دوّت النغمات المألوفة لأغنية (عيد ميلاد سعيد) عبر سبعة ملايين ميل من الفضاء بسرعة الضوء، وماتت على شاشات التحكم!.
آرثر سي. كلارك – من رواية أوديسة الفضاء

لا يمكننا الحديث عن الأقمار الصناعية، وأجهزة الكمبيوتر، والاتصالات اللاسلكية، ورقص الإشارات في الفضاء دون أن نتذكر روايات «آرثر سي. كلارك»؛ تحديدًا روايته «أوديسة الفضاء»، التي صورها المخرج الأسطوري «ستانلي كوبريك» في فيلمه «أوديسة الفضاء: 2001» إنتاج العام 1968.

البداية كانت في عهد البشر الأوائل، استيقظوا فجر أحد الأيام ليجدوا قطعة فولاذية مستطيلة مجهولة المصدر، مزروعة أو مثبتة أمام أحد الكهوف التي يقطنونها، لتبدأ رحلة بحثهم عن ماهيّة هذه القطعة. ثم تمر ملايين السنين حتى يعثر مجموعة من العلماء البشر العاديين على هذه القطعة، والتي فوجئوا بأنها تصدر إشارات باتجاه كوكب زحل، لتبدأ رحلة أخرى للبحث عن مصدر الإشارة، بصحبة المركبة «ديسكفري». ومن روايات كلارك في أرض الخيال العلمي، إلى أرض الواقع، حيث دخل الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية مضمار «سباق الوصول للفضاء» في العام 1960، لمعرفة من سيصنع الآلة الأولى التي ستمكنه من الوصول إلى القمر أولًا!

والآن، بعد عقود من الزمن، نحن على وشك سباق فضائي آخر فريد من نوعه، وهو سباق عالمي لبناء شبكة أقمار صناعية قادرة على إتاحة الإنترنت للجميع في أنحاء العالم.


من على المضمار؟

بشكلٍ عام،وفقًا لإحصائية العام الماضي، قفز معدل مستخدمي الإنترنت من 3.39 مليار شخص في العام 2005، إلى ما يقرب من 3.58 مليار شخص في العالم، حيث يتبقى نحو 57% من سكان العالم لم تصلهم خدمة الإنترنت[1]. لذا عملت شركات متعددة من أجل البحث أكثر عن الطرق التي تستطيع من خلالها إيصال خدمة الإنترنت للجميع، وتحسين الخدمة لأولئك الذين تصلهم بالفعل.

فكانت شركة إيرباص في أوروبا،إحدى الشركات التي أعلنت في العام 2015 أنها ستبدأ تصميم وبناء نحو 900 قمر صناعي مختص في هذا المجال لشركة «وان ويب – OneWeb»، المملوكة للقطاع الخاص، لتبدأ رحلة إطلاق هذه الأقمار هذا العام، بسرعة تصل إلى 10 تيرابايت/ ثانية، بتكلفة أقل للجميع.

هناك أيضًا شركة «NBN» الخاصة التي أعلنت اعتزامها تصنيع وإطلاق قمر صناعي في سبتمبر/ أيلول 2015 لنفس الهدف. كما أطلق «مارك زوكربيرج» الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك شركة «Internet.org»، وهي مجموعة تطوير الأعمال في فيسبوك، تهدف أيضًا لإيصال الإنترنت للأشخاص حول العالم في المناطق التي لا تصلها الخدمة.


SpaceX تبدأ قبل الجميع

بدأت SpaceX في العام 2015 في السعي للحصول على موافقة الحكومة الأمريكية على تصنيع نحو 4000 قمر صناعي، حيث بلغ متوسط سرعة الإنترنت العالمية في أواخر العام نحو 5.6 ميجابايت/ ثانية وفقًا لتقرير «حالة الإنترنت»[2]. هذا الرقم حوالي 1/ 180 من السرعة التي تستهدفها spacex.

وفي الـثاني والعشرين من فبراير/ شباط،تم إطلاق القمر الصناعي الإسباني «PAZ» في مهمة استغلتها الشركة لإطلاق قمريها الصغيرين «Microsat-2a, Microsat-2b» أو «بلاندلي – blandly» من قاعدة «فاندنبرج الجوية» في كاليفورنيا، بواسطة صاروخ فالكون 9 إلى مدار الأرض المنخفض بنجاح أخيرًا. أتى هذا الإطلاق بعد تأجيله عدة مرات منذ الـ18 من فبراير/شباط، بسبب عدة عوامل مثل: احتياج الطاقم المسئول في قاعدة «فاندنبرغ الجوية» لوقت إضافي، من أجل إتمام اللمسات الأخيرة، لحماية حمولة الصاروخ (فالكون 9) المستخدم في هذه العملية، وسوء الأحوال الجوية. القمران هما خطوة تجريبية في إطار مشروع الشركة الكبرى لبث الإنترنت من الفضاء.

تتطلع الشركة إلى الفوز بسباق تنافسي بشكلٍ متزايد مع الشركات الأخرى من أجل إنشاء شبكة مكونة من آلاف الأقمار الصناعية المجهزة لتوفير خدمة إنترنت سريعة، ومتسارعة وبأسعار معقولة.تعتقد الشركة أن مثل هذا السوق يستحق عشرات -إن لم يكن مئات- المليارات من الدولارات سنويًا، والذي سينمو مع تزايد فرص استخدام الناس لخدمة الإنترنت. كما يمكن أن تعمل على تجنب نفقات لتكنولوجيا شبكات الأقمار الصناعية، التي يتم التعامل معها من خلال محطات أرضية، وأيضًا توفير نفقات حفر وتجهيزات لا داعي لها. بهذا الخصوص، صرّحت «باتريشيا كوبر» نائب رئيس شئون الأقمار الصناعية في Spacex:

إن التحديات المشتركة المرتبطة بتحديد المواقع على الأرض، وحفر الخنادق، ووضع الألياف الموصلة لخدمة الإنترنت، والتعامل مع حقوق الملكية سيتم تخفيضها بشكلٍ كبير وملحوظ من خلال شبكة النطاق العريض Broadband الفضائية التي يتم تجهيزها.

قد يكون هذان القمران الصغيران هما الأمل الأول للشركة، ودليل على طموحات إيلون ماسك لمفهوم خدمة الإنترنت المتاح أو (كوكبة النطاق العريض العالمي)، التي أطلق عليها اسم «ستارلينك – starlink».


كوكبة سماوية جديدة

حسنًا، لأقل إن أكثر ما يعجبني في شخصية «إيلون ماسك»، أنه بجانب عبقريته في تنفيذ المشروعات، والإتيان بالأفكار، هو ارتباطها دائمًا بشيءٍ (جنوني) مثل شخصيات و(آلات غريبة) في أفلام الخيال العلمي، أو شيء ما قد يكون آخر شيء يخطر ببال المواطن حين يفكر في إيلون ماسك كمبتكر ورائد أعمال!

في هذا الصدد، أعلن «إيلون ماسك» أنه استلهم اسم الكوكبة السماوية الجديدة «ستارلينك» من رواية «جون غرين»، «the fault in our stars»:

الكوكبة ستتألف من مجموعة من الأقمار الصناعية من طراز (Ka – Ku)، وستدور على ارتفاع نحو 1200 كيلومتر. تهدف spacex إلى أن تعمل الكوكبة «ستارلينك» بشكلٍ كامل بحلول العام 2024، حيث يتوقع أن تحتوي الكوكبة عند تشغيلها النهائي على نحو 4425 قمرًا صناعيًا في المدار العلوي، ونحو 7518 قمرًا صناعيًا آخر في المدارات المنخفضة، ليبلغ عدد أقمارها النهائية نحو 11 ألف قمر صناعي مخصص لخدمة الإنترنت للجميع في العالم!

وبمجرد أن تبدا الأقمار الصناعية بالعمل في المدار، تخطط الشركة لاستخدامها في اختبار الاتصال مع محطات أرضية، بما في ذلك الشاحنات المتنقلة، والمواقع الثابتة. كما تشمل قائمة المواقع، مكاتب مثل شركة تسلا الكهربائية، والتي ستبيع المركبات المتصلة بالإنترنت.

وفي انتظار تلك الكوكبة، تبهرنا دائمًا ابتكارات الشركة التي تبحث دائمًا عن أفضل الخدمات للجميع بأقل تكلفة، دون التمييز حسب اللون أو الجنس أو العِرق.

المراجع
  1. Open Statement from the Broadband Commission for Sustainable Development to the UN (HLPF) , New York, 11 July 2016, p.1
  2. akamai’s [state of the internet], Q4 2015 report, p.11