محتوى مترجم
المصدر
Jacobin
التاريخ
2021/4/20
الكاتب
جولييت جاك
في كرة القدم، كما هو الحال في العديد من القضايا الأخرى، يبرز برنامج حزب العمال البريطاني UKLabour 2019 كرؤية بعيدة النظر وفي الطليعة.
ديان أبوت، وزيرة داخلية حكومة الظل التابعة لحزب العمال تحت قيادة جيريمي كوربن

بالنسبة لوزيرة داخلية حكومة الظل السابقة لحزب العمال (تشكيل حكومي لدى حزب المعارضة موازٍ للحكومة الرسمية)، ديان أبوت، فإن الأخبار التي صدرت يوم الأحد بأن ستة أندية إنجليزية قد اشتركت في الدوري السوبر الأوروبي – وهو مسابقة مغلقة، بدون إمكانية صعود إليها أو خروج منها، تضم خمسة عشر ناديًا من الأندية الغنية ذات الاسم الكبير – تنفي الفكرة السائدة منذ وقت طويل بأن الرياضة ليست سياسية.

في عام 2019، اتهمت الصحافة البريطانية حزب العمال بالتجاوز حتى في موضوع الرياضة، فقد نشرت ديلي إكسبريس، على سبيل المثال، عناوين صاخبة حول خطة كوربين «الشيوعية» لـ «تأميم أندية كرة القدم … بدءًا من ليفربول». ومع ذلك، فقد ثبت أن هذا البرنامج كان دقيقًا تمامًا في تشخيصه لمشاكل البلاد مع الفساد والسيطرة على الشركات – في مجال كرة القدم وخارجها.

ودعت تلك الخطة إلى أن تكون اتحادات مشجعي كرة القدم قادرة على شراء الأسهم عندما تغير أنديتهم ملكيتها، وأن يكونوا قادرين على تعيين أعضاء مجلس الإدارة أو فصلهم. وكانت مقترحات حزب العمال البريطاني سوف تفرض على الدوري الإنجليزي الممتاز دفع 5 في المائة من دخله التلفزيوني السنوي لكرة القدم على مستوى القاعدة الشعبية، وتتعهد بإضافة كرة القدم النسائية إلى قائمة الأحداث الرياضية التي يجب بثها على القنوات مجانية المشاهدة، وحظر عقود العمل ذات الساعات الصفرية (zero hours contracts) (السمة الرئيسية لتلك العقود هي أن صاحب العمل لا يذكر في العقد أي إشارة إلى ساعات العمل أو الحد الأقصى لوقت العمل)، وتضمن أن تدفع جميع الأندية المهنية لموظفيها أجرًا لائقًا.

على نطاق أوسع، وعد كوربين الذي يدعم آرسنال «بمراجعة جميع جوانب حوكمة كرة القدم، وفي ذلك مشاركة المشجعين»، وأصر على أن «الرياضة يجب أن تدار لمصلحة أولئك الذين يشاركون فيها ويتبعونها ويحبونها، وليس فقط من أجل قلة من أصحاب الامتيازات والأثرياء».

نعلم جميعًا ما حدث بعد ذلك، تم تحطيم حزب العمال البريطاني في صندوق الاقتراع. وبدأت السياسة ووسائل الإعلام البريطانية مهرجانًا ذا أبعاد مكارثية، على يقين من أن أفكار كوربين قد هُزمت إلى الأبد، ثم ضرب فيروس كورونا.

لم يكن الوباء سبب هذه الخطوة الأخيرة، لكنه ساعد في تسريع وتيرتها. فبعد تعليقه لمدة ثلاثة أشهر، اختتم الدوري الإنجليزي الممتاز موسم 2019-20 بدون مشجعين، وأُلغي الحظر المفروض منذ فترة طويلة على بث كل المباريات على التلفزيون، وكلها تقريبًا تعمل بالدفع مقابل المشاهدة pay-per-view – وهي تجربة اغترابية تنفر هؤلاء (مثل هذا الكاتب) الذين يذهبون بانتظام إلى المباريات ويحبون الجانب الاجتماعي بنفس القدر إن لم يكن أكثر مما يحدث على أرض الملعب.

لم يكن هذا مفاجئًا، فقد تجاوز دخل التلفزيون منذ فترة طويلة عائدات التذاكر في الأهمية لأكبر الأندية التي سمحت لمن يملكون البث بالتعامل مع السوق الأسيرة لسلطتهم (المشجعين) بلا أي اعتبار لاحتياجاتهم. فبشكل متكرر، يتم نقل المباريات من بعد ظهر يوم السبت (العطلة الأسبوعية) إلى أمسيات الجمعة أو الاثنين، مما يجبر المشجعين على رحلات طويلة تتطلب إجازة من العمل. وفي بعض الحالات، يجعل من المستحيل البقاء حتى صافرة النهاية وفي نفس الوقت اللحاق بآخر قطار إلى المنزل.

تم خداع المشجعين مرة أخرى، وليس من قبيل المصادفة أن تعلن هذه الأندية عن نيتها الانضمام إلى دوري السوبر الأوروبي بينما تظل الملاعب فارغة، فإذا كانت عكس ذلك، فسوف تمتلئ المدرجات باللافتات والأهازيج التي تهاجم جشع أصحاب المليارات. احتاج مشجعو ليفربول، أحد الأندية الإنجليزية الستة التي أعلنت عن مشاركتها في دوري السوبر الجديد، أقل من يوم واحد لوضع لافتات تقول: «العار عليكم» و«هنا يرقد في سلام نادي ليفربول» على بوابات ملعبه الأصلي في الأنفيلد.

استطباق كرة القدم

لا شك في أن دوري السوبر الأوروبي المقترح، ومشاركة ستة أندية إنجليزية فيه، كان يتخمر منذ فترة طويلة. بدأت أول مسابقة قارية حقًّا، كأس أوروبا، في عام 1955، بسبب احتجاج محرر صحيفة ليكيب (L’équipe)، لاعب كرة القدم الفرنسي السابق غابرييل هانوت، على اعتبار الصحفيين الإنجليز أن فريق ولفرهامبتون واندرارز هو أفضل فريق في أوروبا بعد فوزه على البطل المجري هونفيد في مباراة استعراضية، واقترح أن يتم تسوية ذلك عبر بطولة رسمية.

في كل موسم كان الفائزون في كل دوري أوروبي يلعبون بعضهم مع بعض في دورة خروج المغلوب مباشرة مع مباريات الذهاب والإياب التي تقام في ليالي الأسبوع (أصبح ذلك ممكنًا بفضل ابتكار جديد، هو الأضواء الكاشفة)، مع لعب نهائي في مكان محايد. وسرعان ما انضم إلى ذلك مسابقة جديدة هي كأس الكؤوس الأوروبية للأندية التي فازت ببطولات خروج المغلوب المحلية (بطولة الكأس المحلية)، أو الخاسرين في النهائي إذا كان الفائز قد تأهل بالفعل لكأس أوروبا عبر الدوري، كما انضم كأس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (الذي أصبح الدوري الأوروبي في عام 2009) للفرق التي احتلت مراكز متقدمة في جدول الدوري، وضم الأندية على أساس نظام نقاط معقد للترجيح.

كان دوري أبطال أوروبا أكثر بساطة في تصميمه، وكانت المسابقة المثالية. فغالبًا كان لا يمكن التنبؤ به، حيث وصل أبطال اليونان واسكتلندا والسويد ويوغوسلافيا إلى النهائي إلى جانب النخب التقليدية في إنجلترا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والقوى الناشئة في هولندا والبرتغال. قد يكون هذا مثيرًا للجماهير، لكن مالكي الأندية الأوروبية الأكثر شهرة وثراءً كرهوا القرعة غير المصنَّفة، وضغطوا على الاتحاد الأوروبي لكرة القدم لإعادة هيكلة البطولة بعد أن فاز بطل رومانيا ستيوا بوخارست بها في عام 1986، ثم بعد أن وقع العملاقان يوفنتوس وريال مدريد في مواجهة خروج المغلوب في الجولة الثانية، مما أدى إلى أن يصبح نادي بورتو غير المرغوب فيه فائزًا بعد ذلك بالبطولة لأول مرة.

لكن هذا بدأ يتغير في عام 1992 عندما تحول الكأس الأوروبي إلى دوري أبطال أوروبا، مع دور المجموعات لثماني فرق تجاوزت الأدوار السابقة، وكان الفائزون يلعبون في النهائي. بمرور الوقت، نمت إلى الشكل الحالي لمرحلة المجموعات المكونة من اثنين وثلاثين فريقًا متبوعة بدورة خروج المغلوب للفرق الست عشرة التي جاءت في المركز الأول والثاني. في التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان الأمر مثيرًا في كثير من الأحيان، مما يضمن أن أفضل الأندية في العالم يواجه بعضها بعضًا بانتظام في المباريات ذات الرهان الأعلى. ومثل هذه المباريات المرموقة على هذا الأساس المتكرر تعني المزيد من عائدات التلفزيون، حيث يتم بثها جميعًا دوليًّا.

ومع ذلك، أدى ذلك إلى حلقة مفرغة، حيث أدى المبلغ غير المتناسب من الأموال المتضمنة إلى خفض قيمة كأس الاتحاد الأوروبي، واختفى كأس الكؤوس بالكامل. أصبحت الأندية التي تأهلت بانتظام لدوري أبطال أوروبا أكثر ثراءً، وحولت بطولاتها المحلية إلى مسيرة يمكن التنبؤ بها، فمثلًا فاز نادي بايرن ميونيخ بآخر ثمانية ألقاب ألمانية، ويوفنتوس بآخر تسعة ألقاب في إيطاليا، حيث جرَّد هؤلاء العمالقة كل البلاد خارج أوروبا الغربية من جميع المهارات، وتم شراؤها تدريجيًّا من قبل المليارديرات العالميين.

في المملكة المتحدة، خسرت قناة ITV التي تُبث على الهواء مجانًا حقوق بث دوري أبطال أوروبا مقابل قناة BT Sport التي تعمل بالدفع مقابل المشاهدة في عام 2013، وحتى الآن لم يتم عرض النهائي على التلفزيون الأرضي. قبل أكثر من عشرين عامًا كانت ITV تأمل في جني المزيد من الأموال عن طريق عرض الدوري الممتاز الجديد، المكون من 22 ناديًا من القسم الأول القديم الذين أرادوا مزيدًا من التحكم في حقوق البث.

اقترح رئيس مجلس إدارة توتنهام هوتسبير، آلان شوغر – صاحب الأسهم الكبرى في عملاق الكمبيوتر أمستراد Amstrad، ومضيف برنامج تلفزيون الواقع Apprentice، وأحد مهاجمي كوربين – لروبرت مردوخ أن الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم يمكن أن يكون من صنع شبكة Sky TV التابعة لمردوخ. قام الأخير بتحطيم قناة ITV، وهكذا، منذ عام 1992، أصبحت كرة القدم في دوري الدرجة الأولى متاحة فقط بنظام الدفع مقابل المشاهدة. محاولته الخاصة لشراء مانشستر يونايتد في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين كانت مخالفة لقوانين المنافسة، لكن استحواذ الأوليغارشية الذي بدأ بشراء رومان أبراموفيتش لتشيلسي في عام 2003 لم يكن ليحدث لولا استحواذ مردوخ على أسهم الشركة المالكة لتشيلسي قبل عقد من الزمن.

كانت كرة القدم الإنجليزية أقل شيوعًا في الثمانينيات، فقد تم حظر أنديتها من المسابقات الأوروبية بسبب مشاكل الشغب، وخاصة كارثة ملعب هيسل. وأدت ملاعبها المتداعية إلى مأساتين؛ حريق استاد برادفورد سيتي عام 1985، وكارثة هيلزبره في عام 1989، مما أدى إلى مقتل العشرات من المشجعين. نجمت المأساة الأخيرة في جزء كبير منها عن الازدراء المؤسسي لمشجعي كرة القدم؛ الألم الذي فاقمته صحافة مردوخ التي انحازت إلى جانب الشرطة في إلقاء اللوم على مشجعي ليفربول في الوفيات، مما تسبب في كثير من الاستياء. كان انقلاب مردوخ عملًا من أعمال الرأسمالية الكارثية، المرتبطة باستطباق* كرة القدم الذي جاء بعد هيلزبره، الذي أدى إلى أن الملاعب الكبرى يجب أن تكون مكونة فقط بمقاعد للجلوس (all-seater) بدلًا من المدرجات الأسمنتية (مع ارتفاع الأسعار المصاحب لها) وتسويق الرياضة للطبقات الوسطى والعليا.

مفترق طرق

ربما ليس من قبيل الصدفة، كان أنفيلد الملعب الوحيد الذي ستسمع فيه المعجبين وهم يغنون اسم جيريمي كوربين في الفترة التي سبقت انتخابات 2019. كان برنامجه الانتخابي، جزئيًّا، عبارة عن خطة لإصلاح بعض أوجه عدم المساواة والظلم في الأربعين عامًا الماضية، وأيضًا في كرة القدم، التي تعاملت معها تاتشر بنفس العداء الذي تعاملت به مع مراكز تنظيم الطبقة العاملة الأخرى. تم إدراك أن كلًّا من 1979 و 2019 يعتبران مفترقي طرق، حيث كان لبريطانيا الاختيار بين تشديد النيوليبرالية أو إعادة توزيع الثروة والسلطة على الأقل.

إلى حد كبير بفضل وسائل الإعلام، تم ترجيح اختيار الأول.

هذا الأسبوع، أثار إعلان دوري السوبر الأوروبي رد فعل عدائي شبه عالمي. حتى السير كير ستارمر أدانه، كما فعل بوريس جونسون، واتحاد الكرة، والاتحاد الأوروبي لكرة القدم. يوضح هذا الموقف مدى ضرورة إصلاح اللعبة، حيث سُمح لكوربين نفسه بالتعليق في ظهور نادر الآن على BBC Politics.

بعد أن أثبت الوباء أن زعيم حزب العمال السابق كان محقًّا في الحاجة إلى تمويل واسع النطاق للخدمات الصحية الوطنية، بعيدًا عن أيدي القطاع الخاص، وخاصة للنطاق العريض عالي الجودة في جميع أنحاء البلاد، فقد ثبت أنه محق في الحاجة إلى وضع مشجعي كرة القدم فوق مُلَّاك الأندية. لقد رأينا خلال العام الماضي أن كرة القدم يمكن أن تستمر بدونهم، مؤقتًا على الأقل. لكنها لن تستمر دون الاحتفاظ ببعض السلامة الهيكلية، وهو أمر لن يحدث إلا إذا تم كبح الممولين الذين لا روح لهم.

* الاستطباق Gentrification:
هو إحلال طبقة أرقى في منطقة سكنية محل الطبقة القديمة الأفقر من السكان بهدف ترقية المنطقة السكنية واجتذاب الاستثمار إليها.