يبدو أن تأثير فيسبوك على مسار الانتخابات الأمريكية وشكوك التدخل الروسي لتحديد مسارها لم يكن وحيدًا في نوعه، فها نحن أمام بيان جديد من فيسبوك نفسه يوضح استغلال منصاته من قبل شركة إسرائيلية للتأثير على العمليات الانتخابية في العديد من دول أفريقيا.

ففي يوم السادس عشر من مايو الجاري قام ناثانيل غليشر، رئيس سياسة الأمن السيبراني في فيسبوك، بنشر بيان يوضح فيه غلق الشركة 265 حساب فيسبوك وإنستجرام وصفحات ومجموعات وأحداث على فيسبوك لتورطها في «سلوك زائف منظم»، على حد قوله.


مجموعة أرخميدس

بعد البحث والتقصي من فريق فيسبوك الأمني اكتُشِف هذا السلوك المريب الذي اتضح أن مصدره كيان تجاري إسرائيلي يدعى (مجموعة أرخميدس)، وتستهدف تلك المجموعة الدول الأفريقية التالية: نيجيريا، والسنغال، وتوجو، وأنجولا، والنيجر، وتونس. بالإضافة إلى بعض الأنشطة في أمريكا اللاتينية، والكاريبي، وجنوب شرق آسيا.

يقول غليشر: «استخدم الأشخاص وراء هذه الشبكة حسابات مزيفة لتشغيل الصفحات ونشر محتواها وزيادة التفاعل عليها بشكل مصطنع. كما ادعوا أنهم مواطنون وهيئات محلية، بما في ذلك المنظمات الإخبارية المحلية، ونشروا معلومات مسربة مزعومة عن السياسيين».

وكانت هذه الصفحات تنشر محتوى إخباريًّا سياسيًّا، وتثير موضوعات مثل الانتخابات في دول مختلفة، وتوجهات المرشحين، وانتقاد المعارضين السياسيين. وعلى الرغم من محاولة هؤلاء الأشخاص إخفاء هوياتهم، فإن فريق فيسبوك الأمني استطاع التوصل في تحقيقاته إلى ارتباط هذا النشاط المشبوه بمجموعة أرخميدس الإسرائيلية.


استثمار يقترب من مليون دولار!

دعونا نعترف بأن هذه الخطوة إيجابية من فيسبوك رغم كل المآخذ على مستوى حمايته لأمان وخصوصية مستخدميه، لكننا أيضًا لن نصفق له بامتنان بعدما نعلم أن نشاط المجموعة الإسرائيلية على فيسبوك قد بدأ منذ حوالي عام 2012!

إننا نتحدث هنا عما استطاع الفريق الأمني رصده، فربما كان من قبل هذا أيضًا. ومعنى هذا أنهم يقومون بالتأثير السلبي على الناخبين والرأي العام بالأخبار والموضوعات الزائفة في الدول المستهدفة منذ 7 سنوات على الأقل، وخلال تلك السنوات العديدة استثمروا حوالي 812 ألف دولار أمريكي في إعلانات فيسبوك للوصول إلى ضحاياهم بدقة.

ويذكر البيان أن أول إعلان مدفوع قامت به المجموعة كان في ديسمبر عام 2012، بينما آخر إعلان كان في أبريل عام 2019، أي منذ شهر واحد فقط كانوا لا يزالون يبثون سمومهم للمواطنين المحليين في تلك الدول.


من وراء تلك المجموعة الإسرائيلية؟

يبدو أن (مجموعة أرخميدس) يودون عرض خدماتهم المشبوهة بشكل تجاري لمن يرغب في الاستعانة بهم؛ فهناك موقع إلكتروني يحمل اسمهم ونبذة عنهم وعن خدماتهم وما يقدمونه، وكذلك استمارة للتواصل معهم وعنوانهم على خرائط جوجل بدقة، والذي يوضح وجودهم على أراضي الاحتلال الإسرائيلي.

وفي صفحة التعريف الخاصة بهم، والتي زينوها بعنوان: «قادة في الحملات واسعة النطاق في جميع أنحاء العالم»، يقولون إن فريقهم يتكون من خبراء في مجموعة واسعة من المجالات، والاستشارات، ومجموعات الضغط، والدبلوماسية العامة، والعلاقات العامة الدولية، والمعلومات، ووسائل التواصل الاجتماعي.

كما يقولون نصًّا: «قامت فرقنا بأدوار كبيرة في العديد من الحملات السياسية والعامة، من بينها انتخابات رئاسية وغيرها من مشاريع التواصل الاجتماعي في جميع أنحاء العالم»، ناهيك بالصفحة الرئيسية لموقعهم التي تستعرض خبراتهم السابقة في أفريقيا وأمريكا اللاتينية والكاريبي.

أما عن مجال عملهم؛ فيقولون إن أرخميدس قد أُنشئت وتعمل في مجال «فريد» داخل عالم وسائل التواصل الاجتماعي. وحسبما كشف فيسبوك في بيانه، فإنهم لم يقولوا سوى الحقيقة؛ فهو مجال فريد بالفعل.


بعض منشورات مجموعة أرخميدس

مستترة وراء صفحاتها المزيفة وحساباتها الوهمية تقوم المجموعة بمحاولة توجيه الرأي العام للمواطنين المحليين والناخبين بمنشورات ذات أجندة معينة تخدم عملاءها الذين قرروا الاستعانة بها لصالحهم.

وهذه أمثلة لبعض هذه المنشورات:

فيسبوك، خصوصية، سياسة، انتخابات، اسرائيل، تونس
فيسبوك، خصوصية، سياسة، انتخابات، اسرائيل، تونس

في هذا المنشور تنتقد الصفحة المرشح الرئاسي الخاسر في انتخابات دولة الكونغو الديمقراطية (مارتن فيولو) وتدعم المرشح الفائز بالرئاسة (فيليكس تشيسيكيدي)، وتشيد بنزاهة الانتخابات.

فيسبوك، خصوصية، سياسة، انتخابات، اسرائيل، تونس
وهذا المنشور يتحدث عن دراسة استقصائية مزعومة يتم اتهام مجموعة إيرباص فيها بالاستيلاء على مناجم ذهب في دولة مالي.
فيسبوك، خصوصية، سياسة، انتخابات، اسرائيل، تونس
وهذه هي صورة الغلاف لصفحة تابعة لمجموعة أرخميدس خاصة بالفضائح التابعة لنيجيريا.

أما هذه فهي صورة تعبيرية نشرتها صفحة تابعة لهم باسم (توقف عن نشر المعلومات المضللة والأكاذيب في تونس)، ويتحدث المنشور عن نشر الشائعات والتلاعب بالصور لتضليل الرأي العام.


فيسبوك: ما وراء المنشورات

فيسبوك، خصوصية، سياسة، انتخابات، اسرائيل، تونس
فيسبوك، خصوصية، سياسة، انتخابات، اسرائيل، تونس

يشدد فيسبوك في بيانه على أن فريقه يعمل باستمرار على اكتشاف هذا النوع من النشاط وإيقافه على الفور؛ لأنه، حسب قول ناثانيل غليشر: «لا نريد استخدام خدماتنا لخداع الأشخاص».

ويوضح أنه قد تمت إزالة هذه الصفحات والحسابات بناءً على سلوكهم وليس بسبب المحتوى الذي نشروه، وذلك لأن الأفراد الذين يقفون وراء هذا النشاط قد قاموا بالتنسيق مع بعضهم البعض لتضليل آخرين حول ماهيتهم وماذا كانوا يفعلون.

وينهي فيسبوك البيان بتأكيده الالتزام بالتحسين المستمر للبقاء في المقدمة، ولهذا السبب فهم يستثمرون بكثافة في بناء تكنولوجيا أفضل، وتوظيف المزيد من الأشخاص، والعمل بشكل وثيق مع الخبراء في شتى المجالات لتحقيق هذا الهدف.

بالتأكيد هذه خطوة تُحسب لصالح فيسبوك في سبيل استعادة الثقة المفقودة بينه وبين مستخدميه، نعم هي خطوة متأخرة 7 سنوات في تلك الحالة تحديدًا! لكنها تعكس شفافية وتكريس مجهود أكبر للتخلص مما يمكن أن يؤثر على المستخدمين بالسلب. فهل تراها أنت أيضًا كذلك أم أنك فقدت الثقة في تلك المنصة بلا رجعة؟