في حواره لمجلة صباح الخير قال:

بعد تخرجي في كلية الحقوق حاولت أن أكمل دراسات عليا لكن أستاذي في الكلية كان سلفي ومستقصدني، وقالي لو حاولت تقدم على دراسات مش هوافق، ثم سافرت الكويت، وتم تعييني باحثًا في وزارة الأوقاف الكويتية، ثم حصلت على ماجستير في «طرائق التعامل مع التراث» من جامعة ويلز بإنجلترا، وفي سنة 2003 بدأت في كتابة فكري فى جرائد مستقلة؛ دفاعًا عن الدين من شوائب الكتب التراثية، وكانت مقالاتي تُرفض؛ لأن الكلام التنويري وقتها لم يكن مقبولاً لدى الدولة ولا حتى لدى الناس.

البداية: نجم جديد لمواجهة الإخوان

بزغ نجم «إسلام بحيري» حين بدأ يحذر من حصول الإسلاميين على مقاعد البرلمان ومن وصولهم للرئاسة، فكان من الطبيعي أن يكون عنصرًا من عناصر المواجهة؛ لأنه خليط من المدنية والدينية يمكن استخدامه للقضاء على الإسلاميين بعيدًا عن الاعتماد على المؤسسة الأزهرية، ومن هنا بدأ دعم ظهوره على الساحات الإعلامية ليكون أداة قوية في خلخلة مؤيدي الإسلاميين من خلال مناظراته لهم.

البداية عام 2007، حين اتصل به «خالد صلاح» للكتابة بموقع اليوم السابع عن التراث الديني والإسلامي، ثم تولى رئاسة مركز الدراسات الإسلامية التابع للمؤسسة، ذلك المركز الذي لا تجد معلومة عنه سوى أن طالب الحقوق – الذي أصبح باحثًا – رئيسه، فهو بلا نشاطات أو أعضاء، لكن المسمى يعطي صاحبه الهيبة. هكذا كان الغرض المُراد له.

لكن المقالات والكتابات لم تُجدِ نفعًا، فالميديا أصبحت الملعب الأساسي بعد ثورة يناير، لذا توقف الباحث عن الكتابة وفُتحت له أبواب الفضائيات على مصاريعها؛ ليواجه الإسلاميين بفكره، فظهر في أكثر من برنامج ممثلاً للتيار المدني “الذي لابد أن ينتصر على أفكارهم”. وهذه هي وظيفته الأساسية التي أُريد له القيام بها.


بعد البداية: مرحلة التألق والنجومية

عام 2013 بدأ ظهوره القوي بمناظرته مع السلفي (أبو يحيى)، وسجل أقوى ظهوره في مناظرته مع محمود شعبان، بعدما رفع الأخير حذاءه عليه، والمناظرتان كانتا ضمن برنامج أجرأ الكلام لمقدمه الشهير «المثير» طوني خليفة، على قناة القاهرة والناس، فقد تم المزج بين اسم البرنامج ومقدمه ومحتواه والقناة؛ لتخرج المناظرات بالشكل الذي يُحدث التأثير المطلوب.

بعدما تألق في المناظرتين تم تغيير الخطة، فاتصل به مالك القناة «طارق نور»؛ ليقدم برنامجًا خاصًاً لمواجهة الأفكار المتطرفة وما يفعله الإخوان في الدولة، ونجح البرنامج كما أُريد له، ومنذ حينها صار الباحث مُفكرًا يحوّل النصوص الدينية إلى نصوص عصرية يفهمها أبسط خلق الله، بعيدًا عن كتب التاريخ التراثية ذات الأفكار والآراء البعيدة عن جوهر الإسلام وصحيحه وسماحته. هكذا كان محور أفكار برنامجه.


نجم التنوير: مرحلة الشهرة

بعد نجاح لم يصل إليه أحد، انتقل الباحث إلى مرحلة جديدة، فبعد أن ساهم في التخلص من الإسلاميين، بدأ تنفيذ المهمة الرئيسية التي تم دعمه من الأساس للقيام بها.

في إبريل/نيسان 2015 اتفق الإعلامي خيري رمضان مع الباحث التنويري على عقد مناظرة مع أسامة الأزهري والحبيب علي الجفري، وهي المناظرة الأشهر في مساره، فقد واجه بفكرة الأزاهرة – وليس الأزهر – لينقذ مصر والناس والتراث من شوائبهم، مثلما فعل مع الإخوان والسلفيين قبلهم، ورغم تشتت أفكاره وتناقض حججه إلا أنه كان المنتصر، ومن ثم دُفع به لمناظرة أخرى مع عبد الله رشدي ممثلاً رسميًا عن مؤسسة الأزهر، ورغم عنفه إلا أنه أيضًا كان المنتصر، لذا لم يجد الأزهر بدًا من نقل المواجهة معه إلى القضاء.

ودُفع الأزهر إلى المواجهة القضائية تحت مصوغين؛ الأول أن الأزهر هو «المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشئون الإسلامية» بحسب المادة 7 من الدستور، كما أن قرار الأمم المتحدة في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 1981، ينص على أن الإنسان «لا يجوز أن تخضع حرية إظهار دينه أو معتقداته إلا للقيود المنصوص عليها في القانون، وهي ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام أو الصحة أو الآداب العامة أو الحقوق والحريات الأساسية للآخرين».

والثاني، أن الأزهر قد واجه الباحث بالرد والرأي والمناظرة لكن الناتج كان دائمًا لصالحه، كان يبدو ضعفه ووهن قوله لكنه هو الذي يحظى بالشهرة وجذب الأفهام، فتجد الإعلام يفتح هواتفه لمداخلات الباحث تعليقًا على الأحكام الصادرة ضده أو ردًا على الانتقادات الموجهة إليه، في حين أن نفس الهواتف لا تُفتح بنفس القدر للرد المقابل له.

هذا فضلاً عن دعم إعلامي ضخم من أحد الأباطرة المؤسسين للإعلام المصري «طارق نور»، الذي فتح قناته «القاهرة والناس» على مصراعيها للباحث يقول ويفتي ويجتهد كيفما شاء، بالإضافة إلى صحيفة «اليوم السابع» التي سخّرت صفحاتها الإلكترونية والورقية لآراء ومتابعات الباحث التنويري، بالإضافة إلى غطاء من تصريحات الرئيس حول ضرورة تجديد الخطاب الديني ومواجهة التطرف الفكري، والملاحقات الأمنية لكل من يتحدث في الدين أو عن الدين.


مرحلة القضاء: الباحث خلف القضبان

ظلت القضية تؤجل منذ 2015 إلى أن صدر الحكم في 29 أكتوبر/تشرين الأول 2017 من محكمة القضاء الإداري بمنع برنامجه ومنع إعادة بثه؛ لأن محتوى الحلقات كان محلاً لحكم جنائي انتهى بثبوت تهمة ازدراء الأديان في حقه، في حين رفضت المحكمة الطلب المتعلق بمنعه من الظهور في الفضائيات استنادًا إلى حق المشاهد في انتقال الأفكار والمعلومات إليه من خلال برامج متنوعة، وإفساح المجال للتعبير عن الآراء، وانتصارًا لحرية الفكر والتعبير، لينتهي الأمر بحكم أوّلي قابل للطعن عليه أمام المحكمة الإدارية العليا.

وقد وصف الباحث الحكم بأنه «انتصار للدستور ولحرية الفكر والتعبير، وانتصار للقضاء على من يظن أنه فوق الدولة والقانون ليمنع إنسانًا من الكلام؛ لأنه ليس لديه القدرة على مواجهة الحجة بالحجة».

وليست هذه المرة الأولى التي يُحكم فيها على الباحث، ففي 31 مايو/آيار 2015، حُكم بحبسه 5 سنوات بتهمة ازدراء الدين الإسلامي، وبعد 7 أشهر خُفف إلى الحبس سنة واحدة. ثم أيدت محكمة النقض، في 31 يوليو/تموز 2016 عقوبة حبسه سنة، قضى منها 10 أشهر قبل أن يخرج بعفو رئاسي في نوفمبر/تشرين الثاني 2016.


الباحث يتحول إلى أسطورة

أصدر السيسي قرارًا جمهوريًاً بالعفو عن 82 من الشباب المحبوسين على ذمة قضايا، منهم الباحث التنويري الذي «سأل الرئيس عنه بالاسم»، رغم أنه كان يتبقى 40 يومًا فقط على انتهاء مدة حبسه.

وعلق الباحث على ذلك بقوله «إن من قاضوه وأدخلوه السجن حولوه من شخص مشهور إلى أسطورة حقيقية»، مما دفعه إلى توجيه الشكر للسيسي بقوله:

لم أتوقع العفو الرئاسي؛ لأن الحسابات السياسية تمنع الرئيس من التدخل في هذه القضايا؛ خوفًا من الجانب السلفي المسيطر، ولكن الرئيس تخطى كل ذلك، وكنت الوحيد ضمن قائمة العفو بسبب حرية الرأي، لذلك شكرت الرئيس؛ لأن هذا القرار هزم الجانب الآخر أمام الجانب التنويري والمثقفين، فالعفو إعلاء للدستور، واعتذار عن حكم ظالم صدر على قانون معيب.

ولم ينس الباحث الأسطوري التأكيد على عودته بعد فترة التوقف، وذلك بقوله: «الرئيس يطالب بضرورة تجديد الخطاب الديني، ثم يفاجئنا شيخ الأزهر فيقول ليس عندي شيء اسمه تجديد الخطاب الديني، الرئيس يقول شيئًا، وشيخ الأزهر يرد ويقول لأ مش موجود، نحن نعاني من تضارب خيالي يعطل أي إرادة عليا». وأكد على تاريخه المكتظ بالإنجازات: «المؤسسات الدينية لا تعنيني في شيء ولا يعنيني ردهم، ناظرتهم وهزمتهم، ولم يجدوا سوى أن يسجنوني».

وبعد العفو الرئاسي تمت إعادة تلميع صورة الباحث بالحديث عن تأييد غالبية المجتمع له بعد أن كان المجتمع منقسمًا حوله قبل حبسه، والتأكيد على أنه أصبح رمزًا للحرية وانتصارها، أو كما قال عن نفسه:


بقاء الأسطورة

أعتقد أنه لن يدخل أحد السجن بتهمة الازدراء، كما أعتقد أني دفعت الثمن الأخير لحماية من يأتي بعدي.
هو أنتم منتظرين بس دلوقتي عشان تتأكدوا من كل كلمة قلتها في الأربع سنين على الشاشة، لعل الدولة تكون تأكدت إن الإرهاب صناعة تراثية، وإن كل يوم بيعدي الكتب دي هتصنع ملايين إرهابيين جاهزين للدم المباح، قلتها مرة قبل، القنبلة في الكتاب مش ف إيد الإرهابي.
تعليق الباحث على حادث الواحات الإرهابي

بهذه الكلمات عبر الباحث عن خبراته وتنبؤاته النافذة التي لم يأخذ بها أحد، مما يؤكد على استمراره واعتباره ظاهرة لم تسع الدولة للقضاء عليها مثلما فعلت مع الإسلامين الذين أهانوا الدين واحتكروه من وجهة نظر الدولة، أو لمواجهة التطرف والإرهاب الداعشي الذي يمطرنا الرئيس بالحديث عنه بصورة شبه يومية، إذ لم يناظر الباحث الأسطوري أحدًا من الإرهابيين والداعشيين أو حتى يوجه كلامًا حادًا إليهم، بقدر ما يؤكد على أن العنف والإرهاب والتطرف نابع من فكر الأزهر التراثي.

واستمرار التأييد الفكري للباحث، فضلاً عن استمرار الدفع به في الإعلام، يدفعنا إلى القول إن مواجهات الباحث الأسطوري ستظل باقية؛ لما لها من هوى لدى النظام، ولما لها من صدى إعلامي يبرز الأزهر كمؤسسة دينية ضعيفة في حين أنه يبرز الباحث كرمز مدني قوي يواجِه بالقوة والحجة ويُواجَه بالقضاء؛ لأن المخوّلين بالرد من التيارات الدينية أو الأزاهرة إما متهمون ويقبعون خلف القضبان أو موظفون حكوميون يتوقف اجتهادهم على ما تراه المؤسسة، وما يفرضه عليها العالم المتمدن من التعايش السلمي وتقبل الآخر والرد على التكفير بالتفكير.

ونهاية، أن تكون متدينًا فهذا يقين وأن تكون ملحدًا فهذا أيضًا يقين، لكن أن تكون متذبذبًا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء فهو أصعب من الإلحاد؛ لأنه شك وليس بيقين، والشك يقتل كل خلايا الإنسان النفسية والعصبية والفكرية، وهذا ما فعله الباحث، زرع الشك: رواة الأحاديث ليسوا على صواب، والأزهر ليس مرجعية، وليس هناك مرجعية سوى ما يناسب العصر، وما يناسب هوى العصر، كما أن المشكلة ليست في الباحث كشخص، إنما في ظاهرة التطاول والتعدي على تراث الإسلام.

ورحم الله العوام أصحاب عبارة «يعني غلطنا في البخاري!» والتي يُمجّدون فيها البخاري رغم عدم تفقههم، ليأتي الباحث ويهينه رغم تفقهه.