محتوى مترجم
المصدر
Open Democracy
التاريخ
2018/09/18
الكاتب
بنيامين ماريل

تتجه كل الأنظار في السياسة البريطانية إلى المفاوضات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي حول شروط الانسحاب البريطاني الوشيك من الاتحاد أو ما يعرف بـ«البريكست – Brexit». من المثير للدهشة أن المسائل المتعلقة باستراتيجية التفاوض – كاستبقاء الدبلوماسيين والصحف الأكاديمية المتخصصة – باتت من أكثر القضايا اختصاصًا في السياسة البريطانية الحالية.


السياسة الجديدة للتفاوض

أدت خلافات الحكومة حول إجراء المفاوضات إلى استقالة ديفيد ديفيس وبوريس جونسون في أوائل يوليو/ تموز 2018، وتستمر القضية في تقسيم حزب المحافظين الحاكم. تناولت أحدث التصريحات التي أدلت بها تيريزا ماي مدى التعنت الذي دفعت به بروكسل في المحادثات.لكن هل تعتبر استراتيجية المفاوضات الصعبة مناسبة، أم أنها ستضر في النهاية بالمملكة المتحدة؟ ينبغي أن تكون قوة هذا السؤال مناسبة لتحليل أعمق للمبادئ الأساسية للتفاوض الدولي، نظرًا لإطار تقرير مسار السياسة البريطانية عبر أداء الحكومة (أو الأداء المتصور) في محادثات البريكست.


تبني مفاوضات صعبة

ليست استراتيجية المفاوضات الصعبة سيئة بالضرورة، فبقدر فعاليتها قد تمثل حتى الخيار المناسب للمملكة المتحدة.تتسم المفاوضة الصعبة بالتمثيلات السلبية للشركاء المفاوضين، وعدم الاستعداد لتقديم التنازلات، وتقديم مطالب غير عملية، وتهديدات بإلحاق الضرر بالشريك أو الخروج من المفاوضات، وتمثيل المحادثات بمعادلات صفرية، وفشل النقاش، وحجب المعلومات. من تصوير دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي كشريك تفاوضي غير متعاون ومتسلط إلى مجموعة من المطالب المعترف بها كمطالب غير واقعية في بروكسل وبريطانيا على حد سواء، يُسجل نهج المملكة المتحدة تجاه مفاوضات البريكست معدلات عالية في كل من هذه التدابير.جرت العادة في الأدبيات الأكاديمية على أن المفاوضة الصعبة تكون حاضرة فقط عندما يكون لطرف معين ميزة نسبية . لدى الدول القوية حافز للمشاركة في المفاوضات، لأنها بذلك ستكون قادرة على انتزاع تنازلات أكبر من الشركاء الأضعف وزيادة فرصة التوصل إلى اتفاق على شروط مربحة.لكن لدى الجهات الضعيفة حافز أقل للمشاركة، إذ ستزيد خسارتها المادية إذا انهارت المحادثات، والمعنوية إذا اعتبرت غير مدعومة بقوة كافية، فأيهما بريطانيا؟


توزيع القوة

يعتمد نجاح المفاوضات الصعبة على توازن القوى، لكن يبدو بنظرة سريعة أن المملكة المتحدة لا تمتلك اليد العليا في المفاوضات. فبالنظر لمعايير قوة التفاوض القياسية الثلاثة: القدرات الاقتصادية والعسكرية للدولة، البدائل المتاحة للتوصل إلى اتفاق، درجة الضغط الشعبي المتزايد.عندما يتعلق الأمر بالإمكانات، فالمملكة المتحدة دولة قوية تتمتع بنفوذ اقتصادي كبير وموارد عسكرية أكبر ما يظهره حجمها عادةً. وثاني أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي «بعد ألمانيا» وناتجها المحلي الإجمالي مساوٍ لأصغر 19 دولة من الدول الأعضاء. مع ذلك من الناحية النسبية، تُحجّم القوة الاقتصادية والعسكرية المشتركة لـ27 دولة من الاتحاد الأوروبي قوة المملكة المتحدة: حيث يبلغ حجم اقتصاد الاتحاد الأوروبي خمسة أضعاف حجم المملكة.بالتالي وبالنظر إلى البدائل؛ سيكون سيناريو «اللا-اتفاق» مدمرًا لكل من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، لكن تأثيره سيكون موزعًا بين دول الاتحاد، حيث سيخسر كل منهم شريكًا تجاريًا واحدًا، في حين ستفقد المملكة المتحدة جميع شركائها التجاريين الإقليميين. صحيح أنه غالبًا ما يشار إلى القوى الأخرى والكتل الإقليمية كشركاء تجاريين بديلين، كـ«الولايات المتحدة، والصين، والكومنولث (رابطة الشعوب البريطانية)، وآسيان (رابطة أمم جنوب شرق آسيا)» لكنها ليست كاقتصاد الاتحاد الأوروبي، منفتحة على مشاركة الأطراف الخارجية، كما أنها ليست متقاربة جغرافيًا «أعظم محدد للتدفقات التجارية»، ولن تكون أي صفقة قادرة على تكرار الهيكل التنظيمي المشترك في مكان ما كما في الاتحاد الأوروبي. يشير عدم التكافؤ هذا إلى أن المملكة المتحدة في حاجة ملحة إلى صفقة، أكثر من حاجة الاتحاد الأوروبي.أخيرًا، بالنظر إلى حجم الضغوط الداخلية. يدعم الضغط السلطة ويمنع أي رئيس من تقديم صفقة سخية إلى الجانب الآخر. القيود واضحة على الجانب الأوروبي: تلقى بارنييه (كبير مفاوضي الاتحاد) تفويضه من المجلس الأوروبي الذي يقدم التقارير عادةً. عندما طُلب منه الخروج من المفاوضات، رد بأنه ليس مفوضًا للقيام بذلك. على الجانب البريطاني – على النقيض – لا يوجد مثل هذا الأمر. يذكر المفاوضون البريطانيون باستمرار معارضة المتشككين من الاتحاد الأوروبي لمقترحات الاتحاد في مجلس الوزراء، وحزب المحافظين، والشعب، وهم بذلك غير قادرين على ضمان حصول أي اتفاق على موافقة تشريعية، ولا يمكنهم ذكر أي موقف موحد.


مفاهيم القوة

لكن ليس التوزيع الفعلي للقوة هو الشيء الوحيد المهم. بينما الاتحاد الأوروبي هو الممثل الأكثر قوة بالمعايير الموضوعية، ساعد عدد من المزاعم الأساسية التي قدمها الخارجون من الاتحاد الأوروبي في تدعيم الرؤية القائلة بأن لبريطانيا اليد العليا.أولًا، بشأن الإمكانات، يُكَذب خطاب العظمة البريطانية – غالبًا ما يستند إلى مفاهيم القوة والمكانة في الماضي – وضع المملكة المتحدة كقوة وسطى – في أحسن الأحوال – ويثير توقعات غير واقعية لما عليه الموارد الاقتصادية والعسكرية لبريطانيا. ثانيًا، بشأن البدائل، يقلل التركيز المتكرر على «بريطانيا العالمية» والهدف المعلن من المملكة المتحدة لبناء الجسور مع أصدقائها وحلفائها حول العالم من اعتماد بريطانيا على أوروبا، والطلب – المنخفض – على العلاقات مع بريطانيا المستقلة في الخارج، وقيمة اتفاقات التجارة الحرة أو غيرها من الترتيبات مع دول العالم الثالث للمملكة المتحدة. ثالثًا، بشأن الضغط المحلي، لن تتحقق رغبات خطاب ما بعد الاستفتاء الذي قام به شعب لا يقبل الانقسام إلا عبر تنفيذ مطالب البريكست ويُكذّب عدم الإجماع في السياسة البريطانية وغياب أغلبية مستقرة لأي منهما من خيارات البريكست المحتملة، بما في ذلك متغيرات «اللا-اتفاق» أو «الصعوبة» أو «السهولة». كذلك استخدام «الشعب» كوسيلة ضغط في العمل الدولي، في مثل هذه الظروف، يجعل ببساطة من صاحبه مفاوض غير موثوق.


الخلاصة

ساهمت الافتراضات حول وضع بريطانيا كقوة عالمية، والبدائل الكثيرة في العالم الأوسع، ووحدة التفويض العام لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، في المبالغة بشأن قوة التفاوض في المملكة المتحدة والاعتقاد – الزائف – بأن التفاوض الصعب سيثبت كونه الاستراتيجية الرابحة.تحتاج بريطانيا بشدة إلى حوار صادق حول حدود قوة التفاوض من قِبلها، هذه ليست «خيانة» كما يصنفها الخارجون المحمسون من الاتحاد الأوروبي، لكنها بالأحرى الطريقة الوحيدة لضمان أن تكون الاستراتيجيات المحددة فعالة لحماية المصلحة الوطنية. القوة مورد محدود لا يمكن الحديث عنه إلى العامة. مثل أسماك الينفوخ المتضائلة، سيصبح ضعف المملكة المتحدة سهلًا في النهاية. ويكون الخطر أنه قبل حدوث ذلك، ستُحرق جميع الجسور، وتستنفذ كل الطرق.


تستند الحجج الواردة في هذه التدوينة إلى نتائج ورقة بحث مؤتمر داهريندورف التي أعدها بنيامين مارتيل وأوتا ستايجر بعنوان «ثقافات التفاوض: شرح مفاوضة بريطانيا الصعبة في مفاوضات البريكست».