في يونيو/حزيران 2011 أفادت وسائل إعلام صينية محلية بأن مراهقًا صينيًا قد باع إحدى كليتيه لشراء هاتف آيفون، وبالفعل أجرى «وانغ» عملية جراحية في مقاطعة هونان بوسط الصين، ولكن للأسف أصيب بعد ذلك بالفشل الكلوي، وتدهورت صحته.

وكان وانغ قد قبض 2000 جنيه إسترليني مقابل عملية نقل غير قانونية، وتعرض للنصب من الطبيب والسمسار اللذين بحثا عن متبرع على الإنترنت واستأجرا غرفة العمليات، بعد أن قبضا 20 ألف جنيه إسترليني من الطرف الآخر، وهربا بعد العملية وتركاه.


لماذا يفعل شخص طبيعي هذا؟

استطلع موقع لبيع هواتف آيفون رأي 2275 من مستخدميه الحاليين، كجزء من بحث حول قرارات الشراء، وكانت النتيجة هي أن 59% من المبحوثين اعترفوا بولائهم الأعمى لهذه العلامة التجارية، وكان ذلك عبر اعترافهم بأنهم لن يفكروا حتى في البحث عن الهواتف المحمولة الأخرى إذا أرادوا تغيير هاتفهم في المستقبل القريب. كما أكد 78% منهم أنه لا يمكنهم تخيل امتلاك هاتف مختلف، حتى ولو كلفهم ذلك خسارة هاتف آخر ربما تكون مميزاته أفضل مما يملكونه أو يتوقعونه.

بالطبع توفر معرفة المستهلك وسلوكه الطرق الأساسية لتحديد هدف المُسوِق وطريقة الوصول إليه؛ وهذا هو بالضبط ما تعتمد عليه شركة Apple لاستهداف قاعدة أوسع من الجمهور؛ فللسنة العاشرة على التوالي تفوز شركة Apple بجائزة CMO للتميز في التسويق. فرغم أنها ليست أول شركة تنتج الهاتف الذكي أو الحاسب الشخصي أو برامج سماع الموسيقى، فإنها تفوقت على كل من كان له الأولوية عليها، فكيف تم هذا؟

في 2008 نشرت جامعة ديوك نتيجة دراستها بأن شعار شركة Apple وأحادية لونه يجعلان الفرد متحفزًا كلما تعرض لهما، وتقوم الشركة باستغلال هذه النقطة إلى الدرجة القصوى، حيث تُصّدر شعار التفاحة في كافة رسائلها عبر جميع قنوات الاتصال والتسويق. كما تعد أبحاث سلوك المستهلك التي تدعمها الشركة مهمة في تطوير استراتيجيات تسويقية جديدة يكون لها صدى لدى الجمهور المستهدف.

وتحتل شركة Apple مكانة خاصة لدى جمهورها لاهتمامها بالتصميم البسيط والجذاب، وسهولة استخدام التطبيقات، وتبسيط كل ميزة جديدة في كل إصدار لها. كما أنها تتحكم بصرامة في عملية البيع عند تجار التجزئة، فتستخدم الشركة تسعيرة واحدة لمنتجاتها عند جميع التجار في أي منطقة.

وتعد زيارة منافذ بيع Apple التي تحمل الشعار أسهل طرق الشركة لكسب مستهلك جديد، فيربط المتجر بين كافة منتجاته مثل الحاسبات والهواتف الذكية ومشغل الموسيقى والساعات. وتوفر المتاجر ذات الشعار برامج تعريفية فردية بالمنتجات وأماكن لإصلاح الأجهزة، وورش عمل للعملاء للتعامل مع الأعطال.


التجسس الناعم المحبب

ربما لا يتمكن ذلك المراهق الذي باع كليته أو أي مستهلك آخر من إجابة هذا سؤال: لماذا اختار هذا الهاتف ولم يختر غيره؟

غالباً ما تتم عملية الاختيار على مستوى العقل الباطن، لذا فإنه بمراقبة ردود الفعل ومراقبة العين ونبضات القلب يمكن للباحثين تحديد السبب وبدرجة أدق من استطلاع رأي المبحوث، فيما يُعرف باسم «التسويق العصبي»، ويعني محاولة السيطرة على سلوك المستهلك، وقد تحول إلى علم في نهاية التسعينيات بالولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بعد عدة محاولات من الشركات الكبرى بدراسة أدمغة المستهلكين بإخضاعهم للتجربة، لتحديد الجزء المسئول عن اتخاذ قرار الشراء في العقل البشري.

الجديد هنا هو أنه عادة عند تسويق منتج، تقوم الشركة باستجواب المستهلك للتعرف على احتياجاته، ومنها يتم التنبؤ بسلوكياته، وما يحدد قرار شرائه من عدمه، وذلك عكس التسويق العصبي الذي يستجوب دماغك مباشرة دون إذن منك أو معرفة، فتستغل شركات التكنولوجيا معرفتها بالطريقة التي يعمل بها دماغك لجني مزيد من الأموال منك، باستخدام تقنية تتبع العين أثناء تصفح موقع إلكتروني معين، أو مشاهدة فيديو من خلال الكاميرا الأمامية للهاتف، وقراءة رد فعل المستخدم في أي وقت وقراءة تعابير الوجه بدقة مما يمنح الشركة الإجابة التي تريدها على مستوى اللاوعي بهدف تحسين الخدمة.

في سبتمبر/أيلول 2014، أعلنت شركة APPle عن هاتف آيفون 6، وجاء الهاتف بتحديثين جديدين؛ الأول، عبارة عن تطبيق يراقب النشاط الجسدي عن طريق قياس نبضات القلب، والثاني، يمكن استخدامه للدفع داخل المحلات، مما قد يفيد في معرفة «أين ينفق هذا المرء نقوده وكيف يستخدمها؟».

قوبل التطبيق الأول «Health» في آيفون 6 بحفاوة كبيرة باعتباره مثالًا آخر على تصور شركة Apple لحيواتنا اليومية، دون التوقف قليلًا للتفكير في السبب الذي صُمم هذا التطبيق لأجله، وقد كان عدد من شركات التأمين ومقدمي الخدمات الصحية متحمسين بالفعل لما يقوم به الهاتف من قياس السلوك الجسماني.

وإذا كنت بالفعل عميلًا لآيفون، اذهب للإعدادات، ثم اختر الخصوصية، ثم خدمات المواقع، ثم خدمات النظام والمواقع المتكررة، وهنا ستظهر لك قائمة طويلة بجميع المدن التي تتنقل بينها باستمرار، وإذا نقرت على أي مدينة في القائمة، ستظهر لك قائمة بجميع الأماكن التي زرتها في المدينة، مما يتضمن المنزل ومكاتب العمل ومحطات مترو الأنفاق، وكذلك منازل الأصدقاء والمتاجر، هل تعتقد أن هذا الأمر مقبول؟


قلعة الآيفون أسوارها عالية

يستهلك هاتف الآيفون الجانب العصبي فينًا، الرؤية واللمس والذاكرة والتفكير، كل جزء منا يكون منشغلًا بالكامل ببرمجيات الهاتف وتطبيقاته. حيث نشرت جامعة ميسوري دراسة حول التأثير الفسيولوجي والنفسي الذي يسببه هاتف الآيفون لمستخدميه.

وأشارت نتائج الدراسة إلى أن مستخدمي آيفون يتجنبون فراق هاتفهم خلال اليوم، حتى في الأوقات التي تتطلب تركيزًا عاليًا مثل الامتحانات واجتماعات العمل والمؤتمرات، وحتى ساعات العمل المكدسة بالمهام، مما يضعف من أدائهم، ولكن الغريب هنا أنه عند محاولة ترك الهاتف من أيديهم فإن عقلهم لا يكون قادرًا على القيام بمهامه الإدراكية بشكل طبيعي.

ووجدت الدراسة أيضًا أن مستخدمي الآيفون عندما لا يتمكنون من الرد على الإشعارات والرنين المستمر على هاتفهم، تزداد معدلات نبضات القلب وتضطرب مستويات ضغط الدم لديهم، ويصاحب ذلك مشاعر مثل القلق وعدم الرضا. وشبّه الباحثون الوضع بأن هاتف الآيفون امتداد لصاحبه، عندما يتفكك عنه؛ يواجه نقصانًا في ذاته؛ فالأمر كانفصال فسيولوجي حقيقي على نحو سلبي.

هذه الدرجة من الولاء غير المسبوق تنجح مع الجميع، وما من فرصة للإفلات منها حتى وإن شعرت بأن شركتك تخدعك لأخذ مزيد من أموالك واستثمارها في إصداراتها الجديدة. فمنذ عام 2007 وحتى عام 2017 زاد البحث على الإنترنت على أسباب بطء هواتف آيفون بعد إصدار جيل جديد من الهواتف، ولكن دون دليل يشير إلى أن شركة Apple تتعمد إحداث خلل في الهواتف القديمة عن طريق تحديثات البرمجيات.

ولكن بعد أيام من إطلاق IOS 12 وتكرار الشكوى، اعترفت شركة Apple بأنها تبطئ بعض الأجهزة عمدًا، وقدمت عرضًا بإصلاح الهواتف القديمة مع خصم خاص، ولكن الحقيقة أن الأجهزة لم تعد كما كانت وأصبح المستهلكون مضطرين لشراء الأحدث، فهل اعترض المستخدمون أو وصفوا الشركة بالمخادعة؟ لا.

يُعرف هذا باسم «نظرية التقادم المخطط أو المبرمج»، فبعد إطلاق منتج جديد تشل الشركة وتعبث عمدًا في جهازك لتشتري الجهاز الجديد، وهو بالضبط ما حدث لمستخدمي آيفون 6 وS6 وS6 Plus، فالهاتف يتوقف عن العمل فجأة وهو كامل الشحن، ورغم معالجة الشركة لأمر التوقف المفاجئ عن العمل فإن الهواتف ما زالت بطيئة، مما دفع المستخدمين ببساطة لشراء الجهاز الجديد.


المسيح يُبعث في متاجر Apple

السبب خلف الثقة العمياء والولاء المطلق لمنتجات شركة Apple يعود لأنها تثير مناطق في الدماغ هي بالفعل مسئولة عن الانتماء الديني والشعور بالارتباط الروحي، وبالفعل تم إثبات ذلك.

فقد أذاعت هيئة الإذاعة البريطانية BBC فيلمًا وثائقيًا بعنوان «Secrets of the Superbrands»،يبحث الفيلم خلف أسباب نجاح التكنولوجيات المتطورة لدى شركات مثل Apple, Facebook, Twitter، وبخصوص شركة Apple كانت الحلقة الأولى عبارة عن رصد للعاطفية الشديدة والحميمية والشغف الذي يظهر على وجوه الأفراد في حفل افتتاح فرع جديد في لندن لبيع أحدث الإصدارات، ثم عرض الفيلم مراحل إجراء دراسة على دماغ أليكس بروكس، أحد الشغوفين المتطرفين من قبل علماء الأعصاب وفحص لتصوير الرنين المغناطيسي، لمعرفة رد فعله تجاه صور منتجات Apple.

جاءت النتيجة بوجود اختلافات ملحوظة في تفاعل بروكس مع المنتجات المختلفة، ولكن تعاطيه مع منتجات Apple جاء مماثلًا لدماغ أصحاب العقائد الدينية، فالشركة تثير عند المبحوث نفس الأجزاء بالدماغ التي تثيرها الصور الدينية عند الشخص المؤمن بعقيدة.

كانت الملاحظة الأفضل في الفيلم عندما قابل المخرج أسقف «بكنجهام» الذي يقرأ الكتاب المقدس على جهاز Apple iPad، وأشاد بأن متجر Apple يحوي صورًا دينية، وبأرضية حجرية، وأنه يشبه المذبح حتى في عرضه منتجاته، حتى وصف المعلق ستيف جوبز بالمسيح.

كما رأى أستاذ علم الأعصاب بجامعة أكسفورد، سونديب تيكي، في أن لهذه الاستراتيجية نفس تأثير الإدمان على بعض الأفراد، فالبحث عما نريده يُنشِّط منطقة المكافأة في الدماغ مصحوبًا بإفراز الدوبامين المُعزِّز لهذه السلوكيات القهرية، وهو ما يحدث مع إدمان المخدرات والكحوليات وحتى إدمان البورصة، وكذلك شراء منتجات تجعل منا مميزين في دوائرنا الاجتماعية مثل Apple، مما يجعل السخرية من تأثير علامة آيفون علينا وتغييرها لـISHEEP قد تكون في محلها لمستخدمين منساقين بشكل كامل تقريبًا.

آيفون, آبل
آيفون, آبل