الثالث عشر من يناير/كانون الثاني، رحل الدكتور جمال الدين عطية في صمت مهيب كما عاش حياته في صمت مهيب. لم يحظ عطية في حياته بشهرة تعادل مكانته العلمية والفكرية، وقد عُرِف فحسب بوصفه مؤسس ورئيس تحرير مجلة «المسلم المعاصر». هكذا نعرفه بالمنصب الذي قبض وهو يشغله، أما عن رحلته الفكرية والعملية، فتلك رحلة طويلة شغلت أعوام عمره منذ تخرج في كلية الحقوق جامعة القاهرة – جامعة الملك فؤاد حينها – عام 1948م.


البدايات

ولد الدكتور جمال الدين عطية في إحدى قرى ميت غمر بمحافظة الدقهلية، عام 1928 م،وتخرج فى كلية الحقوق بجامعة القاهرة عام 1948م ثم حصل على دبلوم الشريعة بكلية الحقوق قبل أن يسافر للعمل بالمحاماة بالكويت عام 1950م ثم للسويد ليحصل على الدكتوراة من جامعة جنيف 1960م .

انضم جمال الدين عطية للإخوان المسلمين عام 1945م وتأثر تأثرًا شديدًا بالشيخ حسن البنا، وقال عنه: «تأثرت بالشيخ حسن البنا بالدرجة الأولى؛ حيث كانت له تأثيراته وروحانياته وإشعاعاته فيمن حوله، وكنت دائمًا أحضر له درس الثلاثاء، ثم بالأستاذ محمد فريد عبد الخالق؛ حيث كان لنا معه درس خاص يوم الخميس، ثم بالدكتور عبد العزيز كامل».

وفى خلال دراسته ارتبط دكتور جمال الدين عطية بشخصيات بارزة في العمل الإسلامي مثل الشيخ عبد الوهاب خلاف، والشيخ محمد أبي زهرة، وبعض القانونيين مثل حامد زكي وسامي جنينة.

اعتقل الدكتور جمال الدين عطية ضمن اعتقالات الإخوان الأولى لمدة سنتين ونصف بين عامي 1949-1952م في سجن مصر بالقلعة الذي تم هدمه فيما بعد، ولم تنل هذه الفترة شيء من كتابته أو تعليقه فيما بعد.


الحياة العملية

تأسست مجلة المسلم المعاصر عام 1974 م، لتكون منبرًا علميًا لأبحاث التجديد وأوراق التنظير حول المشروع الحضاري الإسلامي، وحكى دكتور جمال الدين عطية عن تأسيسها بنفسه قائلًا:

فظل يرأس تحريرها ويشرف على عملها العلمي إلى أن توفاه الله تعالى.

كما كان جمال الدين عطية من أوائل من ساهموا في تأسيس عمل مصرفي إسلامي وكتب عن البنوك الإسلامية ودون حول الاقتصاد الإسلامي وعالميته والتحديات التي يمر بها خاصة في (كتاب الأمة) وكتاب (البنوك الإسلامية بين الحرية والتنظيم التقويم والاجتهاد النظرية والتطبيق) وعدد من البحوث في مجلة المسلم المعاصر، وشارك في اللجنة التحضيرية لأول بنك إسلامي عام 1394هـ/1974م، وهو (بيت التمويل الكويتي)، ثم أسس أول بنك إسلامي بالدنمارك.


التجديد الفكري

قبل أن أغادر مصر عام 1373هـ/1954م كنت ألتقي يوميًا مع نفس المجموعة، ونسهر حتى الفجر نتجاذب أطراف الحديث حول مشكلات الأمة وقضايا الفكر وأعمال الإخوان، ولما وقعت الفتنة في مصر نجونا منها وتفرقنا في البلاد، فكان البديل الطبيعي أن يكون هناك لقاء روحي ثقافي، فجاءت فكرة المجلة، كما كانت فكرتها تلبية لحاجة فكرية عند مجموعتنا، ولكن حصلنا على الرخصة بعد زمن طويل، وحصلنا عليها من لبنان بعد حصولي على الجنسية اللبنانية؛ حيث إن اللبنانيين كانوا يهاجرون خارج لبنان إلى أمريكا وغيرها ثم يعودون بعد زمن لاسترداد جنسيتهم، فاستخرجت الجنسية اللبنانية في هذه الظروف؛ حيث كنا في فترة الضغط الناصرية في مصر، حتى وصل الأمر إلى سحب الجنسية عن سعيد رمضان، وكذلك الشهادات، فجاءت محاولة الحصول على الجنسية اللبنانية من هنا ثم أخذنا الموافقة على الرخصة عام 1394هـ/1974م، وعملت رئيسًا لتحريرها حتى الآن.

كانت الركيزة الأساسية في مشروع دكتور جمال الدين عطية هي التجديد الفقهي والأصولي والاجتهاد، فكان تحركه في هذا العمل من خلال أبحاثه وكتبه ومقالاته أولًا ثم من خلال عمله كأمين عام للموسوعة الفقهية بالكويت أول السبعينيات، ولدكتور جمال الدين عطية عدة كتب وأبحاث في هذا المجال منها:

1. نحو تفعيل مقاصد الشريعة.

2. التنظير الفقهي.

3. تجديد الفقه الإسلامي.

كان لدكتور جمال الدين عطية أثر علمي ضخم، فهو رجل من المؤسسين للمشروع الحضاري الإسلامي وله من الفضل في الكتابة والبحث له والتمهيد للباحثين والإشراف على أبحاثهم ما له، حتى نعتته دكتورة /نادية مصطفى قائلة:

ولا يكاد يُحصى الجهد المؤسسي والجمعي الذي أسهم فيه أستاذنا عبر الأمة والقارات… فقد تولى الأمانة العامة لأكبر موسوعة فقهية معاصرة: الموسوعة الفقهية بوزارة الأوقاف الكويتية، وأسَّس ورأس تحرير مجلة المسلم المعاصر منذ نشأتها في منتصف السبعينيات وحتى لحظة وفاته رحمه الله
وعمل رئيسًا تنفيذيًا للمصرف الإسلامي الدولي في لوكسمبرج (بيت التمويل الإسلامي العالمي حاليًا)، ومستشارًا قانونيًا وشرعيًا للمعاملات المالية والمصرفية لعدد من المؤسسات، والمستشار الأكاديمي الأكثر فاعلية للمعهد العالمي للفكر الإسلامي (واشنطن) ومدير مكتبه بالقاهرة، فضلاً على عضويته في عدد كبير من الجمعيات والمراكز العلمية والمهنية عبر العالم.