محتوى مترجم
المصدر
نيويورك تايمز
التاريخ
2016/02/12
الكاتب
كريم فهيم ونور يوسف وديكلان والش

القاهرة – في الليلة التي اختفى فيها، غادر جوليو ريجيني شقته ومرّ من أمام أربعة محال تجارية لديها كاميرات مراقبة، والتي كانت من الممكن أن تقدم معلومات حاسمة بعد 10 أيام، عندما ظهرت جثته تكسوها علامات التعذيب كالكدمات، الحروق، والكسور.

قال ثلاثة مسئولين أمنيين مصريين إن ريجيني تم احتجازه بالفعل.

قال أحد شهود العيان إن المادة المصوّرة تظهر ريجيني، إيطالي الجنسية، أثناء اقتياده بعيدًا برفقة من يُعتقد أنهما من عناصر الأمن المصري. بينما قال ثلاثة مسئولين أمنيين مصريين إن ريجيني تم احتجازه بالفعل، ما يعزز الشكوك الإيطالية حول دور الحكومة في مقتله.

ولكن الشرطة المصرية لم تطلب تلك المواد المصورة بعد، وفق أصحاب المحال التجارية الذين يملكون الكاميرات، ما يمثل إهمالًا يعتبره مناصرو حقوق الإنسان في مصر متكررًا في تحقيقات الشرطة المصرية، ولكن ذلك يشير إلى احتمالين، إما الإهمال أو التستر على المجرم.

لو كان ريجيني مصريًّا، كانت لتصبح قضيته طي النسيان حاليًا، حيث كان ليمثل واحدًا ضمن مئات المصريين الذين اختفوا بعد احتجازهم من قبل السلطات خلال العام الماضي.

لو كان ريجيني مصريًّا، كانت لتصبح قضيته طي النسيان حاليًا. حيث كان ليمثل واحدًا ضمن مئات المصريين الذين اختفوا بعد احتجازهم من قِبل السلطات خلال العام الماضي. ولكن مصير ريجيني – الذي كان طالب دكتوراه بجامعة كامبريدج – اجتذب انتباه وسائل الإعلام الدولية، واستدعى كذلك إجراء تحقيق رسمي من قبل الحكومة الإيطالية حول الملابسات الغامضة واحتمالية تعرض ريجيني لانتهاكات من قبل الشرطة.

أدى الانتباه الذي أولته الحكومات الأجنبية إلى وقائع موت مواطنيها في عدة حوادث أخيرة في مصر – قتل السياح المكسيكيين بالخطأ أثناء تواجدهم في الصحراء في سبتمبر، وإسقاط طائرة الركاب الروسية في أكتوبر، بالإضافة إلى موت ريجيني – إلى تسليط الضوء على استخفاف القاهرة المتكرر بشعبها.

تابعت وسائل الإعلام الإيطالية جميع تطورات قضية ريجيني بلهفة، ما عزز الضغوط على روما لمطالبة حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي، شريكتها التجارية الوثيقة، بأن تجري تحقيقًا شفافًا. نتيجة لذلك، أُجبر مسئولون مصريون على الرد بشكلٍ معلن على بعض الأسئلة المتعلقة بمقتل ريجيني. وشمل ذلك وزير الداخلية، اللواء مجدي عبد الغفار، الذي أقام مؤتمرًا صحفيًا، وهو حدثٌ نادرٌ من جانبه، مبكرًا من الأسبوع الحالي.

لم توضح السلطات المصرية إن كان هناك أي مشتبه بهم أو إن كانت قد اعتقلت أحدًا على خلفية القضية. بينما قال عبد الغفار إن السلطات حريصة على حل اللغز، ولكنه رفض أي إشارة إلى احتمالية تورط الشرطة.

علق محمد الزارع، رئيس مكتب القاهرة لمعهد القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، بأن القضية تحمل «بصمات أجهزة الأمن المصرية»، وقد يسهم ذلك في توجيه الأنظار الدولية نحو لجوئها المتكرر لممارسة الانتهاكات.

«بينما نتحدث الآن، يتعرض أحدهم للتعذيب، أو يواجه معاملة غير آدمية بأحد أقسام الشرطة»، وفق الزارع. «إنه أمر يتكرر طوال الوقت. ولكن لا يسلط الكثير من الضوء على هؤلاء الضحايا. ولا تهتم الحكومة المصرية بشأنهم، بل تهتم بشأن الأجانب بسبب الاهتمام الدولي».

ناضل المصريون لعقود من أجل زعزعة لا مُبالاة حكامهم المستبدين تجاه المخاطر التي يواجهونها بشكل يومي، ليتحمل أحدهم مسئولية البنايات التي تنهار، العبارات التي تغرق، نقص المستشفيات أو سوء معاملة العمالة المصرية بالخارج. وعلى الجانب الآخر، تقاوم الحكومة بشكل أكبر مواجهة أجهزتها الأمنية، رغم الخوف والغضب اللذين تثيرهما ممارساتها بشكل متكرر.

تعد قضية التعذيب الذي تمارسه الشرطة أحد المحركات الرئيسية لانتفاضة 2011 التي أطاحت بالرئيس المخلوع حسني مبارك. ومع ذلك، أصبح التعذيب والأسلوب المعروف باسم «الاختفاء القسري» بواسطة قوات الأمن ممارستين متكررتين خلال العامين الماضيين، وفق مناصري حقوق الإنسان، إثر تنفيذ حكومة السيسي لحملة أمنية ساحقة استهدفت المعارضين السياسيين. وفي عدة مرات خلال الأشهر القليلة الأخيرة، تحول الغضب ضد السلطات إلى انفجار للرأي العام، بما في ذلك الاحتجاجات التي أعقبت مقتل محتجزين في الأقصر والإسماعيلية.

يعدّ تجمع الأطباء أكبر تظاهرة شهدتها مصر منذ منع الحكومة المدعومة من الجيش للاحتجاجات غير المصرح بها منذ أكثر من عامين.

تجمع آلاف الأطباء يوم الجمعة بوسط القاهرة للاحتجاج على الاعتداء على طبيبين من قبل أفراد الشرطة بمستشفى بمنطقة المطرية الشهر الماضي. ويعد تجمع الأطباء أكبر تظاهرة شهدتها مصر منذ منع الحكومة المدعومة من الجيش للاحتجاجات غير المصرح بها منذ أكثر من عامين، وبدا معززًا للضغوط على السيسي بهدف عرقلة مشكلة انتهاكات الشرطة.

ما يزيد تلك الضغوط هو التفاصيل الجديدة التي تشير إلى احتجاز ريجيني لدى السلطات قبل مقتله.

جدير بالذكر أن ريجيني قد اختفى يوم 25 يناير، الذي يوافق ذكرى الانتفاضة ضد مبارك، بينما كان ضباط الشرطة منتشرين يومها بأعدادٍ كبيرة في أنحاء القاهرة لضمان عدم قيام أي احتجاجات لإحياء تلك الذكرى. وعلى الجانب الآخر، أوضح أصدقاء ريجيني إن آخر أثر له كان أثناء توجهه إلى محطة المترو بحي الدقي، في طريقه لملاقاة أصدقائه بوسط المدينة.

صرح أحمد الناجي، المحقق الذي يتولى القضية، في مقابلة بأن آخر إشارة أرسلها هاتف ريجيني التقطت من الشارع الذي تقع به محطة المترو. في الوقت ذاته تقريبًا الذي اختفى فيه، وفق أحد الشهود.

قال أحد الشهود، إنه رأى ضابطيْن يوقفان الإيطالي، ثم اقتادا ريجيني بعيدًا، وكان أحد الضباط قد ظهر بالمنطقة في مناسبات سابقة، وسأل المقيمين بشأن ريجيني.

ذكر العديد من الشهود إن اثنين من رجال الأمن بملابس مدنية كانا يفتشان شبابًا بالشارع حوالي الساعة السابعة مساءً، وهو توقيت آخر أثرٍ لريجيني. بينما قال أحد الشهود، طلب عدم الإفصاح عن هويته، إنه رأى ضابطيْن يوقفان الإيطالي. فتش أحدهما حقيبته، وفق الشاهد، وفحص الآخر جواز سفره. ثم اقتاد الضابطان ريجيني بعيدًا. قال الشاهد إن أحد الضباط قد ظهر بالمنطقة في مناسبات سابقة، وسأل المقيمين بشأن ريجيني.

كان وقحًا للغاية.

بينما أوضح ثلاثة مسئولين أمنيين مصريين مطلعين على القضية إن ريجيني قد احتُجز من قبل السلطات لأنه كان وقحًا مع الضباط. «كان وقحًا للغاية وتصرف كرجل قوي»، وفق أحد المسئولين.

وأكد الثلاثة، الذين أجريت معهم مقابلات منفصلة، إن ريجيني، الذي كان يجري بحثه عن الحركات العمالية غير الرسمية في مصر، قد اجتذب الشكوك بسبب جهات الاتصال المسجلة على هاتفه، والتي أوضح المسئولون إنها تضمنت أشخاصًا مرتبطين بحركة الإخوان المسلمين وحركة 6 إبريل اليسارية، حيث تعتبر حكومة السيسي كلتيهما حركات معادية للدولة.

«اكتشفوا إنه جاسوس»، حسبما ذكر أحد المسئولين الثلاثة، «ففي النهاية من قد يأتي إلى مصر ليدرس النقابات العمالية؟».

في أوقات مختلفة منذ اختفاء ريجيني، أشار مسئولون مصريون إلى مقتله إثر حادث سيارة، وأنه كان ضحية جريمة شائعة الحدوث، أو أنه ربما أسهمت بعض الجوانب الغامضة لحياته في موته. إلا أنهم أحبطوا بشدة النظريات التي تزعم أن الأجهزة الأمنية قد لعبت دورًا في مقتله.

صرح وزير الخارجية المصري، سامح شكري، للإذاعة الوطنية المصرية بأنه داخل إطار المحادثات المصرية مع الحكومة الإيطالية «لا يرد مثل تلك الشكوك أو الاتهامات» بشأن تورط قوات الأمن المصرية. «إنه لمن المقلق وجود مثل هذا الانطباع»، حسبما أضاف شكري في المقابلة.

وتابع: «لدينا جالية كبيرة من المصريين في إيطاليا، والتي يواجه أفرادها أنشطة إجرامية بشكل يومي»، «لو شككت في أن تلك الأنشطة الإجرامية كانت مرتبطة بشكل ما بالحكومة الإيطالية، لأصبح من الصعب جدًا مباشرة العلاقات الدولية».

رغم الاهتمام الضخم بالقضية، لم يظهر الكثير من المؤشرات على بذل السلطات المصرية لأي جهود خاصة لحلها. فقد قال أصحاب المحال التجارية التي تستخدم الكاميرات إن أي دليل قد فُقد بعد أيام من اختفاء ريجيني، لأن المواد المصورة تحذف تلقائيًا بنهاية الشهر.

كما لم يقدم اللواء عبد الغفار، وزير الداخلية، خلال مؤتمره الصحفي هذا الأسبوع، الكثير لطمئنة الجمهور الدولي القلق بشأن التحقيقات حول مقتل ريجيني.

«نتعامل مع قضيته كما لو كان مصريًا»، وفق الوزير.