خطوة مهمة يخطوها المنتخب المصري نحو الحلم الغائب الذي يراوض أجيالاً متتابعة من المصريين منذ ما يقارب الثلاثة عقود؛ بعد الفوز المهم بهدفٍ نظيفٍ مقابل لا شيء على النظير غير القوي بالمرة، المنتخب الأوغندي، لتنتهي جولة صعبة من مشوارنا الصعب نحو موسكو وليصبح كأس العالم على الأبواب، فقط جولتان هما كل ما تبقى في حكاية المونديال هذه المرة. وإياكم والخواتيم.

كل المصريين تفننوا في التحدث بطرقهم الخاصة عن المونديال وأحلامه في الفترة الماضية، إعلانات تليفزيونية ولافتات تغطي شوارع القاهرة الكبرى وأغلب محافظات المحروسة، آراء ووجهات للنظر بين كل بني الشعب، كُل يغني فيها على ليلاه، والجميع يحاول أن يجد ما هو جديد حتى تنقلب الآية هذه المرة، أو بالأحرى تنضبط، وتصعد كبيرة أفريقيا –كرويًا- إلى كأس العالم بروسيا 2018.

لكننا هُنا ربما نُعيد ذات الكلمات التي نرددها في كل مرة، طالما كان الحديث عن الأرجنتيني «هيكتور كوبر».


التشكيل المصري بصفات أبو الهول؛ لا يتحرك

بعد خسارة محبطة للغاية في كمبالا أمام منتخب متواضع كمنتخب أوغندا، يعاني ظروفا استثنائية بمدير فني مؤقت لرحيل الأساسي لظروف مادية، وضع المنتخب المصري نفسه في ورطة الحصول على عدد لا يقل عن 7 من نقاط ثلاث لقاءات مقبلة تبدأ من مباراة أوغندا في برج العرب، وهي أول وأهم خطوات هذا المشوار الصعب الذي وضعنا صعوبته بأنفسنا؛ ولأجل ذلك، عدل كوبر في تشكيلته الخاسرة في ملعب كمبالا وقرر الدفع بعنصريين جديدين في العناصر الهجومية ليكون قوام الفريق على النحو الآتي:

الحضري –قهرًا- في حراسة المرمى، يحرسه قلبا دفاع هما رامي ربيعة وأحمد حجازي، عن يسارهما محمد عبد الشافي وفي يمينهما المقاتل أحمد فتحي، خط الوسط الثابت بشكلٍ أكبر من ثبات أبو الهول وأهرامات الجيزة، مكون من طارق حامد، محمد النني وعبد الله السعيد، عن اليمين واليسار الهجومي محمد صلاح ورمضان صبحي –على الترتيب- تحت رأس حربة وحيد هو عمرو جمال.

يمكن بالمرور على أحداث اللقاء تباعًا نجد أنه في كل خط هناك شيء ناقص بشكلٍ دائم، عجز ما قائم في كل منطقة في الملعب، للبحث عن حلول لأجله يصل بك بحثك لعجز ما آخر لنظل في دايرة مفرغة. لكن الأفضل أن نبدأ بأكبر معضلات الفريق المصري والواضحة للجميع وهي خط الوسط.


إلى عبد الله السعيد وما بعده

المدرب الأمريكي، بروس آرينا

يعتمد هيكتور كوبر على شكل خططي هو 4-2-3-1، أحد التعديلات الهجومية لخطة 4-3-3، نضع تحت الهجومية خطوط عدة، بإعفاء أحد ثلاثي خط النص من جزء كبير من أدواره الدفاعية من أجل الزيادة الهجومية بين الجناحين وتحت رأس الحربة. منذ بداية الاعتماد على هذا النمط الخططي بداية من التسعينيات تقريبًا، ظهرت بعض العيوب في هذه الخطة أخطرها يكمن في ثنائي خط الوسط.

بشرحٍ مبسط، يمكن أن نؤكد أن المساحة الشاسعة التي كان يستغلها منتخب أوغندا في الضغط على وسط ملعب وخط دفاع منتخب مصر والتي تكمن في الفراغ بين عبد الله السعيد وثنائي خط الوسط الدفاعي على جانبي الملعب وفي عمقه، هي بالضبط العيب الواضح والجلي في الشكل التكتيكي.

يفترض باللاعب الثالث في خط الوسط أن يعود للمشاركة الدفاعية في حالة فقدان الكرة أو عند بناء اللعب من الحالة الدفاعية أو المرتدة، أو أن يعوض ذلك رجوع جناحي الطرف في أماكن أكثر قربًا من الأظهرة: الغرض بالطبع هو ملئ مساحة خط الوسط الكبيرة بثلاثة أو أربعة لاعبين. وفي ظل اعتماد المنتخب اليوم على الكرات الطولية لرمضان صبحي الذي عمل كمحطة في الجهة اليسرى، وأن مصدر خطورتنا الوحيد هو محمد صلاح، إذًا الفقرة الثانية يجب إغفالها تمامًا ويصبح هناك ضرورة ملحة للاعتماد على عبد الله السعيد في هذا الدور الدفاعي الطبيعي جدًا.

أغلب دقائق المباراة، والشوط الأول تحديدًا، كان المنتخب يملك 6 لاعبين في وسط الملعب الدفاعي، يتم الضغط عليهم في مساحات متفرقة من الملعب من قبل لاعبي أوغندا بلا أدنى فرص للصعود بالكرة للأمام. بعد استحواذ سلبي عاجز وتمريرات لا تسمن ولا تغني من جوع، تتحول الطولية ليسار الملعب على أمل أن يحرك رمضان صبحي الكرة في وسط ملعب الخصم والذي يستقر به النصف الآخر من المنتخب المصري، والذي يبعد بمسافة تشعر وكأنها كيلو مترات، عن النصف الأول للفريق. العجز هنا يقع بكامله على عاتق عبد الله السعيد كما وضحنا سالفًا.

والدليل أن اللقطة المضيئة الأهم في أحداث اللقاء ظهرت حينما استلم عبد الله في مكان مناسب ووجه تمريرة مناسبة في المكان المناسب نتيجتها كانت الهدف الوحيد.

الغريب أن اللاعب ذاته مع فريقه يقوم بهذا الدور بشكلٍ أمثل، بمعنى أنه ليس بغريب عليه بالمرة، يمكن أن نعول ذلك العجز في القيام به على الإرهاق ربما أو تتابع المباريات وما إلى ذلك، لكن أن يكون عبد الله السعيد غير صالح لهذا الدور تحديدًا شيء يصعب تصديقه بكل أمانة.


القماشة أم الترزي، أيهما أهم؟

كوبر يفضل ذلك الشكل التكتيكي، ذلك النظام وذلك النمط، نجح في تطبيقه في عدة فرق من قبل، إذًا هنالك حالة خاصة تخص الظروف في مصر. الكلمة التي نسمعها وسنسمعها باستمرار هي أن القماشة –يُقصد نوعية اللاعبين- لا تساعد على تقديم ما هو أفضل من ذلك، وأن كوبر يصنع أفضل شيء ممكن من لا شيء. ودون الخوض في إحصائيات ونظريات تخص قوام الفريق لكن يجب أن نؤكد أن هنالك بالمنتخب حاليًا أعلى رقم محترفين في تاريخ مصر منذ بداية مشاركتها في المحافل الدولية؛ يعني أن هناك نوعية من اللاعبين تملك وعيا أعلى من البقية عبر التاريخ – كما هو مفترض.

وبفرض اختلفنا حول اسم أو اثنين من المحترفين لكن سنتفق في النهاية أن أيًا كان عددهم يجب ضمهم جميعًا لقائمة المنتخب باعتبار أن التدريب بالخارج سيكون أفيد كثيرًا منه بالداخل، لكن يظل العجز موجودا في الاختيارات المحلية للأرجنتيني العجوز، هل يُحسنها بالفعل؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال يجب أن تعرف أن تلك الاختيارات لم تتعدل بنسبة تزيد على عشرين بالمائة منذ أن وطئت قدم كوبر لأرضية مطار القاهرة الدولي، وأن اعتماده تقريبًا يتركز حول لاعبي الأهلي والزمالك فقط بنسبة تتخطى التسعين بالمائة، هنا يمكن أن نؤكد أن كوبر لم يستغل القماشة كاملة بعد حتى نتيقن من كونها صالحة أم تالفة.

عند الأرجنتيني اعتقاد وثيق لا يتزحزح بأنه يحتاج لفترة طويلة جدًا حتى ينسجم أي منضم جديد للمنتخب مع التركيبة التي يفضلها هو، دائمًا ما يطالب بمد فترات الإعداد قبل اللقائات المهمة أو حتى غير المهمة، لا يحاول أن يكتشف عناصر جديدة لشعوره الدائم بأنه في فترة حرجة من عمر أي مشوار. لا ننكر بالطبع أن كوبر تولى زمام الأمور في فترة غير طبيعية من عمر المنتخب وعمر الكرة المصرية بشكلٍ عام، لكن هناك ظروفا أحلك من هذه يخرج منه نتاج أفضل من هذا كثيرًا.

من المستحيل جدًا أن مصر بكل ما فيها لا تملك سوى عبد الشافي فقط في الجبهة اليسرى، وعجزت أرحام الأمهات المصرية أن تلد لنا رأس حربة يحقق لنا ما نتمنى، كل هذا غير منطقي بالمرة. هنالك خيارات عديدة في المراكز التي تعاني من خلل في قوام المنتخب المصري لكن كوبر لا يفضل الالتفات لها، العمق الخاص بالتشكيلة المصرية يكاد غير موجود بالمرة، لا بديل لمحمد صلاح، لا بديل لعبد الله السعيد، إلا بعض دقائق معدودة للقادم بقوة صالح جمعة والذي لولا تواجده في الأهلي لما انضم للمنتخب، إذا كان لا يثق كوبر في الفرق المصرية جميعها، ليس الأهلي والزمالك فقط، كان يجب ألا يقبل بالمهمة من البداية لأن هذه هي الظروف الواجب التعامل معها بأي شكل ممكن.

ناهيك بالطبع عن الاعتماد القصري وغير المفهوم بالمرة على عصام الحضري في مركز حراسة المرمى وهو حاليًا أقل الحلول المتاحة فائدة لزملائه، نشعر وكأنه يلعب فقط احترامًا لشيبته في الملاعب.

يمكن لأي متابع للكرة المصرية أن يؤكد أن هناك قماشة سانحة للتفصيل جدًا داخل مصر، لكن المصمم الخاص بمنتخبنا لا يرى إلا ما يود أن يراه فقط لا غير وهو شيء قابل للنقد تمامًا، بل ومحفز له.


تخلو عن مرتضى منصور داخلكم

4-2-3-1 أحيانًا تبدو 4-4-2 وأخرى تظهر كـ4-3-3 أوقات ثانية تكون 4-5-1. لذلك كل ما يخص هذه التشكيلة ثرثرة فارغة، لأكون أمين معك حتى النهاية.

كوبر وإن لم يعجبنا أداءه لكنه يحقق نتائج تمنينا جميعًا أن نصل إليها بأي شكل قبل أن تبدأ المعارك، ولا يجوز تمامًا المطالبة حاليًا بإقالة مدير فني يحقق الهدف الذي طلب منه من بداية التعاقد وهو الوصول لبطولة أفريقيا الغائبة لسبع سنوات متتالية، والاقتراب جدًا من الوصول لكأس العالم بعد سبعة وعشرين عامًا من الحلم الصامت المصمت؛ بالتالي المطالبة بإقالته لن تؤتي بجديد أبدًا بل هو هدم لما تم بناؤه، ولو كان سيئًا، ومحاولة بناء شيء في العدم غير مضمون جودته بعد.

الظروف حتى الآن مواتية جدًا للصعود، نحتاج فقط بعد النتائج في المجموعة والتي خدمتنا جدًا، أن نفوز على الكونغو بالقاهرة ومن ثم نحصل على نقطة واحدة فقط في كوماسي أمام غانا، أو أن تقدم لنا غانا هدية لا ترفض بالفوز أو التعادل مع أوغندا في ذات الجولة، وهي النتيجة التي ستجعلنا نصل كأس العالم قبل الوصول إلى كوماسي بساعات مريحة جدًا.

يجب ألا نهدم كل ما فات، ننقد كوبر شئنا أم آبينا، ننقده وقتما يتطلب الأمر ذلك أيما كانت النتيجة المعلنة على اللوحة بالأعلى، لأن في كرة القدم وتحديدًا في حلم المونديال، الفوز في نقاط عدة أهم من الفوز فقط بالثلاث نقاط.