إذا ارتكب بشكل منظم وممنهج ضد مجموعة من السكان المدنيين، مثل: القتل العمد، والإبادة، والاغتصاب، والنقل القسري، والتفرقة العنصرية، والاسترقاق.
  • جرائم الحرب: تعني كل المخالفات المرتكبة بحق اتفاقية جنيف لسنة 1949، وانتهاك قوانين الحرب في نزاع مسلح دولي أو داخلي.

الرؤساء العرب أمام الجنائية الدولية

العديد من القضايا تم رفعها أمام المحكمة الجنائية الدولية منذ أن نشأت؛ قضايا ضد دول أعضاء في نظام روما الأساسي، وقضايا أخرى ضد دول وأشخاص ليسوا أعضاءً في النظام والمحكمة. ويحدد نظام روما الأساسي أنه على الدول غير الأعضاء التعاون مع المحكمة في تسليم الأشخاص الذين يصدر بحقهم أحكام توقيف أو قرارت بالسجن والمحاسبة.

البشير: قضية فريدة من نوعها

انتهى مكتب المدعي العام إلى أن هناك أسبابًا معقولة للاعتقاد بأن عمر حسن أحمد البشير (المشار إليه أدناه باسم «البشير»)، يتحمل المسئولية الجنائية فيما يتعلق بجرائم الإبادة الجماعية.

من نص اتهام مدعي المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس السوداني، عمر البشير.

تُعد قضية عمر البشير، الرئيس السوداني، هي أول قضية تُصدر فيها المحكمة الجنائية الدولية حكمًا، ضد رئيس لا يزال بالحكم، في 4 مارس/آذار 2004.

حيث أصدرت المحكمة حكمًا بإلقاء القبض على البشير، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور بشكل غير مباشر. وعلى الرغم من أن السودان ليست من الموقعين على نظام روما الأساسي، إلا أن المحكمة لها الحق في تحريك الدعاوى وتلقي القضايا ضد أي من الأشخاص خارج نظام المحكمة والمطالبة بالقبض عليهم وتسليمهم، وحتى الآن لم يسلم البشير نفسه ولم يُلقَ القبض عليه وتسليمه إلى المحكمة.

السيسي أمام الجنائية الدولية

http://gty.im/469132835

إن هذه الجرائم لم يعرف عنها تاريخ مصر مثيلًا ولم يرتكب جيش مصر على مر العصور مثل هذه الجريمة في حق شعبه، وتعتبر مخالفة لكل الدساتير والقوانين والمواثيق الدولية، فضلًا عن الأعراف والتقاليد.
خالد بيومي، مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان.

2600 مصري من بينهم نساء وأطفال وشيوخ لقوا مصرعهم عقب 3 يونيو/ حزيران 2013، مما دفع مركز الشهاب لحقوق الإنسان للبدء في اتخاذ الإجراءات اللازمة لرفع قضية أمام المحكمة الجنائية الدولية، ضد كل من الرئيس المؤقت عدلي منصور ووزير داخليته محمد إبراهيم ووزير الدفاع، وقتذاك، عبد الفتاح السيسي. وقد استند المركز في دعواه أن قوات الأمن المصرية قد استخدمت كل الوسائل المحرمة دوليًّا -حسب ادعاء المركز- في فض اعتصامي رابعة والنهضة السلميين.

ورفعت القضية أمام المحكمة الجنائية الدولية، إلا أنه تم رد القضية ورفض النظر فيها، حيث أنها غير مقدمة بالنيابة عن الدولة المصرية. فمصر ليست دولة طرف في نظام روما الأساسي، كما أن مقدمي القضية لا يتمتعون بالأهلية المطلوبة لرفعها. وينص النظام على أنه في حالة الدول غير الأطراف يتم رفع القضايا من خلال إعلان من قبل ممثلين عن الدولة أو من خلال تحريك الدعوى من مجلس الأمن، وهو ما لم يتوافر في الحالة المصرية.


الكيل بمكيالين

يبدو أن الكيل بمكيالين هو طبيعة النظام الدولي وأغلب المؤسسات التابعة له، فلم تتحرك أية دعاوى ضد أي من المسئولين الأمريكيين في الحرب ضد العراق وفيتنام وغيرها من الحروب التي تورطت بها الولايات المتحدة الأمريكية، كما لم تتحرك دعاوى أو تصدر أحكام ضد أي مسئول إسرائيلي بسبب الجرائم المتركبة منهم بحق الفلسطينيين.

حدث الأمر ذاته مرة أخرى عندما رفضت المحكمة الجنائية الدولية النظر في قضايا الانتهاكات التي ارتكبتها روسيا ضد الشيشان في الفترة ما بين 1994 و 1996، والتي راح ضحيتها ما بين 80 إلى 100 ألف قتيل، والفترة ما بين 1999 إلى 2002 والتي راح ضحيتها ما يقرب من 40 ألف قتيل. وقد استندت المحكمة إلى أن تلك الجرائم قد حدثت قبل إنشاء المحكمة، إلا أنه وفي عام 2015 تم فتح التحقيق في جرائم حرب محتملة من قبل روسيا، والتي حدثت بين روسيا وجورجيا عام 2008 خلال الحرب القصيرة التي نشبت بينهما بسبب إقليم أوسيتيا الجنوبية الانفصالي في جورجيا.

هكذا تطور مفهوم جرائم الحرب، وتطورت آليات معاقبة المجرمين وملاحقتهم. إلا أنه ما زال هناك شوط طويل حتى تتحقق العدالة والمساواة بين الأمم، ويتم ملاحقة جميع مجرمي الحرب الذين يقتلون ويغتصبون ويذبحون غير مكترثين لأي من الحقوق.