محتوى مترجم
المصدر
أيون
التاريخ
2016/03/29
الكاتب
راجان مينون

دخلت الإنسانية حقبة جديدة أكثر تنورًا، يميزها إجماعٌ على المبادئ العالمية لحقوق الإنسان. فقد أصبحت حقوق الإنسان الآن أمرًا عظيمًا. لن يُسمح بحدوث الفظائع الجماعية، لن تحمي السيادة بعد الآن الدول التي تنتهك تلك المعايير، هكذا يقول المناصرون حسنو النية لحقوق الإنسان. لا تصدقوهم؛ فقد أظهر عقدان أن خطط حماية الشعوب من المجازر تعجّ بأوجه القصور العملية والسياسية لدرجة أنه ربما من الأفضل لنا التخلص من هذه الفكرة.

الخطة الأشهر هي عقيدة «المسؤولية عن الحماية»، حيث تُحذر الحكومات التي تذبح شعوبها من أنها ستُوقف، بالقوة العسكرية إن لزم الأمر، وأن السيادة لن توفر لها بعد الغطاء للتصرف دون عقاب.

في قمتها العالمية لعام 2005،أيدت الأمم المتحدة الخطة، بتوقيع 200 دولة تقريبًا. يسترشد العديد من الباحثين، النشطاء والمنظمات غير الحكومية بعقيدة «المسؤولية عن الحماية»، ويشيرون إلى تأييد الأمم المتحدة لها عام 2005 على أنه دليل على أنها أصبحت معيارًا عالميًا وواجب النفاذ.

الدول توقّع بشكل روتيني على معاهدات وإعلانات حقوق الإنسان ثم تفعل ما يحلو لها.

مع الأسف، تلك المزاعم المتغطرسة ليس لها أساس في الواقع. فمبدئيًا، لا يمكن إنفاذ الخطة. فالدول توقّع بشكل روتيني على معاهدات وإعلانات حقوق الإنسان ثم تفعل ما يحلو لها. يمكننا، على سبيل المثال، تذكر اللهجة الطنانة الواردة بميثاق حقوق الإنسان، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، اتفاقية الإبادة الجماعية، العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية الاجتماعية والثقافية. تفسح اللغة النبيلة التي كتبت بها هذه الوثائق المجال أمام العديد من التفسيرات المختلفة.

وفي ضوء هذا، تلصق الدول توقيعاتها كما ينبغي وتعترف رسميًا بالأحكام التي ليس لديها نية الوفاء بها. عندما تنتهك تلك الدول الشروط، يمكنها تحليل الكلمات أو تلجأ إلى التحدي الخفيف لها لأن الوثائق تفتقد أحكام الإنفاذ. بالكاد غابت آليات التنفيذ في اتفاقيات حقوق الإنسان سهوًا. فالدول ببساطة لن توقع عليها إن تضمنت التزامات محددة واجبة التطبيق.

تعاني خطة «المسؤولية عن الحماية» من الفجوة بين المثل العليا والتطبيق.

تعاني خطة «المسؤولية عن الحماية» من نفس هذه الفجوة بين المثل العليا والتطبيق. فعندما تبدأ دماء الأبرياء في التدفق في مكان ما، تظهر عدة حواجز أمام تطبيق الأحكام، ليس آخرها اشتراط موافقة مجلس الأمن. فالطاغية الغارق في الدماء الذي لديه صديق أو اثنان داخل مجلس الأمن ليس في حاجة للقلق نهائيًا. ويجدر هنا ذكر عمر البشير، الرئيس السوداني، أو بشار الأسد، الرئيس السوري، أو الحليفتين الوثيقتين للولايات المتحدة، السعودية وتركيا، اللتين، في اليمن وفي مناطق الأغلبية الكردية على التوالي، تجريان حاليًا ضربات جوية مع عدم العبء كثيرًا بأرواح المدنيين غير المقاتلين.

يمثل زحف المهمة عيبًا آخر كامنًا في التدخل الإنساني. يتضح مثال قريب على ذلك في قرار مجلس الأمن رقم 1973 الذي أجاز استخدام القوة في ليبيا لحماية المدنيين الواقعين تحت هجوم جيش معمر القذافي. تحولت مهمة الإنقاذ التي تلت ذلك إلى “تغيير النظام”، فبدأت ليبيا تبدو كعراق ما بعد 2003. وبناءً على ذلك، ربما كانت تلك المهمة أول وآخر تدخل إنساني مسلح مدعوم من الأمم المتحدة. فبعد هزيمة ليبيا، قدمت البرازيل للأمم المتحدة تعديلًا مقترحًا لخطة «المسؤولية عن الحماية»، التي عكست مخاوف الدول الأصغر حول أن الدول الأقوى سوف تستدعي المثل الإنسانية العليا كذريعة للإطاحة بالحكومات التي لا تعجبها.

هدم نظام منتهك للحقوق سهل، بينما بناء نظام شبه لائق في ما بعد الحرب يشتمل على تحديات وموارد ضخمة.

تكشف حرب ليبيا لعام 2011 أيضًا عن عيب آخر للتدخل الإنساني؛ إنه الغطرسة. فهدم نظام منتهك للحقوق سهل نسبيًا، بينما بناء نظام شبه لائق في عهد ما بعد الحرب يشتمل على تحديات وموارد ضخمة. لكن دون بناء الدولة على المدى البعيد بشكل مجتهد وإعادة البناء الاقتصادي، لا يمكن أن تتحقق حقوق الإنسان بشكل فعال، وسيكون التدخل الإنساني أشبه بعملية متلفة.

هذا هو الدرس الذي تقدمه لنا ليبيا ما بعد التدخل، التي أصبحت ساحة لإراقة الدماء. يحتدم القتال بين الميليشيات الطليقة وبين حكومتين، يزعم كل منهما أن لديه الحق الشرعي الوحيد في الحكم. ووسط تلك الفوضى، أسس تنظيم داعش والعصابات الإجرامية أفرعًا لهم بليبيا، وتسلح الدول المجاورة التي لديها أجندات متضاربة وكلاءها المسلحين. قد لا تستمر ليبيا كدولة موحدة، سيعاني الليبيون الأضعف إن انهارت، وسيصبح المغرب العربي، المُجتاح بالفعل بواسطة الإرهاب والتطرف الإسلامي بسبب سقوط ليبيا، منطقة أخطر.

أخيرًا، يفتقد التدخل الإنساني، مع تسارع وتيرة تعزيزاته، الدعم الشعبي الواسع في الديمقراطيات الغربية الذي سيكون بالضرورة الحافز الرئيسي للتدخل. تؤكد استطلاعات الرأي على أن أقليةً فقط من الجمهور الغربي تؤيد التدخلات الإنسانية المسلحة بسبب الخوف من أنها قد تصبح فوضوية ودموية. وبشكل متوقع، لم تحدث أي مظاهرات في الشوارع الأوروبية والأمريكية لتطالب بالتدخل في سوريا.

عندما يلجأ المنقذون إلى الأداة غير الحادة للقوة العسكرية تكون النتيجة ليبيا أخرى.

يفهم القادة الأمريكيون والأوروبيون هذا الحذر بشأن التدخل الإنساني جيدًا؛ لذلك اعتمدت التدخلات في البوسنة، كوسوفو وليبيا على القوة الجوية المحلقة على ارتفاع شاهق. فذلك الأسلوب من التدخل يضمن عدم سقوط أي ضحايا ضمن القوات المتدخلة، لكنه يطوّل مدد الحروب وبالتالي يوفر للجناة الوقت لقتل المزيد وعلى نحو أسرع، وهو تحديدًا ما حدث في كوسوفو وليبيا.

تمثل التدخلات المسلحة المؤكدة خطوة كبيرة؛ لكن مع الأسف، فشلت الحكومات الغربية في توصيل حتى الصور الأقل تطلبًا بكثير من الدعم لحقوق الإنسان العالمية التي تلتمسها. واليوم، مع القليل من الاستثناءات، تهرول تلك الدول لصد اللاجئين الهاربين من ساحات القتل في سوريا، العراق وأفغانستان، بعد أن فشلت بالفعل في تمويل مفوضية شؤون اللاجئين بشكل كافٍ. مثقلة باضطرارها لإطعام وإيواء عدة ملايين من الأشخاص الهاربين من العنف والحرب، تصدر المفوضية مناشدات حزينة للتمويل وأجبرت دوريًا على تقليص الاحتياجات الأساسية للاجئين السوريين، الذين بلغ عددهم 4 ملايين ومستمر في الزيادة.

لتلك الأسباب، تكاد احتمالية تنفيذ خطة التدخل الإنساني مع توافر الشرعية الدولية، الحد الأدنى من الاتساق، والإجراءات الصارمة للتطبيق وبهدف بناء نظام عادل بعد الحرب تكون معدومة. نعم، سنشهد تدخلات هنا وهناك من النوع المعتاد؛ لكن عندما يلجأ المنقذون إلى الأداة غير الحادة للقوة العسكرية، استعدوا لحالات أخرى من ليبيا.